مسالة وطء الاماء الكتابيات بملك اليمين
مسالة وطء الاماء الكتابيات بملك اليمين

مسالة:
في الاماء الكتابيات، ما الدليل على وطيهن بملك اليمين من الكتاب والسنة والاجماع والاعتبار، وعلى تحريم الاماء المجوسيات، افتونا ماجورين؟الجواب::
الحمد لله رب العالمين.وطء الاماء الكتابيات بملك اليمين اقوى من وطيهن بملك النكاح عند عوام اهل العلم من الايمة الاربعة وغيرهم، ولم يذكر عن احد من السلف تحريم ذلك، كما نقل عن بعضهم المنع من نكاح الكتابيات، وان كان ابن المنذر قد قال: لم يصح عن احد من الاوايل انه حرم نكاحهن، ولكن التحريم هو قول الشيعة، ولكن في كراهة نكاحهن مع عدم الحاجة نزاع، والكراهة معروفة في مذهب مالك والشافعي واحمد، وكذلك كراهة وطء الاماء، فيه نزاع.
روي عن الحسن انه كرهه والكراهة في ذلك مبنية على كراهة التزوج، واما التحريم فلا يعرف عن احد، بل قد تنازع العلماء في جواز تزويج الامة الكتابية جوزه ابو حنيفة واصحابه، وحرمه مالك والشافعي، والليث، والاوزاعي، وعن احمد روايتان اشهرهما كالثاني، فان الله سبحانه انما اباح نكاح المحصنات من اهل الكتاب، بقوله تعالى: {والمحصنات من الذين اوتوا الكتاب من قبلكم}[المايدة: 5] الاية.
فاباح المحصنات منهم وقال في اية الاماء: {ومن لم يستطع منكم طولا ان ينكح المحصنات المومنات فمن ما ملكت ايمانكم من فتياتكم المومنات والله اعلم بايمانكم بعضكم من بعض}[النساء: 25] فانما اباح النساء المومنات، وليس هذا موضع بسط هذه المسالة.
واما الامة المجوسية فالكلام فيها ينبني على اصلين: احدهما: ان نكاح المجوسيات لا يجوز كما لا يجوز نكاح الوثنيات، وهذا مذهب الايمة الاربعة، وذكره الامام احمد عن خمسة من الصحابة في ذبايحهم ونسايهم، وجعل الخلاف في ذلك من جنس خلاف اهل البدع.
والاصل الثاني: ان من لا يجوز نكاحهن لا يجوز وطوهن بملك اليمين كالوثنيات، وهو مذهب مالك، والشافعي، واحمد وغيرهم، وحكي عن ابي ثور، انه قال: يباح وطء الاماء بملك اليمين على اي دين كن، واظن هذا يذكر عن بعض المتقدمين، فقد تبين ان في وطء الامة الوثنية نزاعا، واما الامة الكتابية فليس في وطيها مع اباحة التزوج بهن نزاع، بل في التزوج بها خلاف مشهور، وهذا كله مما يبين ان القول بجواز التزوج بهن مع المنع من التسري بهن لم يقله احد، ولا يقوله فقيه، وحينيذ فنقول الدليل على انه لا يحرم التسري بهن وجوه: احدها: ان الاصل الحل، ولم يقم على تحريمهن دليل من نص، ولا اجماع، ولا قياس، فبقي حل وطيهن على الاصل وذلك ان ما يستدل به من ينازع في حل نكاحهن بقوله: {ولا تنكحوا المشركات}[البقرة: 221] وقوله: {ولا تمسكوا بعصم الكوافر}[الممتحنة: 10] انما يتناول النكاح ولا يتناول الوطء بملك اليمين.
ومعلوم انه ليس في السنة ولا في القياس ما يوجب تحريمهن، فيبقى الحل على الاصل.
الثاني: ان قوله تعالى: {والذين هم لفروجهم حافظون}[المومنون: 5] {الا على ازواجهم او ما ملكت ايمانهم فانهم غير ملومين}[المومنون: 6] .
يقتضي عموم جواز الوطء بملك اليمين مطلقا، الا ما استثناه الدليل، حتى ان عثمان وغيره من الصحابة جعلوا مثل هذا النص متناولا للجمع بين الاختين، حين قالوا: احلتهما اية، وحرمتهما اية، فاذا كانوا قد جعلوا عاما في صورة حرم فيها النكاح فلا يكون عاما في صورة لا يحرم فيها النكاح اولى واحرى.
الثالث: ان يقال قد اجمع العلماء على حل ذلك كما ذكرناه، ولم يقل احد من المسلمين: انه يجوز نكاحهن، ويحرم التسري بهن، بل قد قيل: يحل الوطء في ملك اليمين، حيث يحرم الوطء في النكاح، وقيل: يجوز التزوج بهن، فعلم ان الامة مجمع على التسري بها، ولم يكن ارجح من حل النكاح، ولم يكن دونه فلو حرم التسري دون النكاح كان خلاف الاجماع.
الرابع: ان يقال: ان حل نكاحهن يقتضي حل التسري بهن من طريق الاولى والاحرى، وذلك ان كل من جاز وطوها بالنكاح جاز وطوها بملك اليمين بلا نزاع، واما العكس فقد تنازع فيه وذلك؛ لان ملك اليمين اوسع لا يقتصر فيه على عدد، والنكاح يقتصر فيه على عدد، وما حرم فيه الجمع بالنكاح قد نوزع في تحريم الجمع فيه بملك اليمين، وله ان يستمتع بملك اليمين مطلقا من غير اعتبار قسم ولا استيذان في عزل، ونحو ذلك مما حجر عليه فيه لحق الزوجة، وملك النكاح نوع رق، وملك اليمين رق تام.
واباح للمسلمين ان يتزوجوا اهل الكتاب، ولا يتزوج اهل الكتاب نساءهم؛ لان النكاح نوع رق، كما قال عمر: النكاح رق، فلينظر احدكم عند من يرق كريمته، وقال زيد بن ثابت: الزوج سيد في كتاب الله، وقرا قوله تعالى: {والفيا سيدها لدى الباب}[يوسف: 25] .
وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «اتقوا الله في النساء فانهن عوان عندكم» .
فجوز للمسلم ان يسترق هذه الكافرة، ولم يجوز للكافر ان يسترق هذه المسلمة؛ لان الاسلام يعلو ولا يعلى عليه، كما جوز للمسلم ان يملك الكافر ولم يجوز للكافر ان يملك المسلم، فاذا جواز وطيهن من ملك تام اولى واحرى.
يوضح ذلك ان المانع اما الكفر واما الرق، وهذا الكفر ليس بمانع، والرق ليس مانعا من الوطء بالملك، وانما يصلح ان يكون مانعا من التزوج، فاذا كان المقتضي للوطء قايما، والمانع منتفيا جاز الوطء، فهذا الوجه مشتمل على قياس التمثيل، وعلى قياس الاولى، ويخرج منه وجه رابع يجعل قياس التعليل، فيقال: الرق مقتضى لجواز وطء المملوكة، كما نبه النص على هذه العلة كقوله: {او ما ملكت ايمانكم}[النساء: 3] وانما يمتنع الوطء بسبب يوجب التحريم، بان تكون محرمة بالرضاع او بالطهر او بالشرك ونحو ذلك، وهذا ليس فيها ما يصلح للمنع الا كونها كتابية، وهذا ليس بمانع، فاذا كان المقتضي للحل قايما، والمانع المذكور لا يصلح ان يكون معارضا، وجب العمل بالمقتضي السالم عن المعارض المقاوم، وهذه الوجوه بعد تمام تصورها توجب القطع بالحل.
الوجه الخامس: ان من تدبر سير الصحابة، والسلف على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - والصحابة، وجد اثارا كثيرة تبين انهم لم يكونوا يجعلون ذلك مانعا، بل هذه كانت سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - وسنة خلفايه، مثل الذي كانت له ام ولد، وكانت تسب النبي - صلى الله عليه وسلم - فقام يقتلها، وقد روى حديثها ابو داود وغيره، وهذه لم تكن مسلمة، لكن هذه القصة قد يقال: انه لا حجة فيها؛ لانها كانت في اوايل مقدم النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة، ولم يكن حينيذ يحرم نكاح المشركات، وانما ثبت التحريم بعد الحديبية، لما انزل الله تعالى: {ولا تمسكوا بعصم الكوافر}[الممتحنة: 10] ، وطلق عمر امراته كانت بمكة.
واما الاية التي في البقرة فلا يعلم تاريخ نزولها، وفي البقرة ما نزل متاخرا كايات الزنا، وفيها ما نزل متقدما كايات الصيام، ومثل ما روي ان «النبي - صلى الله عليه وسلم - لما اراد غزوة تبوك، قال للحر بن قيس: هل لك في نساء بني الاصفر فقال: ايذن لي ولا تفتني، ومثل فتحه لخيبر، وقسمه للرقيق، ولم ينه المسلمين عن وطيهن حتى يسلمن» ، كما امرهم بالاستبراء.
بل من يبيح وطء الوثنيات بملك اليمين قد يستدل بما جرى يوم اوطاس من قوله: «لا توطا حامل حتى تضع، ولا غير ذات حمل حتى تستبرا بحيضة» على جواز وطء الوثنيات بملك اليمين، وفي هذا كلام ليس هذا موضعه، والصحابة لما فتحوا البلاد لم يكونوا يمتنعون عن وطء النصرانيات.
فصل واما المجوسية، فقد ذكرنا ان الكلام فيها مبني على اصلين: احدهما: ان المجوس لا تحل ذبايحهم، ولا تنكح نساوهم، والدليل على هذا وجوه: احدها: ان يقال: ليسوا من اهل الكتاب، ومن لم يكن من اهل الكتاب لم يحل طعامه ولا نساوه، اما المقدمة الاولى ففيها نزاع شاذ، فالدليل عليها انه سبحانه قال: {وهذا كتاب انزلناه مبارك فاتبعوه واتقوا لعلكم ترحمون - ان تقولوا انما انزل الكتاب على طايفتين من قبلنا وان كنا عن دراستهم لغافلين}[الانعام: 155 - 156] .
فتبين انه انزل القران كراهة ان يقولوا ذلك، ومنعا لان يقولوا ذلك، ودفعا لان يقولوا ذلك، فلو كان قد انزل على اكثر من طايفتين لكان هذا القول كذبا، فلا يحتاج الى مانع من قوله.
وايضا فانه قال: {ان الذين امنوا والذين هادوا والصابيين والنصارى والمجوس والذين اشركوا ان الله يفصل بينهم يوم القيامة}[الحج: 17] فذكر الملل الست وذكر انه يفصل بينهم يوم القيامة.
ولما ذكر الملل التي فيها سعيد قال: {ان الذين امنوا والذين هادوا والنصارى والصابيين من امن بالله واليوم الاخر وعمل صالحا}[البقرة: 62] في موضعين، فلم يذكر المجوس ولا المشركين، فلو كان في هاتين الملتين سعيد في الاخرة، كما في الصابيين واليهود والنصارى لذكرهم، فلو كان لهم كتاب لكانوا قبل النسخ والتبديل على هدى، وكانوا يدخلون الجنة اذا عملوا بشريعتهم، كما كان اليهود والنصارى قبل النسخ والتبديل، فلما لم يذكر المجوس في هولاء، علم انه ليس لهم كتاب، بل ذكر الصابيين دونهم، مع ان الصابيين ليس لهم كتاب الا ان يدخلوا في دين احد من اهل الكتابين، وهو دليل على ان المجوس ابعد عن الكتاب منهم.
وايضا: ففي المسند، والترمذي، وغيرهما من كتب الحديث، والتفسير، والمغازي، الحديث المشهور: «لما اقتتلت فارس والروم، وانتصرت الفرس، ففرح بذلك المشركون؛ لانهم من جنسهم ليس لهم كتاب، واستبشر بذلك اصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ لكون النصارى اقرب اليهم، لان لهم كتابا، وانزل الله تعالى: { الم}[الروم: 1] {غلبت الروم}[الروم: 2] {في ادنى الارض وهم من بعد غلبهم سيغلبون}[الروم: 3] {في بضع سنين}[الروم: 4] » .
وهذا يبين ان المجوس لم يكونوا عند النبي - صلى الله عليه وسلم - واصحابه لهم كتاب، وايضا ففي حديث الحسن بن محمد ابن الحنفية وغيره من التابعين، ان «النبي - صلى الله عليه وسلم - اخذ الجزية من المجوس، وقال: سنوا بهم سنة اهل الكتاب غير ناكحي نسايهم ولا اكلي ذبايحهم» .
وهذا مرسل، وعن خمسة من الصحابة توافقه، ولم يعرف عنهم خلاف.
واما حذيفة فذكر احمد انه تزوج بيهودية، وقد عمل بهذا المرسل عوام اهل العلم، والمرسل في احد قولي العلماء حجة كمذهب ابي حنيفة ومالك واحمد في احدى الروايتين عنه، وفي الاخر هو حجة اذا عضده قول جمهور اهل العلم، وظاهر القران او ارسل من وجه اخر، وهذا قول الشافعي، فمثل هذا المرسل حجة باتفاق العلماء، وهذا المرسل نص في خصوص المسالة غير محتاج الى ان يبنى على المقدمتين.
فان قيل: روي عن علي انه كان لهم كتاب، فرفع، قيل: هذا الحديث قد ضعفه احمد وغيره، وان صح فانه انما يدل على انه كان لهم كتاب فرفع، لا انه الان بايديهم كتاب، وحينيذ فلا يصح ان يدخلوا في لفظ اهل الكتاب، اذ ليس بايديهم كتاب لا مبدل ولا غير مبدل، ولا منسوخ ولا غير منسوخ، ولكن اذا كان لهم كتاب ثم رفع بقي لهم شبهة كتاب، وهذا القدر يوثر في حقن دمايهم بالجزية اذا قيدت باهل الكتاب.
واما الفروج والذبايح فحلها مخصوص باهل الكتاب، وقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «سنوا بهم سنة اهل الكتاب» .
دليل على انهم ليسوا من اهل الكتاب، وانما امر ان يسن بهم سنتهم في اخذ الجزية خاصة، كما فعل ذلك الصحابة، فانهم لم يفهموا من هذا اللفظ الا هذا الحكم، وقد روي مقيدا: «غير ناكحي نسايهم ولا اكلي ذبايحهم» .
فمن جوز اخذ الجزية من اهل الاوثان قاس عليهم غيرهم في الجزية، ومن خصهم بذلك قال: ان لهم شبهة كتاب بخلاف غيرهم.
والدماء تعصم بالشبهات ولا تحل الفروج والذبايح بالشبهات، ولهذا لما تنازع علي وابن عباس في ذبايح بني تغلب قال علي: انهم لم يتمسكوا من النصرانية الا بشرب الخمر، وقرا ابن عباس قوله تعالى: {ومن يتولهم منكم فانه منهم}[المايدة: 51] فعلي - رضي الله عنه - منع من ذبايحهم مع عصمة ذبايحهم، وهو الذي روى حديث كتاب المجوس، فعلم ان التشبه باهل الكتاب في بعض الامور يقتضي حقن الدماء دون الذبايح والنساء.
What's Your Reaction?






