حالات الفصل التعسفي في ضوء العمل القضائي
الفصل التعسفي في القانون المغربي، التعويض عن الفصل التعسفي، الرجوع إلى العمل بعد الفصل التعسفي
من ��لال هذا المبحث سنتطرق لتبيان التدخل القضائي فيما يخص شكليات الفصل التعسفي (المطلب الأول) و موضوعه (المطلب الثاني).
المطلب الأول: الرقابة الشكلية للطرد التعسفي
قد يلجأ المؤاجر إلى طرد الأجير بسبب أو بدون سبب، إلا أنه قد لا يحترم مجموعة من الإجراءات الشكلية يلزمه القانون باتباعها، فيرتب عليه القضاء جزاء يتمثل في اعتبار الطرد تعسفيا، وفي هذا الإطار يمكن التمييز بين حالة عدم احترام الشروط الشكلية للفصل الفردي للأجير ﴿الفقرة الأولى﴾ وبين الفصل الجماعي للأجراء ﴿فقرة ثانية﴾.
الفقرة الأولى: الرقابة القضائية للشروط الشكلية للفصل الفردي للأجير
لتفادي مباغثة الأجير ومنحه فرصة لتدبير أمره والبحث عن عمل جديد ألزم المشرع تخويله أجل إخطار ﴿م 43 م ش﴾ قبل فصله عن عمله، وبالتالي فإن هذا الأجل يمتد ما بين تاريخه إلى تاريخ تنفيذ الفصل[[1]] ،
ويعفى المشغل والأجير من وجوب التقيد بأجل الإخطار في حالة القوة القاهرة، ويعفى كذلك المشغل من هذا الأجل في حالة ارتكاب الأجير لخطأ جسيم، كما يتوقف هذا الأجل في الحالتين المنصوص عليهما في الفصل 45 من م ش.
وما يعاب على المشرع في هذه النقطة المتعلقة بأجل الإخطار، نجد المدونة لم تشترط أي شكل لهذا الإخطار، إذ يمكن أن يكون شفويا أو كتابيا[[2]] .
كما أنه من جملة الشروط الشكلية التي تتم مراقبتها من طرف القضاء الاجتماعي رسالة الرجوع إلى العمل والاستماع إلى الأجير من طرف المشغل أو من ينوب عنه بحضور مندوب الأجراء أو الممثل النقابي ﴿62- 63 م ش﴾ لقد أثارت مسطرة الاستماع إلى الأجير خلافا فقهيا وقضائيا، إلا أنه سيتم التركيز على العمل القضائي وذلك لطبيعة الموضوع.
فهناك من المحاكم من اعتبرت أن هذه المسطرة غير إلزامية وهناك من اعتبرها إلزامية، أما بالنسبة للمجلس الاعلى فقد كان تارة يعتبرها إلزامية وتارة أخرى غير إلزامية.
بالنسبة للمحاكم التي تعتبرها غير إلزامية واتبعها المجلس الأعلى في ذلك، فقد جاء في حكم صادر عن المحكمة الابتدائية بالدار البيضاء الصادر بتاريخ 21 مارس 2006 رقم 2599 ملف عدد 672/05 والذي جاء تعليله: ״...وحيث تمسك المدعي بخرق المشغل لمقتضيات المادة 62 من مدونة الشغل...لكن حيث أن المشرع قد بين في الفقرة الأخيرة من المادة 62 من مدونة الشغل أنه في حالة ما إذا رفض أحد الطرفين إجراء أو إتمام المسطرة فإنه يتعين آنذاك اللجوء إلى السيد مفتش الشغل، إذن فالمشرع لم ينص على أي أثر يمكن إعماله في حالة عدم التزام أحد الطرفين بالمسطرة الواردة في الفصل المذكور״[[3]].
وفي نفس الاتجاه صدر قرار لمحكمة الاستئناف بسطات بتاريخ 2006 ملف عدد 494/6/5 غير منشور.
والذي جاء في حيثياته: ״وحيث إنه فضلا عن عدم التنصيص في المواد المنظمة لمسطرة الفصل على أي جزاء عند عدم احترامها ولا جزاء بدون نص فإن الطاعن يقر بانعقاد مجلس الاستماع في 7/3/05 لكن لم يكن يتمكن من حضور جلسة....الشيء يتعين معه تأييد الحكم الابتدائي״.
في نفس المنحى ذهبت محكمة الاستئناف بالدار البيضاء في 7 نونبر 2006 إلى ״أنه بالرجوع إلى مقتضيات الملف ومحتوياته، يتبين أن الحكم الابتدائي جاء مصادفا للصواب ومعللا تعليلا كافيا مما يتعين تأييده، خصوصا وأنه بالرجوع لمقتضيات المواد 62، 63 و64 من مدونة الشغل، فهي قد ألزمت الطرفين الأجير والمؤاجر بسلوك مسطرة محددة في إجراءات الفصل من استماع للطرفين، وكذا اللجوء إلى السيد مفتش الشغل، ومادام الأجير لم يحترم المقتضيات التي هو ملزم بها، وهي التوجه إلى السيد مفتش الشغل في نطاق الفقرة الأخيرة من المادة 62 من مدونة الشغل، فإنه يسقط حقه بالتشبث بمقتضيات المواد 62، 63، و64 من مدونة الشغل، مما هو ملزم على المشغل القيام به لتنفيذ مسطرة الفصل״[[4]] 4 ، وهو نفس الاتجاه الذي سلكته نفس المحكمة في القرار الصادر في نونبر 2006[[5]].
أما بالنسبة للقرارات الصادرة عن المجلس الأعلى ﴿محكمة النقض حاليا﴾ والتي تصب في هذا الاتجاه نجد القرار الصادر في 18/01/2006 الذي جاء فيه ״عن الوسيلة المتضمنة خرق مسطرة الفصل بأن ما أثير في الوسيلة لم يسبق الدفع به أمام قضاة الموضوع ليعرف رأيهم فيه مما لا يجوز التمسك به لأول مرة أمام المجلس الأعلى، وتبقى الوسيلة غير مقبولة لاختلاط الواقع فيها بالقانون״[[6]].
كما جاء في قرار آخر ״فالمحكمة هنا تكون ملزمة بالاقتداء بشروط العقد ولو تمسك الأجير بعدم احترام المسطرة كما أن مسطرة الطرد وضعت لحماية مصلحة الأجير الذي يحق له وحده التمسك بعدم احترامها، وهي على هذا الأساس لا تعد من مقتضيات النظام العام التي يمكن للمحكمة الاستناد إليها تلقائيا״.
أما بالنسبة للمحاكم التي اعتبرت مسطرة الاستماع للأجير إلزامية، وأيدها المجلس الأعلى ﴿محكمة النقض﴾ نجد:
الحكم الصادر عن ابتدائية سيدي سليمان بتاريخ 26 ماي 2005 عندما أسس إلزامية تطبيق مسطرة الفصل على مقتضيات المدونة م 62 والاتفاقية الدولية رقم 158 السابقة الذكر[[7]].
وفي قرار آخر صادر عن محكمة الاستئناف بالدار البيضاء بتاريخ 20 شتنبر 2006 جاء فيه: ״ وحيث أنه لا يوجد بالملف ما يفيد احترام المشغلة لمعطيات الفصول 62، 63، و64 من مدونة الشغل المتعلقة بإتاحة الفرصة للأجير قصد الدفاع عن نفسه قبل الإقدام على فصله، وتحرير محضر بذلك، وتسليمه مقرر الفصل يدا بيد أو بواسطة الرسالة المضمونة مع الإشعار بالتوصل.
وحيث أن هذه المعطيات تعتبر قواعد آمرة وردت بصيغة الوجوب، وأن عدم احترامها يجعل الفصل الذي تعرض له الأجير فصلا تعسفيا، ويعفي المحكمة من مناقشة الأخطاء المنسوبة إليه، مادامت الشكليات القانونية لرسالة الفصل لم يتم احترامها، وبالتالي يبقى الحكم الابتدائي مصادفا للصواب فيما قضى به من اعتبار فصل الأجير تعسفيا، وكذا فيما قضى به من تعويضات ناتجة عن ذلك الفصل״[[8]].
وفي نفس الاتجاه أيضا قرار استئنافية الدار البيضاء بتاريخ 25 ماي 2006 جاء فيه: ״يتعين إذن تطبيق المادة 62 من مدونة الشغل وتمتيع الأجير بالدفاع عن نفسه فضلا عن ذلك فإن المشغلة لم تحترم الإجراءات الشكلية...
وهذا ما سبق أن أكدته الاتفاقية الدولية رقم 158 الصادرة عن منظمة العمل الدولية والمتعلقة بمسطرة الفصل التأديبي لسنة 1982....مما يتعين معه إلغاء الحكم الابتدائي والحكم من جديد بالتعويضات المستحقة له عن الفصل التعسفي״.
وفي قرار آخر صادر عن محكمة الاستئناف بالرباط بتاريخ 22 دجنبر 2009 جاء فيه ״بما أن المشغلة لم تمنح للأجير فرصة الدفاع عن نفسه ولم تحترم مسطرة الاستماع إليه المنصوص عليها في المادة 62 من مدونة الشغل ، فإن الفصل يعتبر تعسفيا بغض النظر عن ارتكاب الأجير للخطأ المنسوب إليه"[[9]].
أما بالنسبة لمحكمة النقض فقد كانت واضحة في قراراتها الأخيرة بالتأكيد على إلزامية مسطرة الاستماع للأجير.
ففي قرار صادر بتاريخ 14/3/2007 اعتبر المجلس بأنه ״من استقراء مقتضيات المواد من 61 و62 و63 و64 و65 من مدونة الشغل يتجلى بان تطبيق مسطرة الفصل ملقاة بالأساس على كاهل المشغل باعتباره صاحب المبادرة في فصل الأجير بارتكابه للخطأ الجسيم״[[10]].
وفي قرار بتاريخ 29/10/2008 جاء فيه: ״إن كان للمشغلة الحق في طرد الأجير فذلك مقرون باحترام المسطرة المنصوص عليها بالفصل 62״.
وفي قرار آخر صدر في 15/10/2008 اعتبر المجلس بأن مقتضيات المواد 62 وما يليها من مدونة الشغل ״ تعتبر إلزامية يترتب على عدم احترامها اعتبار الطرد الذي تعرض له الأجير تعسفيا״[[11]].
وفي قرار اخر صادر عن محكمة النقض في نفس الإتجاه ( القرار رقم 1017-المؤرخ في 25 غشت 2011-الغرفة الإجتماعية القسم الأول-الملف عدد 2010/1/5/1144 القاضي برفض الطلب) حيث جاء فيه :
-إن مشرع مدونة الشغل أوجب على المشغل ،وقبل اتخاده قرارا بالفصل في حق الأجير لاقترافه اخطاء يعتبرها جسيما ، احترام جملة إجراءات حددتها المادة 62 من المدونة.
-حين لم تحترم المشغلة ما أوجبته المادة 62 من مدونة الشغل ، فإن الحكمة كانت على صواب بتأييدها للحكم الابتدائي الذي اعتبر أن الفصل الذي تعرض له الأجير فصل تعسفي ،ولم تكن في حاجة لإجراء بحث للتأكد من ارتكابه المنسوب إليه ،كما أن اللجوء إلى مفتش الشغل الحتج به هو مرحلة تأتي بعد الإجراءات المشار إليها في المادة 62 من المدونة.
إذا كان المشرع قد حرص على تبيان كيفيات تسليم مقرر الفصل في المادة 63 من مدونة الشغل، وكذا إبراز البيانات التي يجب أن يتضمنها ذلك المقرر في المادتين 64 و65 من نفس المدونة، فقد أغفل تحديد شكليات الدعوة لجلسة الاستماع وموضوعها، بحيث يطرح التساؤل عن مدى اعتبار التبليغ الشفوي للأجير لحضور جلسة الاستماع سليما أم لا من شأنه أن ينتج أثرا بالنسبة لمراحل الإجراءات المسطرية اللاحقة.
هذا فضلا عن أن مدونة الشغل لم تلزم المشغل بتضمين موضوع الاستدعاء لجلسة الاستماع، بحيث قد يظل الأجير جاهلا لموضوعها إلى حين انعقادها مما يفوت عليه الفرصة لإعداد دفاعه حول الأخطاء الجسيمة المنسوبة إليه والتي لن تصل إلى علمه إلا عند انعقاد تلك الجلسة[[12]].
أما فيما يخص التبليغ، فهناك من اعتبر رسالة الطرد لا تشكل إجراء جوهريا ولا يترتب على عدم توجيهها اعتبار الطرد تعسفيا، وإنما يمكن الاستعاضة عنها بوسيلة أخرى، وهناك اتجاه آخر متمسك بالنص ويرى ضرورة تطبيق مقتضيات الفصل السادس من النظام النموذجي ﴿المادة 63 من مدونة الشغل﴾، واتجاه آخر يتبنى موقفا وسطا إلى حد ما ويعتبر أن الإشعار بالطرد واجب في كل الأحوال التي ارتكب فيها الأجير خطأ جسيما أم لا، ما عدا إذا تعذر ذلك بسبب قاهر[[13]].
أما بالنسبة لتعامل القضاء مع التبليغ فقد اعتبره المجلس الأعلى ﴿محكمة النقض حاليا﴾ إلزاميا سواء في ظل النظام النموذجي، أو في ظل مدونة الشغل، ففي قراره 730/2005 الذي يستفاد منه أن المشغل بعث برسالة الفصل بعد فوات أجل 48 ساعة من فصله أي بعد مدة 24 يوما من تاريخ الإشعار بالتوصل لفصله من العمل إلا بعد مرور 24 يوما من تاريخ فصله، ولم يثبت أنه سلم رسالة الفصل للأجير يدا بيد داخل الأجل القانوني والمحكمة لم تكن بحاجة لمناقشة الأخطاء المنسوبة للأجير مادام المشغل لم يحترم المسطرة القانونية[[14]].
وما تجب الإشارة إليه لم يكن النظام الأساسي لـ 1948 يحدد طريقة تسليم مقرر الفصل إلى الأجير يدا بيد، أو بواسطة رسالة مضمونة مع الإشعار بالتوصل أم هما معا.
فحسمت المادة 63 من مدونة الشغل هذا الأمر فيكون تسليم مقرر الفصل إلى الأجير المعني بالأمر يدا بيد مقابل وصل، وبواسطة رسالة مضمونة مع الإشعار بالتوصل.
جاء في قرار للمجلس الأعلى بتاريخ 05/11/2006 ״...وأنه طبقا للمادة 63 من نفس المدونة فإنه يسلم مقرر الفصل إلى الأجير المعني بالأمر يدا بيد مقابل وصل أو بواسطة رسالة مضمونة مع الإشعار بالتوصل داخل أجل ثمانية وأربعون ساعة من تاريخ اتخاذ المقرر المذكور، إلا أنه بالرجوع إلى الوثائق المضمنة بالملف فإنه لا دليل على سلوك تلك الإجراءات المنصوص عليها طبقا للمادتين أعلاه ولا دليل على ما يفيد توصل الأجير بمقرر الفصل طبقا لمقتضيات المادة 63 من المدونة مما يجعل الطرد الذي تعرض له الأجير طردا غير مبرر״[[15]].
الفقرة الثانية: الرقابة القضائية للشروط الشكلية للفصل بسبب اقتصادي أو ما في حكمه
لقد كان مرسوم 14 غشت 1967 المتعلق بالإبقاء على نشاط المؤسسات الصناعية والتجارية وبإعفاء مستخدميها يحدد مجموعة من الإجراءات التي يتعين اتباعها قبل الإغلاق الكلي أو الجزئي لأسباب اقتصادية من أهمها حصول المشغل على إذن أو موافقة من عامل العمالة أو الإقليم على هذا الإجراء، وهو نفس المنحى الذي سلكته مدونة الشغل، وإن كانت قد توسعت في مفهوم الإعفاء حيث عبرت عنه بـ ״الفصل لأسباب تكنولوجية واقتصادية وهيكلية وإغلاق المقاولات״[[16]]، وهو ما يجعل أغلب القرارات التي صدرت عن محكمة النقض سارية المفعول.
لدى يجب على المشغل بموجب المادة 66 و67 من مدونة الشغل والذي يعتزم فصل الأجراء كلا أو بعضا، أن يتقيد بمجموعة من الإجراءات والمتمثلة في إخطار مندوبي الأجراء والممثلين النقابيين إن وجدوا، أو استشارتهم والتفاوض معهم.
وبعد ذلك يحرر محضرا تسلم نسخة منه إلى المندوب الإقليمي المكلف بالشغل، ثم يحال الملف على اللجنة الإقليمية، وهكذا فإن فصل الأجراء يتوقف على إذن من عامل العمالة أو الإقليم.
ومن بين الأحكام التي رتبت على عدم سلوك مسطرة الإغلاق أو إعفاء العمال حكم المحكمة الابتدائية بوجدة رقم 970 الصادر بتاريخ 22 ماي 2002 الملف الاجتماعي عدد 616/01 الذي جاء فيه ״وأمام عدم سلوك المسطرة الخاصة بالإعفاءات بسبب الأزمة الاقتصادية المزعومة وانعدام الإذن المسبق بالإعفاء من طرف الجهات المعنية، يكون الفصل المتخذ من طرف المدعى عليها فصلا تعسفيا״[[17]].
وفي نفس الاتجاه وفي قرار للمجلس الأعلى ﴿محكمة النقض﴾ يتعلق بما تم التعبير عنه بتخفيض الإنتاج جاء فيه أنه ״ لا يحق للمشغل أن يقوم بفصل العمال بسبب تخفيض الإنتاج إلا بعد استئذان السلطة الإدارية وحصوله على الإذن بذلك، ويعتبر فصل العمال الذي لم يراعى فيه الإجراء المذكور فصلا تعسفيا״.
وفي قرار آخر جاء فيه ما يلي:
״لما ثبت لدى محكمة الموضوع أن الطرد الجماعي للعمال تم قبل الحصول على الترخيص الإداري بذلك، واستخلصت عن صواب أن الطرد الذي تم على هذا النحو يعتبر طردا تعسفيا تكون قد بنت قضاءها على أساس سليم...״[[18]].
وفي آخر هذه النقطة نود أن نشر إلى بعض النقط التي لم تجب عليها مدونة الشغل، فإذا كان لا يتعين التمييز بين ما إذا كان حجم المقاولة يضم أقل من 10 أجراء ففي هذه الحالة لا مجال لتطبيق المقتضيات الإجرائية المنصوص عليها في المادة 66 من المدونة.
والسؤال المطروح، إذا كانت مقتضيات المادة 66 من المدونة لا تسعف في هذه الحالة فما هي الطرق التي سيلجأ إليها المشغل في حالة إعفائه الكلي أو الجزئي للأجراء والمقاولة تضم أقل من 10 أجراء؟
وكيف يتم إخبار مندوب الأجراء والممثلين النقابيين برغبة المشغل في الفصل هل سيكون عن طريق القضاء أم تبليغ عن طريق البريد المضمون أم أية وسيلة من شأنها أن تؤدي إلى النتيجة[[19]].
المطلب الثاني: الرقابة الموضوعية للطرد التعسفي
من خلال هذا المطلب سنتطرق في (فقرة أولى )إلى مفهوم الخطأ الجسيم وسلطة القضاء في تكييفه، ثم في (فقرة ثانية) إلى الأسباب غير المشروعة لفصل الأجير.
الفقرة الأولى: مفهوم الخطأ الجسيم وسلطة القضاء في تكييفه
من أول النقط المثارة في هذا المجال والتي طرحت نفسها بإلحاح، مسألة تحديد مفهوم الخطأ الجسيم الذي يبقى نسبيا يتغير وفق المعطيات الاقتصادية والاجتماعية، حيث أنه فيما كان يعتبر خطأ جسيما في الفترات السابقة لم يعد كذلك في الوقت الحاضر، فالأخطاء المحصورة في المادة 39 جاءت على سبيل المثال لا الحصر، مما يجعل المجال مفتوحا في تكييف الأخطاء بالنسبة للأجير.
وأمام عدم توفرنا على معيار دقيق يمكن استخدامه لتحديد الخطأ الجسيم تدخل القضاء لتقديره أخذا بعين الاعتبار طبيعة الخطأ هل هو عمدي أو غير عمدي، ثم درجة الخطأ ثم الأخذ بسوء نية أو حسن نية الأجير، وحالته الصحية والعقلية والنفسية وأقدميته وآثار سلوكه على نشاط المؤسسة[[20]].
ومن هنا فقد ذهبت ابتدائية القنيطرة في حكم عدد 158/08 بتاريخ 17/09/2008، أن استعمال المدعي ناقلة دون إذن مالكها وإلحاق خسائر مادية بها لا يرقى ليكون خطأ جسيما يبرر الفصل عن العمل، وبالتالي حكمت المحكمة بالتعويضات للأجير بناء على الطرد التعسفي.
كما ذهب المجلس الأعلى في قراره عدد 335[[21]] ، أن الأجير الذي فصل من عمله بسبب أنه ارتكب حادثة سير بشاحنة المشغلة التي كان يسوقها وبعثت له رسالة الطرد تتضمن الأخطاء المنسوبة إليه، والمتمثلة في إلحاق خسائر مادية بضياع كمية كبيرة من البضائع التي كانت محملة بها، إلا أن المحكمة اعتبرت الأخطاء المنسوبة للجير لا ترقى إلى درجة الخطأ الجسيم المبرر للطرد.
من خلال هذه القرارات يمكن القول أن الخطأ الذي يرتكبه الأجير هوخطأ ذو طبيعة خاصة، وخاضعة للقانون الاجتماعي، إلا أنه ولانعدام تعريف محدد له، لابد من الاستعانة ببعض المعطيات ليتمكن القضاء من إعطاء التكييف الصحيح للنوازل المعروضة عليه، ومن بين الوسائل المعتمدة سواء في التشريع الوطني أو في القانون الفرنسي هو التأكد من عنصرين لوجود خطأ جسيم يستوجب الفصل، وهو أن يكون السبب جدي وحقيقي، ومن هنا نتساءل، هل عنصر العمد يدخل كذلك في تكييف الخطأ الجسيم؟
فبالنسبة للقانون الفرنسي ترك تحديد هذه الفكرة للاجتهاد القضائي وللفقه، إلا أنه يمكن القول أن السبب يجب أن يكون حقيقيا وموجودا ودقيقا، فإذا كان غامضا أو غير مؤكدا فلا يعتبر مبررا للفصل.
وقد استقر العمل القضائي على أن تقدير درجة الخطأ المنسوب للأجير تعد مسألة موضوعية يستقل بتقديرها قضاة الموضوع، ولا رقابة للمجلس الأعلى عليه، إلا من حيث التعليل، وقد صدر قرار عدد 564[[22]] سنة 2000: ״...وراقب المجلس الأعلى تعليل المحكمة الذي جاء منعدما״.
من هنا نستخلص أن تكييف درجة الخطأ من غير الأخطاء المنصوص عليها في الفصل 39 من مدونة الشغل، يخضع لقضاة الموضوع ولا سلطة عليهم فيه، إلا من حيث التعليل، فالسلطة التقديرية الممنوحة لقضاة الموضوع ليست بسلطة مطلقة وإنما هي سلطة تقديرية نسبية[[23]].
أما فيما يخص سلطة القضاء في تكييف الخطأ الجسيم، إذا كانت المادة 39 من مدونة الشغل وكذلك الفصل 6 من قرار 23/10/1948 سابقا تنص على أن الأخطاء جاءت على سبيل المثال، فإن هذا فسح المجال للقضاء بالقياس على كل الأخطاء الواردة عليه والبت لما له من سلطة تقديرية في جسامة الخطأ من عدمه، وفي نفس المنحى سار المجلس الأعلى في إحدى قراراته ومنها قرار عدد 925 بتاريخ 22/09/2004[[24]]، حيث استعملت المحكمة سلطتها التقديرية والقانونية في اعتبار تغيب الأجير لأقل من 4 أيام دون مبرر في السنة الواحدة لا يعد خطأ جسيما.
وفي قرار آخر بتاريخ 9/02/2005 رفض طلب النقض على أساس أن محكمة الاستئناف ثبت لديها من خلال تصريحات الشهود ووثائق الملف أن الأجيرة توصلت برسالة الطرد مفادها أنها تغيبت مدة 3 أيام وتقرر طردها من العمل، كان ما قضت به المحكمة من أن المشغلة لم تثبت أنها تغيبت لأكثر من 4 أيام المنصوص عليها قانونا لاعتبار أن الخطأ المرتكب يتصف بالجسامة،وبالتالي يجعل ما أقدمت عليه المشغلة هو طرد تعسفي وقضت بتعويضات للأجيرة.
وفي قرار آخر[[25]] أكد المجلس الأعلى أن للمحكمة السلطة التقديرية في تكييف الخطأ باعتباره موجبا للفصل أم غير موجب له قرار 257/2005 والذي نص في إحدى حيثياته: ״...فإن المحكمة عندما اعتبرت أن الطرد تعسفي رغم إقرار الأجير بجلسة البحث ارتكابه خطأ خياطة سبعة سراويل والتي تم إصلاحها ولم يعد يظهر بها أي خطأ تكون قد ردت دفع المطلوب ضمنيا واستخلصت أنه لا يعد خطأ جسيما يستوجب الطرد...״.
وتبعا لهذه القرارات يتضح مجال السلطة التقديرية في تكييف الخطأ اتجاه الوقائع المنسوبة للأجير، فهي تكون منعدمة إذا انتهى التكييف إلى أحد الأخطاء المنصوص عليها في اللائحة كالسرقة أو السب الفادح أو خيانة الأمانة... وتتشكل بوضوح في الحالات الأخرى لينتهي تقدير المحكمة إلى تقدير أخطاء جسيمة أخرى مبررة للطرد كالمنافسة غير المشروعة أو الإضراب التضامني الذي اعتبره المجلس الأعلى خطأ جسيما يبرر الطرد.
إلا أنه لابد من طرح السؤال الأهم ألا وهو على من يقع عبء إثبات هذا الخطأ، وما هي الوسائل المعتمدة في إثبات الخطأ المنسوب للأجير؟
أولا: عبء إثبات الخطأ الجسيم
إذا كان المشغل هو الذي يتخذ مبادرة الفصل، فهل هو المطالب بإثبات السبب الذي دفعه إلى هذا الفعل؟ أم أن الأجير هو الذي عليه إثبات أن المشغل سبب له ضررا عندما مارس حقه بشكل تعسفي؟
من هنا فقد بقي القضاء لمدة طويلة يجعل عبء الإثبات على عاتق المشغل، في حين احتفظ للأجير بإثبات الفسخ التعسفي والذي ينبني في أساسه على فكرة الخطأ، ثم اتبع بعد ذلك إدراج البحث المنصوص عليه في الفصل 754 من قانون الالتزامات والعقود ﴿ويسوغ للمحكمة في سبيل تقدير ما إذا كان يوجد فسخ، أن تجري تحقيقا في ظروف إنهاء العقد﴾،ويلزم في جميع الأحوال أن يتضمن الحكم صراحة ذكر المبرر الذي يدعيه الطرف الذي أنهى العقد.
إن المبدأ الذي أصبح يسير عليه القضاء المغربي يكشف إلى حد كبير المنحى الذي أصبحت تشقه هذه المحاكم نحو الابتعاد عن تقنيات القانون المدني في إثبات الالتزام[[26]].
قد يثبت المشغل الخطأ المنسوب للجير والمتمثل في الغياب وينقلب عبء إثبات الغياب المبرر على الأجير الذي عليه أن يثبت أن غيابه كان مبررا بجميع الوسائل، وإن لم يثبت ذلك كان الخطأ ثابت في حقه، ولا يستحق معه أي تعويض وهو ما سار عليه المجلس الأعلى في قراره عدد 927 بتاريخ 18/10/2001[[27]].
وفي قرار آخر بتاريخ 13/10/2004[[28]]، يؤكد فيه المجلس الأعلى أن السلطة التقديرية للقضاء وأن عبء إثبات الخطأ هو على المشغل الذي عليه أن يثبت أن الأجير قد ارتكب خطأ جسيما.
ثانيا: إثبات الخطأ الجسيم والسلطة التقديرية
يطبق في مجال نزاعات الشغل مبدأ حرية الإثبات وعدم حصره في وسائل الإثبات الكتابية[[29]]، بل إنه في أكثر حالات الخطأ الجسيم يثبت عن طريق الاستماع إلى الشهود بجلسة البحث، يلاحظ إذن أن العديد من المحاكم تكون قناعتها عن طريق الاستماع إلى الشهود ولا جدال في ذلك مادامت الشهادة تنصب على وقائع مادية يمكن إثباتها بجميع وسال الإثبات، حيث أنه يتم الأخذ بشهادة الشهود حتى وإن كانوا في علاقة تبعية مع المشغل، وهذا ما ذهب إليه قرار المجلس الأعلى في قراره الصادر بتاريخ 13/04/2005.
كما أن للمحكمة عند استماعها للشهود أن تأخذ بشاهد دون آخر لما لها من سلطة تقديرية في ذلك ولا رقابة عليها إلا من حيث التعليل، وأكد هذا الطرح قرار المجلس الأعلى بتاريخ 20/04/2005[[30]].
الفقرة الثانية: الأسباب غير المشروعة لفصل الأجير
تعتبر أسباب جوهرية لاعتبار الطرد تعسفيا الحالات التالية:
1- إذا كان السبب الذي تمسك به المشغل غير حقيقي، كما في حالة صدور الاستقالة تحت الضغط، كأن يساهم عنصر أجنبي في الدفع بالأجير لتقديم طلب الاستقالة، وحظرا لكون هذا التصرف يشوبه عيب من العيوب، فقد تدخل المجلس الأعلى في مجموعة من قراراته في إطار إعطاء هذا التصرف تكييفه الصحيح، واعتبر أن هذه الاستقالة خاصة إذا كانت تحت الضغط والإكراه تعتبر عديمة الأثر وتشكل تبعا لذلك طردا مقنعا يعطي الحق للأجير في الحصول على سائر التعويضات التي يحصل عليها في الطرد العادي[[31]].
2- إذا كان السبب الذي تمسك به المشغل غير كاف أو بعبارة أخرى غير مجد كما في حالة فصل الأجير من أجل السرقة والعنف الذي لم يثبت في حقه.
3- إذا كان السبب الذي تمسك به المشغل غير مشروع، مثل الإخلال بشرط عدم الزواج والانتماء النقابي[[32]] ، أو كما في حالة امتناع الأجير عن الالتحاق بمقر العمل الجديد نتيجة قرار نقله من مدينة إلى أخرى، ودون استفادته منه، ودون التنصيص عليه في عقد الشغل، وهذا ما أكده المجلس الأعلى في قراره عدد 979[[33]] الصادر بتاريخ 29/06/2004 أن امتناع الأجيرة عن العمل لنقلها من برشيد إلى الدار البيضاء في محله ويعتبر النقل هذا تغيير في جوهر بنود العقد.
وقد اعتبر المجلس الأعلى في قراره عدد 400 أن المشغلة التي نقلت الأجيرة من مراكش إلى مدينة الدار البيضاء بالمركز الرئيسي للمقاولة، وأنذرت الأجيرة بواسطة رسالة مضمونة مع الإشعار بالتوصل، ونفذ قرار المشغلة وعند التحاقه لم تستقبله هاته الأخيرة بمركزه السابق فاعتبرته في حكم المستقيل والمحكمة نظرا للسلطة التقديرية في تقييم الخطأ باستماعها للشهود، وإجراء بحث في النازلة خلصت إلى أن السبب الذي اعتمدته المشغلة هو سبب جدي أي عدم التحاقه بالعمل، ولم يثبت بأية وسيلة من وسائل الإثبات ما ادعاه من أنه رفض من طرف المدير الجديد فقضى المجلس الأعلى برفض الطلب[[34]].
4- إذا كان السبب الذي تمسك به المشغل لتبرير الطرد مرتبطا بكفاءة الأجير أو سلوكه وتحثه ضرورة سير المقاولة، وهذا ما ذهبت إليه استئنافية الدار البيضاء بمقتضى قرارها عدد 3310[[35]] بتاريخ 29/03/2004: ״...حيث بعد إجراء بحث من طرفها أن الشهود المستمع إليهم لم يؤكدوا واقعة السب والشتم في حق المسؤولين واكتفوا بالتصريح بكون الأجير وجه ضربة لباب الإدارة برجله بسبب نزاع والده مع أحد العمال بنفس الشركة،واعتبرت المحكمة أن ما قام به الأجير لا يرقى لدرجة الخطأ الجسيم الذي يوجب الفصل خاصة وأن ممثل الشركة أفاد خلال جلسة البحث أن الأجير لم يسبق له أن وقع في نزاع مع الإدارة أو مع العمال، وبالتالي صرحت المحكمة بالتعويضات للأجير على أساس أنه تعرض لطرد تعسفي، فطعن فيه بالنقض أمام المجلس الأعلى والذي صرح برفض الطلب على اعتبار أن الخطأ الذي ارتكبه لا يرقى إلى الخطأ الجسيم، قرار بتاريخ 04/05/2005[[36]].
إذا كانت هذه الأسباب الأخيرة تعطي الحق للمشغل في فصل الأجير اعتبار الفصل مشروعا، فإن القضاء الاجتماعي يلعب دورا أساسيا في التحقق من مدى صحة الأسباب التي يتمسك بها المشغل تجاه الأجير، ويثار التساؤل حول متى وكيف يتم التأكد فعلا من وجود نقصان في الكفاءة المهنية لدى الأجير.
وهنا يتدخل القضاء الاجتماعي مستعملا سلطته التقديرية للبحث عن مدى صحة السبب المتمسك به من طرف المشغل، إذ اقتضى الأمر بإجراء بحث والاستماع للطرفين لمعرفة كفاءة الأجير عند دخوله إلى العمل، والمدة التي قضاها لدى المشغل، وهل هناك أجراء آخرين بنفس كفاءته لم يتم فصلهم، وهل المشغل بإمكانه توفير شغل يناسب كفاءة الأجير، وهل بإمكان المشغل أن يوفر للأجير تكوينا مستمرا لرفع مستوى كفاءته، كما أن القاضي الاجتماعي قد يرجع إلى عقد الشغل إذا كان كتابيا، لمعرفة الظروف والشروط التي بمقتضاها تم إبرام عقد الشغل[[37]].