الحساب و الميزان و الصراط في الشريعة الإسلامية

الحساب و الميزان و الصراط في الشريعة الإسلامية

الحساب :يتقدم الناس للحساب، فمنهم من يحاسب حسابا يسيرا وهو العرض الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم لعائشة: «أما من حوسب يوم القيامة فقد عُذِّب، فقالت: أليس الله عز وجل يقول :﴿فسوف يحاسب حسابا يسيرا﴾؟ قال: إنما ذلك العرض، من نوقش الحساب يوم القيامة فقد عذب»- متفق عليه-

ومنهم من يستنطق ويحاسب على كل صغيرة وكبيرة وإن حاول الكذب أو الكتمان ختم على فمه واستنطقت جوارحه، قال تعالى:﴿الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾يس:65.

و تتطاير الصحف التي كتبتها الملائكة تسجيلا لأعمال البشر في الدنيا، فيأخذ كل إنسان كتابه، فهناك من يأخذه باليمين أو من أمامه، ومنهم من يعطى كتابه بشماله أو من وراء ظهره، قال تعالى: ﴿فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا  وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ  فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا وَيَصْلَى سَعِيرًا﴾الانشقاق:7-12 ﴿ وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتابًا يَلْقاهُ مَنْشُورًا  اقْرَأْ كِتابَكَ كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا﴾ الإسراء :13- 14﴿وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ﴾ التكوير: 10.

الميزان : توزن فيه أعمال العباد، ومن معتقد أهل السنة ، أن الميزان له لسان وله كفتان، كما في حديث ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: «المِيزَانُ لَهُ لِسَانٌ، وَكِفَّتَانِ يُوزَنُ فِيهِ الحَسَنَاتُ، وَالسَّيِّئَاتُ، فَيُؤْتَى بِالحَسَنَاتِ فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ فَتُوضَعُ فِي كِفَّةِ المِيزَانِ فَتَثْقُلُ عَلَى السَّيِّئَاتِ». رواه البيهقي في الشعب (1 /447.)

ومن الأدلة:قول الله تعالى﴿ وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَظْلِمُونَ ﴾ الأعراف: 8- 9و ﴿ وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ ﴾ الأنبياء: 47.و ﴿ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ ﴾ المؤمنون: 102، 103.وقول الله تعالى﴿ فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ * وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ * فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ ﴾ القارعة: 6 - 10.

ومن الاختلافات الواردة في الميزان، كيفية وزنه للأعمال، فقيل: يخلق الله الأعمال على هيئة أجسام توزن، وهناك من يرى بأن الإنسان أيضا يوزن هو نفسه، وهناك من قال: توزن الصّحائف التي فيها الأعمال.

ففي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم «كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمان، سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم».

وعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَا مِنْ شَيْءٍ أَثْقَلُ فِي المِيزَانِ مِنْ حُسْنِ الخُلُقِ» رواه أبو داود (4749)، والترمذي (2003)، وأحمد (27496) .

وعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه، أَنَّهُ كَانَ يَجْتَنِي سِوَاكًا مِنَ الأَرَاكِ، وَكَانَ دَقِيقَالسَّاقَيْنِ، فَجَعَلَتِ الرِّيحُ تَكْفَؤُهُ، فَضَحِكَ القَوْمُ مِنْهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مِمَّ تَضْحَكُونَ؟» قَالُوا: يَا نَبِيَّ اللهِ، مِنْ دِقَّةِ سَاقَيْهِ، فَقَالَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَهُمَا أَثْقَلُ فِي المِيزَانِ مِنْ أُحُدٍ. » رواه أحمد (3991.)

الصراط:  ويطلق على معنيين أحدهما في الدنيا :وهو المنهج الذي شرعه الله لعباده وأمرهم باتباعه والتزامه، وهو المعنى المقصود في قوله تعالى: ﴿ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَالفاتحة:5.        

أما المعنى الثاني ففي الآخرة: وهو الجسر الذي يمر على جهنم يوم القيامة، فيُجتازه الناس على اختلاف أعمالهم وتفاوت درجاتهم.وهو طريقُ أهلِ المحشرِ لدخولِ الجنةِ. 

ومن أدلته: قول الله تعالى ﴿ وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا * ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا ﴾ مريم: 71، 72..قال ابن أبي العز الحنفي: «الأظهر والأقوى أنه المرور على الصراط». شرح العقيدة الطحاوية، لابن أبي العز الحنفي (2/ 634). وقوله تعالى :﴿ وَلَوْ نَشَاءُ لَطَمَسْنَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ فَاسْتَبَقُوا الصِّرَاطَ فَأَنَّى يُبْصِرُونَ﴾يس:66.

 وقول الله تعالى﴿ يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ * يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قَالُوا بَلَى وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ * فَالْيَوْمَ لَا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلَا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلَاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ﴾ الحديد: 12 – 15.

وعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنه، أَنَّهَا ذَكَرَتِ النَّارَ فَبَكَتْ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَا يُبْكِيكِ؟» قَالَتْ: ذَكَرْتُ النَّارَ فَبَكَيْتُ، فَهَلْ تَذْكُرُونَ أَهْلِيكُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «أَمَّا فِي ثَلَاثَةِ مَوَاطِنَ فَلَا يَذْكُرُ أَحَدٌ أَحَدًا: عِنْدَ المِيزَانِ حَتَّى يَعْلَمَ أَيَخِفُّ مِيزَانُهُ، أَوْ يَثْقُلُ، وَعِنْدَ الكِتَابِ حِينَ يُقَالُ:﴿ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ ﴾ الحاقة: 19حَتَّى يَعْلَمَ أَيْنَ يَقَعُ كِتَابُهُ أَفِي يَمِينِهِ، أَمْ فِي شِمَالِهِ، أَمْ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِهِ، وَعِنْدَ الصِّرَاطِ إِذَا وُضِعَ بَيْنَ ظَهْرَيْ جَهَنَّمَ». رواه أبو داود (4755)، والترمذي (2235).

 ويَجُوزُ العبادُ الصراطَ بِقَدْرِ أعمالِهم، فمنهم من يجوزه كالطرف، ومنهم من يجوزه كالبرق، وكالريح، وكأجاويد الخيل والركاب.

فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال:.... ثُمَّ يُؤْتَى بِالجَسْرِ فَيُجْعَلُ بَيْنَ ظَهْرَيْ جَهَنَّمَ»، قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَمَا الجَسْرُ؟ قَالَ: «مَدْحَضَةٌ مَزِلَّةٌ( أي تزلق فيه الأقدام )، عَلَيْهِ خَطَاطِيفُ وَكَلَالِيبُ، وَحَسَكَةٌ (هي شوكة صلبة معروفة) مُفَلْطَحَةٌ( المفلطح: الذي فيه عرض واتساع) لَهَا شَوْكَةٌ عُقَيْفَاءُ(هي حديدة قد لوي طرفها، وفيها انحناء )، تَكُونُ بِنَجْدٍ، يُقَالُ لَهَا: السَّعْدَانُ، المُؤْمِنُ عَلَيْهَا كَالطَّرْفِ (أي كلمح البصر) ، وَكَالبَرْقِ، وَكَالرِّيحِ، وَكَأَجَاوِيدِ الخَيْلِ وَالرِّكَابِ، فَنَاجٍ مُسَلَّمٌ، وَنَاجٍ مَخْدُوشٌ، وَمَكْدُوسٌ (أي مدفوع) فِي نَارِ جَهَنَّمَ، حَتَّى يَمُرَّ آخِرُهُمْ يُسْحَبُ سَحْبًا» رواه البخاري في كتاب التوحيد (7439.)

عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال:(( و يضرب الجسر بين ظهراني جهنم فأكون أنا و أمتي أول من يجيزه و لا يتكلم في ذلك اليوم إلا الرسل و دعوة الرسل يومئذ : اللهم سلم سلم و في جهنم كلاليب مثل شوك السعدان هل رأيتم السعدان ؟ قالوا : نعم يا رسول الله قال فإنها مثل شوك السعدان غير أنه لا يعلم قدر عظمتها إلا الله عز و جل تخطف الناس بأعمالهم فمنهم الموبق بعمله و منهم المجازى حتى ينجى.)) رواه البخاري.

إرسالُ الأمانةِ والرَّحِم: قال صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم: (وتُرْسَلُ الأمانةُ والرَّحِمُ، فتَقُومَانِ جَنَبَتَيِ الصِّراطِ يَمِيناً وشِمَالاً) رواه مسلم، قال ابنُ حجر: (والْمَعْنَى: أنَّ الأمانةَ والرَّحِمَ لِعِظَمِ شَأْنِهِما وفَخَامَةِ ما يَلْزَمُ العبادُ مِنْ رِعايةِ حَقِّهِمَا يُوقَفَانِ هُناكَ للأمينِ والخائنِ والْمُوَاصِلِ والقاطِعِ، فيُحَاجَّانِ عن الْمُحِقِّ ويَشْهَدانِ على الْمُبْطِلِ(.
وإذا تَجاوَزَ المؤمنون الصِّراطحُبسُوا بقنطرةٍ لِيَقْتَصَّ بعضُهُم من بعضٍ، قالَ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: (إذا خَلَصَ المؤمنُونَ مِنَ النَّارِ حُبسُوا بقَنْطَرَةٍ بينَ الجنَّةِ والنَّارِ، فيَتَقَاصُّونَ مَظَالِمَ كانتْ بينهُمْ في الدُّنيا، حتَّى إذا نُقُّوا وهُذِّبُوا أُذِنَ لَهُمْ بدُخُولِ الجنَّةِ، فوالذي نَفْسُ محمَّدٍ بيَدِهِ، لأَحَدُهُمْ بمَسْكَنِهِ في الجنَّةِ أَدَلُّ بمَنْزِلِهِ كانَ في الدُّنيا) رواه البخاري.

What's Your Reaction?

like
0
dislike
0
love
0
funny
0
angry
0
sad
0
wow
0