تفاصيل أحداث اليوم الآخر

الموت و الحياة البرزخ - البعث في اليوم الآخر - أدلة القرآن في إثبات البعث

تفاصيل أحداث اليوم الآخر

يبدأ اليوم الآخر بالنسبة للإنسان بالموت، أما الكون بما فيه ومن فيه فبقيام الساعة، ثم تستمر الأحداث متتالية حتى الخلود الأبدي في نعيم الجنة أو في عذاب النار.

 1- الموت و الحياة البرزخية:

الموت هو قانون عام شامل لجميع الموجودات، قال الله تعالى﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ ﴾ العنكبوت: 57.

والموت هو مفارقة الروح للجسد، كما أن الحياة تعني إتصال الروح بالجسد، ومتى فارقت الروح جسد صاحبها فقد مات وانتهى أجله، يقول تعالى: ﴿فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً ۖ وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ﴾، الأعراف: 34.

والموت حقيقة مشاهدة محسوسة، وكل إنسان يوقن أنه سيموت. يقول تعالى: ﴿قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ الجمعة: 8. ﴿ يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَىٰ رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي ﴾ ،الفجر: 27. ﴿ أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَىٰ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ .يونس: 62 – 64.

 فبالموت ينتقل الإنسان من عالم الدّنيا إلى عالم البرزخ، وفي عالم البرزخ تنكشف للإنسان حقائق لم يكن قد شاهدها أو علم بها قبل الموت.فالإنسان لا يفنى ولا ينعدم بالموت، وإنّما الذي يفنى هو جسده فقط.

تعريف البرزخ لغةً : الحاجز بين الشيئين، المانع من اختلاطهما وامتزاجهما، قال تعالى: ﴿مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ* بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَّا يَبْغِيَانِ﴾، الرحمن: 19-20.

تعريف البرزخ شرعاً: مرحلةٌ ما بعد الموت، وهو ما بين الدنيا والآخرة، ويستمر من وقت الموت إلى البعث عندما يُنفَخ في الصور. قال تعالى﴿ حَتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ ﴾المؤمنون : 99-100 

 وجاءت الإشارة إلى الحياة البرزخية في قوله تعالى عن آل فرعون:﴿النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا ۖ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ ﴾غافر:  46. و عن قوم نوح : ﴿مِّمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا فَلَمْ يَجِدُوا لَهُم مِّن دُونِ اللَّهِ أَنصَارًا ﴾ نوح :25.

بالإضافة إلى قول الرسول صلّى الله عليه وسلّم: ((إنَّ القبرَ أوَّلُ منازِلِ الآخرَةِ فإن نجا منهُ فما بعدَه أيسَرُ منهُ وإِن لَم يَنجُ مِنهُ فما بعدَه أشدُّ منهُ))رواه السيوطي، في الجامع الصغير، عن عثمان بن عفان، الرقم: 2079  .

والقبر من أعظم الفتن، وأصعب الأمور التي قد يتخيلها الإنسان، ولذلك كان النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- يستعيذ بالله منه، حيث كان يقول:( (اللَّهمَّ إنِّي أعوذُ بِكَ مِن عذابِ جَهَنَّمَ ومِن عذابِ القبرِ))، رواه الألباني، في صحيح الترمذي، عن عبد الله بن عباس، الرقم: 3494 .

روى هانئ مولى عثمان بن عفان، قال كان عثمان رضي الله عنه إذا وقف على قبر بكى، حتى يبل لحيته، فقيل له: تذكر الجنة والنار فلا تبكي، وتبكي من هذا؟ فقال: إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(( إنَّ القبر أول منزل من منازل الآخرة، فإن نجا منه فما بعده أيسر منه، وإن لم ينج منه فما بعده أشد منه، قال: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما رأيت منظراً قط إلا القبر أفظع منه)) . رواه الترمذي (2308)، وابن ماجه (3461)، وأحمد (1/63) (454)، والحاكم (4/366).

وعندما يوضع الميت في القبر فإنه يضمه ضمة لا ينجو منها أحد كبيراً كان أو صغيراً، صالحاً أو طالحاً، فقد جاء في الأحاديث أن القبر ضم سعد بن معاذ، وهو الذي تحرك لموته العرش، وفتحت له أبواب السماء، وشهده سبعون ألفاً من الملائكة، عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((هذا الذي تحرك له العرش، وفتحت له أبواب السماء، وشهده سبعون ألفاً من الملائكة، لقد ضم ضمة، ثم فرج عنه)). رواه النسائي (4/100)، والطبراني (6/10) (5340).

وجاء في الحديث الذي يرويه البراء بن عازب عن الرسول صلى الله عليه وسلم(( فيأتيه ملكان شديدا الانتهار فينتهرانه، ويجلسانه، فيقولان له: من ربك؟ ما دينك؟ من نبيك؟ وهي آخر فتنة تعرض على المؤمن، فذلك حين يقول الله عز وجل﴿يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾إبراهيم: 27، فيقول: ربي الله، وديني الإسلام، ونبيي محمد صلى الله عليه وسلم، فينادي مناد من السماء: أن صدق عبدي، وقال في العبد الكافر أو الفاجر: ويأتيه ملكان شديدا الانتهار، فينتهرانه، ويجلسانه، فيقولان له: من ربك؟ فيقول: هاه، هاه لا أدري، فيقولان له: ما دينك؟ فيقول: هاه، هاه لا أدري، فيقولان: فما تقول في هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ فلا يهتدي لاسمه، فيقال: محمد، فيقول: هاه، هاه لا أدري، سمعت الناس يقولون ذاك، قال: فيقولان: لا دريت ولا تلوت فينادي منادي أن كذب عبدي)) . رواه أبو داود (4753)، وأحمد (4/287) (18557).

ولما كان ما بعد القبر أيسر منه لمن نجا، فإن العبد المؤمن إذا رأى في قبره ما أعد الله له من نعيم يقول:(رب عجل قيام الساعة، كيما أرجع إلى أهلي ومالي). جزء من حديث رواه أبو داود (4753)، وأحمد (4/295) (18637).  والعبد الكافر الفاجر إذا رأى ما أعد الله له من العذاب الشديد فإنه يقول على الرغم مما هو فيه من عذاب (رب لا تقم الساعة.) جزء من حديث رواه أبو داود (4753)، وأحمد (4/295) (18637).

ولا شك أن الأرواح في البرزخ متفاوتة من حيث منازلها؛ و من ذلك:

 أرواح الأنبياء: حيث تكون في أعلى المنازل في عِلِّيّين، في الرفيق الأعلى، فقد سمعت سيدتنا عائشة -رضي الله عنها- رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- حين كان في لحظة الاحتضار، يقول: (اللهم الرفيقَ الأعلى)، البخاري، عن عائشة أم المؤمنين، الرقم: 6348 . وهم متفاوتون في هذه المنزلة أيضاً، أي أنّهم ليسوا جميعاً في المرتبة نفسها، كما رآهم رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- في ليلة الإسراء والمعراج.

 أرواح الشهداء: الشهداء أحياء عند ربهم يُرزَقون، قال تعالى: (وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّـهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ)، آل عمران: 169. وسُئِل عبد الله بن مسعود عن تفسير هذه الآية، فقال: سمعنا رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- يقول: (أرواحُهم في جوفِ طيرٍ خُضرٍ، لها قناديلُ مُعلَّقةٌ بالعرشِ، تسرحُ من الجنةِ حيث شاءت، ثم تأوي إلى تلك القناديلِ). مسلم، عن مسروق بن الأجدع بن مالك، الرقم: 1887 .

 أرواح المؤمنين: تكون طيوراً تَعلق في شجر الجنة، وتبقى كذلك إلى حين يبعث الله أجسادهم. كما قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (إنَّما نسَمةُ المؤمنِ طائرٌ يُعلَقُ في شجرِ الجنَّةِ، حتَّى يرجعَ إلى جسدِهِ يَومَ يُبعَثُ)، رواه الألباني، في صحيح ابن ماجه، عن كعب الأنصاري، الرقم: 3465 .
 أرواح العصاة: حيث جاءت النصوص تبيّن مصير كل معصية على حِدة، فالذي نام عن الصلاة المكتوبة يُشدَخ رأسه بصخرة، والزُّناة يُعذَّبون في ثقب يشبه التَّنور، ضَيّق من الأعلى واسع من الأسفل، فيه نار من تحته، إلى غير ذلك من صنوف العذاب.

 2- البعث في اليوم الآخر :

بعد حدوث جميع أشراط الساعة يحدث الحدث الأعظم، ألا وهو الانقلاب الكوني حيث تبدل الأرض والسماوات، وتنتهي الحياة الدنيا تماما، وقد ورد ذكر هذا الانقلاب الكوني العظيم في كثير من آي و سور القرآن الكريم :[ التكوير، الانفطار، الانشقاق، الزلزلة، القارعة...]

 قال تعالى: ﴿إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ وَإِذَا الْعِشَارُعُطِّلَتْ وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ وَإِذَا السَّمَاءُ كُشِطَتْ وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ﴾التكوير:1-13.

البعث في اللغة: يطلق على معان عدة:

ا-الإرسال: يقال بعثت فلاناً أو ابتعثته أي أرسلته. ﴿ ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِم مُّوسَى وَهَارُونَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ بِآيَاتِنَا فَاسْتَكْبَرُواْ وَكَانُواْ قَوْمًا مُّجْرِمِينَ﴾ الأعراف: 103، معناه أرسلنا.

ب-الإيقاظ من النوم: يقال بعثته من نومه إذا أيقظته.

ج-الإثارة: وهو أصل البعث، ومنه قيل للناقة: بعثتها إذا أثرتها وكانت قبل باركة.

د-النشور: بمعنى البسط والانتشار والتقلب، لهذا يسمى يوم البعث يوم النشور، قال تعالى: ﴿واللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ النُّشُورُ﴾فاطر:9.

البعث اصطلاحا:إحياء الله للموتى وإخراجهم من قبورهم للحساب والجزاء. و يكون بإحياء الأجساد وعودة الأرواح إليها بعد النفخ في الصور النفخة الثانية كما قال الله تعالى :﴿وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِی الْأَرْضِ إِلاَّ مَنْ شاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فیهِ أُخْری فَإِذا هُمْ قِیامٌ ینْظُرُون﴾ الزمر: 68. قال ابن كثير : البعث وهو المعاد وقيام الأرواح والأجساد يوم القيامة. ابن كثير ج4 ص 614. قال الله تعالى:﴿ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَّا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَن فِي الْقُبُورِ﴾الحج: 6-7. ﴿خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ﴾ القمر:7.

أدلة القرآن في إثبات البعث:

نهج القرآن الكريم في الاستدلال على البعث، وتحقُّقِ وقوعه منهجاً قوياً، يجمعُ بين ما فُطِرَتْ عليه النفوس من الإيمان،و بين ما تشاهد وتحس ، وبين ما تقرره العقول السليمة، وتلك الطريقةُ التي تميّزَ بها القرآن الكريم .

1-الاستدلال على البعث بالنشأة الأولى: ومعناه أن الإعادة أسهل من البدء : إن الله الذي خلق شيئاً أول مرة يقدر على إعادته. بل هو على إعادته أقدر. وكلٌ عليه هين سبحانه. قال تعالى:  ﴿وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ الروم:27. ﴿وَيَقُولُ الإِنسَانُ أَئِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا أَوَلا يَذْكُرُ الإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا ﴾ مريم: 66-67. ﴿وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الأُولَى فَلَوْلا تَذكَّرُونَ ﴾ الواقعة: 62 ﴿يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ ﴾الأنبياء: 104.فكما خلق الله الإنسان أول مرة : قادر على أن يخلقه مرة أخرى  .

2-الاستدلال على البعث بخلق السماوات والأرض: فإن خلقها أعظم من خلق الإنسان، قال تعالى: ﴿لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا َعْلَمُونَ﴾غافر:57. قال تعالى:﴿ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ الأحقاف: 33. ﴿ أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّ اللّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ قَادِرٌ عَلَى أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلاً لا رَيْبَ فِيهِ فَأَبَى الظَّالِمُونَ إَلاَّ كُفُورًا﴾ الإسراء: 99. أخبرنا الله تعالى أن خلق السموات والأرض أكبر من خلقنا، فلا عجب أن يقدر على أن يعيد خلقنا.

3- الاستدلال على البعث بإحياء الأرض بعد موتها وخلق النباتات المختلفة

قال تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِ الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾فصلت:39﴿وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاءً مُّبَارَكًا فَأَنبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَّهَا طَلْعٌ نَّضِيدٌ رِزْقًا لِّلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَّيْتًا كَذَلِكَ الْخُرُوجُ﴾ ق: 9 - 11. ﴿ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِي الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ﴾ الروم: 19ووجه الدلالة واضح و هو من الأمور المشاهدة: أرض أصابها الجدب فإذا بأشجارها تيبس بعد نضارتها، وإذا بتلك الأرض هامدة خاشعة مستكينة قد مات منها كل شيء ، فيريد الله إحياءها، فتنزل عليها الأمطار، فإذا بها قد اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج، وكأنها لم تكن هي التي كانت ميتة بالأمس قبل أن تمطر، فإذا بثمراتها تؤتي أكلها من كل نوع، وإذا بها تكسى حلة خضراء. فلو كان مستحيلا إعادة الحياة إلى الإنسان مرة أخرى ،لما عادت الحياة إلى النباتات المختلفة بعد موتها لأن المشابهة واضحة في القدرة الإلهية في إعادة الحياتين سيرتهما الأولى.

4-الاستدلال على البعث بإخراج النار من الشجر الأخضر:

قال تعالى: ﴿الَّذِي جَعَلَ لَكُم مِّنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنتُم مِّنْهُ تُوقِدُونَ﴾ يس: 80 .﴿ أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ * أَأَنتُمْ أَنشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنشِؤُونَ ﴾ الواقعة: 71 ـ 72 وفي الآيتين استدلال بتوليد النار مع حرها ويبسها من الشجر الأخضر مع برده ورطوبته.و الشجر إنما يكون أخضر إذا كان مليئاً بالماء، فمن قدر على إخراج النار من هذا الشجر المليء بالماء قادر على إحياء الأموات من قبورهم. ووجه دلالة النار على البعث أن النار تكمن في الشجر والحجر ثم تظهر بالقدح وتشب بالنفخ، فالحجر، والشجر كالقبر والقدح والنفخ كالنفخة في الصور.( محمَّد محمَّد الصَّلابي، المعجزة الخالدة الإعجاز العلمي في القرآن الكريم، ص  (149 – 150).

 4- الاستدلال على البعث بما وقع من البعث الحسي المشاهد في الحياة الدنيا:

وذلك بإحياء الله لبعض الموتى في الحياة الدنيا ليكون ذلك دليلاً على البعث في يوم القيامة كما في الآيات الآتية:
1- قصة العزير – أو غيره ممن ذكرهم علماء التفسير من الخلاف في تعيين المار على تلك القرية   :
قال تعالى: ﴿ أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللّهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ فَانظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِّلنَّاسِ وَانظُرْ إِلَى العِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾  البقرة: 259. 
2- طلب إبراهيم من ربه مشاهدة كيفية إحياء الموتى.قال تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ البقرة: 260. 
3- موت بني إسرائيل الذين تنطعوا في إيمانهم واشترطوا لذلك أن يروا ربهم، فأخذتهم الصاعقة، ثم بعثهم الله ليريهم قدرته.قال تعالى: ﴿وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ﴾  البقرة: 55. 
4- إخبار الله عن قتيل بني إسرائيل الذي أعاد الله إليه الحياة بعد ما قتل وأخبر عن قاتله معجزة لنبي الله موسى عليه الصلاة والسلام.فقال تعالى: ﴿ فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ البقرة: 73. 
5- إخبار الله تعالى عن إماتة آلاف الناس خرجوا من ديارهم حذر الموت، فأماتهم الله ثم أحياهم. قال تعالى:  ﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللّهُ مُوتُواْ ثُمَّ أَحْيَاهُمْ إِنَّ اللّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ ﴾ البقرة: 24. 
6-ما أخبر الله به عن عيسى عليه السلام  من أنه كان يحيي الموتى بإذن الله . قال تعالى:﴿وَرَسُولًا إِلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ ۖ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ ۖ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَىٰ بِإِذْنِ اللَّهِ ﴾.آل عمران :49 وهذه الأدلة المتقدمة أدلة مادية حسية، وقعت كلها لتدل على إحياء الموتى بعد مماتهم وهذا برهان قطعي على القدرة الإلهية.

5- الاستدلال على البعث بحصول اليقظة بعد النوم: 

فإن النوم أخو الموت واليقظة شبيهة بالحياة بعد الموت فنحن كل يوم نموت ونبعث.قال تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُم بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَىٰ أَجَلٌ مُّسَمًّى ۖ ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾الأنعام : 60. قال تعالى : ﴿اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا ۖ فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَىٰ عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَىٰ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾.الزمر :42و.المراد منه الاستدلال بحصول هذه الأحوال على صحة البعث والحشر والنشر كما ذكره الرازي وغيره.

6- الاستدلال على البعث بعدم عبثية الخلق:

قال تعالى: ﴿أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ﴾المؤمنون : 115. و﴿أَيَحْسَبُ الإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً ﴾القيامة : 36. و﴿وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَلا الْمُسِيءُ قَلِيلاً مَا تَتَذَكَّرُونَ﴾ غافر : 58.وقال تعالى: ﴿أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً لا يَسْتَوُونَ﴾ السجدة : 18. فعدل الله وحكمته وإحقاقه الحق وإبطاله الباطل وإعطاؤه كل ذي حق حقه وتميزه بين الخبيث والطيب والمحسن والمسيء كل ذلك يأبى إلا أن يكون هناك يوم آخر ينال فيه كل إنسان جزاؤه وما يستحقه من الثواب والعقاب على ما قدم من خير أو شر.

القرآن الكريم في تقرير عقيدة البعث ركز على ثلاث أصول :

أحدها: تقرير كمال علم الرب سبحانه :﴿وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ  قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ  الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ ﴾ يس: 78 ـــ 80.

ثانيها: تقرير كمال قدرته : ﴿أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴾يس:81 ــ 82.

ثالثها: تقرير كمال حكمته : ﴿ أفحسبتم أنّما خلقناكم عبثا وأنّكم إلينا لا ترجعون﴾ المؤمنون:115.

What's Your Reaction?

like
0
dislike
0
love
0
funny
0
angry
0
sad
0
wow
0