دور العقوبات البديلة للعقوبة السالبة للحرية من التقليص من الجريمة والتخفيف من اكتظاظ السجون و تقليص النفقات المرتبط بها
العقوبات البديلة للعقوبات السالبة للحرية في مقارنة بين التشريع الفرنسي و المغربي, عقوبة الغرامة اليومية, عقوبة العمل لأجل المنفعة العامة, االمراقبة الإلكترونية كعقوبة بديلة وقائية, عقوبة تقييد بعض الحقوق أ فرض تدابير رقابية أو علاجية أو تأهيلية, مدى تطبيق العقوبات البديلة في جرائم الأعمال
جاءت العقوبات البديلة بأهداف واضحة سعت كل الدول لتحقيقها، و تقاس نجاعة و نجاح هذه العقوبات بتحقيق هذه الأهداف التي تتمثل أساسا في التقليص من الجريمة و الإجرام (الفقرة الأولى)، بالإضافة إلى التخفيف من اكتظاظ السجون و تقليص النفقات المرتبطة بها (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: التقليص من الجريمة و الإجرام.
بينت التجارب أن من الأساليب الناجعة لمحاربة الجريمة و الإجرام هي إعادة تاهيل المجرمين و إدماجهم في المجتمع، و هذا الهدف الذي جاءت من أجله العقوبات البديلة، عكس العقوبات السجنية خصوصا المقررة في الجرائم البسيطة التي ترمي بالمحكوم عليه في السجن و تبعده عن المجتمع فتزيد من إجرام المجرم و تقطع علاقاته مع المجتمع. فالحكم بعقوبة بديلة في الجرائم البسيطة يعفي المحكوم عليه من تجربة السجن الذي بين الواقع أنها تغير سلوك الناس ليصبحوا أكثر عدائية، خصوصا أصحاب الجرائم الغير العمدية الذين يرمى بهم في السجن فيصبحوا ضحايا للمجرمين المحترفين و يتغير سلوكهم ليصبحون مثلهم.
كما أن العقوبة البديلة من شأنها أن تقلص من حالات العود التي تكون ناتجة عن فشل المحكوم عليه من الإندماج في المجتمع و اعتياده على حياة السجن و ما يصاحبها من تجارب التي يستفيدها هناك، فيصبح ارتكاب الجريمة سهلة بالنسبة له، و هذا مشكل يجب أن تتدراكه الجهات المسؤولة، فالطرق و المناهج المعتمدة من طرفهم لا تحارب الجريمة بل تشجع عليها لأنها تنتج لنا مجرم محترف، و العقوبات البديلة ستغير هذا الواقع لأنها ستنتج لنا مواطن صالح لم يتأثر بخبايا السجون.
و في إطار سؤأل اي نجاعة للعقوبات البديلة، فهل هي حقا ستقلص من معدلات الجريمة، الجواب أنه حتما ستقلص من حالات العود لأن المجرم سيتم تأهيله و إدامجه ما سيمحو رغبته و حاجته في إعادة الجريمة، لكن في نجاعة العقوبات البديلة من التقليص من الجريمة و الإجرام من اصله فلا، لأن المجتمع المغربي مثلا يرى أن هذه العقوبات هي إفلات من السجن، فهي بمثابة الفوز و لا ينظر إليها بصفتها عقوبة، ما يمكن أن يشجع خصوصا القاصرين على ارتكاب الجرائم، و خصوصا بمعرفتهم أنهم لن يحاكموا بالسجن بل بعقوبات بديلة، و قد بينت دراسات اجتماعية هذا التوجه، ما يسوقنا للقول باعتماد التوجيه و التوعية بالنسبة لهذه العقوبات و تعليم الناس أنها عقوبات ستؤثر على اصحابها و ليست إفلات من السجن.
الفقرة الثانية: التخفيف من اكتظاظ السجون و تقليص النفقات المرتبط بها.
يعاني المغرب من أزمة اكتظاظ السجون و ما يرافقها من عجز من إكراهات تتمثل في عدم كفاية الأسرة و أماكن المبيت المخصصة للسجناء، فقد صدر من المندوبية العامة لإدارة السجون أن عدد السجناء بالمغرب وصل لعدد قياسي برقم 100004 سجين مع طاقة استعابية لا تتعدى 64600 سرير، و هو الشئ الذي يؤثر على الأمن و ظروف الإيواء و التغذية، كما طالبت بضرورة الإسراع في إيجاد حلول لهذه المشاكل.
العقوبات البديلة من شأنها أن تساعد في التخفيف من هذا الإكتظاظ عبر التقليل من الأحكام القاضية بالسجن، عبر إخضاع المحكومين لواحدة من العقوبات البديلة التي ستؤدي مع الوقت لتقليل عدد نزلاء السجون، فبالنظر للدول الغربية أو بعض الدول العربية التي تعمل مسبقا بهذه العقوبات، يلاحظ نقص كبير في عدد السجناء الذي نتج عن التخفيف من اللجوء للإعتقال الإحتياطي و استبداله بنظام الكفالة أو المراقبة الإلكترونية التي تضمن حضور المتابع أمام القضاء و التحقيق دون الزج به في السجن، كما لجأت هذه الدول إلا استبدال العقوبات الحبسية الناتجة عن الجرائم البسيطة بإحدى العقوبات البديلة عوضا رميه في السجن مع المجرمين المحترفين ليصبح مثلهم.
فتقليص عدد السجناء ينتج عنه تقليص النفقات المخصصة للسجون، ففي إحصاءات صدرت عن المندوبية العامة لإدارة السجون و المندوبية السامية للتخطيط، يكلف سجين واحد ما يقارب 80 درهم من ميزانية السجن، و هو مبلغ كبير بالنظر في العدد الإجمالي للسجناء، و في إحصاءات أخرى صدر فيها أن الدولة المغربية تصرف ما يقارب 446 مليون درهم كنفقات مباشرة على حاجات السجناء، منها 370 مليون درهم لتغذية السجناء، و بالتالي فالعقوبات البديلة من شأنها تقليص عدد السجناء و بالتالي تقليص النفقات المخصصة لهم و استعمالها في برامج إعادة التأهيل و إدماج السجناء و في تأهيل السجون و التحسين من وضعية تغذية و إيواء السجناء.
ففي فرنسا مثلا، تبلغ التكلفة اليومية لإيواء السجين ل 105 يورو، و التي بينت التجارب أن هذه النفقات تنخفض إلى النصف بتطبيق العقوبات البديلة، و تصل إلى 10 يوروهات يوميا للمحكوم عليه بالمراقبة الإلكترونية، و هذا انخفاض كبير بالمقارنة مع التكلفة العادية الذي من شأنه توفير الملايين و استعمالها في البرامج التأهيلية.