تفسير المدرسة الاجتماعية الأمريكية للسلوك الإجرامي

مجموعة دروس و بحوث في علم الاجرام للتحضير للمباريات و امتحانات السداسي الخامس شعبة القانون و التعمق في المادة الجنائية

تفسير المدرسة الاجتماعية الأمريكية للسلوك الإجرامي
نشأ علم الإجرام – في القارة الأمريكية – في أحضان علم الاجتماع .

بينما كان الاتجاه السائد في أوروبا هو وضع نظرية عامة لتفسير السلوك الإجرامي ، كانت الأبحاث الأمريكية تعتمد على بحث كل حالة لتحديد أسبابها دون أن تتجه إلي وضع نظرية عامة .

ولكن هذا الاتجاه في البحث لم يكن محل قبول كثير من الباحثين فكان أن ظهر الاتجاه إلي صياغة نظرية عامة لتفسير السلوك الإجرامي وتحديد عوامله .

فظهر عدد من النظريات الاجتماعية في علم الإجرام ومن أهم هذه النظريات نظرية تصارع الثقافات ونظرية الاختلاط المتباين أو المتفاوت .

أولا : نظرية تصارع الثقافات ( الصراع بين الثقافات ) : صاحب هذه النظرية هو عالم الاجتماع والإجرام الأمريكي "ثورستين سيلين" ونقطة البداية في هذه النظرية هي أن قواعد القانون الجنائي ( أو القانون الجزائي ) تعكس الأفكار الخلقية والمعنوية والآداب العامة لحضارة معينة في لحظة زمنية معينة .

فمهمة هذا القانون حماية تلك القيم والآداب عن طريق قواعد قانونية تقرر الجزاءات الجنائية المختلفة لمن تسّول له نفسه الاعتداء عليها بأفعال يعتبرها القانون جرائم .

ينشأ الصراع بين الثقافات حين تصطدم القيم الخلقية والاجتماعية التي يعبر عنها ويحميها القانون الجنائي مع القيم السائدة لدي جماعات معينة فأي فرد ينتمي إلي مثل هذه الجماعات يجد نفسه أمام موقف محير وشائك إما ينصاع لأوامر القانون الجنائي وإما أن يستجيب للقيم السائدة في جماعته .

وهذا الصراع الخارجي بين قيم ومبادئ المجتمع وقيم ومبادئ الجماعة التي ينتمي إليها يتوازى معه صراع نفسي داخلي ينتهي بالفرد إلي الوقوع في هاوية الجريمة .

يعطي سيلين تفسيرا لنظريته على أساس أن المجتمع يتضمن مجموعات إنسانية متعددة ( الأسرة ، المدرسة ، اللعب ، العمل ، النادي ، النقابة ، أي منظمة اجتماعية أخرى ) .

النواة الأولي للمجتمع هي الأسرة يكون معها جماعة إنسانية.

وفي مرحلة تالية يتصل الطفل بزملاء اللعب ويكون معهم جماعة اللعب .

يتكرر نفس التطور في المراحل المختلفة من حياة الطفل من خلال الجماعات الإنسانية المختلفة التي تدخل عضوا فيها كجماعة الدراسة وجماعة العمل وجماعة النادي أيا ما كان الأمر ، فإن الإنسان يجد نفسه عضو في جماعات متعددة لكل منها ثقافة خاصة وقواعد سلوك خاصة بها .

بالنظر إلي ما تقدم فإن تعدد الجماعات التي ينتمي إليها الفرد قد ينشأ عنه احتمال التنافر والتصارع بين قواعد السلوك الخاصة بكل منها .

فقد تقضي قواعد السلوك في جماعة معينة اتباع تصرف معين فيستجيب لها الفرد بينما تقضي قواعد السلوك في جماعة أخرى ينتمي إليها نفس الفرد بوجوب اتباع سلوك مخالف وعن مثل هذا الموقف ينشأ الصراع بين الثقافات يمكن تصور هذا الصراع على مستويات مختلفة فقد يكون الصراع بين الثقافات خارجيا أي بين ثقافات دول أو مجتمعات مختلفة .

ويمكن أن يكون صراع الثقافات داخليا ، كما هو الحال بالنسبة للمهاجرين ، فعلي الرغم من تواجدهم في دولة المهجر ، إلا أنهم يظلون متمسكين بثقافة دولهم الأصلية مما ترتب عليه نشأة الصراع بين ثقافة دولة المجهر وثقافة الدول التي أتي منها المهاجرون .

خلاصة نظرية " سيلين " أن السلوك الإجرامي ينشا عندما يكون الصراع قائما بين قواعد القانون الجنائي ( أو قواعد القانون الجزائي ) أي الثقافة العامة في المجتمع وبين قواعد السلوك الخاصة بكل جماعة إنسانية .

صاحب هذه النظرية العالم الأمريكي سذرلاند ، حيث يري أن السلوك الإجرامي يرجع إلي تغلب العوامل الدافعة إلي عدم احترام القانون الجنائي على العوامل الدافعة إلي احترام هذا القانون وتقوم نظرية سذرلاند على مقدمة أساسية مؤداها أن السلوك الإجرامي لا يورث وإنما هو مكتسب .

واكتساب السلوك الإجرامي – لديه 0 يمر بعدة مراحل 1- أن السلوك الإجرامي يكتسب بالتعلم وواضح أن " سذرلاند " يستبعد تماما الوراثة أو العوامل الداخلية في إنتاج السلوك الإجرامي فالشخص الذي لم يحصل على التعليم أو التدريب الإجرامي لا يقع في حمأة الجريمة.

2- أن تعلم السلوك الإجرامي يتم عن طريق الاتصال بالأشخاص الآخرين سواء بالقول أو بالإشارة أو التقليد .

فبدون الاحتكاك بالآخرين لا تحدث عملية تعلم السلوك الإجرامي وهذا دليل آخر لرفض " سذرلاند " لفكرة المجرم بالميلاد أو المجرم المطبوع.

3- أنه يساعد على تعلم السلوك الإجرامي أن يتم بصفة خاصة داخل جماعة صغيرة ، يربط بين أفرادها روابط شخصية فكلما كان عدد الجماعة ضئيلا وكانت صلاتهم ببعضهم البعض قوية ، كلما كانت عملية تعلم السلوك الإجرامي ميسرة وبسيطة.

4- أن عملية تعلم السلوك الإجرامي تتكون من عنصرين : الأول فن ارتكاب الجريمة والثاني : توجيه الميول والدوافع وتبرير التصرفات الخاصة 5- أن توجيه الميول والدوافع – سواء بالموافقة أو بالمخالفة للنصوص القانونية مكتسب أيضا .

ففي بعض الجماعات يحاط الفرد بأشخاص يحترمون النصوص القانونية .

في جماعات أخرى يحيط بالفرد أشخاص ينتهكون النصوص القانونية .

6- يصبح الشخص مجرما عندما تغلب عوامل مخالفة النصوص القانونية على عوامل احترام هذه النصوص وهذا هو مبدأ المخالطة المتفاوتة كما يراه " سذرلاند " فالمراحل السابقة يمر بها كل أفراد المجتمع مجرمين وغير مجرمين كما تنطبق على جميع المسالك الإنسانية الإجرامية منها وغير الإجرامية فالشخص يصبح مجرما حينما يكون على اتصال بنماذج إجرامية ولا يكون تحت عينيه نماذج عادية أو غير إجرامية وبعبارة أخرى كل فرد يتشبع بثقافة الوسط المحيط به .

7- والاختلاط المتفاوت يتنوع حسب تكراره ومدته وأسبقيته وعمقه فتأثير التكرار أو المدة في إتيان السلوك الإجرامي أو الابتعاد عنه واضح لا يحتاج إلي تفسير الأسبقية: هي اكتساب سلوك احترام القانون منذ الطفولة يستمر مدي الحياة ، ونفس الشيء بالنسبة لاكتساب السلوك الإجرامي أما عمق الاختلاط فيرجع إلي بعض المعاني مثل مركز النموذج الذي يحبذ أو يعارض السلوك الإجرامي وكذلك رد الفعل العاطفي المرتبط بالجماعات

What's Your Reaction?

like
0
dislike
0
love
0
funny
0
angry
0
sad
0
wow
0