مبدأ عدم رجعية القوانين
مجموعة دروس في العلوم القانونية للتحضير للمباراة والتعمق في الدراسات القانونية
إضافة إلى ما تقدم فإن المنطق يقضي أن لا يسري القانون على الوقائع السابقة على نفاذه, إذ القانون هو أمر أو تكليف بسلوك معين, و التكليف أو الأمر لا يتصور توجيهه إلى ما فات وإنما إلى ما هو آت , ففي الرجوع بالقانون إلى الماضي خروج عن المدى الزمني لسريانه, وهو الذي يبدأ من وقت نفاذه, واعتداء على اختصاص القانون المدني بالإنقاص من المدى الزمني لسريانه الذي يمتد إلى يوم انقضائه.
ورغم كل هذه الاعتبارات التي يستند عليها مبدأ عدم رجعية القوانين , والتي جعلت معظم الدول تأخذ به في قوانينها, إلا أن مسألة تنازع القوانين في الزمان تبقى من المسائل المعقدة والتي حاول الفقه إيجاد حلول لها من خلال عدة نظريات فقهية.
ولبيان حدود مبدأ عدم رجعية القوانين يفرق الفقهاء بين ما يسمى الحقوق المكتسبة droits acquis ومجرد الأمل simple expectative حيث ذهبوا إلى أن القانون الجديد يكون ذا أثر رجعي، فيمتنع تطبيقه إذا كان من شأن هذا التطبيق المساس بحق مكتسب في ظل القانون القديم، ولا يكون للقانون الجديد، هذا الأثر فيجب تطبيقه إذا لم يكن من شأن هذا التطبيق سوى المساس بمجرد أمل.
ولا يتفق أنصار نظرية الحق المكتسب، على تعريف واحد للحق المكتسب حيث أضعف سند نظريتهم في الفقه وجعلها هدفاً سهلاً قريباً للنقد، فالحق المكتسب عند بعضهم، هو الحق الذي دخل ذمة الشخص نهائياً، بحيث لا يمكن نقضه أو نزعه عنه إلا برضاه، وهو عند آخرين الحق الذي يقوم على سند قانوني، وهو عند فريق ثالث الحق الذي يملك صاحبه المطالبة به والدفاع عنه أمام القضاء،
أما مجرد الأمل فهو محض ترقّب ورجاء في اكتساب حق من الحقوق مما يفرض عدم اكتساب الحق بعد، ويضرب أنصار النظرية أمثلة يرون أنها توضح المقصود منه، فالإرث عندهم مثلاً يكون مجرد أمل طالما المورث بقيد الحياة، ولكنه يصبح حقاً مكتسباً بوفاة المورث.