بحث نهاية تدريب الملحقين القضائيين بعنوان الوكالة في الطلاق والتطليق بين غياب النص وتوجهات العمل القضائي
أحاطت الشريعة الربانية صرح الأسرة بعناية كبيرة، وكيف لا وهي اللبنة الأساسية التي يتأسس عليها بنيان المجتمع، حيث تعنى بدور مركزي في إصلاح الأمة وازدهارها ويتضح هذا الاهتمام من خلال الأحكام التي سنها الله تعالى في كتابه المكنون وفصلها نبيه في سنته العطرة.
رابط التحميل اسفل التقديم
_______________________
تقديم
أحاطت الشريعة الربانية صرح الأسرة بعناية كبيرة، وكيف لا وهي اللبنة الأساسية التي يتأسس عليها بنيان المجتمع، حيث تعنى بدور مركزي في إصلاح الأمة وازدهارها ويتضح هذا الاهتمام من خلال الأحكام التي سنها الله تعالى في كتابه المكنون وفصلها نبيه في سنته العطرة.
والأسرة ككيان اجتماعي لا تتأسس إلا بالزواج، حيث اعتنت مختلف الشرائع السماوية به ومنها الشريعة المحمدية، ففي القرآن المنير وردت آيات بينات كثيرة تعنى بالزواج لعل أهمها تلك التي أنزلها الله تعالى عندما خلق آدم عليه السلام، وكون له أسرة عندما خلق له حواء، وبزواج الاثنين تكون أول أسرة على وجه الأرض، وفي هذا المقام يقول الله تعالى: يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به
والأرحام أن الله كان عليكم رتيب، كما يقول رب العزة في الذكر الحكيم ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم
ترفرون، وكذلك قوله جلة قدرته وأنه خلق الزوجين الذكر والأنثى ..
فلقد عرفت مدونة الأسرة مؤسسة الزواج في مادتها الرابعة على أنه ميثاق تراضي وترابط
شرعي بين رجل وامرأة على وجه الدوام لتحقيق مقاصد مثلى وغايات نبيلة، فالزواج له شأن
عظيم وسيط قويم، وكيف لا ؟ والمدونة ارتقت به إلى مصاف الميثاق أخذا بما ورد في قوله تعالى :
كيف تأخرونه وقر أقضى بعضهم إلى بعض وأخرى منكم فيثانا خليطا .
لكن وعلى الرغم من تنصيص المدونة في مادتها الرابعة على أن الزواج يراد به الدوام والاستمرار، إلا أنه قد يحدث ما يعكر صفو الأجواء بين الزوجين ويكدر مزاج الأسرة، وتنقلب من خلاله المودة والرحمة إلى خصام وشقاق وتصبح معه الحياة الزوجية مستحيلة الاستمرار لذلك شرع الله الطلاق لرفع الأذى والضرر عن الطرف المتضرر في العلاقة الزوجية.
ويجد فصم الرابطة الزوجية بالفراق سنده الشرعي في العديد من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، ففي الذكر الحكيم ورد قوله تعالى : (يا أيها النبي قل لأزواجك أن كنتن ترون الحياة الدنيا وزينتها فتعالين استغلنا وأسرطان سراحا جميلا، وقوله تعالى في محكم التنزيل : ولا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة ، ويقول عز من قال : يا أيها النبي إذا طلقتم النساء تطلقو من العربين وأمضوا العدة 10. أما مشروعية الطلاق في السنة العطرة فلقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم القول : إنما الطلاق من أخذ بالسان 11، وهو الأمر الذي أخذت به العديد من التشريعات وفي مقدمتها مدونة الأسرة، ويستفاد هذا الأمر من المادة 70 منها التي تنص على أنه : " لا ينبغي اللجوء إلى حل ميثاق الزوجية بالطلاق أو بالتطليق إلا استثناء، وفي حدود الأخذ بقاعدة أخف الضررين، لما
في ذلك من تفكيك الأسرة والإضرار بالأطفال. 12
فلقد عمل المشرع على تعداد وسائل جمة لانحلال العلاقة الزوجية، وتوسيعه لنطاق
البعض الآخر منها، كما حدد في نفس المدونة وقانون المسطرة المدنية 13 العديد من الإجراءات
التي يتم بها فصم هذه الرابطة سواء بالطلاق أو التطليق، وربط العديد من هذه الإجراءات بالنظام
العام، حيث إن المحكمة ملزمة بالامتثال لها والأخذ بها ولعل أهمها إجراء محاولات الإصلاح
والتوفيق بين الزوجين والمعلوم أن هذه الأخيرة لا يستقيم على المحكمة إجراؤها إلا إذا كان
طرفي العلاقة الزوجية حاضرين أمام القاضي في غرفة المشورة، ومن هنا ظهرت إشكالية تتمثل في
الزامية حضور الطرفين بذواتهما عند إصلاح ذات البين أم أنه يمكن لأحدهما أن يوكل الغير
عليه لأجل القيام بالإجراءات الرامية للفراق نيابة عنه.
لقد أصبحت إشكالية التوكيل في الطلاق والتطليق من المسائل التي أثير حولها النقاش
وأفيض عنها الكثير من المداد كما اختلفت حولها التوجهات سواء من قبل الأكاديميين
والدارسين أو القضاة والممارسين، فإذا كان المشرع قد نظم بصريح النص التوكيل في الزواج حسب
المادة 17 من المدونة 14، فإنه على العكس من ذلك فقد التزم الصمت في مسألة التوكيل في الطلاق
إشكالية الموضوع:
تتمحور الإشكالية الرئيسية التي تدور عليها حلقات هذا البحث فيما يلي : ما مظاهر وتجليات فلسفة المشرع المبتغاة من وراء عدم تنصيصه على مسألة التوكيل في الطلاق والتطليق، وأي دور للقضاء بجميع درجاته في سد الفراغ، أو بعبارة أخرى، جدلية
الحفاظ على كيان الأسرة بين إلغاء الوكالة في الطلاق والتطليق والإبقاء عنها ؟
ويتفرع عن هذه الإشكالية تساؤلات عدة تنطوي في كلياتها على توجهات ثلاثة تتمثل فيما يلي:
التوجه الأول: إن دراسة موضوع التوكيل في الطلاق والتطليق في منظومة الفقه الإسلامي من ناحية التأصيل له يترك تصورا لدى الباحث يدفعه إلى طرح بعض التساؤلات من قبيل: كيف تعامل فقهاء الشريعة الإسلامية مع الوكالة في الطلاق والتطليق؟ وما هي أبرز مكامن الاختلاف والائتلاف في هذه المسألة؟
التوجه الثاني: ما دام التوكيل في الطلاق والتطليق غير مؤثر بنصوص قانونية داخل المدونة الأسرية، فهذا الأمر يدفعنا للتساؤل عن فلسفة المشرع من هذا الأمر؟ وهل أنتجت فلسفته هذه فائدة على الأسرة المغربية أم أن العكس هو الحاصل؟ وهل سكوت المقنن عن تنظيم سألة التوكيل في انهاء العلاقة الزوجية يمنع العمل بها؟ أم أن عامل الظروف وبعض الحالات الاجتماعية الاستثنائية تحتم على القضاء المغربي الأخذ بها، خاصة والمعلوم أن الفقه الإسلامي المالكي يجيزها والمدونة أحالت عليه؟
التوجه الثالث: إن لغياب نص قانوني ينظم مسألة الوكالة في الطلاق والتطليق بليغ الأثر على توجهات القضاء المغربي، سواء العمل القضائي أو قضاء النقض، حيث تتساءل معه عن
الكيفية التي تعامل بها هذا الأخير مع هذه الاشكالية وأهم توجهاته في هذا المضمار؟ وما أهم الأسس والأسانيد التي يستند عليها كل توجه؟ وهل لقضاء النقض دور في حسم النقاش الدائر؟
دوافع اختيار الموضوع:
مما لا شك فيه أن أي إقدام للبحث في موضوع من المواضع وخاصة المواضع القانونية، تحكمه عدة دوافع واعتبارات تدفع الباحث إلى المضي قدما في البحث المختار مؤيدا في ذلك بتلك الدوافع.
فاختياري لموضوع الوكالة في الطلاق والتطليق بين غياب النص وتوجهات العمل القضائي لم يأتي إلا بعد شد وجدب وأخذ ورد في مجموعة من المواضيع التي كانت تستهوي فضولي العلمي وتخصصي الأكاديمي، حيث خلصت في الأخير إلى أن هذا الموضوع مما يشكله من حلقة نقاش بين الدارسين والممارسين، سيكون لا محال أرضية لتقديم دراسة معمقة حول المسألة، وسأقدم فيه إضافة نوعية بتوفيق من رب العلى، فمن الأسباب الداعية إلى اختيار هذا الموضوع أورد مثالا لاوحصرا
- أولا: دواقع ذاتية من المسلم به أن أي باحث يجد ضالته في موضوع معين بالذات
خطة البحث:
وفاء منا للمنهجية الأكاديمية القانونية التي تفرض علينا كباحثين تناول موضوع بحثنا
هذا انطلاقا من تصميم ثنائي، فلقد عملت على دراسته وفق تقسيم ثنائي كما هو موماً إليه أسفله :
. الفصل الأول : تأصيل الفقه الشرعي للوكالة في الطلاق والتطليق وموقف القوانين الأسرية منها
. الفصل الثاني: توجهات العمل والاجتهاد القضائيين بخصوص التوكيل في الطلاق والطلاق
___________________
رابط التحميل
https://drive.google.com/file/d/1JrOT8Vpth8S33xu35E8ckypTJPTOA2DU/view?usp=drivesdk