موضوع حول العمل القضائي في مسطرة التعرضات في مرحلتها القضائية
مواضيع وعروض في القانون العقاري و الحقوق العينية في مختلف المواضيع. المحررات الاكترونية في المعاملات العقارية، عروض في القانون العقاري، عروض في الحقوق العينية، الملكية في القانون المغربي، قراراتالمحافظ، التعرضات، النظام العقاري في المغرب، المساطر الخاصة للتحفيظ، المسطرة الادارية للتحفيظ، المسطرة القضائية للتحفيظ
العمل القضائي في مسطرة التعرضات في مرحلتها القضائية.
يعتبر التعرض مسطرة تبـتدأ إدارية تحت سلطة تقرير المحافظ على الأملاك العقارية، هذا الأخير تكون قراراته تحت رقابة القضاء كما تم ذكره في الفصل الأول. وغالبا ما تنتهي مسطرة التعرضات قضائية، في كل مرة يتم إحالتها من طرف المحافظ على القضاء ليبث فيها. لهذا سيتم دراس هذا الفصل في البدأ بالتطرق للعمل القضائي في دعوى التعرض (المبحث الأول)، و دور القضاء في التعرضات الكيدية و مجال تدخل النيابة العامة في مسطرة التعرضات (المبحث الثاني).
المبحث الأول : العمل القضائي في دعوى التعرض.
من مميزات مسطرة التحفيظ العقاري ككل هي المسطرة القضائية للتعرضات، حيث أنها تنفرد بالعديد من الخصوصيات التي تخرج عن إطار الشريعة العامة في المسطرة المدنية أهمها الحدود التي يخضع لها القضاء في مسطرة التعرضات، و التي تتغير حصريا عندما يصل القضاء لحاجة الترجيح بين الحجج بين المتعرضين و طالب التحفيظ.
لهذا سيقسم هذا المبحث لدراسة خصوصيات دعوى التعرض (المطلب الأول)، دور القضاء في الترجيح بين الحجج (المطلب الأول).
المطلب الأول : خصوصيات دعوى التعرض.
و تنقسم خصوصيات المسطرة القضائية للتعرض أساسا إلى خصوصيات تتعلق بإجراءات دعوى التعرض (الفقرة الأولى)، و خصوصيات تتعلق بحدود تدخل القضاء في دعوى التعرض (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى : إجراءات دعوى التعرض.
في بدأ الأمر، لابد من التذكير بأن دعوى التعرض تدخل في إطار الدعاوى العقارية التي و إن لم يعرفها المشرع المغربي، إلا أنه تم التنصيص عليها في الفصل 28 من قانون المسطرة المدنية المغربي في معرض تحديد الإختصاص المحلي للمحاكم الإبتدائية، و في الفصل 4 من ظهير التنظيم القضائي في سياق بيان القضايا التي تنظر من قبل المحكمة الإبتدائية و هي مشكلة بهيئة جماعية[1]، و هو ما تشاركه مع سائر الدعوى المدنية باستثناء بعضها.
لكن تتميز دعوى التعرض أسسا في الجهة المختصة التي لها سلطة البث فيها، الرغم بأن المحكمة الإبتدائية في هيئتها الجماعية هي المختصة، إلا أن القضاء و الفقه ينعتون الجهة المختصة في البث في التعرضات بمحكمة التحفيظ للدلالة عن الهيئة المختصة في البث في التعرضات ولتمييزها عن الغرفة العقارية بالمحكمة الإبتدائية[2]. و هذا ما يعتبر أول خاصية.
و ثانيها هو طريقة تقديم و رفع الدعوى، و إن كانت المادة 31 من قانون المسطرة المدنية و المادة 32 من القانون 08-28 المنظم لمهنة المحاماة أوجب برفع الدعوى بمقال مكتوب موقع من طرف المدعي أو وكيله، لكن في دعوى التعرض، المتعرض يجب عليه أن يدلي بتعرضه إلى المحافظ العقاري الذي يتولى تهييئ موضوع الدعوى و إحالة الملف إلى المحكمة الإبتدائية وفقا لمقتضيات الفصل 25 من ظهير التحفيظ[3] ، لهذا فإن دعوى التعرض هي دعوى لا ترفع من أطراف الخصومة و لكن ترفع من طرف المحافظ العقاري الذي هو أصلا صاحب الإختصاص في إدارة كل ما يخص بالتعرضات، و هي الطريقة الوحيدة لرفع التعرضات، أي أنه لا يمكن لمتعرض الذهاب مباشرة للمحكمة و تقديم شكواه بالتعرض و إلا اعتبر طلبه غير مقبول. و يمكن تفسيره من الناحية الإجرائية أن المحافظ على الأملاك العقارية هو وحده من له الصفة[4] في تحريك دعوي التعرض، و تبقى المصلحة للمتعرض.
و أيضا يجب ذكر أن المحافظ على الأملاك العقارية في إطار سلطته في إحالة الملف للمحكمة و تحريك دعوى التعرض، فهو من يحدد حصرا القانون الذي يلزم القضاء اتباعه و تطبيقه على النازلة.
و ثالث خاصية تتميز بها دعوى التعرض اختلافا عن القواعد العامة في المواد 31 من المسطرة المدنية و 31 من 08-28 هي شفوية المسطرة حيث أمكن المشرع للمتعرض من إمكانية الإكتفاء بتصريح شفوي […] و كذلك أمام المحكمة فإن إمكانية التقاضي شفويا قائمة مادام أن الفصل 37 من ظهير التحفيظ يتحدث عن استماع القاضي المقرر للطرفين، و الإستماع يفيد المناقشة الشفوية و هوما زاد أكد عليه الفصل 45 من نفس القانون[5]. و قد أكدت محكمة النقض في قرر لها سنة 2015 بقولها أن مسطرة التحفيظ العقاري مسطرة شفوية تخضع في المرحلة الاستئنافية لمقتضيات الفصول 41 إلى 45 من ظهير التحفيظ العقاري، و ليس لمقتضيات الفصلين 45 و 329 من قانون المسطرة المدنية[6].
و رابع خاصية هي عدم وجوب الإستعانة بمحامي بخلاف القواعد العامة[7]، على الرغم من عدم تضمين هذه الخاصية في القانون المنظم للمحاماة، إلا أن هذا هو الواقع العملي، و جاء في قرار لمحكمة النقض "إن مسطرة التحفيظ خاصة و لم تورد في مقتضياتها ما يلزم الطرفين بتنصيب محام ...[8]". و رغبة المشرع في عدم اشتيراط محام لرفع دعوى التعرض هو رغبة منه لتسريع الإجراءات و عدم وقوف أتعاب المحامي عائق أمام المطالبة بالحق على العقار، بالإضافة إلا أن الدعوى ترفع و يحدد إطارها من طرف المحافظ الذي هو أصلا خبير قانوني في مجاله، لذلك لا حاجة للمحامي.
و خامس خاصية نذكرها هي مصارف الدعوى التي تودع مباشرة لدى المحافظة العقارية التي تلقت التعرض نيابة عن المحكمة حسب ما جاء في الفصل 32 من ظهير التحفيظ[9] خلافا للدعوى الأخرى حيث تدفع المصاريف للمحكمة أيضا فإن المصارف يتحملها طالب التحفيظ إذا تبث أن التعرض صحيح و مبني على أساس، في حين يتحملها المتعرض إذا رفض تعرضه[10]. أما آخر خاصية هي المحكمة الإبتدائية المختصة حيث تكون محكمة موقع العقار هي المختصة في البث في التعرضات المحال إليها من طرف المحافظ.
و آخر خاصية نذكرها و التي تميز دعوى التحفيظ العقاري عن سائر الدعوى هي حرمانه من إجراءات الطعون كاملة، و نتكلم هنا عن الفصل 109 حيث نص بالحرف " لا تقبل الأحكام الصادرة في مادة التحفيظ العقاري الطعن إلا بالاستئناف والنقض"، و هي كما فتئ الأستاذ عمر أزوكار يقول في محاضراته بأخطر مقتضى في ظهير التحفيظ العقاري، حيث أنه ذلك الفصل منع ممارسة طرق طعن كالتعرض و التعرض الخارج عن الخصومة و إعادة النظر، و حرمان المتقاضين من ميزاتها. و حتى من الممارسين من يفلت له هذا الإجراء و يذهب لممارسة هذه التعرضات و مواجهة إجراءاته بعدم القبول و ضياع الحقوق. و أخيرا فإن لدعوى التحفيظ الإمكانية في ممارسة الاستئناف في أجل 30 يوم، و نفس الأجل في الطعن بالنقض، و هذا الأخير الذي يوقف التنفيذ حسب الفصل 361 من قانون المسطرة المدنية المغربية.
الفقرة الثانية: قواعد بث القضاء في دعوى التعرض.
المحكمة المختصة: و التي هي المحكمة الإبتدائية بدون منازع، لكن الإختلاف هو أنه الإختصاص يعود للمحكمة التي يوجد فيها العقار موضوع النزاع، وتحديد هذا الإختصاص لا تثير أي إشكال مادام أن المحافظ هو الذي يتولى بعث التعرضات مع الملف إلى المحكمة، إلا أن المتعرض ملزم بتعيين موطن أو محل للمخابرة بدائرة المحافظة العقارية إذا كان يقطن خارجها[11] . و تبث المحكمة الإبتدائية في هيئتها الجماعية.
البث في كل تعرض لوحده: و قد جاء في قرار لمحكمة النقض سنة 2016 "التعرض هو دعوى مرفوعة من المتعرضين تجاه طالب التحفيظ على المحكمة أن تبث في صحته من عدمها. تعدد التعرضات، بما هو تعدد للدعاوى في الملف الواحد، لا يجعل منها نزاعا واحدا يلزم المحكمة بالفصل فيه بين جميع الأطراف سواء في علاقتهم بطالب التحفيظ أو فيما بينهم، و إنما تحتفظ كل دعوى باستقلاليتها عن الدعوى الأخرى و يلزم المحكمة بالبت فيما بين المتعرضين و طالب التحفيظ فقط. لا يشكل صدور حكم واحد بصحة جميع التعرضات أي تناقض داخل الحكم الواحد لأن الدعاوى التي تم البث فيها مستقل بعضها عن البعض الآخر و لا يواجه المتعرضون بالأحكام الصادرة لفائدة باقي المتعرضين عملا بقاعدة نسبة الأحكام[12]. و كتلخيص فالمحكمة ملزمة مهما تعددت التعرضات بالبث فيها كل على حدة.
المحكمة تبث في حدود التعرض: أي أن القضاء يقتصر دوره في البث في صحة التعرض أو عدم صحته، و لا يمتد نظره إلى التقرير بشأن مطلب التحفيظ، إذ أن ذلك يدخل ضمن الإختصاص الكامل للمحافظ على الملكية العقارية[13]، يعني أن المحكمة لا تبث في حقوق طالب التحفيظ و لكن في ادعاءات المتعرضين فقط[14]، كما حثت عليه الفقرة الثانية من الفصل 37 من ظهير التحفيظ العقاري، و في هذا جاء قرار لمحكمة النقض سنة 1996 "لا مجال للبث في حقوق طالب التحفيظ بصفته مدعى عليه، إلا في حالة تقديمه لحجج تثبث العكس[15]".
و لقد أكدت كذلك محكمة الدار البيضاء هذا المبدأ في حكمها الذي جاء فيه "... لا يحق لها قانونا أن تفحص الأجال المتعلقة بتقديم التعرضات على مطلب التحفيظ و يقتصر دورها على البت في وجود الحق المدعى به من قبل المتعرض و نوعه و محتواه و مداه ...[16] ".
كذلك المحكمة في إطار تقيدها بالبث في صحة أو عدم صحة التعرض، فأنها لا تمتلك أي إمكانية بإلزام المحافظ بقبول مطلب التحفيظ أو لا. و هو ما أكده قرار للمجلس الأعلى بقوله "حيث أنه كان من حق المحكمة أن تنظر في وجود الحق المدعى به من قبل المتعرضين دون البث في قبول مطلب التحفيظ أو رفضه الذي يظل من اختصاص المحافظ"[17] .
التدخل لتصحيح المسطرة[18] : إن خصوصية مسطرة التحفيظ العقاري، لا توجب تصحيح المسطرة أثناء سريان الدعوى، على أساس أن محكمة التحفيظ تبث في القضايا المعروضة عليها كما أحالها عليها المحافظ ، و ترجعها إليه بعد أن يصبح الحكم نهائيا لتنفيذ ما قضت به و يصحح الحالة الناشئة عن وفاة أحد أطراف الدعوى بطلب ممن يعنيهم الأمر. و مقتضيات المسطرة المدنية بإدخال ورثة أحد أطراف الدعوى لا يطبق أمام محكمة التحفيظ التي يتعين عليها أن تبث في القضية المحال عليها من طرف المحافظ[19]. إلا أن المحكمة تراجعت عن هذا التوجه في قرار[20] لها سنة 2008 حيث أصبحت تطبق قواعد المسطرة المدنية.
اعتبار المتعرض مدعي: استنادا إلى الفقرة الثانية من الفصل 37 من قانون 14.07 استقر القضاء على اعتبار المتعرض مدعيا ملزما بالإثبات ولو كان حائزا، أما طالب التحفيظ فيكون مدعي عليه معفى من الإثبات ولا تنظر المحكمة في حججه إلا بعد إدلاء المتعرض بحجج أقوى، وهو ما كرسه الإجتهاد القضائي من خلال قرارات المجلس الأعلى سابقا و محكمة النقض حاليا حيث جاء في قرار[21] له " أن طلب التحفيظ يعطي لصاحبه صفة المدعى عليه ولايجب عليه الإدلاء بحجة حتى يدعم المتعرض تعرضه بحجة أقوي[22].
المطلب الثاني: دور القضاء في الترجيح بين الحجج.
إذا كان القضاء محدود ومقيد في تدخله خلال مسطرة التعرض، فإن إذا حدث أثناء سير الدعوى أن كلا من المتعرضين و طالب التحفيظ قدموا حجج و بينات و أدلة قوية تثبث قول الأطراف، هنا يخرج القضاء عن قيوده الكلاسيكية في مادة التحفيظ و يسترجع قوته في البث. و قد سبق للمجلس الأعلى في قرار له أن بين بأن المحكمة لها الحق في دراسة الحجج دون الدفع بخرق مقتضيات الفصل 37 من ظهير التحفيظ العقاري[23] .
ذلك أن القضاء عند العرض عليه حجج قاطعة للأطراف، يصبح معه التدخل للمقارنة بين تلك الحجج و الترجيح بينها لمعرفة من حججه أقوى لتمييل كفة الإنتصار إليه. و هذا ما يسمى بالترجيح بين الحجج أو البينات التي كثيرا ما يستعملها القضاء للترجيح بين حجج أطراف دعوى التعرض التي تتمثل في المتعرض و طالب التحفيظ. لهذا سندرس أحكامها العامة في (الفقرة الأولى)، و العمل القضائي في الترجيح بين البينات في (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: توجه القضاء في تحديد الأحكام العامة للترجيح بين الحجج.
من ناحية التعريف، فقد عمل أغلب الفقهاء إلى تعريف الترجيح بين الأدلة عن طريق تحديد الأشياء التي يتم بها ترجيح البينات، و هو ما يتضح من خلال تعريف الأستاذ عبد القادر باجي في شرحه لامية الزقاق بقوله "و إن لم يكن الجمع بينهما فترجح إحداهما على الأخرى ..."، أو كقول الأستاذ عبد الرحمان بلعكيد "إذا وقع تعارض بين الرسوم، فإنه يعمل بقواعد الترجيح، و هي قواعد دقيقة و مقاييس مضبوطة و أدوات حادة في صناعة القضاء، الغاية منها منع تضارب الحكام و إنهاء الخصام"، و عرفه أيضا الأستاذ الكتاني بأنه "تقوية أحدى البينتين بمرجح من المرجحات التي أشار لها الفقهاء حيث يعمل الراجحة منها و تلغى الأخرى"، فهو إظهار قوة أحد الدليلين المتعارضين.[24]
أما لكي يتم سلك طريق الترجيح بين الحجج، يجب أن تكون هذه الأخيرة مستوفية لشروط منها:
صحة الحجج شرعا و قانونا: حيث أن المحكمة لا يمكنها اللجوء إلى إعمال الترجيح بين الحجج أو البينات المدلى بها من طرف المتنازعين، إلا بعد التأكد من صحتها و من توافر الشروط القانونية و الشرعية المتطلبة في إعمالها. و في هذا الصدد أكدت محكمة النقض في قرارها الصادر سنة 2011 بقولها "لكن حيث أن المدعي ملزم بإثبات دعواه، و لا يلجأ إلى الترجيح بين الحجج الطرفين إلا إذا كانت مستوفية للشروط المنصوص عليها في الفقه و المحكمة لما عللت قرارها ... تكون اعتبرت رسوم الطاعنين الملزمين بالإثبات غير مستوفيين للشروط الشرعية مما لا يمكن الترجيح بينهما و بين حجج المطلوبين، فجاء قرارها مرتكزا على أساس سليم"[25].
وجود تعارض بين الحجج المقدمة[26] : لكي يتحقق هذا الشرط لابد من وجود حجتين أو أكثر تم تكيفهما على أنهما متساوتين، و أن يكونا من نفس النوع و لهما نفس القوة الثبوتية كمنا أكدته محكمة النقض في قراراها بقولها "عن التعارض المقصود فقها هو التعارض اللاحق بحجج من نفس النوع و الصنف و القوة الثبوتية"[27]. و يقتضي أيضا في التساوي اتحاد محل الحجتين و هو ما أكدته محكمة النقض في قرارها "لا يلجأ الى الترجيح بين الحجج إلا بعد انطباقها على محل النزاع"[28].
توفير صفة التملك في الحجج: هذا معناه أنه لإمكانية تكييف الحجج على أنها صالحة للترجيح بينها أو معها يجب أن تكون تلك الحجج تثبث تملك صاحبها للعقار أو الحق العيني موضوع النزاع، أي أن تكون الحجج دالة على صفة الملكية للمنازع، و هو نفس المنهج الذي يقضي به القضاء، ففي قرار للمحكمة قالت "فإن عبئ الإثبات يقع على عاتق المستأنف عليهم و اللذين لم يؤيدوا مطالبهم بأية حجة معتبرة شرعا لإثبات تملكهم لعقار المدعى عليه فيه خاصة بعد استبعا رسم الملكية ..."[29] .
الفقرة الثانية: التطبيقات القضائية لقواعد الترجيح بين الحجج.
في هذه الفقرة سيتم دراسة العمل القضائي أو التطبيقات القضائية لقواعد الترجيح بين الحجج كما تم ذكرها في المادة 3 من مدونة الحقوق العينية المغربية كالآتي:
تاريخ البينة: يتمسك القاضي عند النظر في النزاع بكل قرينة تظهر في بيانات الخصوم، و التي يكون من شأنها ترجيح إحداهما على الأخرى، و من بينها التاريخ، و الترجيح بذكر التاريخ من بين المرجحات المعتمدة فقها و قانونا, و كما جاءت بها الماد3 من القانون المذكور "تقديم البينة السابقة على البينة اللاحقة تاريخا". لكن للقضاء رأي، و من آراءه نذكر القاعدة التي أصدرتها محكمة النقض في قرارها سنة 2006 بقولها "يعتمد في الترجيح بين البينات بقدم المدة المشهود بها لا بتاريخ إعدادها و توثيقها"[30]، و في قرار آخر جاء "لا مجال للترجيح بقدم التاريخ مادامت المدة المشهود بها في كل بينة هي غير المشهود بها في الأخرى"[31]. و في قرار آخر قالت محكمة النقض بأن" إذا تعارضت بينتان في المدة سقطت البينة التي استقر منها البينة الأخرى استصحابا و لقدم التاريخ"[32].
شهادة الشهود: كما جاءت بها المادة 3 من مدونة الحقوق العينية "تقديم تعدد الشهادة على الشهادة الواحدة"، و حيث أن المشرع المغربي أعتبر في الفصل 404 من قانون الإلتزامات و العقود بأن "وسائل الإتباث التي يقررها القانون: ... 3- شهادة الشهود"، لهذا فإن القضاء المغربي دائما ما يعتمد عليها، و في حالة التساوي فإنه يعتمد على التي هي أكثر عددا. و جاء القضاء ليفسر هذا المقتضى أكثر في العديد من القرارات نذكر منها قرار لمحكمة النقض بقولها "لا يعمل بشهادة الشهود إن جاءت مجملة و عامة و غير خاصة بالمشهود به"[33]، و خذا يعني أنه أصلا للاعتياد بشهادة الشهود يجب أن تكون منصبة على صلب الموضوع.
الترجيح استنادا إلى الملك: و هو سبب بيان الملك أو ما يعبر عنها بوجه المدخل حيث يقوم على بيان الكيفية التي آل بها العقار أو الحق العيني المتنازع بشأنه إلى مدعي الملكية و الرسوم التي استند عليها في ذلك، ليرجح الى غيره من البينات الخالية من السبب[34]، و قوة الملك تتبين في إحدى قرارات محكمة النقض بقولها "لا ينتزع الملك من يد حائز بمجرد إدلاء المدعي برسم شراء غير مبني على ملكية البائع له"[35].
تقديم بينة الملك على بينة الحوز: و حيث أن بينة الملك هي ما يثبت الملكية بشروطها المطلوبة فقهيا كمثل الرسوم و العقود الصحيحة، فإن بينة الحوز هي وضع اليد على عقار ما و استغلاله و التصرف فيه لمدة معينة يحددها القانون لتوفر الحوز. و تفيد هذه القاعدة أنه في حالة المنازعة على ملكية عقار و حق عيني و احتج أحدهم بالملكية و الآخر بالحيازة، فإنه ترجح الكفة لفائدة صاحب بينة الملكية. و حيث أكدت القول عدة قرارات للقضاء مثل قرار لمحكمة النقض سنة 2007 بقولها "... و إن دعوة نازلة الحال تهدف إلى الاستحقاق التي تعني دفع ملك الشيء بثبوت ملك قبله، و أن الملك لمن أقام عليه البينة، و أن بينة ثبوت الملك مقدمة على بينة ثبوت الحوز إن تعارضتا بقول خليل و بالملك على الحوز"[36].
و قد جاء في حكم لابتدائية مراكش تبين فيه قوة الحوز في البينات و شروط تحققه بقولها في نص الحكم[37] "... و ذلك قبل سؤال المدعى عليه و تكليفه ببيان وجه مدخله للعقار و ذلك طبقا للمادة 242 من مدونة الحقوق العينية التي تنص على ما يلي : " لا يكلف الحائز ببيان وجه مدخله إلا إذا أدلى المدعي بحجة على دعواه "، و هذا التوجه التشريعي يطابق بشكل كلي قواعد الفقه المالكي المعمول بها في مجال العقار الغير محفظ لقول الناظم :
و مدع استحقاق شيء يلزم بينة مثبتة ما يزعم
من غير تكليف لمن تكلفه بأي وجـه تملــــكه
وحيث إن المجمع عليه تشريعا و فقها و قضاء أن الملك ال ينزع من يد حائزه إلا بحجة متوفرة على جميع شروط الملك المكسبة له عن طريق الحيازة، و هذه الشروط هي التي نصت عليها المادة 240 من مدونة الحقوق العينية شروط الملك الخمسة، و هي كالتالي وضع اليد و نسبة الملك للحائز و طول المدة إلى أن تصل المدة المعتبرة شرها في التملك و هي تختلف بحسب ما إذا كان الحائز قريبا أم لا و عدم المنازع بمعنى أن تكون الحيازة هادئة و نفي العلم بنقل الملكية و خروج العقار المدعى فيه من يد الحائز و هذا الشرط يكون شرط صحة متى أقيمت البينة لميت و يكون بالمقابل شرط كمال إذا أقيمت البينة لحي، و هذه الشروط قد جمعها الناظم عند قوله:
يد نسبة طول كعشرة أشهر و فعل بال خصم بها الملك يجتلى
و هل عدم التفويت كمال أم صحة للحــــــي للميت ذا رجعا"
الترجيح بتقديم بينة النقل على بينة الإستصحاب: و قد أشار إليها المشرع المغربي في الفقرة الرابعة الرابع من المادة 7 من مدونة الحقوق العينية كما أشار لها مجموعة من الفقهاء. و يقصد بها أن البينة التي أثبتت نقل الملكية من أصلها تعتبر راجحة على البينة التي أثبتت استصحاب الأصل والتي تكون حينها مرجوحة، كمثل الذي أدلى ببينة تشهد أنه هو الذي بنى العقار محل النزاع وتقدم المدعي عليه ببينة تشهد أنه اشترى من المدعى، فالبينة الأخيرة تقدم على الأولى، لأنها ناقلة والأخرى مستصحبة.
وتمتاز هذه القاعدة بوفرة تطبيقاتها في العمل القضائي، حيث جاء في قرار لمحكمة الاستئناف بالحسيمة "ترجح الحجة الناقلة للملكية على حجة استصحاب الحال،... سند البيع المتوفر على شروط الملك مرجح على الحجج اللاحقة عن البيع بغض النظر عن اختلاف الحدود[38]" .
وفي قرار لمحكمة النقض جاء فيه "تقتضي قاعدة الإستصحاب بترجيح بينة انتساب الملك إلى الموروث على بينة الوارث لافتقارها إلى التخصيص وما يثبت الناقل الشرعي تطبيقا لقاعدة من مات عن حق فلوارثه."[39]
و كنقطة أخير، فعند تساوي حجج الأطراف كلها و لا يجد القضاء سببا للترجح، فمحكمة النقض وجدت مخرجا بقولها في إحدى قراراتها ما يلي "إن تساوي البينات و عدم وجود سبب لترجيح إحداها على الأخرى تتساقط نتيجة لذلك و لا يؤخذ بإحداها دونا الأخرى و يحكم لذي اليد، عملا بقول المختصر خليل: و بيد إن لم ترجح بينة مقابلة."[40]
المبحث الثاني: العمل القضائي في التعرضات الكيدية و تدخل النيابة العامة.
في مسطرة التعرضات تتعدد أشكال تدخل القضاء خصوصا في المسطرة القضائية للتعرضات، و زيادة على ما سبق، فإن القضاء يتميز بدوره عن الكشف عن التعرضات الكيدية و التعسفية و حماية الملكية العقارية منها عن طريق كشف الإجتهاد فيها (المطلب الأول)، لكن يبقى أن مسطرة التعرضات ليست حصرا على القضاء وحده بمسمى قضاء الحكم و قضاء البث، لكن للنيابة العامة دور في مسطرة التعرضات كما سوف يأتي لاحقا (المطلب الثاني).
المطلب الأول: التعرضات الكيدية و التعسفي.
إن حق التعرض كسائر الحقوق ليس حقا مطلقا يمكن ممارسته دون قيد أو شرط، بل هوحق نسبي و مقيد يسري عليه مل يسري على الحقوق الأخرين لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يصبح حق التعرض وسيلة للإضرار بالغير[41].
لهذا فقد أضحى العقار في طور التحفيظ في صلب اهتمام مجموعة من الأشخاص الذين يمتهنون مهنة إقامة التعرضات التعسفية، و قد انتبهت المحافظة العقارية لهذه الإشكاليات حيث صدرة مذكرة للمحافظ العام[42] جاء فيها: "ازدياد حالات التعرض الكيدي بظهور أشخاص يمارسون باعتياد عملية التعرض على مطالب التحفيظ و ذلك بهدف ابتزاز أصحابها عن طريق عرقلة إجراءات تحفيظ ممتلكاتهم ... و إذ اضطروا فإنهم يدلون بنفس الحجج للتعرض على مطالب متعددة يتبين منها أنها لا علاقة بأرض النزاع أو يدلون بسندات لا تفيد الملك كرسم إراثة..."[43]، و مع تبيان لهذه الدورية حيثيات و أسباب التعرض الكيدي، سيتم دراسة بعده مفهومها (الفقرة الأولى)، و دور القضاء في الكشف عنها (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: التعريف بالتعرض الكيدي أو التعسفي.
تطرق المشرع المغربي للكيد أو التعسف في استعمال التعرض في الفصل 48[44] من ظهير التحفيظ العقاري، و حيث أنه لم يعطي تعريف لها لكن جعل لها جزاء لمن ملكت نفسه أن يستعمله، ففي نفس الفصل ألزم المشرع على ممارسي التعرض بطريقة تعسفية غرامة لفائدة المحافظة العقارية لا يقل مبلغها عن عشر في المئة من قيمة العقار أو الحق المتعرض عليه، دون المساس بحق الأطراف في التعويض. أما من ناحية التعريف، فهو استعمال التعرض بصفته حق لكل من يدعي حقا على عقار للتعرض عليه قصد الإضرار بالمالك، و قد أدى عدم تحديد صفة المتعرض إلى تدخل أشخاص في إطار منظمات إجرامية أو مجرد عدو بسيط إلى ممارسة حق التعرض سواء لعائد مالي عن طريق استفزاز طالب التحفيظ، أو بسبب صراعات عائلية و قبلية تصبح فيه المصلحة عدم تمكين طالب التحفيظ من تحفيظ عقاره.
و ما فتئت عملية التحفيظ تشكل مشاكل لأصاحبها نظرا لقواعدها الصارمة، فإن التعسف في استعمال التعرض كان في وقت آفة يعاني منها العقار في المغرب أدت إلى فقدان الثقة في التشريع العقاري نظرا لعدم تمكنه من حماية الملكية العقاري، و ضر كثيرا بالأمن العقاري و القانوني بالمغرب. و هو ما أدى المشرع إلى تدخله بفرض الغرامة المذكورة، وكذلك أعطي للقضاء السلطة في الكشف عنه ومحاربته.
الفقرة الثانية: دور القضاء في الحد من التعرضات الكيدية.
يتميز القضاء في المسطرة القضائية للتعرضات بسلطة تقدير الحجج و الترجيح بينها و دراستها جيدا للوصول إلى معرفة صاحب الحق، و هذا ما يجعل القضاء صاحب الأولية في اكتشاف التعرضات الكيدية و الحد منها. و تعتبر سوء النية في تقديم التعرض هي القاعدة الأساسية المؤسسة للكيد في استعمال التعرض، ومن الحالات التي يسهل على المحكمة اكتشاف سوء نية المتعرض:
- المتعرض الي يمتنع عن تقديم مستنداته إلى المحكمة و يمتنع عن الحضور لدى القاضي المقرر، أو يدلي بحجج يطعن فيها بالزور و يحكم فعلا بتزويرها.
- التعرض المبني على شراء حقوق متنازع فيها، أو أن أصحابها لا يتوفرون على عنصر الحيازة و لا يتوفرون على سندات التمليك.
و من الإجتهادات القضائية في هذا الصدد نجد الحكم الصادر من المحكمة الإبتدائية بالناضور سنة 2016، حيث قضت هذه الأخيرة باعتبار احتجاج المتعرض أن طالب التحفيظ أقام مطلبه على عقار محفظ سابقا باسم المتعرض، و أن هذا الأخير لم يقدم حجج تثبت ادعاءاته، تبين للمحكمة أن المتعرض كان في تعرضه سوء نية تجاه طالب التحفيظ ما دفع المحكمة للحكم بتعسفية التعرض مع بالحكم بتعويض قدره 10000 درهم لفائدة طالب التحفيظ[45].
و في حكم آخر لنفس المحكمة حيث جاء فيه "... وبذلك فإن التعرض غير مرتكز على أساس ، ويتعين الحكم بعدم صحته، ولما كانت سمة التعسف ظاهرة في التعرض من خلال الأسباب المذكورة أعلاه خصوصا أن المتعرضين لم ينازعوا في تحفيظهم لعقارهم...، فإن ذلك يوجب الحكم عليهم بغرامة لفائدة الوكالة الوطنية للمحافظة العقارية والمسح العقاري والخرائطية تحددها المحكمة تطبيقا للفصل 48 من قانون التحفيظ العقاري في ستة عشر ألف درهم تعادل عشر قيمة العقار الثابتة من رسم الملكية عدد 516"[46].
وفي حكم آخر قضت: ”... وحيث إن المتعرض بإقدامه على التعرض على مطلب التحفيظ دون أي إثبات لما يدعيه من تجاوز وتعطيله بذلك لمسطرة التحفيظ الذي سجل بتاريخ 1991/07/26 وبعد أن باع قطعة أرضية لطالبي التحفيظ، فيكون بذلك تعرضه تعسفيا مما ارتأت معه المحكمة الحكم عليه بأدائه غرامة قدرها عشرة ألاف و ثمان مئة و ثلاثون(10.830) درهم لفائدة الوكالة الوطنية للمحافظة العقارية والمسح العقاري والخرائطية، .أتى إعمالا لمقتضيات الفصل 48 من ظهير التحفيظ العقاري[47].
المطلب الثاني: دور النيابة العامة في دعوى التعرضات.
تعتبر النيابة العامة جزء لا يتجزأ من القضاء، و كما لقضاء البث أو الحكم مجال تدخله في مسطرة التعرضات سواء في شقها الإداري أو القضائي، فالنيابة العامة هي كذلك لها نفس مجال التدخل لكن باختصاصات مغايرة، و يتبين مجال تدخلها في إمكانية ممارستها حق التعرض (الفقرة الأولى)، و كذلك يمكنها التدخل في دعوى التعرض (الفقرة الثانية).
الفقرة الأول: ممارسة التعرض و فتح أجل التعرض الإستثنائي.
بالنسبة للنيابة العامة، فبإمكانها التدخل في مسطرة التحفيظ عن طريق التعرض على مطلب التحفيظ باسم الأشخاص المحجورين و الغائبين و المفقودين، و أيضا الأشخاص الغير الحاضرين في وقت القيام بعملية التحفيظ. و النيابة العامة عندما تتدخل في مسطرة التعرض على مطلب التحفيظ، في الأحوال آنفة الذكر، إنما تتقمص شخصية هؤلاء، فتكون مدعية كسائر المتعرضين، و من تم يقوم عليها عبئ الإثبات... كما لها حق رفع الطعن في الحكم الذي يصدر ضد طلباتها[48].
وذا كانت النيابة العامة تقوق مقام الأشخاص في القيام بالتعرضات و يقع عليها ما يقع عليهم، فيبقى السؤال هو جوازية النيابة العامة من أداء مبلغ الوجيبة القضائية من عدمه، حيث هناك من يؤكد على عدم وجود نص قانوني يعفي النيابة العامة من أدائها، لاعتبارها شكلية من شكليات التعرض، إذن فهي ملزمة بأدائها تحت طائلة إلغاء التعرض. و في المقابل يذهب البعض إلى اعتبار أن النيابة العامة تستثنى من هذه الوجيبة و أن المشرع أعفاها من أداء الرسوم و من مؤازرة الدفاع[49].
ومن الناحية العملية يتضح أن جهاز النيابة العامة نادراً ما تتدخل في هذه المسطرة، والسبب راجع إلى عدم توفرها على وسائل الإثبات التي ترى أنها فعالة لإثبات الحق المتعرض عليه، وهذا أمر بديهي باعتبارها جهاز يسهر على تطبيق القانون، ولا يحق لها ممارسة التعرض في غياب وسائل الإثبات لأن ذلك يدخل في إطار التعسف في استعمال الحق[50].
أما بالنسبة لسلطة النيابة العامة بفتح التعرض الإستثنائي، فلوكيل الملك بالمحكمة الإبتدائية الحق في هذا الخصوص. وتبعا لما استقر عليه الفقه والقضاء المغربي، بخصوص الصلاحيات الممنوحة لوكيل الملك في باب التعرض المقدم خارج الأجل الأصلي، ومن خلال الواقع العملي، يمكن إبداء الملاحظات التالية [51] :
- يتلقى وكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية، طلب تسجيل التعرض الاستثنائي، حيث يتم تسجيله في سجل المراسلات العامة الممسوك من قبل مكتب الضبط الإداري، يسلم نظير منه للطالب في حينه.
- يتم إشعار طالب التحفيظ، وكل من يعنيه الأمر، هذه الواقعة .
- تكون لوكيل الملك نفس الصلاحيات التي للمحافظ في هذا الشأن، ويمكن له الاستماع إلى الأطراف قبل أن يبت في الأمر، وذلك بموجب محاضر قانونية، تتضمن بيانات مختلفة، تتعلق بالهوية الكاملة، وبمراجع القضية العقارية، وموضوع طلب التعرض، وكذا إيضاحات يدلي طالب التحفيظ، عند الإقتضاء.
كذلك و ومن الناحية العملية فإن التعرض الاستثنائي المقدم لوكيل الملك، يحرر في ثلاث رسائل، تضمن فيها البيانات المطلوبة، وتسجل بمكتب الضبط بكتابة النيابة العامة لدى المحكمة الابتدائية، يسلم نظير منها للمتعرض، في حين يتم إخطار طالب التحفيظ وباقي الأطراف المعنية بالموضوع .
أما من ناحية الطبيعة القانونية[52] التي يتميز بها قرار النيابة العامة في شخص وكيل الملك لدى المحكمة الإبتدائية. و تحديد طبيعة قرار النيابة العامة، الصادر بشأن التعرض المقدم خارج الأجل العادي يرتكز على تحديد دورها في التنظيم القضائي المغربي، والذي يتجسد في دورها أمام القضاء الجنائي. وفي دورها أمام القضاء المدني .
وبصرف النظر عما للنيابة العامة من دور أمام المحاكم المدنية، فإن لها دورا آخر غير قضائي تستمده من وضعيتها كممثلة للمصلحة العامة تابعة مباشرة للسلطة التنفيذية الممثلة في وزير العدل، ألا وهو الدور الولائي ، وهو غير الدور القضائي الأعم الذي تضطلع به النيابة العامة، والإداري تباشره تحت إشراف وزير العدل ومن ثم أمكن تصنيف قراراتها إلى قرارات قضائية وإدارية أو ولائية.
والراجح أن القرارات التي يتخذها وكيل الملك في مجال التعرض الإستثنائي، هي قرارات إدارية، التي لم يكن في الإمكان الطعن فيها إلا بالشطط في استعمال السلطة، وبالتالي التظلم لدى الرئيس المباشر لمتخذ القرار الإداري، موضوع التظلم .
و هو ما سيعطي الحق لمن تضرر بقرار وكيل الملك بفتح أجل استثنائي للتعرض أن يرفع شكواه للمحكمة الإدارية المختصة مكانيا[53].
الفقرة الثانية: التدخل في الدعوى التعرض.
و نستهل الذكر بأن حضور النيابة العامة وتبليغها في القضايا المتعلقة بالتحفيظ العقاري أمر لا يعد إلزاميا، اللهم إذا كان هناك نص خاص يقضي بذلك حيث يوجب ضرورة تبليغها كما هو عليه الشأن في مجال القضايا المتصلة. بفاقدي الأهلية وكذا ناقصيها، وما يؤكد ذلك أنه إذا ما رجعنا إلى الفصل 37 من ظهير التحفيظ المنسوخ والمعوض بمقتضى القانون رقم 07.14 نجده ينص بالحرف "عند افتتاح المناقشات يعرض القاضي المقرر القضية ويعين المسائل التي تتطلب حلا دون أن يبدي أي رأي ثم يقع الاستماع إلى الأطراف ويقدم ممثل النيابة العامة إن اقتضى الحال مستنتجاته، ثم يفصل في القضية إما في الحين وإما بعد المداولة".
ولهذا فإنه حسب الفصل المذكور أعلاه فإن حضور النيابة العامة لا يعد إجباريا حسب ما جاء ضمن الفقرة الأولى، لكن حيثما تكون الدولة طرف في النزاع باعتبارها متعرضة أو طالبة للتحفيظ فهنا يجب تبليغ النيابة العامة قصد تحضير مستنتجاتها في الدعوى سواء كان النزاع في مرحلته الابتدائية أو كان معروضا خلال مرحلة الاستئناف أمام محكمة الدرجة الثانية، وهذا ما أقره المجلس الأعلى بدوره في إحدى قراراته بنصه على ما يلي :" حيث صح ما عابته الطاعنة على القرار ذلك أنه ثبت لدى قضاة الاستئناف عدم تبليغ الدعوى إلى النيابة العامة قصد الإدلاء بمستنتجاتها باعتبار الدولة طرفا في النزاع في المرحلة الابتدائية وحيث إن هذا الاخلال لا يمكن إصلاحه أو تداركه بتبليغ الدعوى إلى النيابة العامة في مرحلة الاستئناف، ولذلك فإن القرار المطعون فيه حين أيد الحكم الابتدائي بالعلة المذكورة أعلاه يكون خارقا للمقتضيات القانونية المحتج بها مما عرضه للنقض والإبطال"[54].
و في قرار آخر يبرز إلزامية تدخل النيابة العامة في دعوى التعرض كلما كانت الدولة طرفا فيها، جاء في قرار صادر عن محكمة الاستئناف بالرباط ما يلي "حيث تبين من مراجعة محاضر الجلسات المحررة على ذمة الملف الابتدائي أن الملف لم يحل مطلقا على النيابة العامة رغم أن المتعرضة هي الدولة (الملك الخاص) ومقتضيات الفصل 9 من قانون المسطرة .المدنية واضحة في هذا الشأن، وفي غير حاجة لا لتفسير ولا لتأويل وحيث أن المجلس الأعلى استقر في قرارات عديدة على أنه لا يمكن تدارك إغفال إحالة الملف على النيابة العامة أمام المحكمة الابتدائية عند إحالة الملف على محكمة الاستئناف و قيام هذه الأخيرة بهذا الإجراء لا يغني عن اتخاذ الاجراءات أمام محكمة أول درجة"[55].
وعلاوة على ذلك، أن تدخل النيابة العامة في قضايا التحفيظ العقاري، يجد تطبيقاته على مستوى نظام المساعدة القضائية، الذي نظم أحكامه المرسوم الملكي الصادر في فاتح نوفمبر 1966، وهو نظام يروم منح المستفيد الإعفاء من أداء الرسوم والمصاريف القضائية، وكذا تخويله الحق في المؤازرة بواسطة محام يتم تعيينه من طرف نقيب هيئة المحامين التابع لها، على إثر القرار الذي اتخذه مكتب المساعدة القضائية الذي يرأسه وكيل الملك خلال المرحلة الإبتدائية، إلى جانب عضوية ممثل لمصلحة الضرائب ومحام يعينه مجلس هيئة المحامين. ولقد ورد ذكر نظام المساعدة القضائية في قانون التحفيظ العقاري، حيث أوضح الفصل 32 (ظهير 25/8/1954) أن التعرض يعتبر كذلك لاغيا، إذا لم يؤد المتعرضون الذين لم يحصلوا على المساعدة القضائية أو لم يطلبوها على الأقل، الوجيبة القضائية ورسم الدفاع المحددين في الظهير المتعلق بالمصاريف القضائية، وذلك داخل أجل ثلاثة اشهر، كما أن قبض تلك الوجيبة يباشر من لدن مصلحة المحافظة العقارية، عوض عن كتابة الضبط للمحاكم[56]... والجدير بالذكر أن المتعرض بإمكانه الإستفادة من المساعدة القضائية، لمواجهة طالب التحفيظ، وذلك خلال المرحلة الإدارية للتحفيظ، وايضا خلال المرحلة القضائية لهذا النظام .
ومعلوم أن طلب المساعدة القضائية يقدم إلى وكيل الملك لدى المحكمة الإبتدائية المختصة للنظر في القضية المزمع رفعها إليها، أو الرائجة أمامها، ويمكن أيضا أن يوجه إليه هذا الطلب من أجل الطعن بالإستئناف، كما يختص به أيضا الوكيل العام للملك لدى محكمة الإستئناف خلال هذه المرحلة، وايضا عند الطعن بالنقض، كما يكون أيضا من اختصاص الوكيل العام للملك لدى المجلس الأعلى خلال مرحلة النقض
[1]عبد اللطيف الفتيحي "القضايا الخلافية في المنازعات العقارية على ضوء قرارات محكمة النقض"، مكتبة المعرفة مراكش، الطبعة الأولى 2018، الصفحة 32.
[2] نذكر قرار محكمة النقض عدد 1816 المؤرخ ب2008/05/14 في الملف المدني 2006-1- 1-685 الذي استهل هذا القرار بعبارة "تبت محكمة التحفيظ في قضايا التحفيظ العقاري ..."
[3] محمد خيري، مرجع سابق، الصفحة 267.
[4] الصفة التي جاءت بها المادة 1 من قانون المسطرة المدنية كشرط من شروط الدعوى إلى جانب المصلحة و الأهلية.
[5]هروال ياسين "القواعد الإجرائية لدعوئ التحفيظ العقاري و تضارب العمل القضائي"، بحت نهاية التدريب بالمعهد العلي للقضاء، 2015/2017، الصفحة 17 و18.
[6] قرار لمحكمة النقض عدد 63 الصادر بتاريخ 27 يناير 2015 في الملف المدني عدد 4359/1/8/2014.
[7] المادة 31 من القانون 08-28 المنظم لمهنة المحاماة "لا يسوغ أن يمثل الأشخاص الذاتيون و الإعتبارييون و المؤسسات العمومية و الشبه عمومية و الشركات، أن يمثلوا أما القضاء إلا بواسطة محام، ما عدا إذا تعلق الأملر بالدولة و الإدارات العمومية تكون نيابة المحامي أمر اختياري".
[8] قرار عدد 145 بتاريخ 2003/01/15، قرار مأخود من هروال ياسين "القواعد الإجرائية لدعوى التحفيظ العقاري و تضارب العمل القضائي"، مرجع سابق، الصفحة 20.
[9] محمد خيري، مرجع سابق، الصفحة 269.
[10]الدكتور بن أحمد عطار، مرجع سابق، الصفحة 76.
[11] محمد خيري، مرجع سابق، الصفحة 262.
[12] قرار عدد 8-272 الصادر بتاريخ 2018/05/29 الملف رقم 6196-1-8- 2016.
[13] الدكتور عبد العالي الدقوقي، مرجع سابق، الصفحة12.
[14]Aissam zine-dine, op. cite, page 111.
[15] Arrêt de cour de cassation n° 799 en date du 12 mars 1996 dossier civil n° 97846 (non publiée). Cité dans l’ouvrage d’aissam zine-dine, op. cite, page 111.
[16]حكم المحكمة الابتدائية المدنية بالدار البيضاء، ملف ابتدائي رقم 03/26/2015 بتاريخ 12/01/2016 ، مأخوذ من :
المعهد العالي للقضاء "أحكام في المادة العقاري"، الصفحة 344,
[17] قرار المجلس الأعلى المؤرخ في 1972/04/24
[18]للتعمق أكثر، ادريس الفاخوري،مرجع سابق، الصفحة 82 و 83.
[19] قرار المجلس الأعلى رقم 3590 في الملف رقم 2929/91 بتاريخ 04/07/1995، أشار إليه ادريس الفخوري، مرجع سابق، الصفحة 83 و 84.
[20] قرار المجلس الأعلى عدد 2057 ملف مدني 1207/1/1/2008 بتاريخ 04/05/2012، اشار إليه ادريس الفاخوري، نفس المرجع.
[21] قرار عدد 433 بتاريخ 2005/02/09 ملف مدني عدد 1088/1/1/2004.
[22]بوتوميت محمد، مرجع سابق، الصفحة 42.
[23] قرار للمجلس الأعلى المؤرخ في 1972/04/24، ""حيث أنه كان من حق المحكمة أن تنظر في وجود الحق المدعى به من قبل المتعرضين دون البث في قبول مطلب التحفيظ أو رفضه الذي يظل من اختصاص المحافظ"، فإنها لم تتجاوز سلطتها و لم تخرق الفصل 37 من ظهير التحفيظ عندما درست حجج طرفي النزاع"
[24] جلال قرقاش "قواعد الترجيح بين البينات في النزاعات العقارية"، رسالة ماستر، كلية متعددة الإختصاصات بتازة، 2019، الصفحة 23 و 24.
[25] قرار عدد 2167 بتاريخ 10/05/2011، الملف المدني عدد 1098/1/3/2008، تم أخده من: خايف الله عبد النبي “الترجيح بين البينات في التشريع المغربي-المادة العقارية نموذجا-"، رسالة الإجازة، كلية العلوم القانونية و الإقتصادية و الإجتماعية بفاس، 2020، الصفحة 18.
[26]خايف الله عبد النبي “الترجيح بين البينات في التشريع المغربي-المادة العقارية نموذجا-"، رسالة الإجازة، كلية العلوم القانونية و الإقتصادية و الإجتماعية بفاس، 2020، الصفحة 19.
[27] قرار عدد 2153 المؤرخ في 2007/06/20، ملف مدني عدد 1594/1/3/2006، للإطلاع على القرار كامل: الدكتور عمر أزوكار "قضاء محكمة النقض في الترجيح بين البينات و الحجج “،منشورات دار القضاء بالمغرب يصدرها مكتب أزوكار للمحاماة و الإستشارة و التحكيم، الطبعة الأولى 2015، الصفحة 99.
[28] قرار عدد 28/1 المؤرخ في 2013/01/15 ملف مدني عدد 3546/1/1/2012/ تم أخده من رسالة خايف الله عبد النبي، مرجع سابق، الصفحة 19.
[29]قرار عدد546/1 بتاريخ 2014/04/11 في الملف المدني رقم 2626/1/1/2014 الصادر عن محكمة الاستئنافبوجدة، غير منشور.
[30]القرار عدد 750 المؤرخ في 2006/03/08 نلف مدني عدد 3605/1/1/2005، للإطلاع على القرار كامل: عمر أزوكار، مرجع سابق، الصفحة 10 وما بعدها.
[31] القرار 3470 المؤرخ في 2002/11/13 ملف مدني عدد 1581/1/1/2002، مأخود من نفس المرجع أعلاه، الصفحة 14.
[32]القرار 633 المؤرخ في 2006/02/22 ملف مدني عدد 3286/1/1/2005، مأخود من نفس المرجع أعلاه، الصفحة 44.
[33] قرار عدد 38 المؤرخ في 2008/01/02 ملف مدني عدد 1873/1/1/2006، مأخود من مؤلف عمر أزوكار، مجع سابق، الصفحة 30.
[34]جلال قرقاش، مرجع سابق، الصفحة 75.
[35] قرار عدد 271 المؤرخ في 1076/05/11 ملف مدني رقم 3326، تم أخده من جلال قرقاش، مرجع سابق، الصفحة 76.
[36] قرار عدد 2153 المؤرخ بتاريخ 2007/06/20 ملف عدد 1594/1/3/2006، مأخود من جلال قرقاش، مرجع سابق، الصفحة 92.
[37]الحكم الصادر عن المحكمة الإبتدائية بمراكش بدون رقم و المؤرخ في 2012/11/01، في الملف رقم 2009/12/79. مأخوذ من :
المعهد العالي للقضاء "أحكام في المادة العقارية"، الصفحة 322.
[38]قرار عدد 394 المؤرخ في 2006/07/12 في الملف المدني عدد 579/05. مأخوذ من خايف الله عبد النبي، مرجع سابق، الصفحة 33.
[39]قرار عدد 422 في الملف العقاري رقم 69/2/1/02. مأخوذ من نفس المرجع أعلاه.
[40] القرار عدد 220 الصادر بتاريخ 24 مارس 2015 في الملف المدني عدد 5224/1/3/2014. مأخود من نشرة قرارات محكمة النقض –الغرفة المدنية-، العدد 21 لسنة 2015.
[41] محمد خيري، مرجع سابق، الصفحة 373.
[42]مذكرة رقم 5829 م.م.ع/ق.ت.ع/م.ت.م.ع بتاريخ 25 دجنبر 2001.
[43] ادريس الفاخوري، مرجع سابق، الصفحة 59.
[44] الفصل 48 من ظهير التحفيظ العقاري " كل طلب للتحفيظ أو تعرض عليه ثبت للمحكمة صدوره عن تعسف أو كيد أو سوء نية يوجب ضد صاحبه غرامة لفائدة الوكالة الوطنية للمحافظة العقارية والمسح العقاري والخرائطية لا يقل مبلغها عن عشرة في المائة من قيمة العقار أو الحق المدعى به. والكل دون المساس بحق الأطراف المتضررة في التعويض.
إن المحكمة التي أحيل عليها مطلب التحفيظ لها صلاحية الحكم تلقائيا بالغرامة والبت، عند الاقتضاء، في طلبات التعويض."
[45] حكم لابتدائية الناضور بدون رقم، ملف عدد 262/08/15 بتاريخ 2016/06/27.
[46]حكم بدون رقم، ملف عقاري رقم 2013/08/51 ،صادر بتاريخ 2014/12/11 ،غير منشور. مأخوذ من: محمد صالحي "الحد من التعرضات الكيدية كآلية لتحقيق الأمن العقاري"، مقال مرفوع على الموقع https://www.maroclaw.com/%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF-%D8%B5%D8%A7%D9%84%D8%AD %D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%AF-%D9%85%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B9%D8%B1%D8%B6%D8%A7%D8%AA- %D8%A7%D9%84%D9%83%D9%8A%D8%AF%D9%8A%D8%A9-%D9%83%D8%A2/ .
[47]حكم رقم 444 ،ملف مدني عدد 13/147 ،صادر بتاريخ 2014/04/24 ،غير منشور. مأخوذ من نفس المرجع أعلاه.
[48] محمد عبد المحسن البقالي الحسني "دور النيابة العامة في مسطرة التحفيض العقاري"، بحث مقدم لموقع البوابة القانونية و القضائية لوزارة العدل، الصفحة 4.
[49] أمين بورفود "دور النيابة العامة في مسطرة التحفيظ العقاري"، رسالة ماستر، كلية العلوم القانونية و الإقتصادية و الإجتماعية بتطوان، 2018، الصفحة 49.
[50] نفس الرجع، الصفحة 51.
[51] محمد عبد المحسن البقالي الحسني، مرجع سابق، الصفحة 9.
[53] حكم عدد 85 الصادر بتاريخ 1999/06/23 في الملف رقم 98/13. ( مأخوذ من محمد عبد المحسن البقالي الحسني، مرجع سابق، الصفحة 14).
[54] قرار محكمة النقض عدد 2838 المؤرخ ب 2004/10/06 الملف المدني رقم 3365/1/1/2003، غير منشور. مأخوذ من مؤلف ادريس الفاخوري، مرجع سابق،الصفحة 72.
[55]قرار محكمة النقض عدد 3033 المؤرخ ب 2007/09/26 الملف المدني رقم 2714/3/5/2005، غير منشور. مأخوذ من نفس المرجع.
[56] محمد عبد المحسن البقالي الحسني، مرجع سابق، الصفحة 17.