مسالة الفرق بين الطلاق والحلف
مسالة الفرق بين الطلاق والحلف

مسالة:
سيل شيخ الاسلام - رحمه الله -، عن الفرق بين الطلاق، والحلف وايضاح الحكم في ذلك؟ فاجاب: الحمد لله رب العالمين.واشهد ان لا اله الا الله، وان محمدا عبده ورسوله - صلى الله عليه واله وصحبه وسلم -.
الصيغ التي يتكلم بها الناس في الطلاق والعتاق والنذر والظهار والحرام، ثلاثة انواع: النوع الاول: صيغة التنجيز، مثل ان يقول: امراتي طالق.
او: انت طالق.
او: فلانة طالق.
او هي مطلقة.
ونحو ذلك: فهذا يقع به الطلاق، ولا تنفع فيه الكفارة باجماع المسلمين.
ومن قال: ان هذا فيه كفارة فانه يستتاب، فان تاب والا قتل.
وكذلك اذا قال: عبدي حر.
او علي صيام شهر.
او: عتق رقبة.
او: الحل علي حرام.
او: انت علي كظهر امي؛ فهذه كلها ايقاعات لهذه العقود بصيغ التنجيز والاطلاق.
والنوع الثاني: ان يحلف بذلك، فيقول: الطلاق يلزمني لافعلن كذا.
او لا افعل كذا.
او يحلف على غيره - كعبده وصديقه الذي يرى انه يبر قسمه - ليفعلن كذا.
او لا يفعل كذا.
او يقول: الحل علي حرام لافعلن كذا.
او لا افعله.
او يقول: علي الحج لافعلن كذا.
او لا افعله، ونحو ذلك: فهذه صيغ قسم، وهو حالف بهذه الامور؛ لا موقع لها.
وللعلماء في هذه الايمان ثلاثة اقوال: احدها: انه اذا حنث لزمه ما حلف به.
والثاني: لا يلزمه شيء.
والثالث: يلزمه كفارة يمين.
ومن العلماء من فرق بين الحلف والطلاق والعتاق وغيرها.
والقول الثالث اظهر الاقوال؛ لان الله تعالى قال: {قد فرض الله لكم تحلة ايمانكم}[التحريم: 2] .
وقال: {ذلك كفارة ايمانكم اذا حلفتم}[المايدة: 89] .
وثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في صحيح مسلم، وغيره، من حديث ابي هريرة، وعدي بن حاتم، وابي موسى، انه قال: «ومن حلف على يمين فراى غيرها خيرا منها، فليات الذي هو خير، وليكفر عن يمينه» .
وجاء هذا المعنى في الصحيحين من حديث ابي هريرة، وابي موسى؛ وعبد الرحمن بن سمرة.
وهذا يعم جميع ايمان المسلمين، فمن حلف بيمين من ايمان المسلمين وحنث اجزاته كفارة يمين.
ومن حلف بايمان الشرك: مثل ان يحلف بتربة ابيه؛ او الكعبة، او نعمة السلطان، او حياة الشيخ، او غير ذلك من المخلوقات: فهذه اليمين غير منعقدة، ولا كفارة فيها اذا حنث باتفاق اهل العلم.
والنوع الثالث: من الصيغ: ان يعلق الطلاق او العتاق او النذر بشرط؛ فيقول: ان كان كذا فعلي الطلاق.
او الحج.
او فعبيدي احرار.
ونحو ذلك: فهذا ينظر الى مقصوده، فان كان مقصوده ان يحلف بذلك ليس غرضه وقوع هذه الامور - كمن ليس غرضه وقوع الطلاق اذا وقع الشرط - فحكمه حكم الحالف؛ وهو من باب اليمين.
واما ان كان مقصوده وقوع هذه الامور: كمن غرضه وقوع الطلاق عند وقوع الشرط: مثل ان يقول لامراته: ان ابراتني من طلاقك فانت طالق.
فتبريه.
او يكون غرضه انها اذا فعلت فاحشة ان يطلقها، فيقول: اذا فعلت كذا فانت طالق؛ بخلاف من كان غرضه ان يحلف عليها ليمنعها؛ ولو فعلته لم يكن له غرض في طلاقها، فانها تارة يكون طلاقها اكره اليه من الشرط، فيكون حالفا.
وتارة يكون الشرط المكروه اكره اليه من طلاقها.
فيكون موقعا للطلاق اذا وجد ذلك الشرط، فهذا يقع به الطلاق، وكذلك ان قال: ان شفى الله مريضي فعلي صوم شهر، فشفي، فانه يلزمه الصوم.
فالاصل في هذا: ان ينظر الى مراد المتكلم ومقصوده، فان كان غرضه ان تقع هذه الامور وقعت منجزة او معلقة اذا قصد وقوعها عند وقوع الشرط.
وان كان مقصوده ان يحلف بها؛ وهو يكره وقوعها اذا حنث وان وقع الشرط فهذا حالف بها؛ لا موقع لها، فيكون قوله من باب اليمين؛ لا من باب التطليق، والنذر، فالحالف هو الذي يلتزم ما يكره وقوعه عند المخالفة، كقوله: ان فعل كذا فانا يهودي؛ او نصراني، ونسايي طوالق، وعبيدي احرار، وعلي المشي الى بيت الله.
فهذا ونحوه يمين؛ بخلاف من يقصد وقوع الجزاء من ناذر ومطلق ومعلق فان ذلك يقصد ويختار لزوم ما التزمه، وكلاهما ملتزم، لكن هذا الحالف يكره وقوع اللازم وان وجد الشرط الملزوم، كما اذا قال: ان فعلت كذا فانا يهودي او نصراني، فان هذا يكره الكفر، ولو وقع الشرط: فهذا حالف.
والموقع يقصد وقوع الجزاء اللازم عند وقوع الشرط الملزوم؛ سواء كان الشرط مرادا له، او مكروها، او غير مراد له: فهذا موقع ليس بحالف.
وكلاهما ملتزم معلق؛ لكن هذا الحالف يكره وقوع اللازم.
والفرق بين هذا وهذا ثابت عن اصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واكابر التابعين، وعليه دل الكتاب والسنة، وهو مذهب جمهور العلماء.
كالشافعي، واحمد، وغيرهما: في تعليق النذر.
قالوا: اذا كان مقصوده النذر فقال: لين شفى الله مريضي فعلي الحج.
فهو ناذر اذا شفى الله مريضه لزمه الحج فهذا حالف تجزيه كفارة يمين، ولا حج عليه.
وكذلك قال اصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: مثل ابن عمر، وابن عباس، وعايشة، وام سلمة.
وزينب ربيبة النبي - صلى الله عليه وسلم - وغير واحد من الصحابة في من قال: ان فعلت كذا فكل مملوك لي حر.
قالوا: " يكفر عن يمينه، ولا يلزمه العتق ".
هذا مع ان العتق طاعة وقربة؛ فالطلاق لا يلزمه بطريق الاولى، كما قال ابن عباس - رضي الله عنه - الطلاق عن وطر، والعتق ما ابتغي به وجه الله ".
ذكره البخاري في صحيحه.
بين ابن عباس ان الطلاق انما يقع بمن غرضه ان يوقعه؛ لا لمن يكره وقوعه، كالحالف به، والمكره عليه، وعن عايشة - رضي الله تعالى عنها - انها قالت: كل يمين وان عظمت فكفارتها كفارة اليمين بالله.
وهذا يتناول جميع الايمان: من الحلف بالطلاق، والعتاق، والنذر.
وغير ذلك.
والقول بان الحالف بالطلاق لا يلزمه الطلاق مذهب خلق كثير من السلف والخلف؛ لكن فيهم من لا يلزمه الكفارة: كداود، واصحابه.
ومنهم من يلزمه كفارة يمين: كطاوس، وغيره من السلف والخلف .
والايمان التي يحلف بها الخلق ثلاثة انواع: احدها: يمين محترمة منعقدة: كالحلف باسم الله تعالى: فهذه فيها الكفارة بالكتاب والسنة والاجماع.
الثاني: الحلف بالمخلوقات: كالحالف بالكعبة.
فهذه لا كفارة فيها باتفاق المسلمين.
والثالث: ان يعقد اليمين لله، فيقول: ان فعلت كذا فعلي الحج.
او مالي صدقة.
او فنسايي طوالق.
او فعبيدي احرار؛ ونحو ذلك، فهذه فيها الاقوال الثلاثة المتقدمة: اما لزوم المحلوف به، واما الكفارة، واما لا هذا ولا هذا.
وليس في حكم الله ورسوله الا يمينان: يمين من ايمان المسلمين ففيها الكفارة.
او يمين ليست من ايمان المسلمين: فهذه لا شيء فيها اذا حنث.
فهذه الايمان ان كانت من ايمان المسلمين ففيها كفارة؛ وان لم تكن من ايمان المسلمين لم يلزم بها شيء.
فاما اثبات يمين يلزم الحالف بها ما التزمه، ولا تجزيه فيها كفارة: فهذا ليس في دين المسلمين؛ بل هو مخالف للكتاب والسنة.
والله تعالى ذكر في سورة التحريم حكم ايمان المسلمين.
وذكر في السورة التي قبلها حكم طلاق المسلمين فقال في سورة التحريم: {يا ايها النبي لم تحرم ما احل الله لك تبتغي مرضات ازواجك والله غفور رحيم}[التحريم: 1] {قد فرض الله لكم تحلة ايمانكم والله مولاكم وهو العليم الحكيم}[التحريم: 2] .
وقال في سورة الطلاق: {يا ايها النبي اذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن واحصوا العدة واتقوا الله ربكم لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن الا ان ياتين بفاحشة مبينة وتلك حدود الله ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك امرا - فاذا بلغن اجلهن فامسكوهن بمعروف او فارقوهن بمعروف واشهدوا ذوي عدل منكم واقيموا الشهادة لله ذلكم يوعظ به من كان يومن بالله واليوم الاخر ومن يتق الله يجعل له مخرجا}[الطلاق: 1 - 2] {ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه ان الله بالغ امره قد جعل الله لكل شيء قدرا}[الطلاق: 3] فهو سبحانه بين في هذه السورة حكم الطلاق، وبين في تلك حكم ايمان المسلمين.
وعلى المسلمين ان يعرفوا حدود ما انزل الله على رسوله، فيعرفوا ما يدخل في الطلاق وما يدخل في ايمان المسلمين، ويحكموا في هذا بما حكم الله ورسوله، ولا يتعدوا حدود الله فيجعلوا حكم ايمان المسلمين، وحكم طلاقهم حكم ايمانهم؛ فان هذا مخالف لكتاب الله وسنة رسوله.
وان كان قد اشتبه بعض ذلك على كثير من علماء المسلمين فقد عرف ذلك غيرهم من علماء المسلمين، والذين ميزوا بين هذا وهذا من الصحابة والتابعين هم اجل قدرا عند المسلمين ممن اشتبه عليه هذا وهذا، وقد قال الله تعالى: {يا ايها الذين امنوا اطيعوا الله واطيعوا الرسول واولي الامر منكم فان تنازعتم في شيء فردوه الى الله والرسول ان كنتم تومنون بالله واليوم الاخر ذلك خير واحسن تاويلا}[النساء: 59] .
فما تنازع فيه المسلمون وجب رده الى الكتاب والسنة.
والاعتبار - الذي هو اصح القياس واجلاه - انما يدل على قول من فرق بين هذا وهذا، مع ما في ذلك من صلاح المسلمين في دينهم ودنياهم اذا فرقوا بين ما فرق الله ورسوله بينه، فان الذين لم يفرقوا بين هذا وهذا اوقعهم هذا الاشتباه: اما في اصار واغلال، واما في مكر واحتيال: كالاحتيال في الفاظ الايمان، والاحتيال بطلب افساد النكاح، والاحتيال بدور الطلاق والاحتيال بخلع اليمين، والاحتيال بالتحليل.
والله اغنى المسلمين بنبيهم الذي قال الله فيه: {يامرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبايث ويضع عنهم اصرهم والاغلال التي كانت عليهم}[الاعراف: 157] .
اي يخلصهم من الاصار والاغلال؛ ومن الدخول في منكرات اهل الحيل.
والله تعالى اعلم.
What's Your Reaction?






