مفهوم الأسرة في اللغة و الإصطلاح مع أمثلة من القرآن

مفهوم الأسرة في اللغة و الإصطلاح مع أمثلة من القرآن

مفهوم الأسرة في اللغة

 الأسرة في أساسها اللغوي مأخوذة من الجذر العربي المكون من الحروف (أ – س – ر)، ويعني: إحكام الربط ومتانته، وشدة التصاق أجزاء التكوين ببعضها.

ومنه قوله تعالى:" «نحن خلقناهم وشددنا أسرهم وإذا شئنا بدلنا أمثالهم تبديلا» (الانسان:28) ، ومعناه: أحكمنا خلقهم وتكوينهم بجميع جزئياته وأجزائه بواسطة المفاصل والعظام.

فالأسر في اللغة هو التوثيق وإحكام الربط، لهذا سمي الجندي المقبوض عليه في الحرب من قبل خصومه أسيراً.

قال تعالى: «ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيراً» (الانسان:8)، والجمع أسرى وأسارى كما ورد معا في القرآن الكريم في قوله تعالى: «يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من الأسرى إن يعلم الله في قلوبكم خيراً يؤتيكم خيراً مما آخذ منكم ويغفر لكم والله غفور رحيم»(الانفال:70)،  وقوله تعالى: «وإن يأتوكم أسارى تفادوهم وهو محرم عليكم إخراجهم، أفتو منون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض». (البقرة:48)

وسمي بهذا الاسم لأنه عندما يقبض عليه عادة ما يوثق ويربط حتى لا يفر، أوقد يسجن ويكبل.

فمن هذه المعاني اللغوية المفيدة للربط وإحكامه، والتكبيل وتمتينه، اشتقت كلمة "الاسرة" حتى تمثل تلك الرابطة المحكمة، والدرع الحصين لأفرادها يصون بعضهم بعضاً، ويقوي بعضهم بعضاً، ويدافع بعضهم عن بعض.

يقول المرتضى الزبيدي: "الأسر الشد .. والأسرة بالضم، الدرع الحصين , والأسرة من الرجل : الرهط الأدنون وعشيرته، لأنه يتقوى بهم" (تاج العروس: مادة آسر: (622/)

ولم ترد كلمة "الاسرة" بالمعنى المعهود والمفهوم السائد في زماننا في القرآن الكريم، وإنما وردت في حديث الرسول ×بشأن قصة اليهودي الذي زنى وجيء به إلى الرسول × وأثناء حكاية الحادث لرسول الله× قالوا: "ثم زنى رجل في أسرة من الناس...". (أخرجه أبو داود في السنن، كتاب الحدود، رقم:4450)

كما وردت في الشعر الإسلامي في قصة زيد ابن حارثة رضي الله عنه التي أخرجها الحاكم في مستدركه (رقم:4946) وملخصها ان زيداً لما توفيت والدته خلفته حجر جده من أبيه فأغارت عليهم خيل من تهامة من بني فزارة فسبت زيداً فصيروه إلى سوق عكاظ, فرأه النبي×قبل أن يبعث فأعجب ببعض صفاته عقلاً أدباً وجمالاً، فاشترته خديجة بمالها فتبناه ×ورباه حتى صار يقال له زيد ابن محمد. فجاء رجل من الحي فنظر إلى زيد فعرفه, فقال: أنت زيد ابن حارثة، فقال: لا أنا زيد بن محمد، قال: لا، بل أنت زيد ابن حارثة من صفة أبيك وعمومتك وأخوالك كيت وكيت. وأخبره أنهم اتعبوا الأبدان وأنفقوا الأموال في سبيله، فقال زيد:

أحن إلى قومي وإن كنت نائياً       ***    فإني  قطين البيت عند المشاعر

وكفو من الوجه الذي قد شجاكم    ***  ولا تعملوا في الأرض فعل الأباعر

فإني بحمد الله في خير أسرة      ***    خيار معد كابراً بعد كابر

وقدم حارثة مع بعض قرابته لأخذ زيد لكنه ابى مفارقة رسول الله ×والرجوع مع قرابته، فلم يسع أباه إلا أن أسلم إكراماً لإبنه وإعجاباً بالدين الجديد ورسوله ×وأبى الباقون.

  1. المصطلحات ذات الصلة "بالأسرة":

  • مصطلح "الأهل":
    أُستعمل مصطلح الأهل في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة بمعنيين:
    المعنى الأول: الأهل بمعنى: الزوجة، وقد ورد في القرآن الكريم بهذا المعنى في عدة آيات منها:
    - قوله تعالى: «وإذا غدوت من أهلك تبوئ المؤمنين مقاعد للقتال» (آل عمران: 121).

-وقوله تعالى:«فاسر بأهلك بقطع من الليل» (هود 81).
- وقوله تعالى: «قالت ما جزاء من أراد بأهلك سوءاً إلا أن يسجن أو عذاب أليم» (يوسف:25).
قال جل المفسرين لهذه الآيات: المراد بالأهل هنا: الزوجة. (انظر: تفسير ابن كثير: 4/497. والتحرير والتنوير: 4/71).
المعنى الثاني: الأهل بمعنى: عشيرة الرجل وقرابته ومن تناسل منهم أو تناسلوا منه. يقول ابن منظور :"أهل الرجل: عشرته وذوو قرباه" (لسان العرب، مادة (أهل) : 1/124). وهو المعنى الوارد في القرآن الكريم أيضا في قوله تعالى: «يا أيها اللذين أمنوا قووا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة» (التحريم:6).
فقد ذكر القرطبي أن المراد بالأهل في الآية: النساء والأولاد وما ألحق بهما من القرابة وذوي الرحم. (الجامع لأحكام القرآن: 18/127-128).
وهذا المعنى عرف واشتهر كذلك بالنسبة لأهل النبي × المسمين "بأهل البيت" أو "آل البيت" الوارد ذكرهم في قوله تعالى: «إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً» (الأحزاب:33). والمراد بهم في قول أغلب العلماء كما قال ابن كثير: "أزواجه وبناته وما تناسل منهم، وصهره علي ابن أبي طالب رضي الله عنهم أجمعين" (تفسير ابن كثير: 3/534) وقد أورد ابن العربي في تفسيره للآية السابقة سبب نزولها المروي عن عمر بن أبي سلمة رضي الله عنه قال: "لما نزلت هذه الآية على النبي ×.. في بيت أم سلمة دعا النبي × فاطمة وحسناً وحسيناً، وجعل عليا خلف ظهره، وجللهم بكساء ثم قال: " اللهم إن هؤلاء أهل بيتي، فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً، قالت أم سلمة: وأنا معهم يا نبي الله, قال: أنتِ على مكانك وأنت خير" .(أحكام القرآن: 3/1538)
وبهذا المعنى ورد مصطلح الأهل في السنة النبوية، عن عائشة رضي الله عنها قالت، قال رسول الله ×: "خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي". (الترمذي في السنن كتاب المناقب) وفي نصيحة سلمان الفارسي لأبي الدرداء رضي الله عنهما: "إن لربك عليك حقاً، ولنفسك عليك حقاً ولأهلك عليك حقاً فأعط لكل ذي حق حقه" (البخاري في الصحيح والترمذي في السنن)

  • مصطلح "العائلة":
    أما مصطلح العائلة فلم يرد في القرآن الكريم بمعنى القرابة ولا قريباً من هذا المعنى، وإنما ورد بمعنى الفقر والاحتياج. تارة بصيغة اسم الفاعل في قوله تعالى ممتنا على رسول الله ×: «ووجدك عائلا فأغنى» (الضحى:8) ومعناه فقيراً، وتارة بصيغة الاسم "عيلة" في قوله تعالى: «وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله إن شاء، إن الله عليم حكيم» (التوبة:28).
    وبنفس المعنى ورد في حديث الرسول × في قوله: "ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولا ينظر إليهم ولهم عذاب أليم: شيخ زان، وملك كذاب، وعائل مستكبر" أي الفقير المتكبر" (صحيح مسلم، كتاب الإيمان).
    وقد تناولت بعض معاجم اللغة مصطلح "عائل" بمعنى المتحمل لنفقة عياله.

 قال الأصمعي: عال عياله يعولهم: إذا كفاهم معاشهم.. وقيل قام بما يحتاجون إليه من قوت وكسوة وغيرهما، (لسان العرب لابن منظور: مادة (عول): 4/932).
وألحق بعض اللغويين مصطلح "العائلة" بهذه الزاوية من المعاجم فقالوا: "العائلة: من يضمهم بيت واحد من الأباء والأبناء والأقارب" (المعجم الوسيط: 2/7 ).

ويبدو أن هذا المعنى تسرب إلى اللغة العربية عن طريق ترجمة لفظ family الإنجليزي ونظيره الفرنسي.

تعريف الاسرة في الإصطلاح:

انطلاقا من الأصل اللغوي لكلمة "الأسرة" الذي يفيد إحكام الربط وشدة إلتصاق أجزاء التكوين ببعضها البعض, يمكن القول أن الأسرة: "هي النظام الاجتماعي الذي تنشأ عنه أول خلية اجتماعية تبدأ بالزوجين وتمتد حتى تشمل الأبناء والبنات والاباء والأمهات والإخوة والأخوات والأقارب جميعاً".
هذا من حيث شكلها أما من حيث وصفها فهي المحتضن الذي ينشأ فيه الأفراد على تربية اجتماعية تؤهلهم نفسيا وعمليا للاندماج في المجتمع والانتماء إليه والعمل لصالحه.
خلافاً لمن ينشأ في غير أسرة فإنه يكون متوجسا من المجتمع إن لم يكن مشاكسا له عاملا على هدمه فالنسل إذا لم يحفظ نسبه إلى أسرته لا يكون هو محفوظا في ذاته وذلك لما لجهالة النسب من تأثير نفسي مدمر على شخصية المجهول نسبه، وهو تأثير يتعدى إلى الرابطة الاجتماعية بينه وبين المجتمع الذي يعيش فيه بما تقضي إليه تلك الجهالة من نقمة على المجتمع قد تنتهي إلى العمل على تدميره.
ولذلك حظيت الأسرة في أحكام الشريعة ببيان تفصيلي شامل لا يضاهيه في التفصيل من بين كل البيان الديني سوى أحكام العبادات، وأحيطت تلك الأحكام التفصيلية بتشديد يعكس ما لهذه المؤسسة الاجتماعية من أثر بالغ في حفظ المجتمع باعتبارها الخلية الأولى في بنيانه، فإذا انهارت انهار البناء كله، وإذا حفظت تماسك ذلك البنيان   

What's Your Reaction?

like
2
dislike
0
love
2
funny
2
angry
2
sad
1
wow
1