مسالة محل النية في العبادات
مسالة محل النية في العبادات

او غيرها؟ او قال: ان صلاة الجاهر افضل من صلاة الخافت.
اماما كان او ماموما او منفردا، وهل التلفظ بها واجب ام لا؟ او قال احد من الايمة الاربعة او غيرهم من ايمة المسلمين: ان لم يتلفظ بالنية بطلت صلاته؟ .
واذا كانت غير واجبة، فهل يستحب التلفظ بها؟ وما السنة التي كان عليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والخلفاء الراشدون؟ واذا اصر على الجهر بها معتقدا ان ذلك مشروع: فهل هو مبتدع مخالف لشريعة الاسلام؟ ام لا؟ وهل يستحق التعزير على ذلك اذا لم ينته؟ وابسطوا لنا الجواب.
اجاب: الحمد لله.
محل النية القلب دون اللسان، باتفاق ايمة المسلمين في جميع العبادات: الصلاة والطهارة والزكاة والحج والصيام والعتق والجهاد، وغير ذلك.
ولو تكلم بلسانه بخلاف ما نوى في قلبه كان الاعتبار بما نوى بقلبه، لا باللفظ، ولو تكلم بلسانه ولم تحصل النية في قلبه لم يجزي ذلك باتفاق ايمة المسلمين.
فان النية هي من جنس القصد؛ ولهذا تقول العرب نواك الله بخير: اي قصدك بخير.
وقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «انما الاعمال بالنيات، وانما لكل امري ما نوى؛ فمن كانت هجرته الى الله ورسوله فهجرته الى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها او امراة يتزوجها فهجرته الى ما هاجر اليه» مراده - صلى الله عليه وسلم - بالنية النية التي في القلب؛ دون اللسان باتفاق ايمة المسلمين: الايمة الاربعة، وغيرهم.
وسبب الحديث يدل على ذلك، فان سببه ان رجلا هاجر من مكة الى المدينة ليتزوج امراة يقال لها: ام قيس، فسمي مهاجر ام قيس.
فخطب النبي - صلى الله عليه وسلم - على المنبر، وذكر هذا الحديث.
وهذا كان نيته في قلبه.
والجهر بالنية لا يجب ولا يستحب باتفاق المسلمين؛ بل الجاهر بالنية مبتدع مخالف للشريعة، اذا فعل ذلك معتقدا انه من الشرع: فهو جاهل ضال، يستحق التعزير، والا العقوبة على ذلك، اذا اصر على ذلك بعد تعريفه والبيان له، لا سيما اذا اذى من الى جانبه برفع صوته، او كرر ذلك مرة بعد مرة، فانه يستحق التعزير البليغ على ذلك، ولم يقل احد من المسلمين: ان صلاة الجاهر بالنية افضل من صلاة الخافت بها، سواء كان اماما او ماموما، او منفردا.
واما التلفظ بها سرا فلا يجب ايضا، عند الايمة الاربعة، وساير ايمة المسلمين، ولم يقل احد من الايمة: ان التلفظ بالنية واجب، لا في طهارة ولا في صلاة، ولا صيام، ولا حج.
ولا يجب على المصلي ان يقول بلسانه: اصلي الصبح، ولا اصلي الظهر، ولا العصر، ولا اماما ولا ماموما، ولا يقول بلسانه: فرضا ولا نفلا، ولا غير ذلك، بل يكفي ان تكون نيته في قلبه، والله يعلم ما في القلوب.
وكذلك نية الغسل من الجنابة والوضوء يكفي فيه نية القلب.
وكذلك نية الصيام في رمضان لا يجب على احد ان يقول: انا صايم غدا.
باتفاق الايمة: بل يكفيه نية قلبه.
والنية تتبع العلم، فمن علم ما يريد ان يفعله فلا بد ان ينويه، فاذا علم المسلم ان غدا من رمضان، وهو ممن يصوم رمضان، فلا بد ان ينوي الصيام، فاذا علم ان غدا العيد لم ينو الصيام تلك الليلة.
وكذلك الصلاة: فاذا علم ان الصلاة القايمة صلاة الفجر، او الظهر وهو يعلم انه يريد ان يصلي صلاة الفجر، او الظهر، فانه انما ينوي تلك الصلاة، لا يمكنه ان يعلم انها الفجر، وينوي الظهر.
وكذلك اذا علم انه يصلي اماما او ماموما؛ فانه لا بد ان ينوي ذلك، والنية تتبع العلم والاعتقاد اتباعا ضروريا، اذا كان يعلم ما يريد[ان] يفعله، فلا بد ان ينويه.
فاذا كان يعلم انه يريد ان يصلي الظهر وقد علم ان تلك الصلاة صلاة الظهر، امتنع ان يقصد غيرها، ولو اعتقد ان الوقت قد خرج اجزاته صلاته، باتفاق الايمة.
ولو اعتقد انه خرج فنوى الصلاة بعد الوقت، فتبين انها في الوقت اجزاته الصلاة باتفاق الايمة.
واذا كان قصده ان يصلي على الجنازة - اي جنازة كانت - فظنها رجلا، وكانت امراة، صحت صلاته بخلاف ما نوى.
واذا كان مقصوده ان لا يصلي الا على من يعتقده فلانا، وصلى على من يعتقد انه فلان، فتبين غيره، فانه هنا لم يقصد الصلاة على ذلك الحاضر.
والمقصود هنا: ان التلفظ بالنية لا يجب عند احد من الايمة: ولكن بعض المتاخرين خرج وجها في مذهب الشافعي بوجوب ذلك، وغلطه جماهير اصحاب الشافعي، وكان غلطه ان الشافعي قال: لا بد من النطق في اولها، فظن هذا الغالط ان الشافعي اراد النطق بالنية، فغلطه اصحاب الشافعي جميعهم، وقالوا: انما اراد النطق بالتكبير، لا بالنية.
ولكن التلفظ بها هل هو مستحب؟ ام لا؟ هذا فيه قولان معروفان للفقهاء.
منهم من استحب التلفظ بها، كما ذكر ذلك من ذكره من اصحاب ابي حنيفة والشافعي واحمد، وقالوا: التلفظ بها اوكد، واستحبوا التلفظ بها في الصلاة والصيام والحج، وغير ذلك.
ومنهم من لم يستحب التلفظ بها، كما قال ذلك من قاله من اصحاب مالك، واحمد، وغيرهما.
وهذا هو المنصوص عن مالك، واحمد، سيل تقول قبل التكبير شييا؟ قال: لا.
وهذا هو الصواب فان النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يكن يقول قبل التكبير شييا، ولم يكن يتلفظ بالنية، لا في الطهارة، ولا في الصلاة، ولا في الصيام، ولا في الحج.
ولا في غيرها من العبادات، ولا خلفاوه، ولا امر احدا ان يتلفظ بالنية بل قال لمن علمه الصلاة: كبر؛ كما في الصحيح عن عايشة - رضي الله عنها - قالت: «كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يستفتح الصلاة بالتكبير، والقراءة بالحمد لله رب العالمين» .
ولم يتلفظ قبل التكبير بنية، ولا غيرها، ولا علم ذلك احدا من المسلمين.
ولو كان ذلك مستحبا لفعله النبي - صلى الله عليه وسلم - ولعلمه المسلمون.
وكذلك في الحج انما كان يستفتح الاحرام بالتلبية، وشرع للمسلمين ان يلبوا في اول الحج، «وقال - صلى الله عليه وسلم - لضباعة بنت الزبير: حجي واشترطي، فقولي: لبيك اللهم لبيك، ومحلي حيث حبستني» فامرها ان تشترط بعد التلبية.
ولم يشرع لاحد ان يقول قبل التلبية شييا.
لا يقول: اللهم اني اريد العمرة والحج، ولا الحج والعمرة، ولا يقول: فيسره لي وتقبله مني، ولا يقول: نويتهما جميعا، ولا يقول: احرمت لله، ولا غير ذلك من العبادات كلها.
ولا يقول قبل التلبية شييا، بل جعل التلبية في الحج كالتكبير في الصلاة.
وكان هو واصحابه يقولون: فلان اهل بالحج، اهل بالعمرة، او اهل بهما جميعا.
كما يقال كبر للصلاة، والاهلال رفع الصوت بالتلبية وكان يقول في تلبيته: «لبيك حجا وعمرة» ينوي ما يريد[ان] يفعله بعد التلبية، لا قبلها.
وجميع ما احدثه الناس من التلفظ بالنية قبل التكبير، وقبل التلبية، وفي الطهارة، وساير العبادات فهي من البدع التي لم يشرعها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
وكل ما يحدث في العبادات المشروعة من الزيادات التي لم يشرعها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فهي بدعة بل كان - صلى الله عليه وسلم - يداوم في العبادات على تركها، ففعلها والمداومة عليها بدعة وضلالة من وجهين: من حيث اعتقاد المعتقد ان ذلك مشروع مستحب، اي يكون فعله خيرا من تركه، مع ان النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يكن يفعله البتة، فيبقى حقيقة هذا القول، انما فعلناه اكمل وافضل مما فعله رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
وقد سال رجل مالك بن انس عن الاحرام قبل الميقات، فقال: " اخاف عليك الفتنة، فقال له السايل: اي فتنة في ذلك؟ وانما زيادة اميال في طاعة الله عز وجل.
قال: واي فتنة اعظم من ان تظن في نفسك انك خصصت بفضل لم يفعله رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
وقد ثبت في الصحيحين انه قال: «من رغب عن سنتي فليس مني» فاي من ظن ان سنة افضل من سنتي، فرغب عما سنيته معتقدا ان ما رغب فيه افضل مما رغب عنه فليس مني؛ لان خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وسلم - كما في الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - انه كان يخطب بذلك يوم الجمعة.
فمن قال: ان هدى غير محمد - صلى الله عليه وسلم - افضل من هدى محمد فهو مفتون؛ بل ضال قال الله تعالى - اجلالا له وتثبيت حجته على الناس كافة - {فليحذر الذين يخالفون عن امره ان تصيبهم فتنة او يصيبهم عذاب اليم}[النور: 63] اي: وجيع.
وهو - صلى الله عليه وسلم - قد امر المسلمين باتباعه، وان يعتقدوا وجوب ما اوجبه، واستحباب ما احبه.
وانه لا افضل من ذلك.
فمن لم يعتقد هذا فقد عصى امره، وفي صحيح مسلم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - انه قال: «هلك المتنطعون - قالها ثلاثا -» اي: المشددون في غير موضع التشديد، وقال ابي بن كعب، وابن مسعود، اقتصاد في سنة خير من اجتهاد في بدعة.
ولا يحتج محتج بجمع التراويح، ويقول: " نعمت البدعة هذه " فانها بدعة في اللغة، لكونهم فعلوا ما لم يكونوا يفعلونه في حياة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مثل هذه، وهي سنة من الشريعة، وهكذا اخراج اليهود والنصارى من جزيرة العرب، ومصر الامصار كالكوفة والبصرة، وجمع القران في مصحف واحد، وفرض الديوان، وغير ذلك.
فقيام رمضان سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لامته، وصلى بهم جماعة عدة ليال، وكانوا على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلون جماعة وفرادى، لكن لم يداوم على جماعة واحدة ليلا يفترض عليهم، فلما مات - صلى الله عليه وسلم - استقرت الشريعة.
فلما كان عمر - رضي الله عنه - جمعهم على امام واحد، والذي جمعهم ابي بن كعب، جمع الناس عليها بامر عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - وعمر هو من الخلفاء الراشدين حيث يقول - صلى الله عليه وسلم -: «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ» يعني الاضراس؛ لانها اعظم في القوة.
وفي صحيح مسلم عن ابن عمر انه قال: «صلاة السفر ركعتان، فمن خالف السنة كفر» فاي من اعتقد ان الركعتين في السفر لا تجزي المسافر كفر.
والوجه الثاني: من حيث المداومة على خلاف ما داوم عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في العبادات، فان هذا بدعة باتفاق الايمة، وان ظن الظان ان في زيادته خيرا كما احدثه بعض المتقدمين من الاذان والاقامة في العيدين، فنهوا عن ذلك، وكرهه ايمة المسلمين، كما لو صلى عقيب السعي ركعتين قياسا على ركعتي الطواف، وقد استحب ذلك بعض المتاخرين من اصحاب الشافعي.
واستحب بعض المتاخرين من اصحاب احمد في الحاج اذا دخل المسجد الحرام ان يستفتح بتحية المسجد، فخالفوا الايمة والسنة، وانما السنة ان يستفتح المحرم بالطواف كما فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - لما دخل المسجد؛ بخلاف المقيم الذي يريد الصلاة فيه دون الطواف، فهذا اذا صلى تحية المسجد فحسن.
وفي الجملة: فان النبي - صلى الله عليه وسلم - قد اكمل الله له ولامته الدين، واتم به - صلى الله عليه وسلم - عليهم النعمة، فمن جعل عملا واجبا ما لم يوجبه الله ورسوله، او لم يكرهه الله ورسوله، فهو غالط.
فجماع ايمة الدين انه لا حرام الا ما حرمه الله ورسوله، ولا دين الا ما شرعه الله ورسوله، ومن خرج عن هذا وهذا فقد دخل في حرب من الله، فمن شرع من الدين ما لم ياذن به الله، وحرم ما لم يحرم الله ورسوله، فهو من دين اهل الجاهلية، المخالفين لرسوله، الذين ذمهم الله في سورة الانعام، والاعراف وغيرهما من السور، حيث شرعوا من الدين ما لم ياذن به الله.
فحرموا ما لم يحرمه الله، واحلوا ما حرمه الله، فذمهم الله وعابهم على ذلك.
فلهذا كان دين المومنين بالله ورسوله، ان الاحكام الخمسة: الايجاب والاستحباب، والتحليل، والكراهية، والتحريم، لا يوخذ الا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلا واجب الا ما اوجبه الله ورسوله، ولا حلال الا ما احله الله ورسوله.
فمن ذلك ما اتفق عليه ايمة الدين، ومنه ما تنازعوا فيه، فردوه الى الله ورسوله، كما قال تعالى: {يا ايها الذين امنوا اطيعوا الله واطيعوا الرسول واولي الامر منكم فان تنازعتم في شيء فردوه الى الله والرسول ان كنتم تومنون بالله واليوم الاخر ذلك خير واحسن تاويلا}[النساء: 59] .
فمن تكلم بجهل، وبما يخالف الايمة، فانه ينهى عن ذلك، ويودب على الاصرار، كما يفعل بامثاله من الجهال، ولا يقتدى في خلاف الشريعة باحد من ايمة الضلالة، وان كان مشهورا عنه العلم.
كما قال بعض السلف: لا تنظر الى عمل الفقيه، ولكن سله يصدقك والله اعلم.
والحمد لله.
What's Your Reaction?






