مسالة ازالة النجاسة بغير الماء

مسالة ازالة النجاسة بغير الماء

مسالة ازالة النجاسة بغير الماء
75 - 60

مسالة:

في ازالة النجاسة بغير الماء ثلاثة اقوال للعلماء: احدها: المنع كقول الشافعي، وهو احد القولين في مذهب مالك، واحمد.

والثاني: الجواز كقول ابي حنيفة، وهو القول الثاني في مذهب مالك، واحمد.

والقول الثالث: في مذهب احمد ان ذلك يجوز للحاجة، كما في طهارة فم الهرة بريقها، وطهارة افواه الصبيان بارياقهم، ونحو ذلك.

والسنة قد جاءت بالامر بالماء في «قوله لاسماء: حتيه ثم اقرضيه ثم اغسليه بالماء» .

وقوله في انية المجوس: «ارحضوها ثم اغسلوها بالماء» .

وقوله في حديث الاعرابي الذي بال في المسجد: «صبوا على بوله ذنوبا من ماء» .

فامر بالازالة بالماء في قضايا معينة، ولم يامر امرا عاما بان تزال كل نجاسة بالماء، وقد اذن في ازالتها بغير الماء في مواضع: منها: الاستجمار بالاحجار.

ومنها قوله في النعلين: «ثم ليدلكهما بالتراب فان التراب لهما طهور» .

ومنها قوله في الذيل: «يطهره ما بعده» .

ومنها «ان الكلاب كانت تقبل وتدبر وتبول في مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم لم يكونوا يغسلون ذلك» .

ومنها قوله في الهرة: «انها من الطوافين عليكم والطوافات» مع ان الهرة في العادة تاكل الفار، ولم تكن هناك قناة تردها تطهر بها افواهها، وانما طهرها ريقها.

ومنها ان الخمر المنقلبة بنفسها تطهر باتفاق المسلمين، واذا كان كذلك فالراجح في هذه المسالة ان النجاسة متى زالت باي وجه كان، زال حكمها، فان الحكم اذا ثبت بعلة زال بزوالها، لكن لا يجوز استعمال الاطعمة والاشربة في ازالة النجاسة لغير حاجة، لما في ذلك من افساد الاموال كما لا يجوز الاستنجاء بها.

والذين قالوا: لا تزول الا بالماء، منهم من قال: ان هذا تعبد، وليس الامر كذلك، فان صاحب الشرع امر بالماء في قضايا معينة؛ لان ازالتها بالاشربة التي ينتفع بها المسلمون افساد لها، وازالتها بالجامدات كانت متعذرة يغسل الثوب والاناء والارض بالماء، فانه من المعلوم انه لو كان عنده ماء ورد، وخل، وغير ذلك، لم يامرهم بافساده، فكيف اذا لم يكن عندهم.

ومنهم من قال: ان الماء له من اللطف ما ليس لغيره من المايعات، فلا يلحق غيره به، وليس الامر كذلك، بل الخل، وماء الورد، وغيرهما يزيلان ما في الانية من النجاسة كالماء، وابلغ والاستحالة ابلغ في الازالة من الغسل بالماء فان الازالة بالماء قد يبقى معها لون النجاسة فيعفى عنه، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «يكفيك الماء ولا يضرك اثره» .

وغير الماء يزيل الطعم واللون والريح.

ومنهم من قال: كان القياس ان لا تزول بالماء لتنجسه بالملاقاة، لكن رخص في الماء للحاجة فجعل الازالة بالماء صورة استحسان فلا يقاس عليها، وكلا المقدمتين باطلة، فليست ازالتها به على خلاف القياس ان الحكم اذا ثبت بعلة زال بزوالها.

وقولهم انه ينجس بالملاقاة ممنوع، ومن سلمه فرق بين الوارد والمورود، وبين الجاري والواقف، ولو قيل: انها على خلاف القياس، فالصواب انما خلف القياس عليه اذا عرفت علته، اذ الاعتبار في القياس بالجامع والفارق، واعتبار طهارة الخبث بطهارة الحدث ضعيف، فان طهارة الحدث من باب الافعال المامور بها، ولهذا لم تسقط بالنسيان والجهل، واشترط فيها النية عند الجمهور، واما طهارة الخبث فانها من باب التروك فمقصودها اجتناب الخبث، ولهذا لا يشترط فيها فعل العبد ولا قصده، بل لو زالت بالمطر النازل من السماء حصل المقصود، كما ذهب اليه ايمة المذاهب وغيرهم.

ومن قال من اصحاب الشافعي، واحمد: انهم اعتبروا فيها النية فهو قول شاذ مخالف للاجماع السابق، مع مخالفته لايمة المذاهب، وانما قيل: هذا من ضيق المجال في المناظرة، فان المنازع لهم في مسالة النية قاس طهارة الحدث على طهارة الخبث، فمنعوا الحكم في الاصل، وهذا ليس بشيء؛ ولهذا كان اصح قولي العلماء انه اذا صلى بالنجاسة جاهلا او ناسيا فلا اعادة عليه، كما هو مذهب مالك، واحمد في اظهر الروايتين عنه؛ «؛ لان النبي - صلى الله عليه وسلم - خلع نعليه في الصلاة للاذى الذي كان فيهما، ولم يستانف الصلاة» .

وكذلك في الحديث الاخر، «لما وجد في ثوبه نجاسة امر بغسلها ولم يعد الصلاة» ، وذلك لان ما كان مقصوده اجتناب المحظور اذا فعله العبد ناسيا او مخطيا، فلا اثم عليه كما دل عليه الكتاب والسنة.

قال الله تعالى: {وليس عليكم جناح فيما اخطاتم به}[الاحزاب: 5] .

وقال تعالى {ربنا لا تواخذنا ان نسينا او اخطانا}[البقرة: 286] .

قال الله تعالى: قد فعلت، رواه مسلم في صحيحه.

.

ولهذا كان اقوى الاقوال: ان ما فعله العبد ناسيا او مخطيا من محظورات الصلاة، والصيام، والحج لا يبطل العبادة، كالكلام ناسيا، والاكل ناسيا، واللباس، والطيب ناسيا، وكذلك اذا فعل المحلوف عليه ناسيا.

وفي هذه المسايل نزاع، وتفصيل ليس هذا موضعه، وانما المقصود التنبيه على ان النجاسة من باب ترك المنهي عنه وحينيذ فاذا زال الخبث باي طريق كان، حصل المقصود، لكن ان زال بفعل العبد ونيته، اثيب على ذلك، والا ان عدم بغير فعله ولا نيته زالت المفسدة، ولم يكن له ثواب، ولم يكن عليه عقاب.

What's Your Reaction?

like
0
dislike
0
love
0
funny
0
angry
0
sad
0
wow
0