التوحيد عند أهل السنة والجماعة
التعريف بعلم الكلام وأثره على الأمة الإسلامية, تعريف الأشاعرة , التعريف بالإمام أبي الحسن الأشعري, تعريف أهل السنة والجماعة, التوحيد عند الأشاعرة, التوحيد عند أهل السنة والجماعة, القرآن عند الأشاعرة, القرآن عند أهل السنة والجماعة, الإيمان عند الأشاعرة, الإيمان عند أهل السنة والجماعة, القدر عند الأشاعرة, القدر عند أهل السنة والجماعة, مذهب شيخ الإسلام ابن تيمية في القدر, عقيدة الإمام أبي بكر محمد الحسين الأجري في القدر, عقيدة الإمام أبي جعفر الطحاوي في القدر,
قال تعالى : (لقد أرسلنا نوحا إلى قومه فقال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره).
وقال هود وصالح وشعيب عليهم السلام لأقوامهم في آيات متفرقات من سورة للأعراف : (اعبدوا الله مالكم من إله غيره) .
وقال تعالى : (ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت).
وقال تعالى : (وما أرسنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون).
وقال صلى الله عليه وسلم : (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله.
ولهذا كان الصحيح أن أول واجب يجب على المكلف شهادة أن لا إله إلا الله، لا النظر، ولا القصد إلى النظر، ولا الشك، كما هي أقوال أرباب الكلام المذموم، بل أئمة السلف كلهم متفقون على أن أول ما يؤمر به العبد الشهادتان، خلاف ما أقره بعض المنتسبين إلى المذهب الأشعري الذين قالوا بأن أول واجب على المكلف هو النظر لأن به تحصل معرفة الله تعالى، أي الإقرار بوجوده تعالى وأنه خالق العالم وأن ما سواه مخلوق محدث.
تدور مادة "وحد" على الانفراد والاختصاص، والتوحيد هو جعل الشيء واحدا حسب ما ذكر بعض العلماء، وهذا لا يصح أن يقال في توحيد الله تعالى، فإن وحدانية الله تعالى ذاتية ليست بجعل جاعل كما ذكر ذلك العلامة السفاريني.
قال الجوهري رحمه الله تعالى : (الوحدة : الانفراد.
تقول : رأيته وحده) .
قال الزجاجي : (والواحد : الفرد الذي لا ثاني له من العدد، فالله هو الواحد الأحد الأول الذي لا ثاني له، ولم يسبقه شيء.
.
.
والواحد أيضا : الذي لا نظير له ولا مثل له، كقولهم: فلان واحد قومه في الشرف أو الكرم أو الشجاعة، أي لا نظير له في ذلك ولا مساجل.
.
.
فالله الواحد الذي لا نظير له ولا مثل) .
وذكر الحافظ ابن حجر العسقلاني أن التوحيد هو العلم بأن الله تعالى واحد ومعنى العلم بأنه واحد أي أنه المنفرد الذي لا نظير له ولا مثيل، ولم يقل ابن حجر جعله واحدا.
بعد التتبع والبحث في كتب العقيدة لأهل السنة والجماعة وخاصة كتب التوحيد واستقراء النصوص من الكتاب والسنة، رأيت أن أهل السنة والجماعة اجتمعوا واتفقوا على تعريف ميسر سهل، جامع مانع للتوحيد وهو : إفراد الله بالعبادة.
ومعنى ذلك إفراده تعالى بما يختص به من الربوبية والألوهية والأسماء والصفات، وأنه لا يتحقق التوحيد إلا بنفي الحكم عما سوى الموحد وإثباته له، وذلك أن النفي المحض تعطيل محض، والإثبات المحض لا يمنع مشاركة الغير في الحكم.
ولهذا نقول : إن التوحيد لابد فيه من ركنين وهما : النفي والإثبات.
وعندما نتأمل في معنى التوحيد فإننا نلمس أن هناك أمورا خاصة بالله تعالى لا يجوز أن يشاركه فيها غيره، وهذه الخصائص إذا اعتقد العبد أنها لله تعالى دون غيره حصل منه التوحيد أو بعضه، وهذه الخصائص نفسها إذا اعتقد العبد أنها لغير الله تعالى، أو أن هناك من يشارك الله تعالى فيها فقد حصل منه الشرك، وهو ضد التوحيد.
قسم أهل السنة والجماعة التوحيد إلى أقسام، وقد اختلف تقسيمهم لهذه المعاني لا لاختلافهم في التوحيد نفسه ولكن ذلك يعود إلى أمرين : أحدهما : اختلافهم في زاوية التقسيم وجهته، فمن نظر إلى التوحيد من جهة العبد قسمه إلى : علمي وعملي، ومن نظر إليه من جهة الله تعالى قسمه إلى الربوبية، والألوهية والأسماء والصفات.
وهذا لا يعتبر اختلافا معنويا بل هو اختلاف تنوع وليس اختلاف تضاد.
الثاني : اختلافهم في التعبير اللفظي عن المعنى الصحيح كما يعبر بعضهم عن التوحيد العلمي ب : التوحيد القولي، أو التوحيد الاعتقادي ونحو ذلك، ويعبر عن التوحيد العلمي ب : توحيد القصد والطلب، أو التوحيد الفعلي ونحو ذلك من التعبيرات وهذه التعبيرات المختلفة ليست متبانية بل هي متوافقة، فهي تختلف في العبارة وتتفق في المعاني، إذن فالتقسيم عند أهل السنة والجماعة بابان لمعنى واحد.
ومن أدلة أقسام التوحيد في القرآن والسنة عدة دلالات نذكر بعضها على سبيل التمثيل والبيان : ما جاء في سورة الفاتحة وهي أم الكتاب والسبع المثاني يدل على أقسام التوحيد بأوضح بيان : قال تعالى : (الحمد لله رب العالمين) فإن الحمد يتضمن مدح المحمود بصفات كماله مع محبته والرضا عنه، وقوله تعالى : (رب العالمين) يدل على ربوبيته وتدبيره لجميع خلقه كما يشاء.
وقوله تعالى : (الرحمن الرحيم)يدل على توحيد الأسماء والصفات.
وقوله تعالى : (إياك نعبد وإياك نستعين) يدل على توحيد الألوهية وإفراد الله بالعبادة.
ومما يدل على أقسام التوحيد في السنة النبوية ما ورد في قول المضحي عند ذبح أضحيته – بعد قوله (بسم الله والله أكبر) : (اللهم هذا منك وإليك)(1) هذا الدعاء المبارك جمع بين توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية وتوحيد الأسماء والصفات.
والمشهور عند أهل السنة والجماعة أنهم يقسموا التوحيد إلى ثلاثة أقسام، وهذا ما ثبت في أشهر كتبهم مثل كتاب شرح عقيدة أهل السنة والجماعة لفضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين وشرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز الحنفي وكتاب العقيدة الواسطية وغير ذلك من كتب العقيدة.
وهذا التقسيم هو كالآتي : 1- توحيد الربوبية.
2- توحيد الألوهية.
3- توحيد الأسماء والصفات.
توحيد الربوبية : وهو العلم والاعتقاد بأن الله هو المتفرد بالخلق، والرزق، والتدبير، وهذا النوع أقر به الجميع حتى المشركين ولم ينكره أحد من الناس، ومن أنكره إنما أنكره مكابرة.
مثل فرعون الذي أنكر أن يكون هناك رب، وقال لقومه : (يا أيها الملأ ما علمت لكم من إله غيري)، ولكن هذا إنكار باللسان، فهو جحد مع اليقين في القلب بأن الأمر خلاف ذلك، ودليل هذا قول الله تعالى : (وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا) يعني: جحدوا بها ظلما وعلوا مع أن أنفسهم مستيقنة بها، وقال موسى وهو يناظر فرعون: (لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السماوات والأرض بصائر)، ولم ينكر فرعون هذا، فدل ذلك على أنه لا أحد ينكر ربوبية الله عزل وجل، فالكل يعتقد أن لهذه الخليقة خالقا إذن فالكل مقر بتوحيد الربوبية.
توحيد الألوهية : وهو إخلاص العبادة لله وحده لا شريك له بجميع أنواع العبادة : كالمحبة والخوف والرجاء، والتوكل والدعاء وغير ذلك من أنواع العبادة، فهذا التوحيد أنكره أناس أذكياء عندهم عقل إدراكي لا عقل إرشادي، كما سبق الإشارة في المطلب الأول من البحث- مثل كفار قريش الذين أنكروا توحيد الألوهية، مع إقرارهم بتوحيد الربوبية إقرارا كاملا، فهم أنكروا التوحيد الذي بعث من أجله الرسل، وأنزلت من أجله الكتب، وجعلوا مع الله إلها آخر، قال تعالى : (وما أرسلنامن قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون).
توحيد الأسماء والصفات : وهو أن يوصف الله بما وصف به نفسه في كتابه العزيز، أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم على الوجه اللائق بعظمته وجلاله.
من غير تعطيل ولا تشبيه ولا تمثيل ولا تكييف وقد قال عز وجل عن نفسه : (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير).
ولهذا انقسم الناس في باب الأسماء والصفات إلى ثلاثة أقسام: ممثلة، معطلة، ومثبتون وهم أهل الحديث والسنة والجماعة، لذلك اضطر العلماء رحمهم الله تعالى إلى أن يكتبوا في باب الأسماء والصفات كتبا مستقلة ليبينوا للناس فيها الحق والباطل، ما بين مختصر، ومتوسط، ومطول، حتى يستقر الحق في قلوب المؤمنين.