القاعدة درء المفاسد أولى من جلب المنافع
القواعد الفقهية الأساسية

- عناية الشرع بدرء المفاسد أشد من عنايته بجلب المصالح.
التوضيح الأصل أن الشريعة جاءت لجلب المنافع، ودرء المفاسد، فإذا تعارضت مصلحة ومفسدة قدم دفع المفسدة غالباً؛ لأن الشرع حريص بدفع الفساد، ويعتني بالمنهيات أشد من اعتنائه بالمأمورات.
والأصل في هذه القاعدة قوله - صلى الله عليه وسلم -: "ما نهيتكم عنه فاجتنبوه، وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم " رواه الإمام النووي في (الأربعين) وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه " رواه البخاري، ومسلم، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -.
ويشترط في تقديم درء المفسدة ألا يؤدي إلى مفسدة أخرى، فيلغى التقديم (1) .
التطبيقات 1 - لا يجوز للمالك أن يتصرف بملكه بما يضر الغير كاتخاذ معصرة أو فرن يؤذيان الجيران.
(الزرقا ص 225، الدعاس ص 27) .
2 - يمنع الشخص من الاتجار بالمحرمات من خمر ومخدرات ولو أدت إلى ربح.
(الدعاس ص 27، السدلان ص 522) .
3 - يمنع الاحتكار والتعدي في الأسعار، ولوكان فيها مصلحة لصاحبها.
(الدعاس ص 27) .
4 - يمنع الشخص أن يحدث في ملكه ما يضر بجاره ضرراً بيناً، كاتخاذ داره طاحوناً مثلاً يوهن البناء، أو فرناً يمنع السكنى بالرائحة والدخان، أو أن يفتح كوة تشرف على مقر نساء جاره، أو أن يتخذ كنيفاً أو بالوعة أو ملقى قمامات يضر بالجدار، فلصاحب الجدار أن يكلفه إزالة الضرر (م/ 1200) وإذا كان الضرر لا يزول إلا برفعه بالمرة، فإنه يرفع (م/ 1212) .
وإن كان لمحدثه منفعة في إبقائه، لأن درء المفاسد أولى من جلب المنافع.
(الزرقا ص 205) .
5 - يمنع الشخص من اتخاذ حانوت للطبخ أو الحدادة بين البزازين (م/ 25) .
6 - إذا كانت المفسدة عائدة على الغير فتمنع كمسألة العلو والسفل إذا تهدم البناء، فلا يجبر صاحب السفل على البناء، ولو كانت المنفعة تربو كثيراً على المفسدة.
(الزرقا ص 206) .
7 - يشرع التخلف عن الجماعة والجمعة بسبب المرض والخوف وتمريض الضائع ونحو ذلك.
(اللحجي ص 45) .
8 - تكرره الغسلة الثالثة في الوضوء إذا شك بأنها رابعة، تقديماً للمكروه، وهي كونها رابعة، على المندوب بأنها ثالثة.
(الغرياني ص 133) .
9 - يُكره صوم يوم عرفة إذا شك فيه بأنه عيد، تقديماً للنهي عن صوم يوم العيد.
(الغرياني ص 133) .
10 - الصدقة على القريب أفضل من الصدقة على البعيد، وهي مندوب إليها، لكن يقابل ذلك أن في إعطاء القريب زكاته إلى قريبه اتهامه بأنه يوفر بها ماله، حتى لا يعطي قريبه الفقير تطوعاً، فيحابيه بها ليعود عليه نفعها، ولو بالمدح والثناء، لذاكره.
المالكية إعطاء الزكاة للقريب، تقديماً للمكروه على المندوب.
(الغرياني ص 133) .
11 - كره المالكية القصد إلى قراءة آية السجدة في الصلاة للإمام خوف التشويش على المأموم، ثم كرهوها للمنفرد حسماً للباب، تقديماً للمكروه على المندوب، والحق تقديم المندوب، للحديث، فقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقرأ سورة السجدة في صبح الجمعة.
(الغرياني ص 133) .
12 - يكره صلاة التراويح في البيوت إذا أدت إلى تعطيل المساجد، تقديماً لدرء المفسدة، وهي تعطيل المساجد على تحصيل المصلحة وهي صلاتها في البيوت.
(الغرياني ص 133) .
13 - يُكره ترك العمل يوم الجمعة، لئلا يُعظّم تعظيم اليهود للسبت درءاً للمفسدة.
(الغرياني ص 134) .
14 - كره المالكية إظهار إتباع رمضان بصيام ست من شوال متصلة ممن يقتدى به، وإن صح به الخبر، خشية اعتقاد العامة وجوبها، وأنها من رمضان، والحق ندب صيامها، لما جاء في الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أن صيامها مع رمضان يعدل صيام الدهر.
(الغرياني ص 137) .
15 - من لم يجد سترة ترك الاستنجاء، ولو على شط نهر؛ لأن النهي عن كشف العورة راجح على الأمر بإزالة النجاسة.
(السدلان ص 523) .
16 - المبالغة في المضمضة والاستنشاق مسنونة، وتكره للصائم تقديماً لدرء مفسدة إفساد الصيام على جلب مصلحة سنية المضمضة والاستنشاق.
(السدلان ص 523) .
17 - إذا وجب الغسل على المرأة، ولم تجد سترة من الرجال، تؤخر الغسل؛ لأن في كشف المرأة على الرجال مفسدة وأي مفسدة.
(ابن نجيم ص 90، السدلان ص 524) .
18 - لو اشتبهت مَحْرمة بأجنبيات عصورات لم يحل الزواج بإحداهن.
(ابن نجيم ص 90، السدلان ص 524) .
19 - قطع اليد المتآكلة حفظاً للروح إذا كان الغالب السلامة بقطعها.
(ابن نجيم ص 91، السدلان ص 524) .
المستثنى يجوز تقديم المصلحة على المفسدة إذا كانت المصلحة أعظم.
ولها أمثلة كثيرة (1) : 1 - يجوز الكذب بين المتعادين للإصلاح، فهو تقديم للمنفعة حين تربو على المفسدة وكانت المفسدة تعود على نفس الفاعل.
(الزرقا ص 206، اللحجي ص 45) .
2 - يجوز الكذب على الزوجة لإصلاحها، وهذان الاستثناءان يرجعان إلى ارتكاب أخف المفسدتين في الحقيقة.
(اللحجي ص 45) .
3 - التلفظ بكلمة الكفر مفسدة محرمة، لكنه جائز بالحكاية والإكراه إذا كان قلب المكره مطمئناً بالإيمان؛ لأن حفظ النفس أكمل مصلحة من مفسدة التلفظ بكلمة الكفر التي لا يعتقدها الجنان.
(السدلان ص 525) .
4 - الصلاة إلى غير القبلة مفسدة محرمة، فإن تعذر استقبال القبلة بصَلْب أو عجز أو إكراه، وجب عليه على الأصح أن يصلي إلى الجهة التي حُوّل وجهه إليها، لئلا تفوت مقاصد الصلاة بفوات شرط لا تتناسب مصلحته مع مصالح مقاصدها.
(السدلان ص 525) .
5 - نبش القبور مفسدة محرمة لما فيه من انتهاك حرمة الأموات، لكنه واجب إذا دفنوا بغير غسل، أو وُجّهوا إلى غير "القبلة، بشرط ألا تمضي مدة تتغير فيها أجسادهم، لأن مصلحة غسلهم وتوجيههم إلى القبلة أعظم من توفيرهم بترك النبش.
(السدلان ص 525) .
6 - الحجر على المفلس مفسدة في حقه، لكنه ثبت تقديماً لمصلحة الغرماء على مفسدة الحجر.
(السدلان ص 525) .
7 - إذا اختلط موتى المسلمين والكفار وجب غسل الجميع والصلاة عليهم، مع أن غسل الكافر والصلاة عليه محرم (ابن تيمية، الحصين 1/ 241) .
8 - يحرم على المرأة ستر الوجه في الإحرام، ولا يمكن إلا بكشف شيء من الرأس، وستر الرأس واجب في الصلاة، فإذا صلّت راعت مصلحة الواجب (ابن تيمية، الحصين 241/1) .
9 - لو أسلمت المرأة وجب عليها الهجرة إلى دار الإسلام، ولو سافرت وحدها، كان كان سفرها وحدها حراماً (ابن تيمية، الحصين 1/ 241) .
فرع: تحقيق المصالح ودرء المفاسد إن مقاصد الشريعة العامة تنحصر في تحقيق المصالح ودرء المفاسد.
وذلك بجلب النفع للناس، ودفع الضرر عنهم، حتى اعتبر العز بن عبد السلام رحمه الله تعالى وغيره أن الأحكام الشرعية كلها تنحصر في هذه القاعدة "تحقيق المصالح ودرء المفاسد" لأن كل حكم فرعي فرع أصلاً إما لجلب مصلحة، أو لدرء مفسدة على الإنسان، وهذا ما تؤكده النصوص الشرعية في القرآن والسنة، ويبينه العلماء في الاستصلاح، وفي مقاصد الشريعة، وأن اعتبار المصالح من الأدلة الشرعية الكلية والفرعية ضمن ضوابط دقيقة وقواعد محكمة، سواء كانت المصالح ضرورية، أو حاجية، أو تحسينية، أو تكميلية، أو مجرد منافع وزينة.
وإن كثيراً من القواعد الفقهية وضعت لتحقيق المصالح ودرء المفاسد، ونكتفي بالإشارة لها هنا، ونذكر توضيحها، وتطبيقاتها، وأمثلتها في مكانها، فمن ذلك: 1 - إذا ضاق الأمر اتسع، أو الأمر إذا ضاق اتسع.
2 - إذا اتسع الأمر ضاق، وكان هذه القاعدة تكملة وتتمة للسابقة، أو استدراك لها.
3 - الضرورات تبيح المحظورات.
4 - الميسور لا يسقط بالمعسور.
وجاء ابن تيمية رحمه الله تعالى وأكد ما قاله العز، وأن الشريعة مبناها على تحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها بحسب الإمكان، وتكررت عباراته وأمثلته لهذه القاعدة المهمة.
What's Your Reaction?






