المسؤولون بالضمان العشري و الأشخاص المستثنون منه

مواضيع في القانون المدني

المسؤولون بالضمان العشري و الأشخاص المستثنون منه

المسؤولون بالضمان العشري و الأشخاص المستثنون منه.

بالرجوع إلى أحكام المادة 769 من قانون الإلتزامات و العقود، نجد أنها تقرر بعبارات قاطعة لا تدع أي مجال للشك أن الذين يخضعون لأحكام المسؤولية الخاصة أو الضمان العشري المنصوص عليها، هما فقط المهندس المعماري أو المهندس و المقاول دون غيرهما، ولتحديد مفهوم كل منهما ودوره في الضمان العشري، نتناول ذلك في نقطتين:

يتعلق أولهما بالمهندس المعماري ( أولا) ، وثانيهما يتعلق بالم قاول( ثانيا) .

أولا: المهندس المعماري.

حتى تكون إحاطة شاملة بالمهندس المعماري نتطرق إلى تعريفه ثم تحديد دوره في الضمان العشري لكي تقوم مسؤوليته.

أما من ناحية تعريف المهندس المعماري، فقد أشار المشرع المغربي على المهندس المعماري في الفصل 769 من قانون الإلتزامات و العقود بقوله: "المهندس المعماري أو المهندس والمقاول المكلفان مباشرة من رب العمل يتحملان المسؤولية، إذ حدث خلال العشر سنوات التالية لإتمام البناء أو غيره من الأعمال التي نفذاها أو أشرفا على تنفيذها إن انهار البناء كليا أو جزئيا، أو هدده خطر واضح بالإنهيار بسبب نقص المواد أو عيب في طريقة البناء أو عيب في الأرض.

 المهندس المعماري الذي أجرى تصميم البناء ولم يشرف على تنفيذ عملياته لا يضمن إلا عيوب تصميمه. و تبدأ مدة العشر سنوات من يوم تسلم المصنوع ويلزم رفع الدعوي خلال 30 يوما التالية ليوم ظهور الواقعة الموجبة للضمان و إلا كانت غير مقبولة.

وسواء كان المهندس المعماري شخص طبيعي أو معنوي يشترط أن يكون معتمدا لممارسة هذه المهنة، وهذا بأن يكون مسجلا في الجدول الوطني للمهندسين المعماريين[1] .

أما فيما يخص دوره، فقد حدد قانون رقم 89-16 المتعلق بمزاولة مهنة الهندسة المعمارية وإحداث هيئة المهندسين المعماريين الوطنية بالمغرب في مادته الأولى دوره في التخطيط المعماري للمباني و التجزئة العقارية وإعداد التصميم المتعلق بها والإشراف على تنفيذها، كما يمكن أن تناط به مهمة مراقبة صحة البيانات الحسابية للمقاولين المساهمين في إنجاز الأعمال الخاصة بهذه العمليات.

ثانيا: المقاول.

يضاف إلى خانة الأشخاص المسؤولون بالضمان العشري بالمغرب طرفا تانيا وهو المقاول.

و قدعرفه بعض الفقهاء بأنه : "كل شخص تعهد لصاحب العمل بإقامة بناء أو منشآت ثابتة في مقابل أجر، دون أن يخضع في عمله للإشراف و التنفيذ أو الإدارة."

 وعرفه البعض الآخر: "المقاول هو الذي يعهد إليه بإقامة المباني والمنشآت بمقتضى عقد مقاولة تستوي في ذلك أن يحضر من عنده المواد التي ستستخدم في البناء أم يقدمها رب العمل .

 وبالرجوع للمشرع المغربي نجده غير حاضر،إذ لم يعرف المقاول في أي نص من نصوصه إلى جانب المهندس المعماري، إلا انه شمله بالضمان العشري في فصله 769 من قانون الإلتزامات و العقود: "... والمقاول يتحملان المسؤولية...".

أما من ناحية دور المقاول، فالأصل أن المقاول هو شخص تنفيذي، أي عليه أن يقوم بتنفيذ المخططات وفق التعليمات الموضحة له من قبل المهندس المعماري أو مكتب الدراسات وأن يراعي في تنفيذ مهمته الأصول الفنية لها بالشروط والمواصفات التي تضمنها الصفقة التي أبرمها مع رب العمل.

ويظهر الدور الأساسي للمقاول في تنفيذ عقد المقاولة فهو يقوم بالتنفيذ وفقا للتصميمات والنماذج والرسوم التي يضعها المهندس المعماري وتحت إشرافه وطبقا لتعليماته، إلا أن هذا لا يمنع استقلاله في تنفيذ ذلك و إلا فقد صفته كمقاول وأصبح تابعا للمهندس أو صاحب العمل[2] .

و لا يخرج دور المقاول في عقد المقاولة عن ثلاتة أدوار والمتمثلة فيما يلي :

- إنجاز العمل :وهو الإلتزام المرهق والرئيسي الذي يترتب في ذمة المقاول، وهذا الإلتزام ينطوي على واجبات منها أن يبدل في إنجازه  العناية اللازمة سواء قدم المادة من عنده أو قدمها له رب العمل، كما يجب أن ينجز هذا العمل بالطريقة المتفق عليها في عقد المقاولة، و إلتزام المقاولة هو تحقيق نتيجة وليس بدل عناية.

- تسليم العمل :ويعرف بأنه وضع العمل تحت تصرف رب العمل بحيث يتمكن هذا الأخير من الإستيلاء عليه والإنتفاع منه أو القدرة على ذلك. كما يعرف بذلك العمل القانوني الذي عن طريقه يقرر رب العمل تقبله للأعمال التي تعم إنجازها لحسابه ويستولي عليه ماديا.كما أنه يتوجب على المقاول تسليم العمل في الأجال المتفق عليها و إلا تعرض إلى عقوبات التأخير.

- الإلتزام بالضمان :ويشمل الضمان كل من الضمان السنوي و الضمان العشري وكل منهما هو التزام في ذمة المقاول ، ويعتبر من مهامه، و المقاول قد يعمل تحت إشراف رب العمل أو تحت إشراف المهندس المعماري، وبذلك فإن المقاول كأصل عام لا يكون مسؤولا إلا عن عيوب التنفيذ دون عيوب التصميم، أما إذا كان المقاول هو من وضع التصميم فإنه يكون المسؤول الوحيد عن الأضرار سواء بسبب التصميم أو التنفيذ[3].

ويلتزم كذلك المقاول بالضمان العشري سواء قام بالعمل بنفسه أو بواسطة تابعيه أو عماله أو عن طريق المقاول من الباطن. فهؤلاء يلتزم المقاول الأصلي أمام رب العمل بضمان أعمالهم بينما هم لا يسألون إلا أمام المقاول الأصلي فقط، وتكون مسؤوليتهم عقدية وليست مسؤولية خاصة، أما إذا اقتصر دور المقاول على أداء بعض الأعمال التي حتى و إن تمت معيبة لا تؤثر على متانة العمل وسلامته و لا تجعله غير صالح للهدف المنشاة لأجله، کأعمال البياض و الدهان وأعمال الصيانة الثانوية، فإنه لا يخضع، و الحال كذلك لأحكام المسؤولية الخاصة، وإنما يخضع لأحكام المسؤولية العقدية العادية[4].

الفقرة الثانية: الأشخاص المستفيدون.

مما لا شك فيه أن المستفيد الأصلي من الضمان العشري هو رب العمل، فقد خوله القانون إمكانية الرجوع بالضمان على المهندس المعماري والمقاول لجبر الضرر اللاحق به، غير أنه وبعد وفاته فإن الحق في الضمان، ينتقل إلى الخلف العام، (وهو ما يعبر عنه في النظرية العامة للعقد بانحراف آثار العقد إلى الخلف العام)، كما أنه إذا تم التصرف في العقار، فان هذا الضمان أيضا ينصرف الى الخلف[5]( أولا ) بالإضافة إلى ذلك يطرح التساؤل حول مدى استفادة أشخاص آخرين من هذا الضمان وهم على وجه الخصوص المالكون المشتركون في ملكية الشقق والطبقات والمشتري المستاجر(ثانيا ).

أولا: رب العمل.

يستفيد من تأمين المسؤولية المدنية العشرية كل من رب العمل والمفوت إليه المنشأة في حالة وقع نقل ملكية أو الإنتفاع منها.

والمقصود برب العمل هو ذلك الشخص الذي شيد البناء أو تقام المنشأة الثابتة في الحقيقة لحسابه سواء كان هذا شخصيا طبيعيا أو معنويا خاصا أو عاما[6]، ويكون رب العمل بهذا المعنى هو المستفيد الأول عن مسؤولية القواعد الخاصة المعماريين، ذلك أن رب العمل هو الذي يصاب عادة بالضرر من جراء تهدم أو عن جراء ظهور عيب في المنشأة يهدد سلامتها أو متانتها فيرجع بالضمان الخاص على المعماريين[7]. ووفقا للقواعد العامة المسلم بها في عقد الوكالة فإنه إذا كان عقد المقاولة قد تم إبرامه عن طريق الوكيل عن رب العمل فان المستفيد هو الموكل (رب العمل) ، وكذلك لا يشترط أن يكون رب العمل هو مالك الأرض التي أقام عليها البناء، بل يكفي أن يرخص له بالبناء عليها.

ويجب الإشارة إذا ما فقد رب العمل صفتة هاته لأي سبب من الأسباب، كما لو باع العقار أو وهبه أو تنازل عنه لغيره، فلا يستطيع رفع دعوي الضمان العشري[8]، غير أنه يبقى من حقه رفع دعوى قضائية للمطالبة بالتعويض عن الأضرار التي أصابته خلال فترة تملكه للعقار[9].

أما بالنسبة لخلفاء رب العمل، فإن المستفيد الأساسي من الضمان العشري هو ولي العمل ، غير أنه لما كانت الحقوق التي يرتبها العقد المبرم بين رب العمل والمهندس المعماري أو بين رب العمل والمقاول تنتقل بعد موته إلى ورثته في الحق في الضمان العشري ينتقل إليهم باعتبارهم خلفا عاما ( أ ) . كما ينتقل الضمان العشري إلى الخلف الخاص لرب العمل لأنه من مستلزمات البناء ( ب).

  • الخلف العام:

يقصد بالخلف العام من يخلفه سلفه في كامل ذمته المالية أو في جزء شائع منها كالنصف أو الثلث، الوارث الوحيد من ورثة متعددين يعتبر خلفا عاما، الموصى له بمجموع التركة أو الموصى له بجزء شائع منها كالثلث أو الربع يعتبر كذلك خلفا عاما[10].

ب- الخلف الخاص :

يقصد بالخلف الخاص من يخلق الشخص في عين معينة بالذات أو الحق عيني عليها كالمشتري والموهوب له[11] .

ثانيا: المالكون المشتركين في ملكية الطبقات والمشتري المستأجر.

 لم تقتصر الإستفادة من الضمان العشري على رب العمل وخلفاؤه وإنما امتد ليشمل المالكون المشتركون في ملكية الطبقات و كذلك المشتري المستأجر.

أ - الملاكون المشتركون في ملكية الطبقات:

 انتشرت في السنوات الأخيرة ظاهرة الملكية المشتركة للبناء الواحد مع أزمة السكن و ارتفاع أثمنة العقارات، فإذا حدث تهدم البناء المشترك يحق في اتحاد الملاك المشتركون الحق في رفع دعوى الضمان العشري.

 هذا ما يتبين من المادة 13 من نظام الملكية المشتركة رقم 00-18 المعدل والمتمم بموجب القانون 106.12 التي تقضي: "يحق لاتحاد الملاك الرجوع على الغير المسؤول عن الضرر."[12]

والسؤال الذي  يطرحه البعض، هل يمكن رفع دعوى للمطالبة بالضمان العشري خارج إطار قانون الملكية الذي يعطي الحق في التقاضي لوكيل الإتحاد؟

 يجيب عن هذا الإشكال القرار الصادر عن محكمة النقض جاء فيه " :حيث تعيب الطالبة القرار المطعون فيه بخرقه للقانون والقاعدة مسطرية من النظام العام

وللفصل الأول من قانون المسطرة المدنية ذلك أن المطلوب في النقض تقدم بدعواه بصفة شخصية مع أن الجهة المؤهلة قانونيا لتمثيل الملاك هو اتحادهم، و أن  منحه الإذن بالتقاضي بصفة شخصية لا يكون إلا بتفويض من الجمعية العمومية، خاصة و أنه يطالب بإصلاح الأجزاء المقررة و المشتركة في العمارة، والمحكمة لما قبلت الدعوی بالرغم من ذلك تكون قد خرقت القانون.

 لكن حيث إنه لئن كان الدفع بعدم القبول لانعدام الصفة من النظام العام يجوز التمسك به ولو لأول مرة أمام محكمة النقض، فإن ذلك منوط بأنه تكون عناصره الواقعية متوفرة لدي قضاة الموضوع، وإذ يكون ظاهرا من أوراق الملف أنها تخلو مما يفيد وجود نظام الملكية المشتركة تخضع له الوقاية السكنية محل النزاع، الشيء الذي حال دون مناقشة هذا الدفع من طرف المحكمة في إثارته في غياب النظام المذكور تكون غير مقبولة مما يجعل، الوسيلة غير مقبولة[13].

ومحكمة النقض كانت على حق وطبقت القانون كما يجب، إذ عدم وجود نظام الملكية المشتركة الخاص بالبداية علاوة على عدم وجود وكيل الإتحاد الذي أناط له المشرع مهمة تمثيل الإتحاد لدى المحاكم[14] طبقا للفقرة الأخيرة من المادة 26 من القانون المذكور أعلاه، وبالتالي يمكن القول بأن المستفيد من رفع الدعوى الضمان في الملكية المشتركة تثبت الإتحاد الملاك في المأمور في حالة غياب هذا النظام لا يحرم المالك من مباشرة دعوی الضمان عن الحقوق المشتركة أما بالنسبة للأجزاء المفرزة ، فالمالك يبقى هو المستفيد.

ب - المشتري المستأجر:

تنص المادة الثانية من قانون 51:00[15] المتعلق بالإيجار المفضي إلى تملك العقار على ما يلي: "يعتبر الإيجار المفضي إلى تملك العقار كل عقد بيع يلتزم البائع بمقتضاه تجاهالمكتري المتملك بنقل ملكية عقار أو جزء منه بعد فترة الإنتفاع به بعوض مقابل أداء الوجيبة المنصوص عليها في المادة 8 من هذا القانون ، ذلك إلى حلول تاريخ حق الخيار.

 فالبيع الإيجاري عقد يتفق بمقتضاه شخصان أو أكثر على إيجار العين أو العقار لمدة محددة مقابل أجرة أو اقساط، بحيث إذا أوفى المستأجر بجميع الأقساط و الأجرة في نهاية المدة المتفق عليها انتقلت إليه ملكية العين أو العقار.

 وإذا ظهر العيب الموجب للضمان أو التهدم على البقاء ففي حالة تسديد كافة الأقساط من قبل المكتري المتملك فيثبت له الحق في رفع الدعوى، لكن في حالة المقابلة إذا لم يكن قد وفى بالتزاماته المالية، فالملكية تبقي لرب العمل ولن يستطيع المكتري ممارسة دعوی الضمان العشري، وإنما له الحق في المطالبة بالقيام بالإصلاحات الضرورية للمبني تطبيقا لقوانين الكراء[16].

 

[1]عبد الغني رحال، مرجع سابق ، ص15.

[2]عادل عبد العزيز عبد الحميد سمارة ، مرجع سابق، الصفحة 49.

[3] خديجي أحمد، مرجع سابق، الصفحة 12-13.

[4]عبد الرزاق السنهوري ، مرجع سابق ، الصفحة41.

[5] فاطمة عمراوي: "المسؤولية الجنائية لمشيدي البناء :الملك، المهندس المعماري و المقاول"، رسالة لنيل الماجستير في القانون الجنائي، جامعة الجزائر، كلية الحقوق اين عكنون، السنة الجامعية :2000-2001 ، ص :161.

[6]پوبلی " :عقد المقاولة "، موسوعة دالورز ، ط 1981 ء القانون المدني ، بند 7-3 ص :4. وارد لدي عبد الرزاق حسينيس:"المسؤولية الخاصة بالمهندس المعماري ومقاول البناء :شروطها، نطاق، تطبيقها، الضمانات المستحدثة فيها دراسة مقارنة في القانون المدني"، جامعة أسيوط/ كلية الحقوق، الطبعة الأولى 1987 ، ص :573

[7]عبد الرزاق احمد السنهوري " :الوسيط في شرح القانون المدني الجديد الجزء السابع، العقود الواردة على عمل المقاولة والوكالة، المجلد الأول، دار النهضة العربية بالقاهرة ، طبعة 1964 ، ص111. :

[8]محمد شكري سرور، مرجع سابق، الصفحة 167.

[9]عبد الرحمان حموش، مرجع سابق، الصفحة 186-187.

[10]مأمون الكزبري : "نظرية الإلتزام في ضوء قانون الإلتزامات والعقود، الجزء الأول، مصادر الإلتزام "، مطبعة دار القلم بيروت، 1974 ، الصفحة 297.

[11]عبد الغاني الناصري، مرجع سابق، الصفحة 247.

[12]قانون 18.00 المعدل والمتمم بموجب القانون 106.12 الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 49-16-1 بتاريخ 19 رجب 1437 الموافق ل 27 أبريل 2016 الجريدة الرسمية عدد 6465 من شعبان 1437 الموافق ل 16 ماي 2016 ، ص :3781

[13]قرار محكمة النقض رقم 15/7 ، ملفمدني عدد 479/1/2011 المؤرخ في 15/1/2013 ، غير منشور

[14]عبد الغاني ناصيري، مرجع سابق، الصفحة 248.

[15]قانون 51.00 الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.03.202 بتاريخ 16 رمضان 1424 الموافق لـ 11 نونبر 2003 ، الجريدة الرسمية عدد 5172 بتاريخ 25 دجنبر 2003، الصفحة 4375.

[16]عبد الغاني ناصيري، مرجع سابق، الصفحة 249.

What's Your Reaction?

like
0
dislike
0
love
0
funny
0
angry
0
sad
0
wow
0