الإجهاض العلاجي

مجموعة بحوث وعروض في القانون الجنائي والمسؤولية الجنائية للطبيب

الإجهاض العلاجي
نص المشرع المغربي في الفصل 453 ق.

ج.

م ( لا عقاب على الإجهاض إذا استوجبته ضرورة المحافظة على صحة الأم متى قام به علانية طبيب أو جراح إذن من الزوج، ولا يطالب بهذا الإذن إذا ارتأى الطبيب ان حياة الأم في خطر، غير أنه يجب عليه أن يشعر بذلك الطبيب الرئيس للعمالة أو الإقليم.

.

.

).

يتضح من خلال هذا الفصل، أن المشرع المغربي قد تبنى منهجا مخالفا للفصول السابقة حول الإجهاض، حيث أجازه في بعض الحالات التي تستدعي الضرورة المحافظة على صحة الأم، وبالتالي فإنه الطبيب او جراح لا يعاقب على الإجهاض العلاجي .

كما ان هذا النوع من الاجهاض يندرج ضمن حالات انتفاء المسؤولية الجنائية للطبيب وفق الفصل 453.

ق.

ج.

م،وعليه فان المشرع المغربي جعل من هذه الحالة تدخل ضمن أسباب الإباحة (1) ، حيث انه ليس هناك صفة للتجريم ولا العقاب، على عكس موانع المسؤولية الجنائية التي تفرض أن صفة التجريم تبقى موجودة إلى أن لضرورة ما تنتفي المسؤولية الجنائية ومن تم العقاب(2)،عكس باقي التشريعات الجنائية التي اقرت بأن حالة الضرورة تدخل ضمن موانع المسؤولية الجنائية، ومن بينها المشرع المصري والفرنسي.

(3) و عليه، نتساءل عن ما هي شروط الإجهاض العلاجي ؟ وهل يمكن اعتبار هذه الحالة تدخل ضمن حالات انتقاء المسؤولية الجنائية للطبيب؟ للاجابة عن هذه التساؤلات، لابد من تحديد شروط الإجهاض العلاجي الاتي بياها على الشكل التالي: 1- ضرورة المحافظة على صحة وحياة الأم : يتضح من خلال الفقرة الاولى من الفصل 1/453 ق.

ج ان الإجهاض يتحقق إذا استوجبته ضرورة المحافظة على صحة الأم متى قام به علانية طبيب أو جراح بإذن من الزوج، ويدخل في حكم الضرورة التي تستوجب ذلك، في كون المرأة الحامل مصابة باضطرابات هرمونية يصعب معه إيقاف النزيف بعد الولادة، أو كونها مصابة بسرطان في عنق الرحم أو في غشائه، أو كونها ضعيفة القلب لا تحتمل طول مدة الحمل بدون مخاطر عليها وعلى الجنين أو مصابة بمرض السكري، أو إلى غير ذلك من الأسباب التي تستوجب الإجهاض محافظة على صحة الأم.

(1) وقد حدا المشرع المغربي من خلال هذه الفقرة المشاراليها، حدوالمشرع الفرنسي الذي اجاز بدوره الإجهاض العلاجي في المادة 1-2212 L من القانون الصحة العامة، التي اشارت الى امكانية لجوء الطبيب الإجهاض في حالة وجود امرأة حامل تستدعي وضعية التدخل للقيام بالإجهاض وذلك في الفترة التى لا تتجاوز الأسبوع الثاني من الحمل ، وقد رتب المشرع الفرنسي جزاء على عدم احترام هذا الاجل،حينما اكد من خلال المادة 2-2222L من القانون الصحة العامة، على ان الإجهاض الذي يرتكبه الطبيب يعاقب عليه بسنتين حبسا وغرامة 30.

000 متى قام بالإجهاض بعد انقضاء الأجل الذي يسمح به القانون ما لم يكن الفعل قد تم لأسباب علاجية، او إذ تم الإجهاض في غير المؤسسات الاستشفائية العمومية أو الخصوصية التي تعمل وفق الشروط التي حددها القانون(2).

يتضح بأن المشرع الفرنسي، اعتمد مقاربة إباحة الإجهاض العلاجي وفق بعض الشروط والقواعد المقررة في القانون الصحة العامة، إلا أنه يفسح المجال الواسع لإباحة الإجهاض، خاصة أن لفرنسا عضو في الاتحاد الأوربي، ولها التزامات في مجال حقوق الإنسان الصادرة عن اللجنة الأوربية خاصة المتعلقة بالحياة الخاصة للأفراد.

وفي نفس الاتجاه، نص المشرع الإماراتي في المادة 22 من قانون مزاولة مهنة الطب البشري على أنه (لا يجوز للطبيب أن يجري عملية الإجهاض أو يصف أي شيء من شانه إجهاض امرأة على أنه إذا كان في استمرار الحمل خطر على حياة الحامل، فيجوز إجراء عملية الإجهاض في هذه الحالة بالشروط الآتية : - أن يتم الإجهاض بواسطة طبيب متخصص في أمراض النساء وبموافقة طبيب آخر متخصص في سبب الإجهاض.

- أن يحرر محضر بتقرير السبب المبرر للإجهاض بمعرفة الأطباء المعنيين، على أن يوقع عليه زوج المريضة أو وليها بما يفيد الموافقة على إجراء عملية الإجهاض ويحتفظ كل طرف من الأطراف المعنية بنسخة منه) (1) .

كما ينص المشرع الإماراتي على أن الإجهاض يجوز في حالة استمرار الخطر على حياة الحامل وفق شروط المحددة في المادة22 المشار اليها سابقا.

اما على مستوى القضاء المغربي، فقد صدر قرار عن محكمة الاستئناف بالجديدة جاء فيه، بأن مرأة حامل كانت تعاني من نزيف حاد ظنت أنه سوف يؤثر على حياة الجنين، وعرضت نفسها على طبيب من اجل القيام بعملية الإجهاض، و على اثرها تمت متابعة الطبيب بتهمة جريمة الإجهاض، وقد جاءت دفوعه تؤكد على أن الدافع الأساسي إلى القيام بالإجهاض هو إنقاذ حياة الأم من الخطر(2) .

غير أن المحكمة قد أعادت التكييف القانوني وجعلته في هذه الحالة يدخل ضمن الفصل 453 ق.

ج، وليس الفصل 449 و451 .

ق.

ج.

م ، مما قضت ببراءة الطبيب عن جريمة الإجهاض ، والملاحط ان هذا القرار قد اثار إشكالات عديدة على مستوى الواقع العملي ، حيث أنه تعرض على الأطباء العديد من الحالات من اجل القيام بعمليات الإجهاض و يتم رفضها او يتم ادراجها في نطاق الفصل 453 ق.

ج.

ق.

م ، وبذلك فان هذا الفصل جاء مطلقا وشموليا، حيث أن المشرع لم يحدد الحالات المحددة التي تستوجب ضرورة المحافظة على صحة الأم في الفضل 453 ق.

ج.

م(1).

ومن تم فان للطبيب مجال واسع لتقدير هذه الحالات، وكذلك لتفسير اية حالة على انها تستدعي المحافطة على صحة الأم، للتملص من المسؤولية الجنائية، خاصة أن بعض الأطباء من محترفي الإجهاض أصبح همهم الوحيد جمع أكبر قدر من المال والثروة على حساب ظروف طارئة تدفع لذلك.

كما أن للمحكمة الزجرية سلطة تقديرية في ما يتيحه لها القانون في تقدير الحالات المعروضة عليه، ومدى إمكانية إدخالها في الفصل 453 ق.

ج.

م وهو ما يستفاد من العديد من الحكام والقرارات القضائية الصادرة في الموضوع انها تتجه في إطار عدم مساءلة الأطباء جنائيا وفق الفصل 453 ق.

ج.

نود الاشارة الى ضرورة تدخل المشرع المغربي لتحديد الضوابط والشروط القانونية للإجهاض العلاجي وتحديدا الحالات التي يمكن فيها الإجهاض، حتى لا يتم تقدير ذلك إلى ضمير الطبيب، لأن الأمر يتعلق بالصحة العامة قبل أن تعتبرها تدخل في الحياة الخاصة للأفراد.

2- ممارسة الإجهاض العلاجي من طرف طبيب أو جراح : نص المشرع المغربي على الإجهاض العلاجي في الفصل 453 ق.

ج.

م٬ و ذلك من خلال اعتبارهذه حالة ضرورة المحافظة على صحة الأم شريطة ان يقوم به علانية طبيب أو جراح، وان تكون له الصفة التي يتطلبها القانون لإجراء هذا النوع من العمليات ضمانا لأكبر قدر من الاحتياط بسبب خطورة العملية، أما إذا قام بها ممرض أو قابلة مثلا فإن المشرع يعاقب على هذه الحالات وفق جريمة الإجهاض في الفصل 449 ق.

ج.

م.

وبذلك ، فأن عمليات الإجهاض سواء كانت قانونية او غير قانونية فإن أغلبها تتم من طرف الأطباء، إلا أن إمكانية إجرائها تطرح بحدة في المناطق النائية ، حيث أن هذه المراكز الصحية تعرف قلة عدد الأطباء ذوي الاختصاص في أمراض النساء، مما يضطر إلى فتح المجال لاجرائها من قبل الممرضات والقابلات، خاصة أن هاتين الفئتين من الناحية العملية الأكثر ممارسة لعمليات ولادة الحوامل .

و اذا كان المشرع المغربي قد اكد على ضرورة تدخل طبيب او جراح للقيام بالإجهاض العلاجي فانه لم يكن بمفرده، بل حدا حدو المشرع الفرنسي الذي ينص على ضرورة قيام الإجهاض من طرف طبيب او جراح.

وتجدر الإشارة إلى أن قطاع الصحة بالمغرب رغم استراتيجية 2008-2012 لتحسين السياسة الصحية بالمغرب، وذلك من خلال دعم التدبير المفوض،(1) اوالقطاع الخاص، فإن المردودية على مستوى الطبقات المتوسطة والفقيرة يزداد صعوبة، مما يتعين جعل القطاع العام، يحضى بالمكانة التي يستحقها للخروج من الأزمة الصحية الراهنة.

3- احترام الإجراءات القانونية : اشترط المشرع المغربي في الفصل 453 ق.

ج.

م على ان يتم الإجهاض العلاجي بإذن من الزوج،باستثناء حالة وجود خطر يهدد حياة الام، ففي هذه الحالة لا يطالب الطبيب الإذن وانما يقع عليه واجب اشعار الطبيب الرئيسي للعمالة أو الإقليم .

وتطبيقا لذلك إذا رفض الزوج او عدم وجوده أو لسبب آخر، فإن الطبيب لا يقوم بعملية الإجهاض أو يستعمل علاجا يمكن أن يترتب عنه الإجهاض إلا بعد حصوله على شهادة كتابية من الطبيب الرئيسي للعمالة أو الإقليم يصرح فيها بأن صحة الأم لا يمكن المحافظة عليها إلا باستعمال مثل هذا العلاج.

وفي هذا الاطار ، قضت محكمة الاستئناف بالدار البيضاء في إحدى قراراتها بإدانة طبيب بجنحة الإجهاض بعقوبة حبسية (3 سنوات) وعقوبة إضافية بالحرمان من مزاولة المهنة بصفة نهائية، وعللت المحكمة قرارها بأن المتهم (الطبيب) لم يأخذ الإذن من الأسرة الضحية ولا من الزوج، ولم يحترم الاجراءات القانونية التي تلزمه بالأخذ بالشهادة المكتوبة من الطبيب الرئيس للعمالة أو الإقليم، وتم اجراء العملية بشكل سري، مما يترتب على ذلك مسؤولية الطبيب الجنائية على هذا الفعل (1).

وبالتالي، فإن الإذن أو موافقة الزوج على قيام الطبيب بإجهاض المرأة الحامل لابد منها، خاصة اذا كان الإجهاض العلاجي يستند إلى خطر يهدد الجنين، لإمكانية اصابته بمرض أو تشوه و تم ذلك وفق القانون، أما غيرها من الحالات فيجت اتباع الإجراءات القانونية المنصوص عليها في 453.

ق.

ج.

م.

خاصة الترخيص الكتابي للطبيب الرئيسي للعمالة أو الإقليم على الإجهاض العلاجي.

What's Your Reaction?

like
0
dislike
0
love
0
funny
0
angry
0
sad
0
wow
0