مسالة كفارة اليمين

مسالة كفارة اليمين

مسالة كفارة اليمين
834 - 3

مسالة:

في كفارة اليمين.

الجواب::

قال شيخ الاسلام ابن تيمية: كفارة اليمين هي المذكورة في سورة المايدة، قال تعالى: {فكفارته اطعام عشرة مساكين من اوسط ما تطعمون اهليكم او كسوتهم او تحرير رقبة فمن لم يجد فصيام ثلاثة ايام}[المايدة: 89] .

فمتى كان واحدا فعليه ان يكفر باحدى الثلاث، فان لم يجد فصيام ثلاثه ايام، واذا اختار ان يطعم عشرة مساكين فله ذلك، ومقدار ما يطعم مبني على اصل، وهو ان اطعامهم هل هو مقدر بالشرع او بالعرف؟ فيه قولان للعلماء: منهم من قال: هو مقدر بالشرع وهولاء على اقوال: منهم من قال: يطعم كل مسكين صاعا من تمر، او صاعا من شعير، او نصف صاع من بر، كقول ابي حنيفة وطايفة ومنهم من قال: يطعم كل واحد نصف صاع من تمر وشعير، او ربع صاع من بر، وهو مد كقول احمد وطايفة.

ومنهم من قال: بل يجزي في الجميع مد من الجميع، كقول الشافعي وطايفة والقول الثاني: ان ذلك مقدر بالعرف، لا بالشرع، فيطعم اهل كل بلد من اوسط ما يطعمون اهليهم قدرا ونوعا.

وهذا معنى قول مالك قال اسماعيل بن اسحاق: كان مالك يرى في كفارة اليمين ان المد يجزي بالمدينة.

قال مالك: واما البلدان فان لهم عيشا غير عيشنا فارى ان يكفروا بالوسط من عيشهم لقول الله تعالى: {من اوسط ما تطعمون اهليكم او كسوتهم}[المايدة: 89] وهو مذهب داود واصحابه مطلقا.

والمنقول عن اكثر الصحابة والتابعين هذا القول، ولهذا كانوا يقولون الاوسط خبز ولبن، خبز وسمن، وخبز وتمر.

والاعلى خبز ولحم، وقد بسطنا الاثار عنهم في غير هذا الموضع، وبينا ان هذا القول هو الصواب الذي يدل عليه الكتاب والسنة والاعتبار، وهو قياس مذهب احمد واصوله، فان اصله ان ما لم يقدره الشارع فانه يرجع فيه الى العرف، وهذا لم يقدره الشارع فيرجع فيه الى العرف، لا سيما مع قوله تعالى {من اوسط ما تطعمون اهليكم}[المايدة: 89] فان احمد لا يقدر طعام المراة والولد ولا المملوك ولا يقدر اجرة الاجير المستاجر بطعامه وكسوته في ظاهر مذهبه، ولا يقدر الضيافة الواجبة عنده قولا واحدا، ولا يقدر الضيافة المشروطة على اهل الذمة للمسلمين في ظاهر مذهبه.

هذا مع ان هذه واجبة بالشرط، فكيف يقدر طعاما واجبا بالشرع، بل ولا يقدر الجزية في اظهر الروايتين عنه، ولا الخراج، ولا يقدر ايضا الاطعمة الواجبة مطلقا سواء وجبت بشرع او شرط، ولا غير الاطعمة مما وجبت مطلقا، فطعام الكفارة اولى ان لا يقدر.

والاقسام ثلاثة: فماله حد في الشرع او اللغة رجع في ذلك اليهما، وما ليس له حد فيهما رجع فيه الى العرف، ولهذا لا يقدر للعقود الفاظا، بل اصله في هذه الامور من جنس اصل مالك، كما ان قياس مذهبه ان يكون الواجب في صدقة الفطر نصف صاع من بر، وقد دل على ذلك كلامه ايضا كما قد بين في موضع اخر، وان كان المشهور عنه تقدير ذلك بالصاع كالتمر والشعير.

وقد تنازع العلماء في الادم هل هو واجب او مستحب؟ على قولين: والصحيح انه ان كان يطعم اهله، بادم اطعم المساكين بادم، وان كان انما يطعمهم بلا ادم لم يكن عليه ان يفضل المساكين على اهله، بل يطعم المساكين من اوسط ما يطعم اهله.

وعلى هذا فمن البلاد من يكون اوسط طعام اهله مدا من حنطة، كما يقال عن اهل المدينة واذا صنع خبزا جاء نحو رطلين بالعراقي، وهو بالدمشقي خمسة اواق وخمسة اسباع اوقية، فان جعل بعضه ادما كما جاء عن السلف كان الخبز نحوا من اربعة اواق، وهذا لا يكفي اكثر اهل الامصار.

فلهذا قال جمهور العلماء يطعم في غير المدينة اكثر من هذا: اما مدان او مد ونصف على قدر طعامهم، فيطعم من الخبز اما نصف رطل بالدمشقي، واما ثلثا رطل، واما رطل، واما اكثر، اما مع الادم، واما بدون الادم على قدر عادتهم في الاكل في وقت.

فان عادة الناس تختلف بالرخص، والغلاء، واليسار، والاعسار، وتختلف بالشتاء والصيف، وغير ذلك.

واذا حسب ما يوجبه ابو حنيفة خبزا كان رطلا وثلثا بالدمشقي، فانه يوجب نصف صاع عنده ثمانية ارطال.

واما ما يوجبه من التمر والشعير فيوجب صاعا ثمانية ارطال، وذلك بقدر ما يوجبه الشافعي ست مرات، وهو بقدر ما يوجبه احمد بن حنبل ثلاث مرات.

والمختار ان يرجع في ذلك الى عرف الناس وعادتهم فقد يجزي في بلد ما اوجبه ابو حنيفة، وفي بلد ما اوجبه احمد، وفي بلد اخر ما بين هذا وهذا على حسب عادته عملا بقوله تعالى: {من اوسط ما تطعمون اهليكم}[المايدة: 89] واذا جمع عشرة مساكين وعشاهم خبزا او ادما من اوسط ما يطعم اهله، اجزاه ذلك عند اكثر السلف، وهو مذهب ابي حنيفة، ومالك، واحمد في احدى الروايتين وغيرهم، وهو اظهر القولين في الدليل، فان الله تعالى امر بالاطعام لم يوجب التمليك، وهذا اطعام حقيقة، ومن اوجب التمليك احتج بحجتين: احداهما: ان الطعام الواجب مقدر بالشرع، ولا يعلم اذا اكلوا ان كل واحد ياكل قدر حقه والثانية: انه بالتمليك يتمكن من التصرف الذي لا يمكنه مع الاطعام.

وجواب الاولى انا لا نسلم انه مقدر بالشرع، وان قدر انه مقدر به.

فالكلام انما هو اذا اشبع كل واحد منهم غداه وعشاه، وحينيذ فيكون قد اخذ كل واحد قدر حقه واكثر.

واما التصرف بما شاء، فالله تعالى لم يوجب ذلك انما اوجب الاطعام، ولو اراد ذلك لاوجب مالا من النقد ونحوه، وهو لم يوجب ذلك.

والزكاة انما اوجب فيها التمليك، لانه ذكرها باللام بقوله تعالى: {انما الصدقات للفقراء والمساكين}[التوبة: 60] .

ولهذا حيث ذكر الله التصرف بحرف الظرف كقوله: {وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله}[التوبة: 60] .

فالصحيح انه لا يجب التمليك، بل يجوز ان يعتق من الزكاة وان لم يكن تمليكا للمعتق، ويجوز ان يشتري منها سلاحا يعين به في سبيل الله وغير ذلك، ولهذا قال من قال من العلماء: الاطعام اولى من التمليك؛ لان المملك قد يبيع ما اعطيته ولا ياكله، بل قد يكنزه، فاذا اطعم الطعام حصل مقصود الشارع قطعا.

وغاية ما يقال ان التمليك قد يسمى اطعاما كما يقال اطعم رسول الله الجدة السدس، وفي الحديث: «ما اطعم الله نبيا طعمة الا كانت لمن يلي الامر من بعده» .

لكن يقال لا ريب ان اللفظ يتناول الاطعام المعروف بطريق الاولى، ولان ذاك انما يقال اذا ذكر المطعم فيقال اطعمه كذا، فاما اذا اطلق وقيل اطعم هولاء المساكين، فانه لا يفهم منه الا نفس الاطعام، لكن لما كانوا ياكلون ما ياخذونه سمي التمليك للطعام اطعاما؛ لان المقصود هو الاطعام، اما اذا كان المقصود مصرفا غير الاكل فهذا لا يسمى اطعاما عند الاطلاق.

What's Your Reaction?

like
0
dislike
0
love
0
funny
0
angry
0
sad
0
wow
0