القرآن عند أهل السنة والجماعة
التعريف بعلم الكلام وأثره على الأمة الإسلامية, تعريف الأشاعرة , التعريف بالإمام أبي الحسن الأشعري, تعريف أهل السنة والجماعة, التوحيد عند الأشاعرة, التوحيد عند أهل السنة والجماعة, القرآن عند الأشاعرة, القرآن عند أهل السنة والجماعة, الإيمان عند الأشاعرة, الإيمان عند أهل السنة والجماعة, القدر عند الأشاعرة, القدر عند أهل السنة والجماعة, مذهب شيخ الإسلام ابن تيمية في القدر, عقيدة الإمام أبي بكر محمد الحسين الأجري في القدر, عقيدة الإمام أبي جعفر الطحاوي في القدر,
قال تعالى : (إن علينا جمعه وقرآنه(17) فإذا قرأناه فاتبع قرآنه(18))(2)، أي قراءة فهو مصدر على وزن "فعلان" بالضم : كالغفران والشكران، تقول : قرأته قراءا وقراءة وقرآنا، بمعنى واحد، سمي به المقروء تسمية للمفعول بالمصدر(3) وقد خص القرآن بالكتاب المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم فصار له كالعلم الشخصي، ويطلق بالاشتراك اللفظي على مجموع القرآن، وعلى كل آية من آياته، فإذا سمعت من يتلو آية من القرآن مع أن تقول إنه يقرأ القرآن، فقد قال عزل وجل : (وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا)(4).
وذكر بعض العلماء أن تسمية هذا الكتاب قرآنا من بين كتب الله لكونه جامعا لثمرة كتبه، بل لجمعه ثمرة جميع العلوم، كما أشار تعالى إلى ذلك بقوله: (ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء)(5).
وعرف إمام العقيدة أبي جعفر الطحاوي القرآن الكريم كما يلي : (.
.
.
وأن القرآن كلام الله، منه بدأ بلا كيفية قولا، وأنزله على رسوله وحيا، وصدقه المؤمنون على ذلك حقا، وأيقنوا أنه كلام الله تعالى بالحقيقة، ليس بمخلوق ككلام البرية.
.
.
علمنا وأيقنا أنه قول خالق البشر، ولا يشبه قول البشر)(6).
هذه قاعدة شريفة، وأصل كبير من أصول الدين، ضل فيه طوائف كثيرة من الناس، وهذا التعريف هو الحق الذي دلت عليه الأدلة من القرآن وأكدت السنة على أن القرآن كلام الله غير مخلوق، والقرآن كله يشهد أنه كلام الله منه بدأ وإليه يعود، وأنه نزل به جبريل على محمد صلى الله عليه وسلم باللفظ والمعنى، ومن الأدلة في الكتاب على أن القرآن كلام الله كثيرة منها قول الله عزل وجل : (كذلكم قال الله من قبل).
والقبل إذا أطلق اقتضى ما ليس لوجوده أول، فقد قال الشهر ستاني في نهاية الإقدام : (.
.
.
وقبليته قبلية أزلية، إذ لو كان له أول لكان فعلا سبقه قول آخر ويتسلل)(1).
وقال تعالى أيضا : (إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون)(2)، ففي هذه الآية أثبت الله لنفسه الإرادة بقوله : (إذا أردناه) وقال تعالى أيضا " (قلنا يا نار كوني بردا وسلاما على ابراهيم)(3) ومن الدليل أيضا على أن القرآن منزل على محمد صلى الله عليه وسلم وأن الله حفظه من التعريف، قوله تعالى : (تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم)(4).
وقول الله تعالى أيضا : (نزل به الروح الأمين)(5) فمن أوصاف جبريل كما سبقت الإشارة ومن أوصاف النبي صلى الله عليه وسلم الأمن، وصدق الله العظيم إذ قال : (إنه لقول رسول كريم(19) ذي قوة عند ذي العرش مكين(20)مطاع ثم أمين(21) وما صاحبكم بمجنون(22) ولقد رءاه بالأفق المبين(23) وما هو على الغيب بضنين(24) وما هو بقول شيطان رجيم(25))(6)، وقال أيضا : (إنا نحن نزلنا عليك القرآن تنزيلا)(7).
وقال كذلك في حفظه لكتابه العزيز : (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون)(1) فميزة حفظ الكتاب من التحريف والتغيير لم تكن لكتاب آخر من الكتب السماوية السابقة لأنها جاءت موقوتة بزمنخاص، وأما القرآن فهو صالح لكل زمان ومكان، ومن الأدلة في السنة على أن القرآن الكريم كلام الله غير مخلوق، حديث النبي صلى الله عليه وسلم قال : (إن أحسن الكلام كلام الله تعالى)(2)، وقال خباب صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تقرب إلى الله ما استطعت فإنك لن تتقرب إليه بشيء أحب إليه من كلامه)، وقال ابن مسعود رضي الله عنه : (من كان يحب أن يعلم أنه يحب الله فليعرض نفسه على القرآن فإن أحب القرآن فهو يحب الله فإنما القرآن كلام الله)، وذكر الإمام البخاري لأ أثرا فقال : (القرآن كلام الله منه بدأ وإليه يعود)(3).
وبه قال الإمام احمد ابن حنبل رحمه الله لما قيل له : تقول القرآن مخلوق وإلا قتلت.
.
فقال : أقول، فقالوا يكون ذلك على رؤوس الناس فلما أصعدوه على نشر من الأرض والناس يبكون في وجهه، قال : من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني فأنا أعرضه بنفسي ! أن أحمد بن محمد بن حنبل : القرآن كلام الله منزل غير مخلوق منه بدأ وإليه يعود، ومن الدليل على أن القرآن يعود الله تعالى قوله عز وجل : (وإليه يرجع الأمر كله)(4) وقد ذكر ابن جوزي أن كل الأمور ترجع إلى الله في المعاد(5)، وقوله تعالى: (ولئن شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك)(6).
والاستدلال بهذه الآية من سورة الإسراء واضح على عودة القرآن إلى المتكلم به ربنا سبحانه وتعالى.
قال الإمام أبو الحسن الأشعري في الإبانة عن أصول الديانة : إن سأل سائل عن الدليل على أن القرآن كلام الله غير مخلوق.
قيل له : الدليل على ذلك قوله تعالى : (ومن ءاياته أن تقوم السماء والأرض بأمره)(1) وأمر الله كلامه، فلما أمرهما بالقيام فقامتا لا يهويان ؟ كان قيامهما بأمره.
وقال صلى الله عليه وسلم : (ألا له الخلق والأمر)(2)، فالخلق جميع ما خلق داخل فيه، لأن الكلام إذا كان لفظه عاما فحقيقته أنه عام، ولا يجوز لنا أن نزيل الكلام عن حقيقته بغير حجة ولا برهان، فلما قال : " ألا له الخلق" كان هذا في جميع الخلق، ولما قال : "والأمر" ذكر أمرا غير جميع الخلق، فدل ما وصفنا على أن أمر الله غير مخلوق.
فإن قال قائل : أليس قد قال الله تعالى في كتابه : (من كان عدوا لله وملائكته ورسله، وجبريل وميكائيل)(3).
قيل له : نحن نخص القرآن بالإجماع وبالدليل، فلما ذكر الله صلى الله عليه وسلم نفسه وملائكته ولم يدخل في كر الملائكة جبريل وميكائيل وإن كانا من الملائكة، ثم ذكرهما بعد ذلك كأنه قال : الملائكة إلا جبريل وميكائيل، ثم ذكرهما بعد ذكر الملائكة فقال : وجبريل وميكائيل.
ولما قال : (ألا له الخلق والأمر)(4) ولم يخص قوله الخلق دليل، كان قوله : "ألا له الخلق" في جميع الخلق، ثم قال بعد ذكره الخلق "والأمر" فأبان الأمر من الخلق، وأمر الله كلامه، وهذا يوجب أن كلام الله غير مخلوق.
وقال سبحانه : (لله الأمر من قبل ومن بعد)(1) يعني : من قبل أن يخلق الخلق ومن بعد ذلك، وهذا يوجب أن الأمر غير مخلوق.
دليل آخر : ومما يدل من كتاب الله على أن كلامه غير مخلوق، قوله سبحانه : (إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون)(2) فلو كان القرآن مخلوقا لوجب أن يكون منقولا له : "كن فيكون".
ولو كان الله عز وجل قائلا للقول : "كن" لكان للقول قولا، وهذا يوجب أحد أمرين: إما أن يؤول الأمر إلى أن قوله تعالى غير مخلوق.
أو يكون كل قول واقع بقول لا إلى غاية، وذلك محال، وإذا استحال ذلك صح وثبت أن لله عز وجل قولا غير مخلوق.
ســـؤال فإن قال قائل : معنى قول الله : "أن نقول له كن فيكون" إنما يكون فيكون.
قيل : الظاهر أن يقول له، ولا يجوز أن يكون قول الله للأشياء كلها كوني هو الأشياء، لأن هذا يوجب أن تكون الأشياء كلها كلاما لله عز وجل، ومن قال ذلك فقد أعظم الفرية، لأنه يلزمه أن يكون كل شيء في العالم من إنسان وفرس وحمار وغير ذلك كلام الله، وفي هذا ما فيه.
فلما استحال ذلك، صح أن قول الله للأشياء كوني غيرها، وإذا كان غير المخلوقات فقد خرج كلام الله عز وجل عن أن يكون مخلوقا، ويلزم من يثبت كلام الله مخلوقا أن يثبت الله غير متكلم ولا قائل، وذلك فاسد، كما يفسد أن يكون علم الله مخلوقا، وأن يكون الله غير عالم.
قال الإمام محمد بن عبد الوهاب :وأعتقد أن القرآن كلام الله، منزل غير مخلوق منه بدأ وإليه يعود، وأنه تكلم به حقيقة وأنزله على عبده ورسوله، وأمينه على وحيه، وسفيره بينه وبين عباده، نبينا محمد صلى الله عليه وسلم(1).
إن من صفات الله تبارك وتعالى صفة الكلام، والقرآن هو كلام الله غير مخلوق لأنه صفة من صفات ذاته، وهو المتكلم به على الحقيقة وفق مشيئته، فقد كلم الله تعالى موسى في وقت، وكلم محمدا عليه الصلاة والسلام في وقت آخر، وقد قال الله عز وجل : (.
.
وكلم الله موسى تكليما)(2)، وقال أيضا : (ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه.
.
.
)(3).
ويكلم الله تبارك وتعالى من شاء من خلقه كما في قصة نداء الله تبارك وتعالى يوم القيامة لآدم عليه السلام، ويكلم الله المؤمنين في الجنة كما ثبت في نصوص كثيرة ليس هذا موضع بسطها.
إن القرآن الكريم هادي العباد إلى الطريق المستقيم، الجامع لأنواع العلوم والقصص والأخبار على أبلغ وجه، حفظه الله تعالى من أي تغيير أو تحريف، وسماء بخمسة وخمسين اسما، وهذا راجع لشرفه وفضيلته ودليلا على أنه قوله تعالى ليس بقول مخلوق، ومن أسماءه : قرآنا وكلاما وكريما ورحمة وفرقانا وشفاءا ونورا وهدى وبشرى وعدلا وصدقا وأمرا إلى غير ذلك من الأسماء التي تدل على معنى فيه.
قال مجد الدين الفيروز أبادي في كتابه بصائر ذوي التمييز : اعلم أن كثرة الأسماء تدل على شرف المسمى أو كماله في أمر من الأمور، أما ترى أن كثرة أسماء الأسد دلت على كمال قوته، وكثرة أسماء القيامة دلت على كمال شدتها وصعوبتها، وكذلك كثرة أسماء الله تعالى دلت على كمال جلال عظمته،وكثرة أسماء النبي صلى الله عليه وسلم دلت على علو رتبته وسمو درجته، وكذلك كثرة أسماء القرآن دلت على شرفه وفضيلته.
نستنتج مما سبق، ومن المطالعة في كتب العقيدة لأهل السنة والجماعة، أن للقرآن ـ عندهم ـ تعريفات كثيرة، لكنهم متفقون على تعريف واحد للقرآن وهو تعريف جامع مانع خال من الشبه والتعقيدات، وهو أن القرآن كلام الله منه بدأ وإليه يعود، المنزل على سيدنا محمدصلى الله عليه وسلم، المكتوب في المصاحف المنقول بالتواتر المتعبد بتلاوته المعجز ولو بسورة منه.
والبعض يزيد على هذا التعريف قيودا أخرى مثل : المكتوب بين دفتي المصحف، أو المبدوء بسورة الفاتحة والمختوم بسورة الناس أو هو كلام الله المتكلم به حقيقة بمشيئته، فكل هذه الزيادات لا يقصد بها صاحبها إلا زيادة الإيضاح بذكر خصائص القرآن التي يتميز بها عما عداه، ويدفع بها الشبه والعقائد الفاسدة.