التبليغ القضائي الموجه بطريقة إلكترونية في المادة المدنية
يضطلع القضاء بأقدس وظيفة، ويحمل على عاتقه أنبل رسالة، وهي رسالة إحقاق الحق وإعطاء كل ذي حق حقه، وهو الملاذ الذي يوفر للأفراد الطمأنينة من خلال المحافظة على مصالحهم وحمايتها، إن ما يعكس هذه الصورة المشرقة للقضاء قديمها وحديثها، وجود مرتكزات وأسس والتي تعد بحق من مقومات القضاء الأساسية في عملية التقاضي، بحيث يكون القضاء عاجزاً عن أداء رسالته عند تخلف تلك المقومات والمرتكزات، وما لذلك من مردود سلبي، الأمر الذي يلقي بظلاله على المجتمع قاطبة.
رابط تحميل الملف اسفل التقديم
__________________________
المقدمة
يضطلع القضاء بأقدس وظيفة، ويحمل على عاتقه أنبل رسالة، وهي رسالة إحقاق الحق وإعطاء كل ذي حق حقه، وهو الملاذ الذي يوفر للأفراد الطمأنينة من خلال المحافظة على مصالحهم وحمايتها، إن ما يعكس هذه الصورة المشرقة للقضاء قديمها وحديثها، وجود مرتكزات وأسس والتي تعد بحق من مقومات القضاء الأساسية في عملية التقاضي، بحيث يكون القضاء عاجزاً عن أداء رسالته عند تخلف تلك المقومات والمرتكزات، وما لذلك من مردود سلبي، الأمر الذي يلقي بظلاله على المجتمع قاطبة.
من أجل أن يحافظ مرفق القضاء على مقوماته ومرتكزاته كان لابد من مسايرة التطورات التي يعرفها العالم في الأونة الأخيرة لعل أبرزها تطور متسارع في مجالات الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، والتي أتاحت للمتعاملين بها، إمكانات كثيرة ومتعددة عبر تطبيقات أثرت تأثيراً بالغا في معظم أوجه النشاط الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والعلمي وذلك دون حاجة للتنقل والحضور المادي، مما جعل طريقة التعامل سهلة وتتم بأقل وقت وجهد ممكنين.
2 ومواكبة التطورات والمستجدات التي يشهدها العالم من خلال إدخال التقنية الإلكترونية في إجراءات التقاضي . وتأسيسا على ذلك فإن المشرع المغربي اتجه نحو التحول الرقمي لمنظومة العدالة في إطار مواكبة الإدارة العمومية بالمغرب للتطور الحاصل بالعالم من خلال استعمال التكنولوجيا الحديثة في التدبير الإداري 3، مما ساهم في تجويد الخدمة العمومية وتقديمها في من هنا ظهرت الحاجة الملحة لحل مشاكل الفصل في القضايا، وتسهيل إجراءات التقاضي أحسن الظروف للمرتفقين وتسهيل عملية التواصل بين مختلف المنتسبين لهذه المنظومة، ولم تكن الإدارة القضائية بالمغرب بمنأى عن هذا التطور الرقمي السريع والمفاجئ والمفروض حيث أن استيعابه والتفاعل معه كان جزء لا يتجزأ عن خطاب إصلاح منظومة العدالة، فقد كان طموحا مشروعا وهدفا منشودا قبل أن تفرضه الظروف الوبائية التي عرفها العالم مؤخرا، إذ عملت وزارة العدل بالمغرب على وضع مخطط للتحول الرقمي الذي أعدته وشريكيها الأساسيين المجلس الاعلى للسلطة القضائية ورئاسة النيابة العامة كخيار استراتيجي من أجل تحقيق العدالة الرقمية .
ويضم هذا المخطط 6 برامج و 22 مشروعا، كخريطة طريق تسعى عبر اعتماد الأدوات التكنولوجية الحديثة إلى توفير خدمات عالية المستوى ومتعددة القنوات تستجيب لتطلعات المرتفقين بمرفق العدالة، وذلك لتجاوز الاختلالات التي تشوب تدبير القطاع من بطء في الإجراءات والمساطر وتعقيدها، وكذا صعوبة الحصول على الخدمات في زمن معقول ويستهدف هذا المخطط مجموعة من المجالات
- تسهيل الولوج إلى العدالة.
- التقاضي عن بعد.
- نشر المعلومة القانونية والقضائية.
- تبسيط المساطر والإجراءات؛
ويعتبر المجال الأخير تبسيط المساطر والإجراءات من بين أهم المقومات والتي لا غنى للقضاء عنها على الإطلاق، لذلك فإن رقمنة هذه الإجراءات أصبح أمر ضروريا. ولعل من أبرز إجراءات التقاضي الذي تدور في فلكه الدعوى القضائية نجد التبليغ القضائي، فهذا الأخير لم تتوان التشريعات في التأكيد عليه إيماناً منها بأهميته ودوره الفعال في سرعة حسم الدعاوى ومن جهة أخرى لما يحققه للخصوم من ضمانات على صعيد عملية التقاضي، وتتجلى أهم تلك الضمانات في وجوب حصول مواجهة ما بين الخصوم عند نظر الدعوى ليتمكن كل خصم من معرفة حجج وادلة الخصم الآخر ليتسنى له بعدها من الرد عليها. واعتماد التكنولوجيا في إجراءات التبليغ القضائي يظهر معه مفهوم جديد وهو التبليغ القضائي الإلكتروني
الإطار المفاهيمي للموضوع
التبليغ لغة: (مصدر) بلغ) و (جمع) تبليغات بلغ مبلغ تبليغا، وتبليغ الخبر: إيصاله، والإِخْبَارُ به. يقال بلغت الرسالة، وفي قوله تعالى وإلا بلاغا من الله ورسالته 1 أي لا أجد منجى إلا أن أبلغ عن الله ما أرسلت به، والإبلاغ الإيصال، وكذا التبليغ والاسم منه البلاغ يقال: بلغت القوم بلاغا اسم يقوم مقام التبليغ فكثير ما ترد كلمة التبليغ تكون على معنى الايصال والإعلام وقد وردت آيات كريمة عديدة تدل على هذا المعنى منها قوله تعالى «يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلَغَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَغْتَ رِسَالَتَهُ ۚ وَ اللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِى الْقَوْمَ الْكَفِرِينَ ) وقوله تعالى: «فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رسالة رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِنْ لَا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ».
في الاصطلاح القانوني
لقد تعددت التعريفات التي أعطيت للتبليغ القضائيالتعريف التشريعي في البداية يجب الإشارة إلى أن المشرع المغربي لم يعرف التبليغ القضائي وإنما تطرق فقط إلى الأحكام المنظمة له، عكس المشرع الفرنسي الذي عرف التبليغ القضائي من خلال المادة 651 من قانون الإجراءات المدنية الفرنسي بأنه "الطريقة التي يتم بها إعلام ذوي العلاقة بأعمال قضائية ".
التعريف الفقهي: تتعدد التعارف التي قدمت من قبل الفقه للتبليغ القضائي، ولعل أبرز هذه التعارف نجد أحد الفقه يعرفه على أنه: "إعلان عن إجراء قضائي أو قانوني معين ومرتبط بأجل وصادر عن جهة قضائية، الهدف منه إبلاغ شخص بما يتخذ من إجراءات قانونية تتوخى الحصول على حق أو فقدانه أو حمايته، أو بمعنى آخر يعتبر التبليغ وسيلة علم الشخص بما يتخذ ضده من إجراءات عن طريق حملها إليه بالطرق المحددة تشريعيا، والأصل في هذه الإجراءات ألا تتعدى طرفيها توفيرا لضمانات فعلية وحقيقية لذلك العلم". كما عرفه الأستاذ عبد الحميد أخريف بأنه: "إشعار الشخص وفق مساطر محددة قانونا بوقوع إجراء
مسطري في مواجهته كتقييد دعوى أو صدور حكم قضائي مع اطلاعه على مضمون هذا الإجراء وتنبيهه إلى أجل الحضور أو الرد أو الطعن". فحين عرفه جانب من الفقه بكونه إجراء محله إخبار المعنى بالأمر بشيء معين أو هو إيصال أمر أو واقعة ثابتة إلى شخص معين على يد أحد أعوان كتابة الضبط أو أحد المفوضين القضائيين أو عن طريق البريد، أو بالطريقة الإدارية، ويعتبر التبليغ الوسيلة التي يقررها قانون المسطرة المدنية للتخاطب رسميا أو قضائيا في غير مجلس القضاء".
يمكن أن تستخلص من خلال التعاريف السابقة أن التبليغ القضائي هو عملية إجرائية تربط بين المبلغ والمبلغ إليه بواسطة الأجهزة الموكل لها قانونا القيام بذلك، وفق شكلية معينة حددها القانون الهدف منها إيصال واقعة معينة للمعني بالأمر بهدف اتخاد ما يراه مناسبا تجاه تلك الواقعة دفاعا عن نفسه.
الطريقة الإلكترونية عرفتها المادة الثانية من القانون رقم 43.20 المتعلق بخدمات الثقة بشأن المعاملات الإلكترونية بأنها كل وسيلة ترتبط بتقنية ذات قدرات كهربائية أو رقمية أو مغناطيسية أو لاسلكية أو بصرية أو كهرومغناطيسية أو أي قدرات أخرى مماثلة".
التبليغ القضائي بالطريقة الإلكترونية: إذا كانت جل التشريعات لم تعمد إلى وضع تعريف للتبليغ القضائي الموجه بطريقة إلكترونية فإن الفقه عمل على تعريفه، ولعل أبرز التعاريف المقدمة في هذا الصدد تلك التي تعرف التبليغ القضائي الموجه بطريقة إلكترونية بكونه "الوسيلة الرسمية التي يتعين بها إبلاغ الخصم بالإجراء المتخذ في مواجهته، لتمكينه من العلم بالإجراءات المتخذة ضده بتسليمه البلاغ عن طريق وسائل التكنولوجيا الحديثة والتقنيات الحديثة، بما يتحقق به إرسال التبليغ واستلام الخصم له بإحدى تلك الوسائل الإلكترونية "3.
كما عرفه أحد الباحثين أنه: "إعلام الشخص المراد تبليغه بالأوراق القضائية وبما يتخذ ضده من إجراءات بالوسائل الإلكترونية بطريقة التي يرسمها القانون. ويرى جانب من الفقه بان "التبليغ الإلكتروني لا يختلف عن التبليغ التقليدي من حيث المضمون، إنما يختلف عنه من حيث الوسيلة المستعملة في إجرائه فالوسائل الإلكترونية المستعملة في إجراء التبليغ هي ما تضفي صفة الإلكترونية على التبليغات القضائية".
فحين ذهب أحد الباحثين إلى أن اعتماد وسائل جديدة وحديثة للتبليغ لا لتحل مكان التبليغبالطرق التقليدية وإنما لتكون وسيلة مساعدة في عملية التبليغ ولتقلل من النزاعات القانونية على صحة التبليغ غير أنها تعد وسيلة تواصل مع الخصوم المتداعين في الدعوى وإعلامهم بمستجدات الإجراءات والدعاوى ".
الأساس القانوني للتبليغ القضائي الموجه بطرقة الكترونية
في التشريع المغربي
عمل المشرع المغربي على غرار باقي التشريعات المقارنة على سن مجموعة من القواعد القانونية في قانون المسطرة المدنية الحالي بغية تنظيم عمليات التبليغ وذلك بتحديد الطرق والإجراءات الواجب احترامها لتبليغ الاستدعاءات والإنذارات والأحكام والقرارات القضائية، وكذا الوثيقة التي يحب إرفاقها بالاستدعاء، والبيانات التي يجب تضمينها إياها، وطريقة إنجازها أضف إلى ذلك حصر كل من الجهات المؤهلة للقيام بالعملية التبليغ والأشخاص الذين تنعقد لهم صفة استلامها، والآجال الفاصلة بين تاريخ التوصل وتاريخ الحضور، غير أن اعتماد الطريقة الإلكترونية باعتبارها من الأساليب الجديدة تجد أساسها القانوني في مشروع قانون المسطرة المدنية رقم 02.23 وتحديدا في القسم الحادي عشر
المتعلق برقمنة المساطر والإجراءات القضائية وكذلك في التنظيم القضائي الجديد إذ جاء في الفصل 25 منه ما يلي: "تعتمد المحاكم الإدارة الإلكترونية للإجراءات والمساطر القضائية وفق برامج تحديث الإدارة القضائية التي تضعها وتنفذها السلطة الحكومية المكلفة بالعدل وذلك بتنسيق وثيق مع المجلس الأعلى للسلطة القضائية ورئاسة النيابة العامة، كل فيما يخصه". بإضافة إلى العديد من القوانين المؤطرة للمعاملات الإلكترونية لعل إبرازها القانون رقم 53.05 المتعلق بالتبادل الإلكتروني للمعطيات القانونية الذي من خلاله تم التنظيم كل من الكتابة الإلكترونية ومعادلتها مع الكتابة الورقية وكذلك التوقيع الإلكتروني وعملية التشفير ... وغيرها من الأمور التي تهم التبادل اللامادي للوثائق. أضف إلى ذلك قانون 3 رقم 43.20 المتعلق بخدمات الثقة بشأن المعاملات الإلكترونية الذي يهدف حسب المادة الأولى منه إلى تحديد النظام المطبق على خدمات الثقة بشأن المعاملات الإلكترونية، وعلى وسائل وخدمات التشفير وتحليل الشفرات، وكذا العمليات المنجزة من قبل مقدمي خدمات الثقة والقواعد الواجب التقيد بها من لدن هؤلاء ومن لدن أصحاب الشهادات الإلكترونية.
____________________
رابط التحميل
https://drive.google.com/file/d/1C_fQEUjGW_EavOTtlZz44bkm5KbjRD4T/view?usp=drivesdk