القدر عند أهل السنة والجماعة
التعريف بعلم الكلام وأثره على الأمة الإسلامية, تعريف الأشاعرة , التعريف بالإمام أبي الحسن الأشعري, تعريف أهل السنة والجماعة, التوحيد عند الأشاعرة, التوحيد عند أهل السنة والجماعة, القرآن عند الأشاعرة, القرآن عند أهل السنة والجماعة, الإيمان عند الأشاعرة, الإيمان عند أهل السنة والجماعة, القدر عند الأشاعرة, القدر عند أهل السنة والجماعة, مذهب شيخ الإسلام ابن تيمية في القدر, عقيدة الإمام أبي بكر محمد الحسين الأجري في القدر, عقيدة الإمام أبي جعفر الطحاوي في القدر,
شاء الله أن يخلق الخلائق وقضى أن تكون بأقدار وأوصاف محددة، قال تعالى: ﴿وخلق كل شيء فقدره تقديرا﴾، وهو العليم بما سيكون في مخلوقاته فأمر القلم أن يكتب في اللوح المحفوظ، ما هو كائن إلى يوم القيامة، قال تعالى: ﴿ألم تعلم أن الله يعلم ما في السموات والأرض إن ذلك في كتاب إن ذلك على الله يسير﴾، وكل ما في الموجودات من حركات وسكنات ما يشاء إنما هو كائن بمشيئة الله سبحانه، ولا يحدث شيء إلا بقدرة الله ومشيئته، فقد قال تعالى: ﴿ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا (23) إلا أن يشاء الله﴾، فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن.
فالإيمان بالقدر ركن من أركان الإيمان كما بينه الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث جبريل بقوله:"وأن تؤمن بالقدر خيره وشره"، ولا يستطيع الإنسان أن يحيط علما بأسرار الله سبحانه، إلا إذا كان علمه كعلم الله ـ وهذا أمر مستحيل.
والقدر عند أهل السنة والجماعة: ما سبق به العلم، وجرى به القلم مما هو كائن إلى الأبد، وأنه عز وجل قدر مقادير الخلائق، وما يكون من الأشياء قبل أن تكون في الأزل، وعلم سبحانه أنها ستقع في أوقات معلومة عنده تعالى، وعلى صفات مخصوصة، فهي تقع على حسب ما قدرها، وهذا ما اتفق عليه جميع أئمة أهل السنة والجماعة.
والإيمان بالقدر يقوم على أربعة أركان، من أقربها جميعا فإن إيمانه بالقدر يكون مكتملا، ومن انتقص واحدا منها أو أكثر فقد اختل إيمانه بالقدر، وهذه الأركان الأربعة هي: الركن الأول: الإيمان بعلم الله الشامل المحيط.
فعلم الله محيط بكل شيء، يعلم ما كان، وما سيكون، وما لم يكن لو كان كيف يكون، ويعلم الموجود والمعدوم، والممكن والمستحيل، وهو العالم بالعباد وآجالهم وأرزاقفهم وأحوالهم وحركاتهم وسكناتهم وشقاوتهم وسعادتهم، ومن منهم من أهل الجنة، ومن منهم من أهل النار، قبل أن يخلقهم، ويخلق السماوات والأرض، وكل ذلك مقتضى اتصافه تبارك وتعالى بالعلم، ومقتضى كونه تبارك وتعالى هو العليم الخبير السميع البصير.
قال تعالى: ﴿هو الله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة﴾، وقال أيضا: ﴿لتعلموا أن الله على كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء علما﴾، وقال سبحانه: ﴿عالم الغيب لا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض ولا أصغر من ذلك ولا أكبر﴾.
الركن الثاني: الإيمان بأن الله كتب في اللوح المحفوظ كل ما هو كائن إلى يوم القيامة.
دلت نصوص الكتاب والسنة على أن الله كتب في اللوح المحفوظ كل شيء.
ففي الحديث الذي يرويه مسلم في صحيحه عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، قال وعرشه على الماء".
وفي سنن الترمذي أيضا عن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إن أول ما خلق الله تعالى القلم فقال: أكتب، قال: ما أكتب؟ قال: أكتب القدر ما كان، وما هو كائن إلى الأبد".
واللوح المحفوظ الذي كتب الله فيه مقادير الخلائق سماه القرآن بالكتاب فقال تعالى: ﴿بل هو قرآن مجيد (21) في لوح محفوظ﴾، وبالكتاب المبين فقال سبحانه: ﴿ألم تعلم أن الله يعلم ما في السماوات والأرض إن ذلك في كتاب﴾، وسماه بالإمام المبين، فقال تعالى: ﴿وكل شيء أحصيناه في إمام مبين﴾، وسماه بالكتاب المسطور في قوله تعالى: ﴿والطور (1) وكتاب مسطور(2) في رق منشور﴾، وسماه أم الكتاب فقال: ﴿وإنه في أم الكتاب لدينا لعلي حكيم﴾.
الركن الثالث: الإيمان بمشيئة الله الشاملة وقدرته النافذة.
وهذا الأصل يقضي بالإيمان بمشيئة الله النافذة، وقدرته الشاملة، فما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، وأنه لا حركة ولا سكون في السماوات ولا في الأرض إلا بمشيئته، فلا يكون في ملكه إلا ما يريد، والنصوص المصرحة بهذا الأصل المقررة له كثيرة وافرة.
قال تعالى: ﴿وما تشاءون إلا أن يشاء الله﴾.
وقال سبحانه: ﴿ولو شاء ربك ما فعلوه﴾، وقال: ﴿إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون﴾، وقال: ﴿من يشإ الله يضلله ومن يشأ يجعله على صراط مستقيم﴾.
فمشيئة الله النافذة وقدرته الشاملة يجتمعان فيما كان وما سيكون، ويفترقان فيما لم يكن ولا هو كائن، فما شاء الله تعالى كونه فهو كائن بقدرته لا محالة، وما لم يشأ الله تعالى إياه لا يكن لعدم مشيئة الله تعالى ليس لعدم قدرته عليه، قال تعالى: ﴿ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة﴾، وقال: ﴿ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا﴾، والآيات في هذا كثيرة تدل على عدم وجود ما لم يشأ وجوده لعدم مشيئته ذلك، لا لعدم قدرته عليه، فإنه على كل شيء قدير تبارك وتعالى.
الركن الرابع: الإيمان بأن الله خالق كل شيء.
قررت النصوص أن الله تعالى خالق كل شيء، فهو الذي خلق الخلق وكونهم وأوجدهم، فهو الخالق وما سواه مربوب مخلوق، قال تعالى: ﴿الله خالق كل شيء﴾، وقال: ﴿بلى وهو الخلاق العليم﴾، والنصوص في هذا كثيرة.
وهذه هي أركان الإيمان بالقدر، وهي مما اتفق عليه أهل السنة والجماعة ووافقهم على ذلك الأشاعرة.
وسأبين إن شاء الله مذهب بعض أئمة أهل السنة والجماعة في القدر وأقوالهم فيه.