مسالة في رجل نوى زيارة قبر نبي من الانبياء فهل يجوز له في سفره ان يقصر الصلاة
مسالة في رجل نوى زيارة قبر نبي من الانبياء فهل يجوز له في سفره ان يقصر الصلاة

مسالة:
في رجل نوى زيارة قبر نبي من الانبياء مثل نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - وغيره، فهل يجوز له في سفره ان يقصر الصلاة؟ وهل هذه الزيارة شرعية ام لا؟ وقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - انه قال «من حج ولم يزرني فقد جفاني، ومن زارني بعد مماتي فكانما زارني في حياتي» ، وقد روي عنه انه قال «لا تشد الرحال الا الى ثلاثة مواضع: المسجد الحرام، والمسجد الاقصى، ومسجدي هذا» .
الجواب::
الحمد لله رب العالمين.اما من سافر لمجرد زيارة قبور الانبياء والصالحين فهل يجوز له قصر الصلاة؟ على قولين معروفين: احدهما: وهو قول متقدمي العلماء الذين لا يجوزون القصر في سفر المعصية كابي عبد الله بن بطة وابي الوفا بن عقيل، وطوايف كبيرة من العلماء المتقدمين انه لا يجوز القصر في مثل هذا السفر، لانه سفر منهي عنه، وهو مذهب مالك والشافعي واحمد ان السفر المنهي عنه في الشريعة لا يقصر فيه.
والقول الثاني: انه يقصر، وهذا يقوله من يجوز القصر في السفر المحرم كابي حنيفة ويقوله بعض المتاخرين من اصحاب الشافعي واحمد ممن يجوز السفر لزيارة قبور الانبياء والصالحين: كابي حامد الغزالي، وابي الحسن عبدوس الحراني، وابي محمد بن قدامة المقدسي، وهولاء يقولون ان هذا السفر ليس بمحرم لعموم قوله «فزوروا القبور» .
وقد يحتج بعض من لا يعرف الحديث بالاحاديث المروية في زيارة قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - كقوله «من زارني بعد مماتي فكانما زارني في حياتي» رواه الدارقطني، وابن ماجه، واما ما يذكره بعض الناس من قوله «من حج ولم يزرني فقد جفاني» فهذا لم يروه احد من العلماء، وهو مثل قوله «من زارني وزار ابي ضمنت له على الله الجنة» فان هذا ايضا باطل باتفاق العلماء لم يروه احد، ولم يحتج به احد، وانما يحتج بعضهم بحديث الدارقطني.
وقد احتج ابو محمد المقدسي على جواز السفر لزيارة القبور بان النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يزور مسجد قباء.
واجاب عن حديث «لا تشد الرحال» بان ذلك محمول على نفي الاستحباب.
واما الاولون فانهم يحتجون بما في الصحيحين: عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا تشد الرحال الا الى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام والمسجد الاقصى ومسجدي هذا» وهذا الحديث اتفق الايمة على صحته والعمل به، فلو نذر الرجل ان يصلي في مسجد او مشهد او يعكف فيه او يسافر اليه غير هذه الثلاثة لم يجب عليه ذلك باتفاق الايمة، ولو نذر ان ياتي المسجد الحرام لحج او عمرة وجب عليه ذلك باتفاق العلماء، ولو نذر ان ياتي مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - او المسجد الاقصى لصلاة او اعتكاف وجب عليه الوفاء بهذا النذر عند مالك، والشافعي، واحمد، ولم يجب عند ابي حنيفة، لانه لا يجب عنده بالنذر الا ما كان من جنسه واجب بالشرع.
واما الجمهور فيوجهون الوفاء بكل طاعة كما ثبت في صحيح البخاري: عن عايشة ان النبي - صلى الله عليه وسلم - قال «من نذر ان يطيع الله فليطعه، ومن نذر ان يعصي الله فلا يعصه» والسفر الى المسجد هو طاعة فلهذا وجب الوفاء به.
واما السفر الى بقعة غير المساجد الثلاثة فلم يوجب احد من العلماء السفر اليه اذا نذره حتى نص العلماء على انه لا يسافر الى مسجد قباء، لانه ليس من الثلاثة، مع ان مسجد قباء تستحب زيارته لمن كان بالمدينة، لان ذلك ليس بشد رحل كما في الصحيح «من تطهر في بيته ثم اتى مسجد قباء لا يريد الا الصلاة فيه كان كعمرة» .
قالوا: ولان السفر الى زيارة قبور الانبياء والصالحين بدعة لم يفعلها احد من الصحابة ولا التابعين، ولا امر بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا استحب ذلك احد من ايمة المسلمين، لمن اعتقد ذلك عبادة وفعلها فهو مخالف للسنة ولاجماع الايمة.
وهذا مما ذكره ابو عبد الله بن بطة في ابانته الصغرى من البدع المخالفة للسنة والاجماع.
وبهذا يظهر ضعف حجة ابي محمد، فان «زيارة النبي - صلى الله عليه وسلم - لمسجد قباء لم تكن بشد الرحل» ، وهو يسلم لهم ان السفر اليه لا يجب بالنذر.
وقوله ان قوله «لا تشد الرحال» محمول على نفي الاستحباب يجاب عنه من وجهين: احدهما: ان هذا تسليم منه ان هذا السفر ليس بعمل صالح ولا قربة ولا طاعة ولا هو من الحسنات.
ومن اعتقد في السفر لزيارة قبور الانبياء والصالحين انه قربة وعبادة وطاعة فقد خالف الاجماع، واذا سافر لاعتقاده انه طاعة فان ذلك محرم باجماع المسلمين فصار التحريم من جهة اتخاذه قربة.
ومعلوم ان احدا لا يسافر اليها الا لذلك، واما اذا قدر ان شد الرحل اليها لغرض مباح فهذا جايز من هذا الباب.
الوجه الثاني: ان النفي يقتضي النهي، والنهي يقتضي التحريم، وما ذكروه من الاحاديث في زيارة قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - فكلها ضعيفة باتفاق اهل العلم بالحديث، بل هي موضوعة لم يرو احد من اهل السنن المعتمدة شييا منها، ولم يحتج احد من الايمة بشيء منها، بل مالك امام اهل المدينة النبوية الذين هم اعلم الناس بحكم هذه المسالة كره ان يقول الرجل: زرت قبر النبي، ولو كان هذا اللفظ معروفا عندهم او مشروعا او ماثورا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يكرهه عالم المدينة.
الامام احمد - رضي الله عنه - اعلم الناس في زمانه بالسنة لما سيل عن ذلك لم يكن عنده ما يعتمد عليه في ذلك الا حديث ابي هريرة ان النبي - صلى الله عليه وسلم - قال «ما من رجل يسلم علي الا رد الله علي روحي حتى ارد عليه السلام» وعلى هذا اعتمد ابو داود في سننه، وكذلك مالك في الموطا: روى عن عبد الله بن عمر انه كان اذا دخل المسجد قال السلام عليك يا رسول الله السلام عليك يا ابا بكر السلام عليك يا ابت ثم ينصرف.
وفي سنن ابي داود عن النبي - صلى الله عليه وسلم - انه قال: «لا تتخذوا قبري عيدا، وصلوا علي اينما كنتم فان صلاتكم تبلغني» وفي سنن سعيد بن منصور ان عبد الله بن حسن بن حسين بن علي بن ابي طالب راى رجلا يختلف الى قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - ويدعوه عنده فقال: يا هذا ان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا تتخذوا قبري عيدا وصلوا علي اينما كنتم فان صلاتكم تبلغني» فما انت ورجل بالاندلس منه الا سواء.
وفي الصحيحين: عن عايشة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - انه «قال في مرض موته لعن الله اليهود والنصارى، اتخذوا قبور انبيايهم مساجد» يحذر ما فعلوا.
قالت عايشة ولولا ذلك لابرز قبره، ولكن كره ان يتخذ مسجدا، فهم دفنوه في حجرة عايشة بخلاف ما اعتادوه من الدفن في الصحراء ليلا يصلي احد على قبره ويتخذه مسجدا فيتخذ قبره وثنا، وكان الصحابة والتابعون لما كانت الحجرة النبوية منفصلة عن المسجد الى زمن الوليد بن عبد الملك لا يدخل احد عنده لا لصلاة هناك ولا لتمسح بالقبر ولا دعاء هناك، بل هذا جميعه انما يفعلونه في المسجد، وكان السلف من الصحابة والتابعين اذا سلموا عليه او ارادوا الدعاء دعوا مستقبلي القبلة ولم يستقبلوا القبر.
واما وقت السلام عليه فقال ابو حنيفة يستقبل القبلة ايضا ولا يستقبل القبر، وقال اكثر الايمة بل يستقبل القبر عند السلام خاصة، ولم يقل احد من الايمة انه يستقبل القبر عند الدعاء الا حكاية مكذوبة تروى عن مالك، ومذهبه بخلافها.
واتفق الايمة على انه لا يتمسح بقبر النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا يقبله، وهذا كله محافظة على التوحيد، فان من اصول الشرك بالله اتخاذ القبور مساجد، كما قال طايفة من السلف في قوله تعالى: {وقالوا لا تذرن الهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا}[نوح: 23] قالوا: هولاء كانوا قوما صالحين في قوم نوح، فلما ماتوا عكفوا على قبورهم، ثم صوروا على صورهم تماثيل، ثم طال عليهم الامد فعبدوها.
وقد ذكر هذا المعنى البخاري في صحيحه، عن ابن عباس، وذكره محمد بن جرير الطبري وغيره في التفسير عن غير واحد من السلف، وذكره وثيمة وغيره في قصص الانبياء من عدة طرق.
وقد بسط الكلام على اصول هذه المسايل في غير هذا الموضع.
واول من وضع الاحاديث في السفر لزيارة المشاهد التي على قبورهم اهل البدع الرافضة ونحوهم الذين يعطلون المساجد، ويعظمون المشاهد، يدعون بيوت الله التي امر ان يذكر فيها اسمه، ويعبد وحده لا شريك له، ويعظمون المشاهد التي يشرك فيها ويكذب فيها، ويبتدع فيها دين لم ينزل الله به سلطانا، فان الكتاب والسنة انما فيهم ذكر المساجد دون المشاهد، كما قال: {قل امر ربي بالقسط واقيموا وجوهكم عند كل مسجد وادعوه مخلصين له الدين}[الاعراف: 29] وقال: {انما يعمر مساجد الله من امن بالله}[التوبة: 18] وقال تعالى: {وان المساجد لله فلا تدعوا مع الله احدا}[الجن: 18] وقال تعالى: {ولا تباشروهن وانتم عاكفون في المساجد}[البقرة: 187] وقال تعالى: {ومن اظلم ممن منع مساجد الله ان يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها}[البقرة: 114] .
وقد ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - في الصحيح: انه كان يقول «ان من كان قبلكم كانوا يتخذون القبور مساجد، الا فلا تتخذوا القبور مساجد فاني انهاكم عن ذلك» والله اعلم.
What's Your Reaction?






