الوساطــــة القضائيـــــة في الطلاق للشقاق

التطليق للشقاق في القانون المغربي مجموعة مواضيع في قانون الأسرة للإستعانة بها في البحوث التحضير للمباريات القانونية

الوساطــــة القضائيـــــة في الطلاق للشقاق
نظرا لأهمية الوساطة القضائية في إنهاء النزاعات الزوجية، فإنها تحظى باهتمام الأنظمة القانونية المعاصرة ( )، حيث تتمثل طبقا للقانون المغربي في تلك المساعي التي تبذلها المحكمة المختصة لأجل إيجاد تسوية ودية للنزاع المعروض عليها في دعاوي الشقاق، تتم بحضور الزوجين - بعد استدعائهما وفق ضوابط التبليغ المشار إليها سابقا – شخصيا أو بواسطة دفاعهما في الجلسة الأولى التي تعقدها المحكمة، حيث جاء في الفصل 180 من قانون المسطرة المدنية أنه:» يجب على الأطراف أن يحضروا شخصيا في هذه الجلسة الأولى أو بواسطة ممثلهم القانوني و تجرى دائما محاولة الصلح «، والنص على إمكانية الاكتفاء بحضور محامي طرفي النزاع في الجلسة الأولى، نابع من كون المحكمة غالبا ما تكتفي خلالها بالاستماع الأولي، والمطالبة بتمكينها من البيانات الغير تامة و التي وقع إغفالها و الإدلاء بالوثائق اللازمة .

.

.

، مما يعني أن الحضور الشخصي للزوجين يبقى أمرا ضروريا في الجلسة الموالية لها، و إذا تعذر ذلك تؤجل القضية إلى جلسة أخرى حتى يتأتى لهما ذلك، أو اللجوء إلى إصدار حكم غيابي في حق الزوج الذي تخلف عن الحضور رغم توصله شخصيا بالاستدعاء، لأن في الحضور الشخصي تمكين للمحكمة من الشروع في تفعيل إجراءات الصلح القضائي المنصوص عليه في مدونة الأسرة، و التي تعتبر ضرورية لتسوية النزاع القائم بينهما، حيث لا يمكن اللجوء إليها في غيبتهما و لو عن طريق الوكالة.

فلئن كان المشرع في ظل مدونة الأحوال الشخصية الملغاة، قد نظم الوكالة في الطلاق طبقا لفصلها 44 مجيزا بذلك للوكيل القيام بكل الإجراءات القانونية الضرورية في هذا الإطار نيابة عن موكله بما فيها محاولة الصلح ( )، فإنه سكت عن ذلك في المدونة الجديدة مكتفيا بتنظيمها في الزواج ( )، و هذا السكون يفسر بحرصه على ضرورة الحضور الشخصي للزوجين لإجراء محاولـة صلـح حقيقيـة ، من شأنها أن تؤدي إلى الحفاظ على كيان الأسرة المهدد بالتفكك.

وبخصوص التطبيق القضائي لمبدأ الحضور الشخصي للزوجين في جلسة الصلح، نورد حكما قضائيا صادرا عن قسم قضاء الأسرة التابع لابتدائية الحسيمة جاء فيه: » حيث أن التطليق للشقاق يقتضي حضور الطرفين شخصيا أمام المحكمة للوقوف على أسباب الشقاق و محاولة تقريب وجهة النظر المختلفة.

وحيث أنه أمام تعذر حضور المدعى عليها أمام المحكمة، يتعذر معه معرفة الشقاق وأسبابه، و كذلك سلوك المسطرة المنصوص عليها في المواد 94 إلى 97 من مدونة الأسرة.

وحيث أنه إبقاء على العلل المذكورة أعلاه يكون طلب المدعي غير ذي أساس ينبغي التصريح بعدم قبوله «.

وبناء عليه فبعد حضور الزوجان ودفاعهما المنتدبان من طرفهما لجلسة الصلح تشرع المحكمة في تفعيل إجراءاته، حيث تجرى المناقشات بغرفة المشورة التابعة لها( )، يتم خلالها الاستماع إليهما حول موضوع النزاع وأسبابه، مع تعميق البحث وطرح الأسئلة الهادفة عليهما للإحاطة بكل جوانبه و بالتالي الوصول إلى حقيقته التي تمكنها في حالة فشل محاولة الصلح تحديد مسؤولية المتسبب في الشقاق و استمراره والباعث عليه، لما يترتب عن ذلك من آثار عند الحكم بالتطليق( ).

إن المحكمة وهي تقوم بالوساطة بين الزوجين لإجراء الصلح بينهما، تضطلع بدور إنساني و اجتماعي جديد يضاف إلى دورها القضائي التقليدي، لذلك إذا تبين لها من خلال المناقشات التي تجر بها أن المصلحة تقتضي تأخير القضية لجلسة لاحقة تلقائيا أو بناء على طلب الزوجين أو أحدهما، فلها أن تفعل ذلك مع إشعار الطرفين بتاريخها ، كذلك يمكنها استدعاء كل من ترى فائدة في الاستماع إليه إذا اقتضت إجراءات الصلح ذلك، مع مراعاة أجل الستة أشهر المحدد قانونا للبث في دعاوي الشقاق.

وإذا بدا لها أن سبب الامتناع عن الكشف عن أسباب الشقاق أمام هيئة الحكم الجماعية المكونة من ثلاثة قضاة وممثل النيابة العامة وكاتب الضبط، يرجع إلى تعلقها بأسرار الحياة الزوجية، فإنه يجوز لها أن تعين أحد أعضائها ليتولى الاستماع إلى الزوجين و الشهود بمكتبه، حيث بعد قيامه بمهمته وإعداده لتقرير في الموضوع، يعيد القضية إلى القضاء الجماعي بعد إشعار الطرفين بذلك، ليواصل إجراءات الصلح بين الزوجين على ضوئه ( )، وفي حالة وجود أطفال تقوم المحكمة بمحاولتين للصلح تفصل بينهما مدة لا تقل عن ثلاثين يوما، حسب ما هو منصوص عليه في الفقرة الثانية من المادة 82 من مدونة الأسرة ( ).

وبذلك انطلاقا من الأهمية النظرية التي تكتسيها الوساطة القضائية لتسوية النزاعات الزوجية في دعاوي الشقاق، من خلال إجراء محاولات الصلح بين الزوجين، فإن التساؤل المطروح : إلى أي حد يتم تفعيلها عمليا من طرف قضاء الأسرة ؟ إن التجربة القضائية أثبت منذ دخول مدونة الأسرة حيز التطبيق إلى الآن، عدم وجود توجه قضائي موحد بخصوص الكيفية التي يجب أن تجرى بها الوساطة القضائية بين الزوجين في دعاوي الشقاق، كما يستنتج ذلك بوضوح من خلال الأحكام القضائية الصادرة في الموضوع، حيث يمكن التمييز في هذا الصدد بين توجهين: الأول يعتمد الوساطة القضائية وفق الشكل المطلوب قانونا، و مثاله الحكـم القضائي الصادر عن ابتدائية صفرو – قسم قضاء الأسرة – مما جاء فيه: » .

.

.

و حيث أن المحكمة أدرجت القضية بغرفة المشورة بتاريخ 1/11 2004 حضرها الزوج و دفاعه وتخلفت الزوجة وحضر دفاعها، و قررت المحكمة التأخير لجلسة 22/11/2004 اعلم بها الحاضرين.

وحيث أدرجت القضية للمرة الثانية بغرفة المشورة حضرتها الزوجة و تخلف الزوج رغم إعلامه بالحضور و صرحت الحاضرة أن المدعى عليه زوجها لمدة سنة و لا أولاد لهما و أن سبب الطلاق يرجع إلى زوجها الذي يسيء معاملتها و يمنعها من زيارة أهلها و أنها توصلت بصداقها و أنها غير حامل.

وحيث أن المحكمة استمعت بغرفة المشورة للزوج بجلسة 29/11/2004 حضرها دفـاع الطرفيـن و نفى الزوج أن يكون يسيء معاملة زوجته و يضربهـا، و أضاف أنه قضى شهر مع زوجته وأنه لما علم عن طريق مكالمة هاتفية أن زوجته توجد بالمغرب، و لما حاول زيارتها طلب منه عمها أن يفارقها.

وحيث أن المحكمة حاولت إجراء الصلح بواسطة الحكمين، عن الزوجـة أمهـا وعن الزوج أخوه، انتهت بالفشل و أدليا بتقرير حول ذلك.

وحيث أن المادة 94 من مدونة الأسرة تنص على أنه إذا طلب الزوجان أو أحدهما من المحكمة حل نزاع بينهما يخاف منه الشقاق وجب عليها أن تقوم بكل المحاولات لاصلاح ذات البين، كما أن المادة 95 من نفس المدونة تنص على أن يقوم الحكمان أومن في حكمها باستقصاء أسباب الخلاف، و حيث أن محاولة الصلح باءت بالفشل .

.

.

( ) .

أما التوجه القضائي الثاني و يبدو أنه الغالب، فيعتمد في تسبيب الأحكام الصادرة في الموضوع بالأساس على النتيجة التي تسفـر عنها الوساطة الغيـر القضائيـة، و إن كانت هنـاك إشارة للوساطة القضائية فإنهـا تكون جـد مختصرة، حيث جاء في الحكم القضائي الصادر عن قسم قضاء الأسرة التابع لابتدائية تاونـات: » .

.

.

و حيث تلتمس المدعية الحكم بالتطليق للشقاق من المدعي.

وحيث انه طبقا للمادة 94 و 82 من مدونة الأسرة يلجأ إلى مسطرة الشقاق في الحالة التي يطلب الزوجان أو أحدهما من الحكمة حل نزاع بينهما يخاف منه الشقـاق، و تقوم المحكمة بإجراء محاولة إصلاح ذات البين، و ذلك بانتداب حكمين أو من تراه مؤهلا لذلك.

وحيث أن تطبيقا للمقتضيات المذكورة انتدبت المحكمة حكمين لمحاولة الإصلاح والتوفيق و استئصال أسباب الشقاق المتعددة بسبب تشبث الزوجة بموقفهـا.

وحيث يتضح من طرف النازلة وجود خلاف مستحكم و مستمر بين الزوجين ما دام لم يتم التوصل إلى أي إصلاح بينهما رغم انتداب حكمين لذلك، الأمر الذي ينافي ما ينبغي من الزواج من ألفة و معاشرة بالمعروف .

.

.

( ).

ومما ورد كذلك وفق هذا التوجه في الحكم القضائي الصادر عن قسم قضاء الأسرة التابع لابتدائية قلعة السراغنـة :» .

.

.

وحيث أن جميـع محاولات الصلـح والسداد بين الطرفين باءت كلها بالفشل رغم تعيين حكمين من أهلهما و بذلهما جميع المساعي نظرا لاحتدام النزاع بين الطرفين و إصرار الزوجة على طلبها .

.

.

« ( ).

عموما فهذا الرصد للتوجه القضائي العام المعمول به في مجال تسوية النزاعات الزوجية عن طريق الوساطة القضائية، ليس الهدف منه التأكيد على أن المحكمة ملزمة قانونا بالتركيز أساسا على وساطتها القضائيـة لإجـراء الصلح بين الزوجيـن، ولكن بالمقابل التنبيه إلى عدم جعلها مرحلة شكلية يبتعد فيها القضاء عن دوره الإيجابي التدخلي، المنوط به طبقا لمدونة الأسرة في مجال تفعيل مسطرة الشقاق، والذي يؤطره مبدئيا هاجس الحفاظ على كيان الأسرة من التفكـك والانهيار، من خلال القيام بكل الإجراءات القانونية الضرورية لإصلاح ذات البين بين الزوجين، بما فيها تلك المتعلقة بالوساطة غير القضائية ( ).

What's Your Reaction?

like
0
dislike
0
love
0
funny
0
angry
0
sad
0
wow
0