مسالة ليس لاحد من الناس ان يختص بشيء من المسجد

مسالة ليس لاحد من الناس ان يختص بشيء من المسجد

مسالة ليس لاحد من الناس ان يختص بشيء من المسجد
131 - 47

مسالة:

في عن جماعة نازلين في الجامع مقيمين ليلا ونهارا واكلهم وشربهم ونومهم وقماشهم واثاثهم الجميع في الجامع، ويمنعون من ينزل عندهم من غير جنسهم.

وحكروا الجامع ثم ان جماعة دخلوا بعض المقاصير يقرءون القران احتسابا فمنعهم بعض المجاورين وقال هذا موضعنا.

فهل يجوز ذلك؟ افتونا ماجورين.

الجواب::

الحمد لله.

ليس لاحد من الناس ان يختص بشيء من المسجد بحيث يمنع غيره منه دايما؛ بل قد «نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ايطان كايطان البعير» .

قال العلماء: معناه ان يتخذ الرجل مكانا من المسجد لا يصلي الا فيه، فاذا كان ليس له ملازمة مكان بعينه للصلاة كيف بمن يتحجر بقعة دايما.

هذا لو كان انما يفعل فيها ما يبنى له المسجد من الصلاة والذكر ونحو ذلك، فكيف اذا اتخذ المسجد بمنزلة البيوت فيه اكله وشربه ونومه وساير احواله التي تشتمل على ما لم تبن المساجد له دايما؛ فان هذا يمنع باتفاق المسلمين، فانما وقعت الرخصة في بعض ذلك لذوي الحاجة، مثل ما كان اهل الصفة: كان الرجل ياتي مهاجرا الى المدينة، وليس له مكان ياوي اليه، فيقيم بالصفة الى ان يتيسر له اهل او مكان ياوي اليه ثم ينتقل.

ومثل المسكينة التي كانت تاوي الى المسجد، وكانت تقمه.

ومثل ما كان ابن عمر يبيت في المسجد، وهو عزب؛ لانه لم يكن له بيت ياوي اليه حتى تزوج.

ومن هذا الباب علي بن ابي طالب: لما تقاول هو وفاطمة ذهب الى المسجد فنام فيه.

فيجب الفرق بين الامر اليسير، وذوي الحاجات وبين ما يصير عادة ويكثر، وما يكون لغير ذوي الحاجات؛ ولهذا قال ابن عباس: لا تتخذوا المسجد بيتا ومقيلا.

هذا ولم يفعل فيه الا النوم، فكيف ما ذكر من الامور؟ ، والعلماء قد تنازعوا في المعتكف هل ينبغي له ان ياكل في المسجد، او في بيته، مع انه مامور بملازمة المسجد، وان لا يخرج منه الا لحاجة، والايمة كرهوا اتخاذ المقاصير في المسجد، لما احدثها بعض الملوك؛ لاجل الصلاة خاصة، واوليك انما كانوا يصلون فيها خاصة.

فاما اتخاذها للسكنى والمبيت وحفظ القماش والمتاع فيها فما علمت مسلما ترخص في ذلك، فان هذا يجعل المسجد بمنزلة الفنادق التي فيها مساكن متحجرة، والمسجد لا بد ان يكون مشتركا بين المسلمين، لا يختص احد بشيء منه، الا بمقدار لبثه للعمل المشروع فيه، فمن سبق الى بقعة من المسجد لصلاة او قراءة او ذكر او تعلم علم او اعتكاف ونحو ذلك فهو احق به حتى يقضي ذلك العمل، ليس لاحد اقامته منه؛ فان النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى ان يقام الرجل من مجلسه، ولكن يوسع ويفسح.

واذا انتقض وضوءه ثم عاد فهو احق بمكانه، فان النبي - صلى الله عليه وسلم - سن ذلك.

قال: «اذا قام الرجل عن مجلسه ثم عاد اليه فهو احق به» .

واما ان يختص بالمقام والسكنى فيه، كما يختص الناس بمساكنهم، فهذا من اعظم المنكرات باتفاق المسلمين.

وابلغ ما يكون من المقام في المسجد مقام المعتكف، كما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يعتكف في المسجد، وكان يحتجر له حصيرا فيعتكف فيه، وكان يعتكف في قبة وكذلك كان الناس يعتكفون في المساجد، ويضربون لهم فيه القباب فهذا مدة الاعتكاف خاصة، والاعتكاف عبادة شرعية، وليس للمعتكف ان يخرج من المسجد الا لما لا بد منه، والمشروع له ان لا يشتغل الا بقربة الى الله، والذي يتخذه سكنا ليس معتكفا بل يشتمل على فعل المحظور، وعلى المنع من المشروع، فان من كان بهذه الحال منع الناس من ان يفعلوا في تلك البقعة ما بني له المسجد من صلاة وقراءة وذكر، كما في الاستفتاء ان بعضهم يمنع من يقرا القران في تلك البقعة، كغيره من القراء، والذي فعله هذا الظالم منكر من وجوه: احدها: اتخاذ المسجد مبيتا ومقيلا، وسكنا كبيوت الخانات، والفنادق.

والثاني: منعه من يقرا القران حيث يشرع.

والثالث: منع بعض الناس دون بعض، فان احتج بان اوليك يقرءون لاجل الوقف الموقوف عليهم، وهذا ليس من اهل الوقف، كان هذا العذر اقبح من المنع، لان من يقرا القران محتسبا اولى بالمعاونة ممن يقروه لاجل الوقف، وليس للواقف ان يغير دين الله وليس بمجرد وقفه يصير لاهل الوقف في المسجد حق لم يكن لهم قبل ذلك ولهذا لو اراد الواقف ان يحتجر بقعة من المسجد لاجل وقفه بحيث يمنع غيره منها لم يكن له ذلك، ولو عين بقعة من المسجد لما امر به من قراءة او تعليم ونحو ذلك لم تتعين تلك البقعة، كما لا تتعين في النذر؛ فان الانسان لو نذر ان يصلي ويعتكف في بقعة من المسجد لم تتعين تلك البقعة، وكان له ان يصلي ويعتكف في ساير بقاع المسجد عند عامة اهل العلم، لكن هل عليه كفارة يمين؟ على وجهين في مذهب احمد.

واما الايمة الثلاثة فلا يوجبون عليه كفارة.

وهذا لانه لا يجب بالنذر الا ما كان طاعة بدون النذر، والا فالنذر لا يجعل ما ليس بعبادة عبادة، والناذر ليس عليه ان يوقف الا ما كان طاعة لله، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «من نذر ان يطيع الله فليطعه، ومن نذر ان يعصي الله فلا يعصه» .

ولهذا لو نذر حراما او مكروها او مباحا مستوي الطرفين، لم يكن عليه الوفاء به.

وفي الكفارة قولان اوجبها في المشهور احمد، ولم يوجبها الثلاثة.

وكذلك شرط الواقف والبايع وغيرهما.

كما قال النبي: «ما بال رجال يشترطون شروطا ليست في كتاب الله؟ من اشترط شرطا ليس في كتاب الله فهو باطل وان كان ماية شرط، كتاب الله احق وشرط الله اوثق» .

وهذا كله لانه ليس لاحد ان يغير شريعته التي بعث بها رسوله، ولا يبتدع في دين الله ما لم ياذن به الله، ولا يغير احكام المساجد عن حكمها الذي شرع الله ورسوله.

والله اعلم.

What's Your Reaction?

like
0
dislike
0
love
0
funny
0
angry
0
sad
0
wow
0