مسالة المعز معد بن تميم الذي بنى القاهرة والقصرين هل كان شريفا فاطميا
مسالة المعز معد بن تميم الذي بنى القاهرة والقصرين هل كان شريفا فاطميا

مسالة:
عن " المعز معد بن تميم " الذي بنى القاهرة، والقصرين: هل كان شريفا فاطميا؟ وهل كان هو واولاده معصومين؟ وانهم اصحاب العلم الباطن، وان، كانوا ليسوا اشرافا: فما الحجة على القول بذلك؟ وان كانوا على خلاف الشريعة: فهل هم " بغاة " ام لا؟ وما حكم من نقل ذلك عنهم من العلماء المعتمدين الذين يحتج بقولهم؟ ولتبسطوا القول في ذلك.
الجواب::
الحمد لله.اما القول بانه هو او احد من اولاده او نحوهم كانوا معصومين من الذنوب والخطا، كما يدعيه الرافضة في " الاثني عشرة فهذا القول شر من قول الرافضة بكثير؛ فان الرافضة ادعت ذلك فيمن لا شك في ايمانه وتقواه، بل فيمن لا يشك انه من اهل الجنة: كعلي، والحسن، والحسين - رضي الله عنهم -.
ومع هذا فقد اتفق اهل العلم والايمان على ان هذا القول من افسد الاقوال؛ وانه من اقوال اهل الافك والبهتان؛ فان العصمة في ذلك ليست لغير الانبياء - عليهم السلام -.
بل كان من سوى الانبياء يوخذ من قوله ويترك، ولا تجب طاعة من سوى الانبياء والرسل في كل ما يقول، ولا يجب على الخلق اتباعه والايمان به في كل ما يامر به ويخبر به، ولا تكون مخالفته في ذلك كفرا؛ بخلاف الانبياء؛ بل اذا خالفه غيره من نظرايه وجب على المجتهد النظر في قوليهما، وايهما كان اشبه بالكتاب والسنة تابعه، كما قال تعالى: {يا ايها الذين امنوا اطيعوا الله واطيعوا الرسول واولي الامر منكم فان تنازعتم في شيء فردوه الى الله والرسول ان كنتم تومنون بالله واليوم الاخر ذلك خير واحسن تاويلا}[النساء: 59] فامر عند التنازع بالرد الى الله والى الرسول؛ اذ المعصوم لا يقول الا حقا.
ومن علم انه قال الحق في موارد النزاع وجب اتباعه، كما لو ذكر اية من كتاب الله تعالى، او حديثا ثابتا عن رسول الله يقصد به قطع النزاع.
اما وجوب اتباع القايل في كل ما يقوله من غير ذكر دليل يدل على صحة ما يقول فليس بصحيح؛ بل هذه المرتبة هي " مرتبة الرسول، التي لا تصلح الا له.
كما قال تعالى: {فلا وربك لا يومنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في انفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما}[النساء: 65] وقال تعالى: {وما ارسلنا من رسول الا ليطاع باذن الله ولو انهم اذ ظلموا انفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما}[النساء: 64] .
وقال تعالى: {قل ان كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله}[ال عمران: 31] وقال تعالى: {وما كان لمومن ولا مومنة اذا قضى الله ورسوله امرا ان يكون لهم الخيرة من امرهم}[الاحزاب: 36] .
وقال تعالى: {انما كان قول المومنين اذا دعوا الى الله ورسوله ليحكم بينهم ان يقولوا سمعنا واطعنا واوليك هم المفلحون}[النور: 51] وقال: {ومن يطع الله والرسول فاوليك مع الذين انعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن اوليك رفيقا}[النساء: 69] .
وقال تعالى: {تلك حدود الله ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الانهار خالدين فيها وذلك الفوز العظيم}[النساء: 13] {ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها وله عذاب مهين}[النساء: 14] وقال تعالى: {رسلا مبشرين ومنذرين ليلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل}[النساء: 165] .
وقال تعالى: {وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا}[الاسراء: 15] .
وقال تعالى: {لين اقمتم الصلاة واتيتم الزكاة وامنتم برسلي وعزرتموهم واقرضتم الله قرضا حسنا لاكفرن عنكم سيياتكم}[المايدة: 12] وامثال هذه في القران كثير، بين فيه سعادة من امن بالرسل واتبعهم واطاعهم، وشقاوة من لم يومن بهم ولم يتبعهم؛ بل عصاهم.
فلو كان غير الرسول معصوما فيما يامر به وينهي عنه لكان حكمه في ذلك حكم الرسول.
والنبي المبعوث الى الخلق رسول اليهم؛ بخلاف من لم يبعث اليهم.
فمن كان امرا ناهيا للخلق: من امام، وعالم، وشيخ، واولي امر غير هولاء من اهل البيت او غيرهم، وكان معصوما: كان بمنزلة الرسول في ذلك، وكان من اطاعه وجبت له الجنة، ومن عصاه وجبت له النار، كما يقوله القايلون بعصمة علي او غيره من الايمة؛ بل من اطاعه يكون مومنا؛ ومن عصاه يكون كافرا؛ وكان هولاء كانبياء بني اسراييل؛ فلا يصح حينيذ قول النبي: «لا نبي بعدي» وفي السنن عنه انه قال: «العلماء ورثة الانبياء، ان الانبياء لم يورثوا درهما ولا دينارا انما ورثوا العلم، فمن اخذه فقد اخذ بحظ وافر» .
فغاية العلماء من الايمة وغيرهم من هذه الامة ان يكونوا ورثة انبياء.
وايضا فقد ثبت بالنصوص الصحيحة والاجماع «ان النبي قال للصديق في تاويل رويا عبرها: اصبت بعضا، واخطات بعضا» وقال الصديق: اطيعوني ما اطعت الله، فاذا عصيت الله فلا طاعة لي عليكم وغضب مرة على رجل فقال له ابو بردة: دعني اضرب عنقه، فقال له: اكنت فاعلا؟ قال: نعم.
فقال: ما كانت لاحد بعد رسول الله.
ولهذا اتفق الايمة على ان من سب نبيا قتل، ومن سب غير النبي لا يقتل بكل سب سبه؛ بل يفصل في ذلك؛ فان من قذف ام النبي - صلى الله عليه وسلم -، قتل مسلما كان او كافرا: لانه قدح في نسبه، ولو قذف غير ام النبي ممن لم يعلم براءتها لم يقتل.
وكذلك عمر بن الخطاب كان يقر على نفسه في مواضع بمثل هذه، فيرجع عن اقوال كثيرة اذا تبين له الحق في خلاف ما قال، ويسال الصحابة عن بعض السنة حتى يستفيدها منهم، ويقول في مواضع: والله ما يدري عمر اصاب الحق او اخطاه.
ويقول: امراة اصابت.
ورجل اخطا.
ومع هذا فقد ثبت في الصحيحين عن النبي انه قال: «قد كان في الامم قبلكم محدثون فان يكن في امتي احد فعمر» وفي الترمذي: «لو لم ابعث فيكم لبعث فيكم عمر» وقال: «ان الله ضرب الحق على لسان عمر وقلبه» فاذا كان المحدث الملهم الذي ضرب الله الحق على لسانه وقلبه بهذه المنزلة يشهد على نفسه بانه ليس بمعصوم فكيف بغيره من الصحابة وغيرهم الذين لم يبلغوا منزلته؟ ، فان اهل العلم متفقون على ان ابا بكر وعمر اعلم من ساير الصحابة، واعظم طاعة لله ورسوله من سايرهم، واولى بمعرفة الحق واتباعه منهم، وقد ثبت بالنقل المتواتر الصحيح عن النبي انه قال: «خير هذه الامة بعد نبيها ابو بكر، ثم عمر» روي ذلك عنه من نحو ثمانين وجها، وقال علي - رضي الله عنه -: لا اوتى باحد يفضلني على ابي بكر وعمر الا جلدته حد المفتري، والاقوال الماثورة عن عثمان وعلي وغيرهما من الصحابة[كثيرة] .
بل ابو بكر الصديق لا يحفظ له فتيا افتى فيها بخلاف نص النبي.
وقد وجد لعلي وغيره من الصحابة من ذلك اكثر مما وجد لعمر وكان الشافعي - رضي الله عنه - يناظر بعض فقهاء الكوفة في مسايل الفقه، فيحتجون عليه بقول علي، فصنف كتاب اختلاف علي وعبد الله بن مسعود " وبين فيه مسايل كثيرة تركت من قولهما؛ لمجيء السنة بخلافها، وصنف بعده محمد بن نصر الثوري كتابا اكبر من ذلك، كما ترك من قول علي - رضي الله عنه - ان المعتدة المتوفى عنها اذا كانت حاملا فانها تعتد ابعد الاجلين، ويروى ذلك عن ابن عباس ايضا.
واتفقت ايمة الفتيا على قول عثمان وابن مسعود وغيرهما في ذلك، وهو انها اذا وضعت حملها حلت، لما ثبت «عن النبي: ان سبيعة الاسلمية كانت قد وضعت بعد زوجها بليال، فدخل عليها ابو السنابل بن بعكك.
فقال: ما انت بناكح حتى تمر عليك اربعة اشهر وعشرا، فسالت النبي عن ذلك؟ فقال: كذب ابو السنابل.
حللت فانكحي» فكذب النبي من قال بهذه الفتيا.
" وكذلك المفوضة التي تزوجها زوجها ومات عنها ولم يفرض لها مهر قال فيها علي وابن عباس انها لا مهر لها، وافتى فيها ابن مسعود وغيره ان لها مهر المثل، فقام رجل من اشجع فقال: نشهد " ان رسول الله قضى في بروع بنت واشق بمثل ما قضيت به في هذه ".
ومثل هذا كثير.
وقد كان علي وابناه وغيرهم يخالف بعضهم بعضا في العلم والفتيا، كما يخالف ساير اهل العلم بعضهم بعضا، ولو كانوا معصومين لكانت مخالفة المعصوم للمعصوم ممتنعة.
وقد كان الحسن، في امر القتال يخالف اباه ويكره كثيرا مما يفعله، ويرجع علي - رضي الله عنه - في اخر الامر الى رايه، وكان يقول: لين عجزت عجزة لا اعتذر سوف اكيس بعدها واستمر واجبر الراي النسيب المنتشر وتبين له في اخر عمره ان لو فعل غير الذي كان فعله لكان هو الاصوب وله فتاوى رجع ببعضها عن بعض، كقوله في امهات الاولاد، فان له فيها قولين: احدهما: المنع من بيعهن.
والثاني: اباحة ذلك والمعصوم لا يكون له قولان متناقضان؛ الا ان يكون احدهما ناسخا للاخر، كما في «قول النبي السنة استقرت» فلا يرد عليها بعده نسخ اذ لا نبي بعده.
وقد وصى الحسن اخاه الحسين بان لا يطيع اهل العراق، ولا يطلب هذا الامر، واشار عليه بذلك ابن عمر وابن عباس وغيرهما ممن يتولاه ويحبه وراوا ان مصلحته ومصلحة المسلمين ان لا يذهب اليهم، لا يجيبهم الى ما قالوه من المجيء اليهم والقتال معهم؛ وان كان هذا هو المصلحة له وللمسلمين، ولكنه - رضي الله عنه - قال ما راه مصلحة، والراي يصيب ويخطي.
والمعصوم ليس لاحد ان يخالفه؛ وليس له ان يخالف معصوما اخر؛ الا ان يكونا على شريعتين، كالرسولين، ومعلوم ان شريعتهما واحدة.
وهذا باب واسع مبسوط في غير هذا الموضع.
والمقصود ان من ادعى عصمة هولاء السادة، المشهور لهم بالايمان والتقوى والجنة؛ هو في غاية الضلال والجهالة، ولم يقل هذا القول من له في الامة لسان صدق؛ بل ولا من له عقل محمود.
فكيف تكون العصمة في ذرية " عبد الله بن ميمون القداح " مع شهرة النفاق والكذب والضلال؟ ، وهب ان الامر ليس كذلك: فلا ريب ان سيرتهم من سيرة الملوك، واكثرها ظلما وانتهاكا للمحرمات، وابعدها عن اقامة الامور والواجبات، واعظم اظهارا للبدع المخالفة للكتاب والسنة، واعانة لاهل النفاق والبدعة.
وقد اتفق اهل العلم على ان دولة بني امية وبني العباس اقرب الى الله ورسوله من دولتهم، واعظم علما وايمانا من دولتهم، واقل بدعا وفجورا من بدعتهم، وان خليفة الدولتين اطوع لله ورسوله من خلفاء دولتهم؛ ولم يكن في خلفاء الدولتين من يجوز ان يقال فيه انه معصوم، فكيف يدعي العصمة من ظهرت عنه الفواحش والمنكرات، والظلم والبغي، والعدوان والعداوة لاهل البر والتقوى من الامة، والاطمينان لاهل الكفر والنفاق؟ ، فهم من افسق الناس.
ومن اكفر الناس.
وما يدعي العصمة في النفاق والفسوق الا جاهل مبسوط الجهل، او زنديق يقول بلا علم.
ومن المعلوم الذي لا ريب فيه ان من شهد لهم بالايمان والتقوى، او بصحة النسب فقد شهد لهم بما لا يعلم، وقد قال الله تعالى: {ولا تقف ما ليس لك به علم}[الاسراء: 36] وقال تعالى: {الا من شهد بالحق وهم يعلمون}[الزخرف: 86] وقال عن اخوة يوسف: {وما شهدنا الا بما علمنا}[يوسف: 81] وليس احد من الناس يعلم صحة نسبهم ولا ثبوت ايمانهم وتقواهم؛ فان غاية ما يزعمه انهم كانوا يظهرون الاسلام والتزام شرايعه؛ وليس كل من اظهر الاسلام يكون مومنا في الباطن؛ ان قد عرف في المظهرين للاسلام المومن والمنافق، قال الله تعالى: {ومن الناس من يقول امنا بالله وباليوم الاخر وما هم بمومنين}[البقرة: 8] .
وقال تعالى: {اذا جاءك المنافقون قالوا نشهد انك لرسول الله والله يعلم انك لرسوله والله يشهد ان المنافقين لكاذبون}[المنافقون: 1] .
وقال تعالى: {قالت الاعراب امنا قل لم تومنوا ولكن قولوا اسلمنا ولما يدخل الايمان في قلوبكم}[الحجرات: 14] وهولاء القوم يشهد عليهم علماء الامة، وايمتها وجماهيرها انهم كانوا منافقين زنادقة، يظهرون الاسلام ويبطنون الكفر.
فاذا قدر ان بعض الناس خالفهم في ذلك صار في ايمانهم نزاع مشهور، فالشاهد لهم بالايمان شاهد لهم بما لا يعلمه؛ اذ ليس معه شيء يدل على ايمانهم مثل ما مع منازعيه ما يدل على نفاقهم وزندقتهم.
وكذلك " النسب " قد علم ان جمهور الامة تطعن في نسبهم، ويذكرون انهم من اولاد المجوس او اليهود هذا مشهور من شهادة علماء الطوايف من: الحنيفية، والمالكية والشافعية، والحنابلة، واهل الحديث، واهل الكلام، وعلماء النسب، والعامة، وغيرهم.
وهذا امر قد ذكره عامة المصنفين لاخبار الناس وايامهم، حتى بعض من قد يتوقف في امرهم كابن الاثير الموصلي في تاريخه ونحوه، فانه ذكر ما كتبه علماء المسلمين بخطوطهم في القدح في نسبهم.
واما جمهور المصنفين من المتقدمين والمتاخرين حتى القاضي ابن خلكان في تاريخه، فانهم ذكروا بطلان نسبهم، وكذلك ابن الجوزي، وابو شامة وغيرهم من اهل العلم بذلك، حتى صنف العلماء في كشف اسرارهم وهتك استارهم، كما صنف القاضي ابو بكر الباقلاني كتابه المشهور في كشف اسرارهم وهتك استارهم، وذكر انهم من ذرية المجوس، وذكر من مذاهبهم ما بين فيه ان مذاهبهم شر من مذاهب اليهود والنصارى؛ بل ومن مذاهب الغالية الذين يدعون الهية علي او نبوته، فهم اكفر من هولاء؛ وكذلك ذكر القاضي ابو يعلى في كتابه " المعتمد " فصلا طويلا في شرح زندقتهم وكفرهم، وكذلك ذكر ابو حامد الغزالي في كتابه الذي سماه فضايل المستظهرية وفضايح الباطنية، قال: ظاهر مذهبهم الرفض، وباطنه الكفر المحض.
وكذلك القاضي عبد الجبار بن احمد وامثاله من المعتزلة المتشيعة الذين لا يفضلون على علي غيره؛ بل يفسقون من قاتله ولم يتب من قتاله: يجعلون هولاء من اكابر المنافقين الزنادقة.
فهذه مقالة المعتزلة في حقهم، فكيف تكون مقالة اهل السنة والجماعة؟ ،، والرافضة الامامية - مع انهم من اجهل الخلق، وانهم ليس لهم عقل ولا نقل، ولا دين صحيح، ولا دنيا منصورة نعم - يعلمون ان مقالة هولاء مقالة الزنادقة المنافقين؛ ويعلمون ان مقالة هولاء الباطنية شر من مقالة الغالية الذين يعتقدون الهية علي - رضي الله عنه -.
واما القدح في نسبهم فهو ماثور عن جماهير علماء الامة من علماء الطوايف.
وقد تولى الخلافة غيرهم طوايف، وكان في بعضهم من البدعة والعلم ما فيه؛ فلم يقدح الناس في نسب احد من اوليك، كما قدحوا في نسب هولاء ولا نسبوهم الى الزندقة والنفاق كما نسبوا هولاء.
وقد قام من ولد علي طوايف؛ من ولد الحسن، وولد الحسين، كمحمد بن عبد الله بن حسن، واخيه ابراهيم بن عبد الله بن حسن، وامثالهما.
ولم يطعن احد لا من اعدايهم ولا من غير اعدايهم لا في نسبهم ولا في اسلامهم، وكذلك الداعي القايم بطبرستان وغيره من العلويين، وكذلك بنو حمود الذين تغلبوا بالاندلس مدة وامثال هولاء لم يقدح احد في نسبهم، ولا في اسلامهم.
وقد قتل جماعة من الطالبين من على الخلافة، لا سيما في الدولة العباسية، وحبس طايفة موسى بن جعفر وغيره، ولم يقدح اعداوهم في نسبهم، ولا دينهم.
وسبب ذلك ان الانساب المشهورة امرها ظاهر متدارك مثل الشمس لا يقدر العدو ان يطفيه ؛ وكذلك اسلام الرجل وصحة ايمانه بالله والرسول امر لا يخفى، وصاحب النسب والدين لو اراد عدوه ان يبطل نسبه ودينه وله هذه الشهرة لم يمكنه ذلك، فان هذا مما تتوفر الهمم والدواعي على نقله ولا يجوز ان تتفق على ذلك اقوال العلماء.
وهولاء " بنو عبيد القداح " ما زالت علماء الامة المامونون علما ودينا يقدحون في نسبهم ودينهم؛ لا يذمونهم بالرفض والتشيع؛ فان لهم في هذا شركاء كثيرين؛ بل يجعلونهم " من القرامطة الباطنية " الذين منهم الاسماعيلية والنصيرية، ومن جنسهم الخرمية المحمرة وامثالهم من الكفار المنافقين، الذين كانوا يظهرون الاسلام ويبطنون الكفر؛ ولا ريب ان اتباع هولاء باطل؛ وقد وصف العلماء ايمة هذا القول بانهم الذين ابتدعوه ووضعوه؛ وذكروا ما بنوا عليه مذاهبهم؛ وانهم اخذوا بعض قول المجوس وبعض قول الفلاسفة؛ فوضعوا لهم " السابق " " والتالي " " والاساس " " والحجج " " والدعاوى " وامثال ذلك من المراتب.
وترتيب الدعوة سبع درجات؛ اخرها " البلاغ الاكبر؛ والناموس الاعظم " مما ليس هذا موضع تفصيل ذلك.
واذا كان كذلك فمن شهد لهم بصحة نسب او ايمان فاقل ما في شهادته انه شاهد بلا علم، قاف ما ليس له به علم؛ وذلك حرام باتفاق الامة؛ بل ما ظهر عنهم من الزندقة والنفاق.
ومعاداة ما جاء به الرسول: دليل على بطلان نسبهم الفاطمي؛ فان من يكون من اقارب النبي القايمين بالخلافة في امته لا تكون معاداته لدينه كمعاداة هولاء؛ فلم يعرف في بني هاشم، ولا ولد ابي طالب، ولا بني امية: من كان خليفة وهو معاد لدين الاسلام؛ فضلا عن ان يكون معاديا كمعاداة هولاء؛ بل اولاد الملوك الذين لا دين لهم فيكون فيهم نوع حمية لدين ابايهم واسلافهم، فمن كان من ولد سيد ولد ادم الذي بعثه الله بالهدى ودين الحق كيف يعادي دينه هذه المعاداة؛ ولهذا نجد جميع المامونين على دين الاسلام باطنا وظاهرا معادين لهولاء، الا من هو زنديق عدو لله ورسوله، او جاهل لا يعرف ما بعث به رسوله.
وهذا مما يدل على كفرهم.
وكذبهم في نسبهم.
فصل واما سوال القايل " انهم اصحاب العلم الباطن " فدعواهم التي ادعوها من العلم الباطن هو اعظم حجة ودليل على انهم زنادقة منافقون؛ لا يومنون بالله، ولا برسوله، ولا باليوم الاخر، فان هذا العلم الباطن الذي ادعوه هو كفر باتفاق المسلمين واليهود والنصارى؛ بل اكثر المشركين على انه كفر ايضا؛ فان مضمونه ان للكتب الالهية بواطن تخالف المعلوم عند المومنين في الاوامر، والنواهي، والاخبار.
اما " الاوامر " فان الناس يعلمون بالاضطرار من دين الاسلام ان محمدا امرهم بالصلوات المكتوبة، والزكاة المفروضة، وصيام شهر رمضان، وحج البيت العتيق.
واما " النواهي " فان الله تعالى حرم عليهم الفواحش ما ظهر منها وما بطن والاثم، والبغي بغير الحق، وان يشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا، وان يقولوا على الله ما لا يعلمون، كما حرم الخمر، ونكاح ذوات المحارم، والربا والميسر، وغير ذلك.
فزعم هولاء انه ليس المراد بهذا ما يعرفه المسلمون، ولكن لهذا باطن يعلمه هولاء الايمة الاسماعيلية، الذين انتسبوا الى محمد بن اسماعيل بن جعفر، الذين يقولون: انهم معصومون، وانهم اصحاب العلم الباطن، كقولهم: " الصلاة " معرفة اسرارنا؛ لا هذه الصلوات ذات الركوع والسجود والقراءة.
" والصيام " كتمان اسرارنا ليس هو الامساك عن الاكل والشرب والنكاح.
" والحج " زيارة شيوخنا المقدسين.
وامثال ذلك.
وهولاء المدعون للباطن لا يوجبون هذه العبادات ولا يحرمون هذه المحرمات؛ بل يستحلون الفواحش ما ظهر منها وما بطن، ونكاح الامهات والبنات، وغير ذلك من المنكرات، ومعلوم ان هولاء اكفر من اليهود والنصارى، فمن يكون هكذا كيف يكون معصوما؟ ،، واما " الاخبار " فانهم لا يقرون بقيام الناس من قبورهم لرب العالمين؛ ولا بما وعد الله به عباده من الثواب والعقاب؛ بل ولا بما اخبرت به الرسل من الملايكة؛ بل ولا بما ذكرته من اسماء الله وصفاته، بل اخبارهم التي يتبعونها اتباع المتفلسفة المشايين التابعين لارسطو، ويريدون ان يجمعوا بين ما اخبر به الرسل وما يقوله هولاء، كما فعل اصحاب " رسايل اخوان الصفا " وهم على طريقة هولاء العبيديين، ذرية " عبد الله بن ميمون القداح ".
فهل ينكر احد ممن يعرف دين المسلمين، او اليهود، او النصارى: ان ما يقوله اصحاب " رسايل اخوان الصفا " مخالف للملل الثلاث وان كان في ذلك من العلوم الرياضية، والطبيعية، وبعض المنطقية، والالهية، وعلوم الاخلاق، والسياسة، والمنزل: ما لا ينكر؛ فان في ذلك من مخالفة الرسل فيما اخبرت به وامرت به، والتكذيب بكثير مما جاءت به، وتبديل شرايع الرسل كلهم بما لا يخفى على عارف بملة من الملل.
فهولاء خارجون عن الملل الثلاث.
ومن اكاذيبهم وزعمهم: ان هذه " الرسايل " من كلام جعفر بن محمد الصادق.
والعلماء يعلمون انها انما وضعت بعد الماية الثالثة زمان بناء القاهرة، وقد ذكر واضعها فيها ما حدث في الاسلام من استيلاء النصارى على سواحل الشام، ونحو ذلك من الحوادث التي حدثت بعد الماية الثالثة، وجعفر بن محمد - رضي الله عنه - توفي سنة ثمان واربعين وماية، قبل بناء القاهرة باكثر من مايتي سنة؛ اذ القاهرة بنيت حول الستين وثلاثماية، كما في تاريخ الجامع الازهر ".
ويقال: ان ابتداء بنايها سنة ثمان وخمسين، وانه في سنة اثنين وستين قدم " معد بن تميم " من المغرب واستوطنها.
ومما يبين هذا ان المتفلسفة الذين يعلم خروجهم من دين الاسلام كانوا من اتباع مبشر بن فاتك احد امرايهم، وابي علي بن الهيثم اللذين كانا في دولة الحاكم نازلين قريبا من الجامع الازهر.
وابن سينا وابنه واخوه كانوا من اتباعهما: قال ابن سينا: وقرات من الفلسفة، وكنت اسمع ابي واخي يذكران " العقل " " والنفس "، وكان وجوده على عهد الحاكم، وقد علم الناس من سيرة الحاكم ما علموه، وما فعله هشتكين الدرزي بامره من دعوة الناس الى عبادته، ومقاتلته اهل مصر على ذلك، ثم ذهابه الى الشام حتى اضل وادي التيم بن ثعلبة.
والزندقة والنفاق فيهم الى اليوم، وعندهم كتب الحاكم، وقد اخذتها منهم، وقرات ما فيها من عبادتهم الحاكم؛ واسقاطه عنهم الصلاة، والزكاة، والصيام، والحج، وتسمية المسلمين الموجبين لهذه الواجبات المحرمين لما حرم الله ورسوله بالحشوية.
الى امثال ذلك من انواع النفاق التي لا تكاد تحصى.
وبالجملة " فعلم الباطن " الذي يدعون مضمونه الكفر بالله، وملايكته وكتبه ورسله واليوم الاخر؛ بل هو جامع لكل كفر، لكنهم فيه على درجات فليسوا مستوين في الكفر؛ اذ هو عندهم سبع طبقات، كل طبقة يخاطبون بها طايفة من الناس بحسب بعدهم من الدين وقربهم منه.
ولهم القاب وترتيبات ركبوها من مذهب المجوس، والفلاسفة، والرافضة مثل قولهم: " السابق " " والتالي " جعلوهما بازاء، العقل " " والنفس " كالذي يذكره الفلاسفة، وبازاء النور والظلمة كالذي يذكره المجوس.
وهم ينتمون الى محمد بن اسماعيل بن جعفر، ويدعون انه هو السابع ويتكلمون في الباطن.
والاساس، والحجة، والباب، وغير ذلك مما يطول وصفهم.
ومن وصاياهم في " الناموس الاكبر، والبلاغ الاعظم " انهم يدخلون على المسلمين من " باب التشيع " وذلك لعلمهم بان الشيعة من اجهل الطوايف، واضعفها عقلا وعلما، وابعدها عن دين الاسلام علما وعملا، ولهذا دخلت الزنادقة على الاسلام من باب المتشيعة قديما وحديثا، كما دخل الكفار المحاربون مداين الاسلام بغداد بمعاونة الشيعة، كما جرى لهم في دولة الترك الكفار ببغداد وحلب وغيرهما؛ بل كما جرى بتغير المسلمين مع النصارى وغيرهم، فهم يظهرون التشيع لمن يدعونه، واذا استجاب لهم نقلوه الى الرفض والقدح في الصحابة، فان راوه قابلا نقلوه الى الطعن في علي وغيره ثم نقلوه الى القدح في نبينا وساير الانبياء، وقالوا: ان الانبياء لهم بواطن واسرار تخالف ما عليه امتهم، وكانوا قوما اذكياء فضلاء قالوا باغراضهم الدنيوية بما وضعوه من النواميس الشرعية، ثم قدحوا في المسيح ونسبوه الى يوسف النجار، وجعلوه ضعيف الراي حيث تمكن عدوه منه حتى صلبه فيوافقون اليهود في القدح من المسيح؛ لكن هم شر من اليهود.
فانهم يقدحون في الانبياء.
واما موسى ومحمد فيعظمون امرهما، لتمكنهما وقهر عدوهما؛ ويدعون انهما اظهرا ما اظهرا من الكتاب لذب العامة، وان لذلك اسرارا باطنة من عرفها صار من الكمل البالغين.
ويقولون: ان الله احل كل ما نشتهيه من الفواحش والمنكرات، واخذ اموال الناس بكل طريق؛ ولم يجب علينا شيء مما يجب على العامة: من صلاة، وزكاة وصيام وغير ذلك؛ اذ البالغ عندهم قد عرف انه لا جنة ولا نار؛ ولا ثواب ولا عقاب.
وفي " اثبات واجب الوجود " المبدع للعالم على قولين لايمتهم تنكره وتزعم ان المشايين من الفلاسفة في نزاع الا في واجب الوجود؛ ويستهينون بذكر الله واسمه حتى يكتب احدهم اسم الله واسم رسوله في اسفله؛ وامثال ذلك من كفرهم كثير.
وذوو الدعوة التي كانت مشهورة؛ والاسماعيلية الذين كانوا على هذا المذهب بقلاع الالموت وغيرها في بلاد خراسان؛ وبارض اليمن وجبال الشام؛ وغير ذلك: كانوا على مذهب العبيديين المسيول عنهم؛ وابن الصباح الذي كان راس الاسماعيلية؛ وكان الغزالي يناظر اصحابه لما كان قدم الى مصر في دولة المستنصر، وكان اطولهم مدة؛ وتلقى عنه اسرارهم.
وفي دولة المستنصر كانت فتنة البساسري في الماية الخامسة سنة خمسين واربعماية لما جاهد البساسري خارجا عن طاعة الخليفة القايم بامر الله العباسي، واتفق مع المستنصر العبيدي وذهب يحشر الى العراق، واظهروا في بلاد الشام والعراق شعار الرافضة كما كانوا قد اظهروها بارض مصر، وقتلوا طوايف من علماء المسلمين وشيوخهم كما كان سلفهم قتلوا قبل ذلك بالمغرب طوايف، واذنوا على المنابر: " حي على خير العمل " حتى جاء الترك السلاجقة " الذين كانوا ملوك المسلمين فهزموهم وطردوهم الى مصر، وكان من اواخرهم " الشهيد نور الدين محمود " الذي فتح اكثر الشام، واستنقذه من ايدي النصارى؛ ثم بعث عسكره الى مصر لما استنجدوه على الافرنج، وتكرر دخول العسكر اليها مع صلاح الدين الذي فتح مصر؛ فازال عنها دعوة العبيديين من القرامطة الباطنية، واظهر فيها شرايع الاسلام، حتى سكنها من حينيذ من اظهر بها دين الاسلام.
وكان في اثناء دولتهم يخاف الساكن بمصر ان يروي حديثا عن رسول الله فيقتل، كما حكى ذلك ابراهيم بن سعد الحبال صاحب عبد الغني بن سعيد، وامتنع من رواية الحديث خوفا ان يقتلوه، وكانوا ينادون بين القصرين: من لعن وسب، فله دينار واردب.
وكان بالجامع الازهر عدة مقاصير يلعن فيها الصحابة؛ بل يقطعهم فيها بالكفر الصريح، وكان لهم مدرسة بقرب " المشهد " الذي بنوه ونسبوه الى الحسين وليس، فيه الحسين، ولا شيء منه: باتفاق العلماء.
وكانوا لا يدرسون في مدرستهم علوم المسلمين؛ بل المنطق، والطبيعة، والالهي، ونحو ذلك من مقالات الفلاسفة.
وبنوا ارصادا على الجبال وغير الجبال، يرصدون فيها الكواكب، يعبدونها، ويسبحونها، ويستنزلون روحانياتها التي هي شياطين تتنزل على المشركين الكفار، كشياطين الاصنام، ونحو ذلك.
" والمعز بن تميم بن معد " اول من دخل القاهرة منهم في ذلك، فصنف كلاما معروفا عند اتباعه؛ وليس هذا " المعز بن باديس " فان ذاك كان مسلما من اهل السنة، وكان رجلا من ملوك المغرب؛ وهذا بعد ذاك بمدة.
ولاجل ما كانوا عليه من الزندقة والبدعة بقيت البلاد المصرية مدة دولتهم نحو مايتي سنة قد انطفا نور الاسلام والايمان، حتى قالت فيها العلماء: انها كانت دار ردة ونفاق، كدار مسيلمة الكذاب.
والقرامطة " الخارجين بارض العراق الذين كانوا سلفا لهولاء القرامطة ذهبوا من العراق الى المغرب، ثم جاءوا من المغرب الى مصر؛ فان كفر هولاء وردتهم من اعظم الكفر والردة، وهم اعظم كفرا وردة من كفر اتباع مسيلمة الكذاب ونحوه من الكذابين؛ فان اوليك لم يقولوا في الالهية والربوبية والشرايع ما قاله ايمة هولاء.
ولهذا يميز بين قبورهم وقبور المسلمين، كما يميز بين قبور المسلمين والكفار فان قبورهم موجهة الى غير القبلة.
واذا اصاب الخيل ارصده اتوا بها الى قبورهم، كما ياتون بها الى قبور الكفار، وهذه عادة معروفة للخيل اذا اصاب الخيل مغل ذهبوا بها الى قبور النصارى بدمشق، وان كانوا بمساكن الاسماعيلية والنصيرية ونحوهما، ذهبوا بها الى قبورهم، وان كانوا بمصر ذهبوا بها الى قبور اليهود والنصارى، او لهولاء العبيديين الذين قد يتسمون بالاشراف، وليسوا من الاشراف، ولا يذهبون بالخيل الى قبور الانبياء والصالحين؛ ولا الى قبور عموم المسلمين وهذا امر مجرد معلوم عند الجند وعلمايهم.
وقد ذكر سبب ذلك: ان الكفار يعاقبون في قبورهم، فتسمع اصواتهم البهايم، كما اخبر النبي بذلك ان الكفار يعذبون في قبورهم، ففي الصحيحين عن النبي: «انه كان راكبا على بغلته، فمر بقبور فحادت به كادت تلقيه، فقال: هذه اصوات يهود تعذب في قبورها، فان البهايم اذا سمعت ذلك الصوت المنكر اوجب لها من الحرارة ما يذهب المغل» ، وكان الجهال يظنون ان تمشية الخيل عند قبور هولاء لدينهم وفضلهم، فلما تبين لهم انهم يمشونها عند قبور اليهود والنصارى والنصيرية ونحوهم دون قبور الانبياء والصالحين، وذكر العلماء انهم لا يمشونها عند قبر من يعرف بالدين بمصر والشام وغيرها؛ انما يمشونها عند قبور الفجار والكفار: تبين بذلك ما كان مشتبها.
ومن علم حوادث الاسلام، وما جرى فيه بين اوليايه واعدايه الكفار والمنافقين: علم ان عداوة هولاء المعتدين للاسلام الذين بعث الله به رسوله اعظم من عداوة التتار، وان علم الباطن الذي كانوا يدعون حقيقته هو ابطال الرسالة التي بعث الله بها محمدا؛ بل ابطال جميع المرسلين؛ وانهم لا يقروه بما جاء به الرسول عن الله، ولا من خبره، ولا من امره؛ وان لهم قصدا موكدا في ابطال دعوته وافساد ملته، وقتل خاصته واتباع عثرته.
وانهم في معاداة الاسلام؛ بل وساير الملل: اعظم من اليهود والنصارى؛ فان اليهود والنصارى يقرون باصل الجمل التي جاءت بها الرسل: كاثبات الصانع، والرسل؛ والشرايع، واليوم الاخر، ولكن يكذبون بعض الكتب والرسل، كما قال الله سبحانه: {ان الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون ان يفرقوا بين الله ورسله ويقولون نومن ببعض ونكفر ببعض ويريدون ان يتخذوا بين ذلك سبيلا}[النساء: 150] {اوليك هم الكافرون حقا واعتدنا للكافرين عذابا مهينا}[النساء: 151] .
واما هولاء القرامطة فانهم في الباطن كافرون بجميع الكتب والرسل، يخفون ذلك ويكتمونه عن غير من يثقون به؛ لا يظهرونه، كما يظهر اهل الكتاب دينهم، لانهم لو اظهروه لنفر عنهم جماهير اهل الارض من المسلمين وغيرهم، وهم يفرقون بين مقالتهم ومقالة الجمهور؛ بل الرافضة الذين ليسوا زنادقة كفارا يفرقون بين مقالتها ومقالة الجمهور، ويرون كتمان مذهبهم، واستعمال التقية، وقد لا يكون من الرافضة من له نسب صحيح مسلما في الباطن ولا يكون زنديقا؛ لكن يكون جاهلا مبتدعا.
واذا كان هولاء مع صحة نسبهم واسلامهم يكتمون ما هم عليه من البدعة والهوى لكن جمهور الناس يخالفونهم: فكيف بالقرامطة الباطنية الذين يكفرهم اهل الملل كلها من المسلمين واليهود والنصارى.
وانما يقرب منهم " الفلاسفة المشاءون اصحاب ارسطو " فان بينهم وبين القرامطة مقاربة كبيرة.
ولهذا يوجد فضلاء القرامطة في الباطن متفلسفة: كسنان الذي كان بالشام، والطوسي الذي كان وزيرا لهم بالالموت، ثم صار منجما لهولاء وملك الكفار، وصنف " شرح الاشارات لابن سينا " وهو الذي اشار على ملك الكفار بقتل الخليفة وصار عند الكفار الترك هو المقدم على الذين يسمونهم " الداسميدية " فهولاء وامثالهم يعلمون ان ما يظهره القرامطة من الدين والكرامات ونحو ذلك انه باطل؛ لكن يكون احدهم متفلسفا، ويدخل معهم لموافقتهم له على ما هو فيه من الاقرار بالرسل والشرايع في الظاهر، وتاويل ذلك بامور يعلم بالاضطرار انها مخالفة لما جاءت به الرسل.
فان " المتفلسفة " متاولون ما اخبرت به الرسل من امور الايمان بالله واليوم الاخر بالنفي والتعطيل الذي يوافق مذهبهم، واما الشرايع العملية فلا ينفونها كما ينفيها القرامطة؛ بل يوجبونها على العامة؛ ويوجبون بعضها على الخاصة، او لا يوجبون ذلك.
ويقولون: ان الرسل فيما اخبروا به وامروا به لم ياتوا بحقايق الامور؛ ولكن اتوا بامر فيه صلاح العامة، وان كان هو كذبا في الحقيقة.
ولهذا اختار كل مبطل ان ياتي بمخاريق لقصد صلاح العامة، كما فعل ابن التومرت الملقب بالمهدي، ومذهبه في الصفات مذهب الفلاسفة لانه كان مثلها في الجملة، ولم يكن منافقا مكذبا للرسل معطلا للشرايع، ولا يجعل للشريعة العملية باطنا يخالف ظاهرها؛ بل كان فيه نوع من راي الجهمية الموافق لراي الفلاسفة، ونوع من راي الخوارج الذين يرون السيف ويكفرون بالذنب.
فهولاء " القرامطة " هم في الباطن والحقيقة اكفر من اليهود والنصارى واما في الظاهر فيدعون الاسلام بل وايصال النسب الى العترة النبوية، وعلم الباطن الذي لا يوجد عند الانبياء والاولياء، وان امامهم معصوم.
فهم في الظاهر من اعظم الناس دعوى بحقايق الايمان وفي الباطن من اكفر الناس بالرحمن بمنزلة من ادعى النبوة من الكذابين قال تعالى: {ومن اظلم ممن افترى على الله كذبا او قال اوحي الي ولم يوح اليه شيء ومن قال سانزل مثل ما انزل الله}[الانعام: 93] وهولاء قد يدعون هذا وهذا فان الذي يضاهي الرسول الصادق لا يخلو اما ان يدعي مثل دعوته فيقول: ان الله ارسلني وانزل علي، وكذب على الله او يدعي انه يوحى اليه ولا يسمي موحيه كما يقول قيل لي ونوديت وخوطبت ونحو ذلك ويكون كاذبا، فيكون هذا قد حذف الفاعل او لا يدعي واحدا من الامرين لكنه يدعي انه يمكنه ان ياتي بما اتى به الرسول ووجه القسمة ان ما يدعيه في مضاهاة الرسول اما ان يضيفه الى الله او الى نفسه او لا يضيفه الى احد فهولاء في دعواهم مثل الرسول هم اكفر من اليهود والنصارى فكيف بالقرامطة الذين يكذبون على الله اعظم مما فعل مسيلمة والحدوا في اسماء الله واياته اعظم مما فعل مسيلمة وحاربوا الله ورسوله اعظم مما فعل مسيلمة، وبسط حالهم يطول لكن هذه الاوراق لا تسع اكثر من هذا.
وهذا الذي ذكرته حال ايمتهم وقادتهم العالمين بحقيقة قولهم، ولا ريب انه قد انضم اليهم من الشيعة والرافضة من لا يكون في الباطن عالما بحقيقة باطنهم ولا موافقا لهم على ذلك، فيكون من اتباع الزنادقة المرتدين الموالي لهم الناصر لهم؛ بمنزلة اتباع الاتحادية الذين يوالونهم ويعظمونهم وينصرونهم، ولا يعرفون حقيقة قولهم في وحدة الوجود؛ وان الخالق هو المخلوق.
فمن كان مسلما في الباطن وهو جاهل معظم لقول ابن عربي وابن سبعين وابن الفارض وامثالهم من اهل الاتحاد فهو منهم، وكذا من كان معظما للقايلين بمذهب الحلول والاتحاد فان نسبة هولاء الى الجهمية كنسبة اوليك الى الرافضة والجهمية، ولكن القرامطة اكفر من الاتحادية بكثير؛ ولهذا كان احسن حال عوامهم ان يكونوا رافضة جهمية.
واما الاتحادية ففي عوامهم من ليس برافضي ولا جهمي صريح؛ ولكن لا يفهم كلامهم؛ ويعتقد ان كلامهم كلام الاولياء المحققين.
وبسط هذا الجواب له مواضع غير هذا، والله اعلم.
What's Your Reaction?






