مسالة فيما يتعلق بالتهم في المسروقات في ولايته

مسالة فيما يتعلق بالتهم في المسروقات في ولايته

مسالة فيما يتعلق بالتهم في المسروقات في ولايته
764 - 118

مسالة:

فيما يتعلق بالتهم في المسروقات في ولايته؛ فان ترك الفحص في ذلك ضاعت الاموال، وطمعت الفساق.

وان وكله الى غيره ممن هو تحت يده غلب على ظنه انه يظلم فيها، او يتحقق انه لا يفي بالمقصود في ذلك؟ وان اقدم وسال او امسك المتهومين وعاقبهم خاف الله تعالى في اقدامه على امر مشكوك فيه؟ وهو يسال ضابطا في هذه الصورة، وفي امر قاطع الطريق؟

الجواب::

اما التهم في السرقة وقطع الطريق ونحو ذلك فليس له ان يفوضها الى من يغلب على ظنه انه يظلم فيها مع امكان ان يقيم فيها من العدول ما يقدر عليه، وذلك ان الناس في التهم ثلاثة اصناف: صنف: معروف عند الناس بالدين والورع وانه ليس من اهل التهم.

فهذا لا يحبس، ولا يضرب؛ بل ولا يستحلف في احد قولي العلماء؛ بل يودب من يتهمه فيما ذكره كثير منهم.

والثاني: من يكون مجهول الحال لا يعرف ببر ولا فجور.

فهذا يحبس حتى يكشف عن حاله.

وقد قيل: يحبس شهرا.

وقيل: يحبس بحسب اجتهاد ولي الامر.

والاصل في ذلك ما روى ابو داود وغيره «ان النبي - صلى الله عليه وسلم - حبس في تهمة» وقد نص على ذلك الايمة، وذلك ان هذه بمنزلة ما لو ادعى عليه مدع فانه يحضر مجلس ولي الامر الحاكم بينهما، وان كان في ذلك تعويقه عن اشغاله، فكذلك تعويق هذا الى ان يعلم امره، ثم اذا سال عنه ووجد بارا اطلق.

وان وجد فاجرا كان من: الصنف الثالث: وهو الفاجر الذي قد عرف منه السرقة قبل ذلك، او عرف باسباب السرقة: مثل ان يكون معروفا بالقمار.

والفواحش التي لا تتاتى الا بالمال، وليس له مال، ونحو ذلك فهذا لوث في التهمة؛ ولهذا قالت طايفة من العلماء ان مثل هذا يمتحن بالضرب يضربه الوالي والقاضي - كما قال اشهب صاحب مالك وغيره - حتى يقر بالمال.

وقالت طايفة: يضربه الوالي؛ دون القاضي، كما قال ذلك طايفة من اصحاب الشافعي واحمد، كما ذكره القاضيان الماوردي والقاضي ابو يعلى في كتابيهما في الاحكام السلطانية، وهو قول طايفة من المالكية، كما ذكره الطرسوسي وغيره.

ثم المتولي له ان يقصد بضربه مع تقريره عقوبته على فجوره المعروف، فيكون تعزيرا وتقريرا.

وليس على المتولي ان يرسل جميع المتهومين حتى ياتي ارباب الاموال بالبينة على من سرق؛ بل قد انزل على نبيه في قصة كانت تهمة في سرقة قوله تعالى: {انا انزلنا اليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما اراك الله ولا تكن للخاينين خصيما}[النساء: 105] {واستغفر الله ان الله كان غفورا رحيما}[النساء: 106] {ولا تجادل عن الذين يختانون انفسهم ان الله لا يحب من كان خوانا اثيما - يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم اذ يبيتون ما لا يرضى من القول وكان الله بما يعملون محيطا - ها انتم هولاء جادلتم عنهم في الحياة الدنيا فمن يجادل الله عنهم يوم القيامة ام من يكون عليهم وكيلا}[النساء: 107 - 109] الى اخر الايات، وكان سبب ذلك ان قوما يقال لهم بنو ابيرق سرقوا لبعض الانصار طعاما ودرعين، فجاء صاحب المال يشتكي الى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجاء قوم يزكون المتهمين بالباطل؛ فكان النبي - صلى الله عليه وسلم - ظن صدق المزكين فلام صاحب المال: فانزل الله هذه الاية، ولم يقل النبي - صلى الله عليه وسلم - لصاحب المال: اقم البينة؛ ولا حلف المتهمين؛ لان اوليك المتهمين كانوا معروفين بالشر، وظهرت الريبة عليهم.

وهكذا حكم النبي - صلى الله عليه وسلم - بالقسامة في الدماء اذا كان هناك لوث يغلب على الظن صدق المدعين؛ فان هذه الامور من الحدود في المصالح العامة؛ ليست من الحقوق الخاصة، فلولا القسامة في الدماء لافضى الى سفك الدماء فيقتل الرجل عدوه خفية، ولا يمكن اولياء المقتول اقامة البينة؛ واليمين على القاتل والسارق والقاطع سهلة، فان من يستحل هذه الامور لا يكترث اليمين.

وقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لو يعطى الناس بدعواهم لادعى قوم دماء قوم واموالهم؛ ولكن اليمين على المدعى عليه» هذا فيما لا يمكن من المدعي حجة غير الدعوى فانه لا يعطى بها شييا، ولكن يحلف المدعى عليه.

فاما اذا اقام شاهدا بالمال فان النبي - صلى الله عليه وسلم - قد حكم في المال بشاهد ويمين وهو قول فقهاء الحجاز واهل الحديث، كمالك، والشافعي، واحمد وغيرهم، واذا كان في دعوى الدم لوث فقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - للمدعين: «اتحلفون خمسين يمينا وتستحقون دم صاحبكم» ؟ .

كذلك امر " قطاع الطريق " وامر " اللصوص " وهو من المصالح العامة التي ليست من الحقوق الخاصة؛ فان الناس لا يامنون على انفسهم واموالهم في المساكن والطرقات الا بما يزجرهم في قطع هولاء، ولا يزجرهم ان يحلف كل منهم؛ ولهذا اتفق الفقهاء على ان قاطع الطريق لاخذ المال يقتل حتما، وقتله حد لله؛ وليس قتله مفوضا الى اولياء المقتول.

قالوا: لان هذا لم يقتله لغرض خاص معه؛ انما قتله لاجل المال، فلا فرق عنده بين هذا المقتول وبين غيره، فقتله مصلحة عامة.

فعلى الامام ان يقيم ذلك.

وكذلك " السارق " ليس غرضه في مال معين، وانما غرضه اخذ مال هذا ومال هذا، كذلك كان قطعه حقا واجبا لله ليس لرب المال؛ بل رب المال ياخذ ماله، وتقطع يد السارق، حتى لو قال صاحب المال: انا اعطيه مالي لم يسقط عنه القطع، كما قال صفوان للنبي - صلى الله عليه وسلم -: انا اهبه ردايي، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «فهلا فعلت قبل ان تاتي به» ، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «من حالت شفاعته دون حد من حدود الله فقد ضاد الله في امره ومن خاصم في باطل وهو يعلم لم يزل في سخط الله حتى ينزع، ومن قال في مسلم ما ليس فيه حبس في ردغة الخبال حتى يخرج مما قال» وقال للزبير بن العوام «اذا بلغت الحدود السلطان فلعن الله الشافع والمشفع» .

ومما يشبه هذا من ظهر عنده مال يجب عليه احضاره كالمدين اذا ظهر انه غيب ماله واصر على الحبس، وكمن عنده امانة ولم يردها الى مستحقها ظهر كذبه.

فانه لا يحلف؛ لكن يضرب حتى يحضر المال الذي يجب احضاره، او يعرف مكانه، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - للزبير بن العوام عام خيبر في عم حيي بن اخطب، وكان النبي صالحهم على ان له الذهب والفضة؛ فقال لهذا الرجل: «اين كنز حيي بن اخطب؟ فقال: يا محمد، اذهبته النفقات، والحروب، فقال: المال كثير، والعهد احدث من هذا ثم قال: دونك هذا فمسه بشيء من العذاب، فدلهم عليه في خربة هناك» فهذا لما قال اذهبته النفقات والحروب والعادة تكذبه في ذلك لم يلتفت اليه بل امر بعقوبته حتى دلهم على المال؛ فكذلك من اخذ من اموال الناس وادعى ذهابها دعوى تكذبه فيها العادة كان هذا حكمه.

What's Your Reaction?

like
0
dislike
0
love
0
funny
0
angry
0
sad
0
wow
0