القاعدة الأصل إضافة الحادث إلى أقرب أوقاته
القواعد الفقهية الأساسية

- إنما يحال بالحادث على أقرب الأوقات.
التوضيح الأصل في الصفات العارضة العدم، فإذا وقع اختلاف في زمن حدوث أمر فإنه ينسب إلى أقرب الأوقات حتى يثبت الأبعد، فإن ثبتت نسبته إلى الزمن البعيد يحكم بذلك، لأن الوقت الأقرب قد اتفق الطرفان على وجود الحادث فيه، وانفرد أحدهما بزعم وجوده قبل ذلك، فوجود الأقرب متيقن وفي الأبعد مشكوك، واليقين لا يزول بالشك.
هذا إذا كان الحدوث متفقاً عليه، وإنما وقع الاختلاف في تاريخ حدوثه، أما إذا كان الحدوث غير متفق عليه، بأن كان الاختلاف في أصل حدوث الشيء وقدمه، كما لو كان في ملك أحد مسيل لآخر، ووقع بينهما اختلاف في الحدوث والقدم، فادعى صاحب الدار حدوثه، وطلب رفعه، وادعى صاحب المسيل قدمه، فإن القول لمدعي القدم، والقديم يترك على قدمه، فإن أقام مدعي الحدوث بيِّنة قبت (م/ 1768) لأن بينته تثبت ولاية النقص، وهي أولى من بينة مدعي القدم إن قدم بينة.
لأن مدعي القدم منكر، ومتمسك بالأصل، والبينة تقدم على الأصل والظاهر.
واعتبار هذه القاعدة مقيَّد بألاَّ يؤدي إلى نقض ما هو ثابت مقرر، لأن الحكم بحدوثها لأقرب ما ظهر ثابت باستصحاب الحال، لا بدليل أوجب الحدوث للحال، والثابت باستصحاب الحال لا يصلح لنقض ما هو ثابت، كما سيظهر من مستثنيات هذه القاعدة.
التطبيقات 1 - ماتت امرأة بعد أن وهبت مهرها لزوجها، فقال الزوج: وهبت حال صحتها، وقال الورثة: حال مرضها، فالقول للورثة، لأن الهبة حادثة، فتضاف لأقرب الأوقات من الموت، وهو حال المرض.
(الدعاس ص 116) .
2 - لو تبين في المبيع عيب بعد القبض، وأراد المشتري رده مدعياً أنه كان موجوداً فيه عند البائع، وزعم البائع أنه حدث بعد القبض عند المشتري، وكان العيب مما يحدث مثله، فإن القول قول البائع، ويعتبر العيب حادثاً عند المشتري، وليس له الفسخ حتى يثبت أنه قديم عند البائع، لأن الحادث يضاف إلى أقرب أوقاته.
(الزرقا ص 128، الدعاس ص 17، الروقي ص 288.
السدلان ص 149) .
أما إذا كان العيب مما لا يحدث مثله كالإصبع الزائدة في العبد، والخَيَف في الفرس، وهو أن تكون إحدى عينيها سوداء، والأخرى زرقاء، فإن البائع يلزم به.
(الزرقا ص 128) .
3 - إذا طلق رجل زوجته طلاقاً بائناً، ثم مات قبل أن تنقضي عدتها، فادعت الزوجة أنه أبانها، وهو في مرضه، فصار بذلك فاراً فترث هي منه، وقال الورثة: إنه أبانها في صحته، فلم يكن فاراً فلا ترث، فإن القول قول الزوجة، والبينة على الورثة، لأن الزوجة تضيف الحادث، وهو الطلاق، إلى أقرب الأوقات من الحال، وهو زمن المرض.
(الزرقا ص 126، ابن نجيم ص 64، السدلان ص 149) .
4 - لو مات رجل مسلم، وله امرأة نصرانية، فجاءت امرأته بعد موته مسلمة، وقالت: أسلمت قبل موته، فأنا وارثة منه، وقال الورثة: إنك أسلمت بعد موته فلا ترثين منه لاختلاف دينيكما عند موته، فالقول للورثة، والبينة على الزوجة، ويتفق ذلك مع قاعدة الأصل بقاء ما كان على ما كان (م/5) حتى يثبت ما يغيره، وهو الاستصحاب للحال الأولى.
(الزرقا ص 126، السدلان ص 148) .
5 - لو أقر الإنسان لأحد ورثته بعين أو دين، ثم مات، فاختلف المقر له مع الورثة، فقال المقر له: أقر لي في صحته، فالإقرار نافذ، وقال الورثة: أقر لك في مرضه، فالإقرار غير نافذ، فإن القول للورثة، والبينة على المقر.
(الزرقا ص 126) .
وكذا الحكم فيما لو وهب إنسان شيئاً لأحد ورثته ثم مات، فاختلف الموهوب له وبقية الورثة، فتضاف الهبة الحادثة إلى أقرب الأوقات، وهو مرض الموت.
(الزرقا ص 127) .
6 - اشترى إنسان شيئاً بالخيار، ثم بعد مضي المدة للخيار، جاء المشتري ليرده على البائع، قائلاً: إنه فسخ قبل مضي مدة الخيار، وقال البائع: فسخت بعد مضي مدة الخيار فلا يصح فسخك، فإن القول قول البائع، لإضافة الفسخ إلى أقرب أوقاته من الحال.
(الزرقا ص 127) .
7 - باع الأب مال ابنه بحكم الولاية، ثم اختلف المشتري والابن، فقال المشتري: كان ذلك قبل بلوغك، والبيع نافذ، وقال الابن: كان بعد بلوغي، فالبيع غير نافذ، فإن القول للابن على الأصح.
(الزرقا ص 127) .
وكذا لو قال المحجور: بعت وتصرفت بعد الحجر علي، فتصرفي غير صحيح، وقال الخصم: قبل الحجر، فالقول للمحجور، والبينة على الخصم، ولو أطلق من حجره فاختلف مع المشتري، فقال المحجور: بعت منك قبل فك الحجر، وقال المشتري: بعده، فالقول للمشتري.
(الزرقا ص 127) .
8 - لو قال الوكيل بالبيع بعد عزله: بعت وسلمت قبل العزل، وقال موكله: إنك بعت وسلمت بعد العزل، وكان المبيع قائماً غير مستهلك، فإن القول للموكل الذي يضيف الحادث إلى أقرب أوقاته، وأما إذا كان المبيع مستهلكاً، فإن القول للوكيل استثناء كما سيأتي.
(الزرقا ص 127) .
9 - رأى في ثوبه منياً، ولم يذكر احتلاماً لزمه الغسل على الصحيح، ولا يعيد إلا من آخر نومة نامها، نص عليه في (الأم) لأن الحادث يضاف إلى أقرب أوقاته.
(اللحجي ص.
3، السدلان ص 148) .
10 - ضرب بطن حامل فانفصل الولد حياً، وبقي زماناً بلا ألم، ثم مات، فلا ضمان، لأن الظاهر أنه مات بسبب آخر، ويضاف الموت إلى أقرب أوقاته.
(اللحجي ص 30، السيوطي ص 59، السدلان ص 148) .
11 - فتح قفصاً عن طائر، فطار في الحال ضمنه، وإن وقف ثم طار، فلا يضمن، إحالة إلى اختيار الطائر.
(اللحجي ص 30) .
12 - إذا ادَّعى المحجور عليه أو وصيه أن عقد البيع الذي أجراه المحجور قد حصل بعد صدور الحكم بحجره، وطلب فسخ البيع، وادّعى المشتري حصول البيع قبل تاريخ الحجر، فالقول للمحجور أو وصيه، لأن وقوع البيع بعد الحجر أقرب زمناً مما يدعيه المشتري، وعلى المشتري إثبات خلاف الأصل، وهو حصول البيع له قبل صدور الحكم بالحجر.
(السيوطي 59، السدلان ص 149) .
13 - لو باع الأب مال ولده، وادعى الولد على والده أنه باع ماله بعد بلوغه، وأن البيع غير صحيح لهذا السبب، وأنكر الأب وقوع البيع منه بعد البلوغ، وادّعى حصوله قبل البلوغ، فبما أن البلوغ أقرب زمناً من قبل البلوغ، فالقول للابن، وعلى الأب إثبات خلاف الأصل.
(درر الحكام شرح مجلة الأحكام العدلية ص 25، السدلان ص.
15) .
14 - لو اشترى شخص شيئاً على أنه بالخيار مدة معينة، ثم جاء برده بعد انقضاء مدة الخيار زاعماً أنه قد فسخ البيع قبل انقضائها، وزعم البائع أن المدة قد انقضت وهو ساكت ولَزِم البيع، وأنه قد فُسخ بعد انقضائها، فالمعتبر في هذا قول البائع، ولا يحق للمشتري الرد ما لم يثبت للمشتري.
بالبينة حصول الفسخ في مدة الخيار، فيحكم له بموجب البينة؛ لأنه حينئذ يكون قد أثبت خلاف الأصل.
(المدخل الفقهي العام 2/ 972، السدلان ص.
15) .
15 - إذا ادعت المرأة أن زوجها أبانها في مرضه، وادعى الورثة أنه أبانها في صحته، أضفنا الطلاق إلى أقرب أوقاته، وهو وقت المرض، لأنه محل اتفاق بين الطرفين (المطلقة والورثة) فهو متيقن، أما قبل المرض فهو مشكوك فيه، لذلك يصار إلى المتيقن، وإلى أقرب الأوقات، حتى يرد دليل خلافه.
(الروقي ص 288) .
المستثنى خرج عن هذه القاعدة مسائل تقيدها بألا تؤدي هذه الإضافة إلى نقض أمر ثابت، فلا يعمل بها، فمن ذلك: أ - لو قال الوكيل بالبيع بعد عزله: بعت وسلمت قبل العزل، وقال موكله: إنك بعت وسلمت بعد العزل، وكان المبيع مستهلكاً، فإن القول قول الوكيل، بخلاف ما لو كان المبيع قائماً فالقول للموكل.
والفرق بين الحالتين أنه في حالة هلاك المبيع يكون مقصود الموكل إيجاب الضمان في ذمة الوكيل، والوكيل ينكر الضمان، فالقول قوله، لأن الأصل براءة الذمة.
وأما في حالة قيام المبيع فإن إرادة التضمين غير ممكنة، وإنَّما يدعي الوكيل حينئذ انتقال العين من ملك الموكل إلى ملك الآخر المشتري، والموكل ينكر الانتقال، فالقول قوله، لأن الانتقال من الأمور العارضة، فالأصل عدمها، ويضاف الحادث الى أقرب أوقاته.
(الزرقا ص 127 - 128) .
2 - ادعى الأجير على الحفظ أن العين هلكت بعد تمام المدة المعقود عليها.
فيستحق كل الأجرة، وقال المستأجر: هلكت قبل تمام المدة بكذا أياماً، فالقول للمستأجر بيمينه، وذلك لأن من المقرر الثابت فراغ ذمة المستأجر على الحفظ من الأجرة، وإنما تثبت الأجرة في ذمته بمقدار المدة التي يوجد فيها الحفظ من الأجير فعلاً، فلو جُعل القول للأجير في حدوث هلاك العين بعد تمام المدة بناء على إضافة الحادث إلى أقرب أوقاته يلزم منه نقض الأمر الثابت المتقرر، وهو فراغ ذمة المستأجر، لأنه لم يثبت بالمقدار الزائد الذي يدعيه الأجير، وإضافة الحادث إلى أقرب أوقاته إنما تعتبر إذا لم يؤد اعتبارها إلى نقض ما هو ثابت، فكان القول قول المستأجر، ولأن إضافة الحادث، وهو الهلاك هنا، إلى أقرب الأوقات من قبيل الظاهر، والظاهر لا يكفي حجة للاستحقاق.
(الزرقا ص 128) .
3 - لو اشترى إنسان شيئاً ثم جاء ليرده على البائع بعيب فيه، بعد أن استعمله استعمالاً يفيد الرضا به معيباً، فقال البائع له: إنك استعملته بعد اطلاعك على العيب، فسقط حقك في الرد، وقال المشتري: استعملته قبل الاطلاع على العيب، فالقول للمشتري بيمينه.
ووجه كون القول للمشتري في أن استعماله كان قبل الاطلاع على العيب لا بعده أن خيار العيب في الصورة المذكورة قد ثبت للمشتري حين الشراء لا محالة، فيتقرر بقاؤه إلى أن يوجد المسقط يقيناً؛ لأن ما ثبت بزمان فالأصل بقاؤه حتى يقوم الدليل على خلافه، فدعوى البائع سقوط الخيار الثابت للمشتري تكون على خلاف الأصل المتقرر، فلو حكمنا بأن القول قوله بناء على إضافة الحادث لأقرب أوقاته يلزم منه نقض ذلك الأمر الثابت الذي لم نتيقن بإزالته، فلذلك كان القول للمشتري في بقاء خياره.
ولا يقضى للمشتري بالرد بالعيب إلا بعد أن يحلفه الحاكم أنه لم يرضَ بالعيب قولاً أو دلالة، وهو قول أبي يوسف المفتى به، وإن لم يدَّع عليه البائع أنه رضي به، ولم يطلب تحليفه (م/1746) .
وهذه الاستثناءات تدل على أن قاعدة "إضافة الحادث إلى أقرب أوقاته " إذا تعارضت مع قاعدة "الأصل براءة الذمة" أو "الأصل بقاء ما كان على ما كان " تترك قاعدة "إضافة الحادث إلى أقرب أوقاته " ويعمل بهاتين القاعدتين دونها، لأنهما أقوى.
(الزرقا ص 129) .
فإنهما تعتمدان على أصل ثابت، وهو براءة الذمة.
واستصحاب الحال.
4 - اشثرى انسان شيئاً ثم جاء ليردّه على البائع بخيار الرؤية، فقال البائع له: إنك رضيت بالمبيع بعدما رأيته، فسقط خيارك، وقال المشتري: رضيت قبل أن أراه، فلم يسقط خياري، فالقول للمشتري.
(الزرقا ص.
13) .
5 - لو مات ذمي فجاءت امرأته مسلمة، وقالت: إنني أسلمت بعد موته فأرثه، وقال الورثة: إنك أسلمت قبل موته فلا إرث لك، فالقول لهم، مع أن إسلام الزوجة أمر حادث، وهي تضيفه إلى أقرب أوقاته، وهو ما بعد موت الزوج، وذلك لأنها اعترفت بسبب الحرمان من الإرث، وهو اختلاف الدين، وتمسكت بالظاهر الذي هو إضافته إلى أقرب الأوقات، لكي تستحق الإرث بذلك، والظاهر لا يكفي حجة للاستحقاق.
(الزرقا ص.
13، السدلان ص 151) .
ولا يرد على هذا ما سبق: أن امراة الميت إذا ادعت أنه أبانها في مرض موته، وقال الورثة: في صحته، فالقول قول الزوجة وتستحق الإرث، فلا يقال: كيف استحقت الإرث هنا بالظاهر، وهو إضافتها البينونة الحادثة إلى أقرب الأوقات الذي هو زمن المرض؟ والجواب أن بينهما فرقاً، وذلك أن امرأة الذمي اعترفت باختلاف الدينين.
واختلاف الدين مانع من الإرث، ولا يجتمع معه في حال بيقين، فتمسكها بالظاهر، وهو إضافته إلى ما بعد الموت، يلزم منه نقض ذلك اليقين الثابت، وأما مسألة المبانة فعلى العكس، لأن إرثها بسبب الزوجية ثابت بيقين، والبينونة لا تجانب الإرث في جميع الأحوال، بل تجتمع معه في حال دون حال، فإن إبانة الزوج زوجته في مرض موته لا يمنع الزوجة من الإرث، وهي إنما اعترفت بوجود البينونة التي لا تمنع من الإرث، لحصولها في المرض.
وأما احتمال كون البينونة صدرت من الزوج في زمن الصحة الأبعد فليس إلا مجرد شك، وارثها بالزوجية ثابت بيقين، فلا يزول بهذا الشك، بل يبقى إلى أن يقوم دليل أقوى على خلافه.
(الزرقا ص.
13) .
6 - لو تزوج رجل بامرأة، ثم جاءت بولد، واختلفا، فقال الزوج: إنك ولدت قبل أن يتم لعقد النكاح ستة أشهر، فالولد ليس بثابت النسب مني، وقالت الزوجة: ولدت بعد أن تم للعقد ستة أشهر فالولد ثابت النسب منك، فالقول قول الزوجة بيمينها، ولو أراد الزوج أن يقيم بينة على دعواه لا تقبل أيضاً، لأن بينته تقوم في المعنى على النفي، وهو عدم تمام ستة أشهر من حين العقد إلى حين الولادة، والبينة على النفي لا تقبل.
(الزرقا ص 131) .
7 - لو اشترى داراً، فاستحقت عَرَصَتها، ونقض البناء، فادعى بقيمته على بائعه، فاختلفا فيه، فقال البائع: بعتها مبنية، وقال المشتري: أنا بنيتها - أي بعد الشراء - ولي الرجوع، فالقول للبائع، فجعل القول قول البائع مع أنه يضيف الحادث، وهو البناء، إلى أبعد الأوقات، وهو ما قبل البيع.
(الزرقا ص 131) .
8 - لو دفع لآخر ألفاً مثلاً ليشتري له شيئاً بعينه، فاشتراه، وهلكت الدراهم في يده، ثم اختلفا، فقال الآخر: هلكت قبل الشراء، أي وبطلت الوكالة بهلاكها، فوقع الشراء للوكيل، وقال المأمور: هلكت بعد الشراء أي فيكون الشراء للآمر، ويكون للمأمور الرجوع عليه بمثلها.
فالقول للآمِر بيمينه.
(الزرقا ص 131) .
9 - لو ادَّعى شخص على حاكم معزول أنه أخذ منه بعد عزله مبلغاً من المال، قدره كذا، جَبْراً، ولكن المدعى عليه إذعى أنه أخذ منه ذلك المبلغ في أثناء ما كان حاكماً بعد أن أجرى محاكمته، وأنه أعطى المبلغ للمحكوم له، فإذا كان المبلغ المدفوع تلف في يد المدفوع إليه فالقول للحاكم المدعى عليه؛ لأنه يضيف فعله لزمن منافٍ للضمان، ويدّعي براءة ذمته.
(ابن نجيم ص 65، السدلان ص 151) .
10 - لو قال شخص لغيره: قطعت يدك وأنا صغير، فقال المقَر له: بل قطعتها وأنت كبير، كان القول للمقِر؛ لأنه ينفي الضمان، مع أن المقَر له يضيف الحادث إلى أقرب أوقاته.
(درر الحكام شرح المجلة ص 26، السدلان ص 152) .
What's Your Reaction?






