مسالة رجلين تكلما في " مسالة التابير فقال احدهما من نقص الرسول

مسالة رجلين تكلما في " مسالة التابير فقال احدهما من نقص الرسول

مسالة رجلين تكلما في " مسالة التابير فقال احدهما من نقص الرسول
751 - 105 حكم المرتد - سيل: عن رجلين تكلما في " مسالة التابير " فقال احدهما: من نقص الرسول - صلى الله عليه وسلم - او تكلم بما يدل على نقص الرسول كفر؛ لكن تكفير المطلق لا يستلزم تكفير المعين؛ فان بعض العلماء قد يتكلم في مسالة باجتهاده فيخطي فيها فلا يكفر؛ وان كان قد يكفر من قال ذلك القول اذا قامت عليه الحجة المكفرة، ولو كفرنا كل عالم بمثل ذلك لزمنا ان نكفر فلانا - وسمى بعض العلماء المشهورين الذين لا يستحقون التكفير وهو الغزالي - فانه ذكر في بعض كتبه تخطية الرسول في مسالة تابير النخل: فهل يكون هذا تنقيصا بالرسول بوجه من الوجوه؟ وهل عليه في تنزيه العلماء من الكفر اذا قالوا مثل ذلك تعزير، ام لا؟ واذا نقل ذلك وتعذر عليه في الحال نفس الكتاب الذي نقله منه وهو معروف بالصدق: فهل عليه في ذلك تعزير ام لا؟ وسواء اصاب في النقل عن العالم ام اخطا؟ وهل يكون في ذلك تنقيص بالرسول - صلى الله عليه وسلم - ومن اعتدى على مثل هذا، او نسبه الى تنقيص بالرسول، او العلماء، وطلب عقوبته على ذلك: فما يجب عليه؟ افتونا ماجورين.

الجواب::

الحمد لله.

ليس في هذا الكلام تنقيص بالرسول - صلى الله عليه وسلم - بوجه من الوجوه باتفاق علماء المسلمين، ولا فيه تنقيص لعلماء المسلمين؛ بل مضمون هذا الكلام تعظيم الرسول وتوقيره، وانه لا يتكلم في حقه بكلام فيه نقص؛ بل قد اطلق القايل تكفير من نقص الرسول - صلى الله عليه وسلم - او تكلم بما يدل على نقصه، وهذا مبالغة في تعظيمه؛ ووجوب الاحتراز من الكلام الذي فيه دلالة على نقصه.

ثم هو مع هذا بين ان علماء المسلمين المتكلمين في الدنيا باجتهادهم لا يجوز تكفير احدهم بمجرد خطا اخطاه في كلامه، وهذا كلام حسن تجب موافقته عليه؛ فان تسليط الجهال على تكفير علماء المسلمين من اعظم المنكرات؛ وانما اصل هذا من الخوارج والروافض الذين يكفرون ايمة المسلمين؛ لما يعتقدون انهم اخطيوا فيه من الدين.

وقد اتفق اهل السنة والجماعة على ان علماء المسلمين؛ لا يجوز تكفيرهم بمجرد الخطا المحض؛ بل كل احد يوخذ من قوله ويترك الا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ وليس كل من يترك بعض كلامه لخطا اخطاه يكفر ولا يفسق؛ بل ولا ياثم؛ فان الله تعالى قال في دعاء المومنين: {ربنا لا تواخذنا ان نسينا او اخطانا}[البقرة: 286] .

وفي الصحيح عن النبي: «ان الله تعالى قال قد فعلت» .

واتفق علماء المسلمين على انه لا يكفر احد من علماء المسلمين المنازعين في عصمة الانبياء، والذين قالوا: انه يجوز عليهم الصغاير والخطا ولا يقرون على ذلك لم يكفر احد منهم باتفاق المسلمين؛ فان هولاء يقولون: انهم معصومون من الاقرار على ذلك، ولو كفر هولاء لزم تكفير كثير من الشافعية، والمالكية، والحنفية، والحنبلية، والاشعرية، واهل الحديث، والتفسير، والصوفية: الذين ليسوا كفارا باتفاق المسلمين؛ بل ايمة هولاء يقولون بذلك.

فالذي حكاه عن الشيخ ابي حامد الغزالي قد قال مثله ايمة اصحاب الشافعي اصحاب الوجوه الذين هم اعظم في مذهب الشافعي من ابي حامد كما قال الشيخ ابو حامد الاسفراييني الذي هو امام المذهب بعد الشافعي، وابن سريج في تعليقه وذلك ان عندنا ان النبي - صلى الله عليه وسلم - يجوز عليه الخطا كما يجوز علينا ولكن الفرق بيننا انا نقر على الخطا والنبي - صلى الله عليه وسلم - لا يقر عليه وانما يسهو ليسن وروي عنه انه قال: «انما اسهو لاسن لكم» وهذه المسالة قد ذكرها في اصول الفقه هذا الشيخ ابو حامد، وابو الطيب الطبري، والشيخ ابو اسحاق الشيرازي.

وكذلك ذكرها بقية طوايف اهل العلم: من اصحاب مالك، والشافعي، واحمد، وابي حنيفة، ومنهم من ادعى اجماع السلف على هذا القول، كما ذكر ذلك عن ابي سليمان الخطابي ونحوه؛ ومع هذا فقد اتفق المسلمون على انه لا يكفر احد من هولاء الايمة؛ ومن كفرهم بذلك استحق العقوبة الغليظة التي تزجره وامثاله عن تكفير المسلمين؛ وانما يقال في مثال ذلك: قولهم صواب او خطا.

فمن وافقهم قال: ان قولهم الصواب.

ومن نازعهم قال: ان قولهم خطا، والصواب قول مخالفهم.

وهذا المسيول عنه كلامه يقتضي انه لا يوافقهم على ذلك؛ لكنه ينفي التكفير عنهم.

ومثل هذا تجب عقوبة من اعتدى عليه، ونسبه الى تنقيص الرسول - صلى الله عليه وسلم - او العلماء؛ فانه مصرح بنقيض هذا، وهذا.

وقد ذكر القاضي عياض هذه المسالة، وهو من ابلغ القايلين بالعصمة، قسم الكلام في هذا الباب، الى ان قال: الوجه السابع: ان يذكر ما يجوز على النبي - صلى الله عليه وسلم - ويختلف في اقراره عليه، وما يطرا من الامور البشرية منه ويمكن اضافتها اليه.

او يذكر ما امتحن به وصبر في ذات الله على شدته من مقاسات اعدايه واذاهم له، ومعرفة ابتداء حاله، وسيرته، وما لقيه من بوس زمنه، ومر عليه من معانات عيشه، كل ذلك على طريق الرواية، ومذاكرة العلم ومعرفة ما صحت به العصمة للانبياء، وما يجوز عليهم.

فقال: هذا فن خارج من هذه الفنون الستة؛ ليس فيه غمض ولا نقص ولا ازراء ولا استخفاف، ولا في ظاهر اللفظ ولا في مقصد اللفظ؛ لكن يجب ان يكون الكلام مع اهل العلم، وطلبة الدين ممن يفهم مقاصده، ويحققون فوايده؛ ويجنب ذلك ممن عساه لا يفقه، او يخشى به فتنة.

وقد ذكر القاضي عياض قبل هذا؛ ان يقول القايل شييا من انواع السب حاكيا له عن غيره، واثرا له عن سواه.

قال: فهذا ينظر في صورة حكايته، وقرينة مقالته؛ ويختلف الحكم باختلاف ذلك على " اربعة وجوه " الوجوب، والندب، والكراهة، والتحريم.

ثم ذكر انه يحمل من ذلك ما ذكره على وجه الشهادة ونحوها مما فيه اقامة الحكم الشرعي على القايل، او على وجه الرذالة والنقص على قايله؛ بخلاف من ذكره لغير هذين.

قال: وليس التفكه بعرض النبي - صلى الله عليه وسلم - والتمضمض بسوء ذكره لاحد لا ذاكرا، ولا اثرا لغير غرض شرعي مباح.

فقد تبين من كلام القاضي عياض ان ما ذكره هذا القايل ليس من هذا الباب؛ فانه من مسايل الخلاف، وان ما كان من هذا الباب ليس لاحد ان يذكره لغير غرض شرعي مباح.

وهذا القايل انما ذكر لدفع التكفير عن مثل الغزالي وامثاله من علماء المسلمين، ومن المعلوم ان المنع من تكفير علماء المسلمين الذين تكلموا في هذا الباب؛ بل دفع التكفير عن علماء المسلمين وان اخطيوا: هو من احق الاغراض الشرعية؛ حتى لو فرض ان دفع التكفير عن القايل يعتقد انه ليس بكافر حماية له، ونصرا لاخيه المسلم، لكان هذا غرضا شرعيا حسنا، وهو اذا اجتهد في ذلك فاصاب فله اجران، وان اجتهد فيه فاخطا فله اجر واحد.

فبكل حال هذا القايل محمود على ما فعل، ماجور على ذلك، مثاب عليه اذا كانت له فيه نية حسنة؛ والمنكر لما فعله احق بالتعزير منه؛ فان هذا يقتضي قوله القدح في علماء المسلمين من الكفر، ومعلوم ان الاول احق بالتعزير من الثاني ان وجب التعزير لاحدهما، وان كان كل منهما مجتهدا اجتهادا سايغا بحيث يقصد طاعة الله ورسوله بحسب استطاعته فلا اثم على واحد منهما، وسواء اصاب في هذا النقل او اخطا فليس في ذلك تنقيص للنبي - صلى الله عليه وسلم -.

وكذلك احضر النقل او لم يحضره؛ فانه ليس في حضوره فايدة؛ اذ ما نقله عن الغزالي قد قال مثله من علماء المسلمين من لا يحصي عددهم الا الله تعالى؛ وفيهم من هو اجل من الغزالي؛ وفيهم من هو دونه.

ومن كفر هولاء استحق العقوبة باتفاق المسلمين؛ بل اكثر علماء المسلمين وجمهور السلف يقولون مثل ذلك، حتى المتكلمون، فان ابا الحسن الاشعري قال: اكثر الاشعرية والمعتزلة يقولون بذلك؛ ذكره في " اصول الفقه " وذكره صاحبه ابو عمرو بن الحاجب.

والمسالة عندهم من الظنيات؛ كما صرح بذلك الاستاذ ابو المعالي، وابو الحسن الامدي، وغيرهما؛ فكيف يكفر علماء المسلمين في مسايل الظنون؟ ،،، ام كيف يكفر جمهور علماء المسلمين؛ او جمهور سلف الايمة واعيان العلماء بغير حجة اصلا؟ ،، والله تعالى اعلم.

What's Your Reaction?

like
0
dislike
0
love
0
funny
0
angry
0
sad
0
wow
0