مسالة هل يجوز لعامل القراض ان ينفق على نفسه من مال القراض
مسالة هل يجوز لعامل القراض ان ينفق على نفسه من مال القراض

مسالة:
هل يجوز للعامل في القراض ان ينفق على نفسه من مال القارض حضرا وسفرا؟ واذا جاز، هل يجوز ان يبسط لذيذ الاكل والتنعمات منه ام يقتصر على كفايته المعتادة؟الجواب::
الحمد لله رب العالمين، ان كان بينهما شرط في النفقة جاز ذلك وكذلك ان كان هناك عرف وعادة معروفة بينهم واطلق العقد، فانه يحمل على تلك العادة، واما بدون ذلك فانه لا يجوز.ومن العلماء من يقول: له النفقة مطلقا وان لم يشترط، كما يقوله ابو حنيفة ومالك والشافعي في قول، والمشهور ان لا نفقة بحال، ولو شرطها وحيث كانت له النفقة فليس له النفقة الا بالمعروف، واما البسط الخارج عن المعروف فيكون محسوبا عليه.
644 - 25 -
مسالة:
في رجل خطب امراة فسال عن نفقته، فقيل له من الجهات السلطانية شيء؟ فابى الولي تزويجها، فذكر الخاطب ان فقهاء الحنفية جوزوا تناول ذلك، فهل ذكر ذلك احد في جواز تناوله من الجهات؟ وهل للولي المذكور دفع الخاطب بهذا السبب مع رضاء المخطوبة؟الجواب::
اما الفقهاء الايمة الذين يفتى بقولهم، فلم يذكر احد منهم جواز ذلك، ولكن في اوايل الدولة السلجوقية افتى طايفة من الحنفية والشافعية بجواز ذلك، وحكى ابو محمد بن حزم في كتابه اجماع العلماء على تحريم ذلك، وقد كان نور الدين محمود الشهيد التركي قد ابطل جميع الوظايف المحدثة بالشام والجزيرة ومصر والحجاز، وكان اعرف الناس بالجهاد، وهو الذي اقام الاسلام بعد استيلاء الافرنج والقرامطة على اكثر من ذلك، ومن فعل ما يعتقد حكمه متاولا تاويلا سايغا، لا سيما مع حاجته لم يجعل فاسقا بمجرد ذلك.لكن بكل حال فالولي له ان يمنع موليته ممن يتناول مثل هذا الرزق الذي يعتقده حراما سيما وان رزقها منه، فاذا كان الزوج يطعمها من غيره او تاكل هي من غيره فله ان يزوجها اذا كان الزوج متاولا فيما ياكله.
مسالة:
في قوله تعالى: {والوالدات يرضعن اولادهن حولين كاملين لمن اراد ان يتم الرضاعة وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف لا تكلف نفس الا وسعها}[البقرة: 233] الى قوله: {واعلموا ان الله بما تعملون بصير}[البقرة: 233] .مع قوله: {وان كن اولات حمل فانفقوا عليهن حتى يضعن حملهن فان ارضعن لكم فاتوهن اجورهن}[الطلاق: 6] الى قوله: {سيجعل الله بعد عسر يسرا}[الطلاق: 7] .
في ذلك انواع من الاحكام بعضها مجمع عليه، وبعضها متنازع فيه.
واذا تدبرت كتاب الله تبين انه يفصل النزاع بين من يحسن الرد اليه، وان من لم يهتد الى ذلك؛ فهو اما لعدم استطاعته، فيعذر.
او لتفريطه فيلام.
وقوله تعالى: {حولين كاملين لمن اراد ان يتم الرضاعة}[البقرة: 233] يدل على ان هذا تمام الرضاعة، وما بعد ذلك فهو غذاء من الاغذية.
وبهذا يستدل من يقول: الرضاع بعد الحولين بمنزلة رضاع الكبير.
وقوله: {حولين كاملين}[البقرة: 233] يدل على ان لفظ " الحولين " يقع على حول وبعض اخر.
وهذا معروف في كلامهم، يقال: لفلان عشرون عاما اذا اكمل ذلك.
قال الفراء والزجاج وغيرهما: لما جاز ان يقول: " حولين " ويريد اقل منهما، كما قال تعالى: {فمن تعجل في يومين}[البقرة: 203] .
ومعلوم انه يتعجل في يوم وبعض اخر؛ وتقول: لم ار فلانا يومين.
وانما تريد يوما وبعض اخر.
قال: {كاملين} ليبين انه لا يجوز ان ينقص منهما.
وهذا بمنزلة قوله تعالى: {تلك عشرة كاملة}[البقرة: 196] ، فان لفظ " العشرة " يقع على تسعة وبعض العاشر.
فيقال: اقمت عشرة ايام.
وان لم يكملها.
فقوله هناك {كاملة} بمنزلة قوله هنا {كاملين} .
وفي الصحيحين: عن النبي - صلى الله عليه وسلم - انه: قال «الخازن الامين الذي يعطي ما امر به كاملا موفورا طيبة به نفسه احد المتصدقين» .
فالكامل الذي لم ينقص منه شيء؛ اذ الكمال ضد النقصان.
واما الموفر " فقد قال: اجرهم موفرا.
يقال: الموفر.
للزايد؛ ويقال: لم يكلم.
اي يجرح، كما جاء في الحديث الذي رواه الامام احمد في " كتاب الزهد «عن وهب بن منبه: ان الله تعالى قال لموسى: وما ذاك لهوانهم علي ولكن ليستكملوا نصيبهم من كرامتي سالما موفرا؛ لم تكلمه الدنيا ولم تكلمه نطعة الهوى» .
وكان هذا تغيير الصفة، وذاك نقصان القدر.
وذكر " ابو الفرج " هل هو عام في جميع الوالدات؟ او يختص بالمطلقات؟ على قولين.
والخصوص قول سعيد بن جبير، ومجاهد، والضحاك، والسدي، ومقاتل، في اخرين.
والعموم قول ابي سليمان الدمشقي والقاضي ابي يعلى في اخرين.
قال القاضي: ولهذا نقول: لها ان توجر نفسها لرضاع ولدها، سواء كانت مع الزوج، او مطلقة.
قلت: الاية حجة عليهم؛ فانها اوجبت للمرضعات رزقهن وكسوتهن بالمعروف؛ لا زيادة على ذلك، وهو يقول: توجر نفسها باجرة غير النفقة.
والاية لا تدل على هذا؛ بل اذا كانت الاية عامة دلت على انها ترضع ولدها مع انفاق الزوج عليها، كما لو كانت حاملا فانه ينفق عليها وتدخل نفقة الولد في نفقة الزوجية؛ لان الولد يتغذى بغذاء امه.
وكذلك في حال الرضاع فان نفقة الحمل هي نفقة المرتضع.
وعلى هذا فلا منافاة بين القولين؛ فالذين خصوه بالمطلقات اوجبوا نفقة جديدة بسبب الرضاع، كما ذكر في " سورة الطلاق " وهذا مختص بالمطلقة.
وقوله تعالى: {حولين كاملين}[البقرة: 233] قد علم ان مبدا الحول من حين الولادة والكمال الى نظير ذلك.
فاذا كان من عاشر المحرم كان الكمال في عاشر المحرم في مثل تلك الساعة؛ فان الحول المطلق هو اثنا عشر شهرا من الشهر الهلالي، كما قال تعالى: {ان عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله}[التوبة: 36] وهكذا ما ذكره من العدة اربعة اشهر وعشرا، اولها من حين الموت واخرها اذا مضت عشر بعد نظيره؛ فاذا كان في منتصف المحرم فاخرها خامس عشر المحرم، وكذلك الاجل المسمى في البيوع وساير ما يوجل بالشرع وبالشرط.
وللفقهاء هنا قولان اخران ضعيفان: احدهما: قول من يقول: اذا كان في اثناء الشهر كان جميع الشهور بالعدد، فيكون الحولان ثلثماية وستين.
وعلى هذا القول تزيد المدة اثني عشر يوما، وهو غلط بين.
والقول الثاني: قول من يقول: منها واحد بالعدد، وسايرها بالاهلة.
وهذا اقرب؛ لكن فيه غلط؛ فانه على هذا اذا كان المبدا عاشر المحرم وقد نقص المحرم كان تمامه تاسعه، فيكون التكميل احد عشر، فيكون المنتهى حادي عشر المحرم، وهو غلط ايضا.
وظاهر القران يدل على ان على الام ارضاعه لان قوله: {يرضعن} خبر في معنى الامر، وهي مسالة نزاع؛ ولهذا تاولها من ذهب الى القول الاخر.
قال القاضي ابو يعلى: وهذا الامر انصرف الى الاباء؛ لان عليهم الاسترضاع؛ لا على الوالدات؛ بدليل قوله: {وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن}[البقرة: 233] وقوله: {فاتوهن اجورهن}[النساء: 24] فلو كان متحتما على الوالدة لم يكن عليه الاجرة.
فيقال: بل القران دل على ان للابن على الام الفعل، وعلى الاب النفقة ولو لم يوجد غيرها تعين عليها، وهي تستحق الاجرة، والاجنبية تستحق الاجرة ولو لم يوجد غيرها.
وقوله تعالى: {لمن اراد ان يتم الرضاعة}[البقرة: 233] دليل على انه لا يجوز ان يريد اتمام الرضاع ويجوز الفطام قبل ذلك اذا كان مصلحة، وقد بين ذلك بقوله تعالى: {فان ارادا فصالا عن تراض منهما وتشاور فلا جناح عليهما}[البقرة: 233] ، وذلك يدل على انه لا يفصل الا برضى الابوين، فلو اراد احدهما الاتمام والاخر الفصال قبل ذلك كان الامر لمن اراد الاتمام؛ لانه قال تعالى: {والوالدات يرضعن اولادهن حولين كاملين لمن اراد ان يتم الرضاعة وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن}[البقرة: 233] .
وقوله تعالى: {يرضعن} صيغة خبر، ومعناه الامر، والتقدير والوالدة مامورة بارضاعه حولين كاملين اذا اريد اتمام الرضاعة؛ فاذا ارادت الاتمام كانت مامورة بذلك، وكان على الاب رزقها وكسوتها، وان اراد الاب الاتمام كان له ذلك؛ فانه لم يبح الفصال الا بتراضيهما جميعا.
يدل على ذلك قوله تعالى: {لمن اراد ان يتم الرضاعة}[البقرة: 233] .
ولفظة {من}[البقرة: 4] اما ان يقال: هو عام يتناول هذا وهذا ويدخل فيه الذكر والانثى، فمن اراد الاتمام ارضعن له.
واما ان يقال: قوله تعالى: {لمن اراد ان يتم الرضاعة}[البقرة: 233] انما هو المولود له وهو المرضع له.
فالام تلد له وترضع له، كما قال تعالى: {فان ارضعن لكم}[الطلاق: 6] .
والام كالاجير مع المستاجر.
فان اراد الاب الاتمام ارضعن له، وان اراد ان لا يتم[فله ذلك] وعلى هذا التقدير فمنطوق الاية امرهن بارضاعه عند ارادة الاب، ومفهومها ايضا جواز الفصل بتراضيهما.
يبقى اذا ارادت الام دون الاب مسكوتا عنه؛ لكن مفهوم قوله تعالى: {عن تراض}[البقرة: 233] انه لا يجوز، كما ذكر ذلك مجاهد وغيره؛ ولكن تناوله قوله تعالى: {فان ارضعن لكم فاتوهن اجورهن}[الطلاق: 6] ، فانها اذا ارضعت تمام الحول فله ارضعت، وكفته بذلك مونة الطفل، فلولا رضاعها لاحتاج الى ان يطعمه شييا اخر.
ففي هذه الاية بين ان على الام الاتمام اذا اراد الاب، وفي تلك بين ان على الاب الاجر اذا ابت المراة قال مجاهد: " التشاور " فيما دون الحولين: ان ارادت ان تفطم وابى فليس لها، وان اراد هو ولم ترد فليس له ذلك حتى يقع ذلك على تراض منهما وتشاور، يقول: غير مسييين الى انفسهما ولا رضيعهما.
وقوله تعالى: {اذا سلمتم ما اتيتم بالمعروف}[البقرة: 233] .
قال اذا اسلمتم ايها الاباء الى امهات الاولاد اجر ما ارضعن قبل امتناعهن؛ روي عن مجاهد والسدي وقيل: اذا اسلمتم الى الظير اجرها: بالمعروف، روي عن سعيد بن جبير ومقاتل.
وقرا ابن كثير: {اتيتم} بالقصر.
وقوله تعالى: {وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف}[البقرة: 233] ولم يقل: وعلى الوالد كما قال والوالدات لان المراة هي التي تلده، واما الاب فلم يلده؛ بل هو مولود له لكن اذا قرن بينهما قيل: {وبالوالدين احسانا}[الاسراء: 23] فاما مع الافراد فليس في القران تسميته والدا، بل ابا.
وفيه بيان ان الولد ولد للاب؛ لا للام؛ ولهذا كان عليه نفقته حملا واجرة رضاعه.
وهذا يوافق قوله تعالى: {يهب لمن يشاء اناثا ويهب لمن يشاء الذكور}[الشورى: 49] ، فجعله موهوبا للاب، وجعل بيته في قوله: {ولا على انفسكم ان تاكلوا من بيوتكم}[النور: 61] واذا كان الاب هو المنفق عليه جنينا ورضيعا، والمراة وعاء: فالولد زرع للاب قال تعالى: {نساوكم حرث لكم فاتوا حرثكم انى شيتم}[البقرة: 223] .
فالمراة هي الارض المزروعة، والزرع فيها للاب، وقد «نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - ان يسقي الرجل ماءه زرع غيره» .
يريد به النهي عن وطء الحبالى، فان ماء الواطي يزيد في الحمل كما يزيد الماء في الزرع، وفي الحديث الاخر الصحيح: «لقد هممت ان العنه لعنة تدخل معه من قبره، كيف يورثه وهو لا يحل له، وكيف يستعبده وهو لا يحل له؟» .
واذا كان الولد للاب وهو زرعه كان هذا مطابقا لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «انت ومالك لابيك» .
وقوله - صلى الله عليه وسلم -: «ان اطيب ما اكل الرجل من كسبه، وان ولده من كسبه» فقد حصل الولد من كسبه، كما دلت عليه هذه الاية؛ فان الزرع الذي في الارض كسب المزدرع له الذي بذره وسقاه واعطى اجرة الارض، فان الرجل اعطى المراة مهرها، وهو اجر الوطء، كما قال تعالى: {ولا جناح عليكم ان تنكحوهن اذا اتيتموهن اجورهن}[الممتحنة: 10] .
وهو مطابق لقوله تعالى: {ما اغنى عنه ماله وما كسب}[المسد: 2] .
وقد فسر {ما كسب} بالولد.
فالام هي الحرث وهي الارض التي فيها زرع، والاب استاجرها بالمهر كما يستاجر الارض، وانفق على الزرع بانفاقه لما كانت حاملا، ثم انفق على الرضيع، كما ينفق المستاجر على الزرع والثمر اذا كان مستورا واذا برز؛ فالزرع هو الولد، وهو من كسبه.
وهذا يدل على ان للاب ان ياخذ من ماله ما لا يضر به؛ كما جاءت به السنة، وان ماله للاب مباح، وان كان ملكا للابن فهو مباح للاب ان يملكه والا بقي للابن؛ فاذا مات ولم يتملكه ورث عن الابن.
وللاب ايضا ان يستخدم الولد ما لم يضر به.
وفي هذا وجوب طاعة الاب على الابن اذا كان العمل مباحا لا يضر بالابن؛ فانه لو استخدم عبده في معصية او اعتدى عليه لم يجز فالابن اولى.
ونفع الابن له اذا لم ياخذه الاب؛ بخلاف نفع المملوك فانه لمالكه، كما ان ماله لو مات لمالكه لا لوارثه.
ودل ما ذكره على انه لا يجوز للرجل ان يطا حاملا من غيره، وانه اذا وطيها كان كسقي الزرع يزيد فيه وينميه ويبقى له شركة في الولد، فيحرم عليه استعباد هذا الولد، فلو ملك امة حاملا من غيره ووطيها حرم استعباد هذا الولد؛ لانه سقاه؛ ولقوله - صلى الله عليه وسلم -: «كيف يستعبده وهو لا يحل له» .
" وكيف يورثه " اي يجعله موروثا منه " وهو لا يحل له ".
ومن ظن ان المراد: كيف يجعله وارثا.
فقد غلط؛ لان تلك المراة كانت امة للواطي، والعبد لا يجعل وارثا، انما يجعل موروثا.
فاما اذا استبريت المراة علم انه لا زرع هناك.
ولو كانت بكرا او عند من لا يطوها ففيه نزاع، والاظهر جواز الوطء؛ لانه لا زرع هناك، وظهور براءة الرحم هنا اقوى من براءتها من الاستبراء بحيضة؛ فان الحامل قد يخرج منها من الدم مثل دم الحيض؛ وان كان نادرا.
وقد تنازع العلماء هل هو حيض او لا؟ فالاستبراء ليس دليلا قاطعا على براءة الرحم؛ بل دليل ظاهر.
والبكارة وكونها كانت مملوكة لصبي او امراة ادل على البراءة وان كان البايع صادقا واخبره انه استبراها حصل المقصود، واستبراء الصغيرة التي لم تحض والعجوز والايسة في غاية البعد.
ولهذا اضطرب القايلون هل تستبرا بشهر؟ او شهر ونصف؟ او شهرين؟ او ثلاثة اشهر؟ وكلها اقوال ضعيفة.
وابن عمر - رضي الله عنهما - لم يكن يستبري البكر، ولا يعرف له مخالف من الصحابة، والنبي - صلى الله عليه وسلم - لم يامر بالاستبراء الا في المسبيات، كما قال في سبايا اوطاس: «لا توطا حامل حتى تضع، ولا غير ذات حمل حتى تستبرا بحيضة» لم يامر كل من ورث امة او اشتراها ان يستبريها مع وجود ذلك في زمنه، فعلم انه امر بالاستبراء عند الجهل بالحال؛ لامكان ان تكون حاملا.
وكذلك من ملكت وكان سيدها يطوها ولم يستبريها؛ لكن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يذكر مثل هذا؛ اذ لم يكن المسلمون يفعلون مثل هذا؛ لا يرضى لنفسه احد ان يبيع امته الحامل منه؛ بل لا يبيعها اذا وطيها حتى يستبريها، فلا يحتاج المشتري الى استبراء ثان.
ولهذا لم ينه عن وطء الحبالى من[السادات] اذا ملكت ببيع او هبة؛ لان هذا لم يكن يقع؛ بل هذه دخلت في نهيه - صلى الله عليه وسلم -: «ان يسقي الرجل ماءه زرع غيره» .
وقوله تعالى: {وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف}[البقرة: 233] .
وقال تعالى في تلك الاية: {فان ارضعن لكم فاتوهن اجورهن}[الطلاق: 6] يدل على ان هذا الاجر هو رزقهن وكسوتهن بالمعروف اذا لم يكن بينهما مسمى يرجعان اليه.
" واجرة المثل " انما تقدر بالمسمى اذا كان هناك مسمى يرجعان اليه، كما في البيع والاجارة لما كان السلعة هي او مثلها بثمن مسمى وجب ثمن المثل اذا اخذت بغير اختياره، وكما قال: النبي - صلى الله عليه وسلم -: «من اعتق شركا له في عبد وكان له من المال ما يبلغ ثمن العبد قوم عليه قيمة عدل فاعطى شركاءه حصصهم وعتق العبد» فهناك اقيم العبد؛ لانه ومثله يباع في السوق، فتعرف القيمة التي هي السعر في ذلك الوقت، وكذلك الاجير والصانع كما نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح لعلي: «ان يعطي الجازر من البدن شييا وقال: نحن نعطيه من عندنا» .
فان الذبح وقسمة اللحم على المهدي؛ فعليه اجرة الجازر الذي فعل ذلك، وهو يستحق نظير ما يستحقه مثله اذا عمل ذلك؛ لان الجزارة معروفة، ولها عادة معروفة.
وكذلك ساير الصناعات: كالحياكة، والخياطة، والبناء.
وقد كان من الناس من يخيط بالاجرة على عهده فيستحق هذا الخياط ما يستحقه نظراوه، وكذلك اجير الخدمة يستحق ما يستحقه نظيره؛ لان ذلك عادة معروفة عند الناس.
واما " الام المرضعة " فهي نظير ساير الامهات المرضعات بعد الطلاق وليس لهن عادة مقدرة الا اعتبار حال الرضاع بما ذكر، وهي اذا كانت حاملا منه وهي مطلقة استحقت نفقتها وكسوتها بالمعروف، وهي في الحقيقة نفقة على الحمل.
وهذا اظهر قولي العلماء، كما قال تعالى: {وان كن اولات حمل فانفقوا عليهن حتى يضعن حملهن}[الطلاق: 6] .
وللعلماء هنا ثلاثة اقوال: احدها: ان هذه النفقة نفقة زوجة معتدة، ولا فرق بين ان تكون حاملا او حايلا.
وهذا قول من يوجب النفقة للباين كما يوجبها للرجعية، كقول طايفة من السلف والخلف، وهو مذهب ابي حنيفة وغيره؛ ويروى عن عمر وابن مسعود؛ ولكن على هذا القول ليس لكونها حاملا تاثير، فانهم ينفقون عليها حتى تنقضي العدة؛ سواء كانت حاملا او حايلا.
القول الثاني: انه ينفق عليها نفقة زوجة؛ لاجل الحمل؛ كاحد قولي الشافعي، واحدى الروايتين عن احمد.
وهذا قول متناقض؛ فانه ان كان نفقة زوجة فقد وجب لكونها زوجة؛ لا لاجل الولد.
وان كان لاجل الولد فنفقة الولد تجب مع غير الزوجة، كما يجب عليه ان ينفق على سريته الحامل اذا اعتقها.
وهولاء يقولون: هل وجبت النفقة للحمل؟ او لها من اجل الحمل؟ على قولين.
فان ارادوا لها من اجل الحمل.
اي لهذه الحامل من اجل حملها فلا فرق.
وان ارادوا - وهو مرادهم - انه يجب لها نفقة زوجة من اجل الحمل: فهذا تناقض، فان نفقة الزوجة تجب وان لم يكن حمل.
ونفقة الحمل تجب وان لم تكن زوجة.
والقول الثالث: وهو الصحيح: ان النفقة تجب للحمل؛ ولها من اجل الحمل؛ لكونها حاملا بولده؛ فهي نفقة عليه، لكونه اباه، لا عليها لكونها زوجة.
وهذا قول مالك، واحد القولين في مذهب الشافعي واحمد؛ والقران يدل على هذا؛ فانه قال تعالى: {وان كن اولات حمل فانفقوا عليهن حتى يضعن حملهن}[الطلاق: 6] .
ثم قال تعالى: {فان ارضعن لكم فاتوهن اجورهن}[الطلاق: 6] ، وقال هنا: {وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف}[البقرة: 233] .
فجعل اجر الارضاع على من وجبت عليه نفقة الحامل؛ ومعلوم ان اجر الارضاع يجب على الاب لكونه ابا، فكذلك نفقة الحامل؛ ولان نفقة الحامل ورزقها وكسوتها بالمعروف؛ وقد جعل اجر المرضعة كذلك؛ ولانه قال: {وعلى الوارث مثل ذلك}[البقرة: 233] اي وارث الطفل، فاوجب عليه ما يجب على الاب.
وهذا كله يبين ان نفقة الحمل والرضاع من " باب نفقة الاب على ابنه "؛ لا من " باب نفقة الزوج على زوجته ".
وعلى هذا فلو لم تكن زوجة بل كانت حاملا بوطء شبهة يلحقه نسبه او كانت حاملا منه وقد اعتقها وجب عليه نفقة الحمل، كما يجب عليه نفقة الارضاع؛ ولو كان الحمل لغيره، كمن وطي امة غيره بنكاح او شبهة او ارث فالولد هنا لسيد الامة، فليس على الواطي شيء وان كان زوجا، ولو تزوج عبد حرة فحملت منه فالنسب ههنا لاحق؛ لكن الولد حر؛ والولد الحر لا تجب نفقته على ابيه العبد؛ ولا اجرة رضاعه؛ فان العبد ليس له مال ينفق منه على ولده، وسيده لا حق له في ولده؛ فان ولده: اما حر، واما مملوك لسيد الامة، نعم، لو كانت الحامل امة والولد حر مثل المغرور الذي اشترى امة فظهر انها مستحقة لغير البايع، او تزوج حرة فظهر انها امة؛ فهنا الولد حر، وان كانت امة مملوكة لغير الواطي؛ لانه انما وطي من يعتقدها مملوكة له او زوجة حرة، وبهذا قضت الصحابة لسيد الامة بشراء الولد وهو نظيره فهنا الان ينفق على الحامل كما ينفق على المرضعة له، والله سبحانه وتعالى اعلم.
What's Your Reaction?






