القاعدة البينة حجة متعدية، والإقرار حجة قاصرة

القواعد الكلية في المذهب الحنفي

القاعدة البينة حجة متعدية، والإقرار حجة قاصرة
التوضيح إن البينة حجة متعدية أي متجاوزة إلى غير من قامت عليه، وملزمة له، لأن الثابت بالبينة والبرهان يعتبر كالواقع المحسوس، فإنه يعتبر ثابتاً، ويحتج به على غير المقضي عليه أيضاً.

وإن الإقرار حجة قاصرة على نفس المقر لا تتجاوزه إلى غيره، لأن كونه حجة يبنى على زعمه، وزعمه ليس بحجة على غيره، ولأن المقر لا ولاية له إلا على نفسه، فله أن يلزم نفسه بما شاء، وليس له سلطة على إلزام غيره، وأيضاً يحتمل أن يكون المقر كاذباً في إقراره ومتواطئاً مع المفر له لإضاعة حق شخص ثالث.

والبينة لا تصير حجة إلا بقضاء القاضي، والإقرار أقوى من البينة لعدم التهمة فيه غالباً، ولأن الإقرار يعتمد الأهلية بالبلوغ والعقل فقط، ولا يعتمد الولاية على غير المقر، بخلاف الشهادة فإنها حجة متعدية، ولذا كانت تعتمد الولاية، فلا تقبل شهادة من لا ولاية له أصلاً، كالصغير، أو لا ولاية له على المشهود كغير المسلم إذا كان المشهود عليه مسلماً، وشهادة الفاسق والعبد، والمرأة أحياناً، ويقبل إقرارهم مطلقاً، فحيث كانت البينة متعدية وتعتمد الولاية تكون حجة على من قامت بمواجهته وعلى غيره.

ويشترط لها حضور الخصم واتصال القضاء بها.

التطبيقات 1 - إذا ثبت الدين على التركة بالبينة يثبت في حق جميع الورثة، سواء كان الثبوت بمواجهة الوصي، أو بمواجهة أحد الورثة.

(الزرقا ص 396) .

2 - إذا ثبت الاستحقاق بالبينة فإنه يثبت في حق ذي اليد، وفي حق من تلقى ذو اليد الملك منه، فلا تسمع دعوى بائعه الملك على المستحق.

(إلا دعوى النتاج، أو دعوى تلقي الملك منه مباشرة أو بالواسطة) لأنه صار مقضياً عليه، لكنه بشرط أن يكون المستحق عليه قد ادعى حين الخصومة قبل الحكم بالاستحقاق الملك بالتلقي منه.

(الزرقا ص 396) .

3 - يصح الإقرار بلا وجود منازع ولا مواجهة خصم.

(الزرقا ص 359) .

4 - يقتصر إقرار الوارث بدين على التركة على نفسه فقط.

(الزرقا ص 359) .

5 - يقتصر إقرار المستحق عليه بالعين المستحقة على نفسه، فينفذ إقرار الوارث على نفسه بقدر حصته، ولا يرجع المستحق عليه على بائعه بالثمن، وتسمع دعوى بائعه بالملك المطلق على المستحق.

(الزرقا ص 359) .

6 - يبطل إقرار الوصي والمتولي على التركة والوقف.

(الزرقا ص 359) .

7 - لو أقر سعيد مثلاً أن لخالد ألفاً في ذمته ثبت، ولزم الألف، ولو قال: لخالد ألف أيضاً في ذمة عمرو لا يلزم شيء في ذمة عمرو لخالد؛ لأن الإقرار لا يتعدى المقر.

(الدعاس ص 88) .

8 - إذا ادعى غريم ديناً على التركة بحضور أحد الورثة فإن أقر الوارث بدين المُوَرِّث يؤاخذ بإقراره، ولكن يكون إقراره مقصوراً على نفسه، فيأخذ المقر له من حصته فقط، ولا يأخذ من بقية الورثة، لأن إقرار رفيقهم لا يسري عليهم.

(الدعاس ص 88) .

9 - لو أقر بدين مشترك عليه، وعلى غيره، فإن إقراره هذا ينفذ على نفسه فيؤاخذ به في ماله، ولا يسري على رفيقه، ما لم يصدقه.

(الدعاس ص 88) .

10 - لو اشترى جارية فولدت عنده، لا منه، فاستحقها رجل ببيِّنة، فقضى القاضي بالأم، يتبعها ابنها، وإن أقر بها المشترى له، لا يتبعها ولدها، لأن الإقرار حجة قاصرة.

(الدعاس ص 88) .

المستثنى خرج عن هذه القاعدة مسائل يتعدى فيها الإقرار على غير المقر، وهي: 1 - لو أقر المؤجر بدين لا وفاء له إلا ببيع العين المأجورة، فإن الإجارة تفسخ، ويباع المأجور لوفاء الدين.

(الزرقا ص 396) .

2 - لو كان شيء في يد رجل، فادعاه اثنان بالشراء منه، كل على حدة، أو ادعى كل منهما أنه رهنه منه وسلمه إياه، أو ادعى أحدهما الشراء والآخر الرهن، أو ادعى أحدهما الإجارة والآخر الشراء، أو أحدهما الصدقة مع القبض والآخر الشراء، أو ادعى كل منهما الإجارة، ولا بينة في جميع ذلك، فأقرَّ ذو اليد لأحدهما.

يمنع الآخر بمجرد إقراره للأول، ولا يستحلف له.

(الزرقا ص 396) .

3 - لو أقر الأب على ابنته البكر البالغة بقبضه مهرها من زوجها، فإنه حجة عليها، وتبرأ به ذمة الزوج، وهذا مبني على أن للأب قبض مهر ابنته البالغة بحسب العرف والعادة، وأن من ملك حق القبض ملك الإقرار به.

(الزرقا ص 397) .

4 - لو أقر اثنان من الورثة بولد للمتوفى، فإنه يثبت نسبه في حق غيرهم من الورثة، وفي حق الناس كافة، ولا يحتاج في ذلك للفظ الشهادة، ولا إلى مجلس القضاء - على الأصح.

(الزرقا ص 397) .

5 - لو ادعى عيناً على آخر، وأراد تحليفه، فأقر به لابنه الصغير تندفع عنه اليمين، لأنه بعد أن أقر به لابنه الصغير لا يصح إقراره به لغيره، فلا يفيده تحليفه، لأن التحليف رجاء النكول، وهو كالإقرار.

(الزرقا ص 397) .

فقد تعدى الإقرار في هذه الصورة، لكن المفتى به قول محمد من أنه لو أراد تحليف الأب ليأخذ القيمة منه لو نكل، فإنه يحلف، ولو أراد تحليفه ليأخذ العين لا يحلف، وعليه فيحمل الكلام السابق على ما إذا طلب تحليفه ليأخذ العين لو نكل.

(الزرقا ص 397) .

6 - وكيل البيع لو أقر بقبض موكله الثمن يبرأ المشتري، كما لو أقر بقبض نفسه، وعلى قياس هذه المسألة ينبغي أن يصح إقراره بقبض الطالب الدائن في مسألة الوكيل بقبض الدين، ويمكن الفرق بينهما بأن وكيل البيع أصيل في قبض الثمن وتعود الحقوق إليه، فله أن يوكل غيره بقبض ثمنه، فأقرَّ بما له تسليط فصح، بخلاف وكيل القبض إذليس له التوكيل فكان مقرَّا بما ليس له تسليطه فلغا، فكل منهما جنس لا تشابه بينهما فيما يظهر حتى يصح تخريج أحدهما على الآخر وقياسه عليه.

ولكن يقيد الحكم بأن يكون الموكل سلم المبيع إلى وكيل البيع، وللموكل أن يحلف الوكيل على ما زعم من أنه، أي الموكل، قبض الثمن من المشتري، فإن حلف برئ هو أيضاً، وإن نكل ضمن الثمن للموكل.

(الزرقا ص 398 - 399) .

7 - لو أنفق أجنبي على بعض الورثة، فقال: أنفقت بأمر الوصي، وأقر به الوصي، ولا يعلم ذلك إلا بقول الوصي بعد ما أنفق، يقبل قول الوصي، لو كان المنفق عليه صغيراً، فقد تعدى إقرار الوصي على الصغير.

(الزرقا ص 399 - 400) .

What's Your Reaction?

like
0
dislike
0
love
0
funny
0
angry
0
sad
0
wow
0