مسالة هَلْ الْقِيَامُ لِلْمُصْحَفِ وَتَقْبِيلُهُ، وَجَعْلُهُ عِنْدَ الْقَبْرِ، وَوَقِيدُ قِنْدِيلٍ فِي مَوْضِعٍ يَكُونُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقْرَأَ فِيهِ، مَكْرُوهٌ؟

مسالة هَلْ الْقِيَامُ لِلْمُصْحَفِ وَتَقْبِيلُهُ، وَجَعْلُهُ عِنْدَ الْقَبْرِ، وَوَقِيدُ قِنْدِيلٍ فِي مَوْضِعٍ يَكُونُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقْرَأَ فِيهِ، مَكْرُوهٌ؟

مسالة  هَلْ الْقِيَامُ لِلْمُصْحَفِ وَتَقْبِيلُهُ، 
وَجَعْلُهُ عِنْدَ الْقَبْرِ، وَوَقِيدُ قِنْدِيلٍ فِي مَوْضِعٍ يَكُونُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقْرَأَ فِيهِ، مَكْرُوهٌ؟
هل القيام للمصحف وتقبيله، وجعله عند القبر، ووقيد قنديل في موضع يكون من غير ان يقرا فيه، مكروه؟ وهل يكره ايضا ان يفتح فيه الفال؟

الجواب::

الحمد لله القيام للمصحف وتقبيله لا نعلم فيه شييا ماثورا عن السلف وقد سيل الامام احمد عن تقبيل المصحف، فقال: ما سمعت فيه شييا، ولكن روي عن عكرمة بن ابي جهل انه كان يفتح المصحف، ويضع وجهه عليه ويقول كلام ربي كلام ربي، ولكن السلف، وان لم يكن من عادتهم القيام له، فلم يكن من عادتهم قيام بعضهم لبعض، اللهم الا لمثل القادم من غيبة ونحو ذلك، ولهذا قال انس: لم يكن شخص احب اليهم من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكانوا اذا راوه لم يقوموا لما يعلمون من كراهته لذلك، والافضل للناس ان يتبعوا طريق السلف في كل شيء، فلا يقومون الا حيث كانوا يقومون.

فاما اذا اعتاد الناس قيام بعضهم لبعض، فقد يقال: لو تركوا القيام للمصحف مع هذه العادة لم يكونوا محسنين في ذلك ولا محمودين، بل هم الى الذم اقرب، حيث يقوم بعضهم لبعض، ولا يقومون للمصحف الذي هو احق بالقيام، حيث يجب من احترامه وتعظيمه ما لا يجب لغيره، حتى ينهى ان يمس القران الا طاهر، والناس يمس بعضهم بعضا مع الحدث، لا سيما في ذلك من تعظيم حرمات الله وشعايره ما ليس في غير ذلك.

وقد ذكر من ذكر من الفقهاء الكبار قيام الناس للمصحف ذكر مقرر له، غير منكر له.

واما جعل المصحف عند القبور، وايقاد القناديل هناك فهذا مكروه منهي عنه، ولو كان قد جعل للقراءة فيه هنالك، فكيف اذا لم يقرا فيه؟ فان النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لعن الله زوارات القبور، والمتخذين عليها المساجد والسرج» .

فايقاد السرج من قنديل وغيره على القبور منهي عنه مطلقا؛ لانه احد الفعلين الذي لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من يفعلهما كما قال: «لا يخرج الرجلان يضربان الغايط كاشفين عن عوراتهما يتحدثان، فان الله يمقت على ذلك» .

رواه ابو داود وغيره ومعلوم انه ينهى عن كشف العورة وحده، وعن التحدث وحده، وذلك قوله تعالى: {والذين لا يدعون مع الله الها اخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله الا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق اثاما}[الفرقان: 68] {يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا}[الفرقان: 69] .

فتوعد على مجموع افعال، وكل فعل منها محرم؛ وذلك لان ترتيب الذم على المجموع يقتضي ان كل واحد له تاثير في الذم، ولو كان بعضها مباحا لم يكن له تاثير في الذم، والحرام لا يتوكد بانضمام المباح المخصص اليه والايمة قد تنازعوا في القراءة عند القبر، فكرهها ابو حنيفة ومالك واحمد في اكثر الروايات، ورخص فيها في الرواية الاخرى عنه هو وطايفة من اصحاب ابي حنيفة وغيرهم.

واما جعل المصاحف عند القبور لمن يقصد قراءة القران هناك وتلاوته، فبدعة منكرة، لم يفعلها احد من السلف، بل هي تدخل في معنى اتخاذ المساجد على القبور، وقد استفاضت السنن عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بالنهي عن ذلك حتى قال: «لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور انبيايهم مساجد» .

يحذر ما صنعوا، قالت عايشة: ولولا ذلك لابرز قبره، ولكن كره ان يتخذ مسجدا، وقال «ان من كان قبلكم كانوا يتخذون القبور مساجد؛ الا فلا تتخذوا القبور مساجد، فاني انهاكم عن ذلك» ولا نزاع بين السلف والايمة في النهي عن اتخاذ القبور مساجد.

ومعلوم ان المساجد بيت الصلاة والذكر وقراءة القران، فاذا اتخذ القبر لبعض ذلك كان داخلا في النهي، فاذا كان هذا مع كونهم يقرءون فيها، فكيف اذا جعلت المصاحف بحيث لا يقرا فيها ولا ينتفع بها لا حي ولا ميت، فان هذا لا نزاع في النهي عنه، ولو كان الميت ينتفع بمثل ذلك لفعله السلف، فانهم كانوا اعلم بما يحبه الله ويرضاه، واسرع الى فعل ذلك وتحريه.

واما استفتاح الفال في المصحف فلم ينقل عن السلف فيه شيء، وقد تنازع فيه المتاخرون.

وذكر القاضي ابو يعلى فيه نزاعا ذكر عن ابن بطة انه فعله، وذكر عن غيره انه كرهه، فان هذا ليس الفال الذي يحبه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فانه «كان يحب الفال ويكره الطيرة» ، والفال الذي يحبه هو ان يفعل امرا او يعزم عليه متوكلا على الله، فيسمع الكلمة الحسنة التي تسره مثل ان يسمع: يا نجيح، يا مفلح، يا سعيد، يا منصور، ونحو ذلك، كما «لقي في سفر الهجرة رجلا فقال: ما اسمك؟ قال: يزيد، قال: يا ابا بكر يزيد امرنا» .

واما الطيرة، بان يكون قد فعل امرا متوكلا على الله، او يعزم عليه فيسمع كلمة مكروهة مثل: ما يتم، او ما يفلح، ونحو ذلك، فيتطير ويترك الامر، فهذا منهي عنه، كما في الصحيح عن «معاوية بن الحكم السلمي، قال: قلت: يا رسول الله، منا قوم يتطيرون، قال: ذلك شيء يجده احدكم في نفسه فلا يصدنكم» .

فنهى النبي - صلى الله عليه وسلم - ان تصد الطيرة العبد عما اراد، فهو في كل واحد من محبته للفال، وكراهته للطيرة، انما يسلك مسلك الاستخارة لله، والتوكل عليه، والعمل بما شرع له من الاسباب، لم يجعل الفال امرا له وباعثا له على الفعل، ولا الطيرة ناهية له عن الفعل، وانما ياتمر وينتهي عن مثل ذلك اهل الجاهلية الذين يستقسمون بالازلام، وقد حرم الله الاستقسام بالازلام في ايتين من كتابه، وكانوا اذا ارادوا امرا من الامور احالوا به قداحا مثل السهام او الحصى او غير ذلك، وقد علموا على هذا علامة الخير، وعلى هذا علامة الشر، واخر غفل، فاذا خرج هذا فعلوا، واذا خرج هذا تركوا، واذا خرج الغفل اعادوا الاستقسام.

فهذه الانواع التي تدخل في ذلك مثل الضرب بالحصى والشعير، واللوح والخشب والورق المكتوب عليه حروف ابجد، او ابيات من الشعر، او نحو ذلك مما يطلب به الخيرة، فما يفعله الرجل ويتركه ينهى عنها؛ لانها من باب الاستقسام بالازلام، وانما يسن له استخارة الخالق، واستشارة المخلوق، والاستدلال بالادلة الشرعية التي تبين ما يحبه الله ويرضاه، وما يكرهه وينهى عنه، وهذه الامور تارة يقصد بها الاستدلال على ما يفعله العبد، هل هو خير ام شر؟ وتارة الاستدلال على ما يكون فيه نفع في الماضي والمستقبل، وكلا غير مشروع، والله سبحانه اعلم.

What's Your Reaction?

like
0
dislike
0
love
0
funny
0
angry
0
sad
0
wow
0