القاعدة كل حيلة تضمنت إسقاط حق أو استحلال محرم فهي محرمة

القواعد الكلية في المذهب الحنبلي

القاعدة كل حيلة تضمنت إسقاط حق أو استحلال محرم فهي محرمة
التوضيح أصل الحول تغير الشيء وانفصاله عن غيره، والحيلة ما يتوصل به إلى حالة ما في خفية، وأكثر استعمالها فيما في تعاطيه خبث، وقد تستعمل فيما في تعاطيه حكمة.

ومعناها العام اصطلاحاً ما يكون مَخْلصاً شرعاً لمن ابتلي بحادثة دينية، ومعناها الخاص هنا أن يقصد بها الشخص سقوط الواجب، أو حل الحرام بفعل لم يقصد به ما جعل ذلك الفعل له، أو ما شرع له، فصاحب الحيلة يباشر سبباً لا يقصد به ما جعل ذلك السبب له، وإنَّما يقصد به استحلال أمر آخر، وبذلك يغير الأحكام الشرعية، ويفعل الأسباب لما ينافي قصده قصد حكم السبب، فيصير بمنزلة من طلب ثمرة الفعل الشرعي ونتيجته، وهو لم يأت بقوامه وحقيقته، فهو خداع لله، واستهزاء بآيات الله، وتلاعب بحدود الله، فتصبح الحيلة محرمة، ويجب إبطال هذا القصود الفاسد على صاحبه، بألَّا تترتب على فعله ثمرته القررة شرعاً.

ولكن ليس كل ما يسمى حيلة في اللغة، أو يسميه الناس حيلة حراماً، بل يعتريها بقية الأحكام، فالحيل منها ما هو محرم، ومنها ما هو جائز، بل واجب ومستحب أو مكروه ومباح، وتنحصر الحيلة المحرمة بما فيه إسقاط حق، أو استحلال محرم.

ودليل ذلك قوله تعالى في ذم النافقين (يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (9) .

وقوله تعالى: (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ) .

وندد القرآن الكريم بحيلة اليهود للصيد يوم السبت.

(الأعراف: 163 - 166) .

وحديث "إنما الأعمال بالنيات" أصل في إبطال الحيل، وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "قاتل الله اليهود، حرمت عليهم الشحوم، فجملوها فباعوا".

والأدلة كثيرة التطبيقات 1 - يعدُّ الربا من أكثر المعاملات تحايلاً على استحلاله، والحيل التي يُتوسل بها إليه لها صورتان، الأولى: أن يضم المتعاقدان إلى أحد العوضين ما ليس بمقصود، مثل مسألة مد عجوة، وصورتها أن يبيع مالاً ربوياً بجنسه، ومعهما، أو مع أحدهما، ما ليس من جنسه، فالغرض بيع فضة بفضة مثلاً متفاضلاً، فيضم إلى الفضة القليلة عوضاً آخر، فيبيع مثلاً ألف دينار في منديل بألفي دينار، أو مد عجوة ودرهم بدرهم، وهو حرام عند مالك والشافعي وأحمد وكذلك قدماء الكوفيين، ويسوّغه من يجوّز الحيل من الكوفيين، كما يسوّغه مالك وأحمد إذا كان المقصود بيع غير ربوي مع غير ربوي، كبيع سيف فيه فضة يسيرة بسيف.

الثانية: بيع العينة، وهو أن يبيع سلعة بثمن كبير إلى أجل، ثم يبتاعها بثمن أقل من ذلك نقداً، وهذا عين الربا، لأن القصد المال، وأظهر المعاملة حيلة، ومثله مسألة التورق، بأن يشتري سلعة إلى أجل، ثم يبيعها في السوق بأقل من قيمتها نقداً، فهنا مقصود المشتري الدراهم، وليس له غرض في السلعة إلا للتحايل على الربا، لأن غرضه الورِق لا السلعة، فهذا مذموم منهي عنه في أظهر قولي العلماء.

ومثله أن يقرن بالقرض مثلاً محاباة في بيع أو إجارة أو مساقاة، كان يقرضه ألفاً، ويبيعه سلعة تساوي عشرة بمئتين، أو يكريه داراً تساوي ثلاثين بخمسة (ابن تيمية، الحصين 1/ 446) .

2 - أن يدَّعي البائع أنه كان محجوراً عليه، لكي يفسخ البيع، فهذه حيلة محرمة بالوسيلة والمقصود، فالوسيلة كذب، والكذب حرام، والمقصود إبطال حق المشتري في نفوذ البيع ولزومه، وهذا حرام أيضاً (ابن تيمية، الحصين 1/ 448) .

3 - الاحتيال على إسقاط حق الشريك في الشفعة، بأن يكون ثمن البيع ألفاً، فيتفق البائع مع المشتري على عقده بألفين، ثم يقبض منه تسع مئة، ويصارفه عن الألف ومئة بعشرة دنانير، فيتعذر على الشفيع الأخذ (ابن تيمية، الحصين 1/ 448) .

4 - من سافر في الصيف ليتأخر عنه الصوم إلى الشتاء، لم يحصل له غرضه، بل يجب عليه الصوم في هذا السفر (ابن تيمية، الحصين 1/ 441) .

المستثنى إن الاحتيال قد يكون من واحد، وقد يكون من اثنين فأكثر، فيظهر الأثر والبطلان في جهة، ويبقى صحيحاً في جهة ثانية استثناء من القاعدة.

1 - أن ينوي التحليل ولا يظهره للزوجة، أو يهب ماله ضراراً لورثته، فتكون هذه العقود باطلة بالنسبة له وإلى من علم غرضه، وصحيحة لغيرهم، فلا يحل له وطء المرأة، ولا يرثها إن ماتت، أما الزوجة فلا إثم عليها، وترثه إن مات.

(ابن تيمية، الحصين 1/ 441) .

2 - إذا طلق المربض مرض الموت زوجته، صُحح الطلاق بزوال ملك البضع، فإن ماتت فلا يرثها، ولم يُصحح بالنسبة لها فترثه إن مات (ابن تيمية، الحصين 1/ 441) .

من وطن امرأة أبيه، او ابنه، ليفسخ نكاحه، فهذه الحيلة بمنزلة الإتلاف للملك بقتل أو غصب، فلا يمكن إبطالها، وتحرم المرأة لأن هذا حق لله.

(ابن تيمية، الحصين 1/ 441) .

4 - من قتل رجلاً ليتزوج امرأته، أو ليزوجه صديقاً له، فهنا تحل المرأة لغير من قصد تزوجها به، ولا تحل للقاتل، ولا لمن قصد تزوجها به، كمن يخلل الخمر بنقلها من موضع إلى موضع من غير أن يلقي فيها شيئاً، فالصحيح أنها لا تطهر.

(ابن تيمية، الحصين 1/ 441) .

5 - الحلال إذا صاد صيداً، وذبحه لمحرم، فإنه يحرم على ذلك المحرم، ويحل للحلال (ابن تيمية، الحصين 1/ 442) .

6 - ذبح شخص شاة مغصوبة للغاصب، فهي حرام على الغاصب، حلال لغيره.

(ابن تيمية، الحصين 1/ 443) .

What's Your Reaction?

like
0
dislike
0
love
0
funny
0
angry
0
sad
0
wow
0