باب صلاة الجماعة
باب صلاة الجماعة
فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَبِي سَعِيدٍ «تَفْضُلُ صَلَاةُ الرَّجُلِ فِي الْجَمَاعَةِ عَلَى صَلَاتِهِ وَحْدَهُ بِخَمْسٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً» وَفِي حَدِيثِ
ابْنِ عُمَرَ: «بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً» وَالثَّلَاثَةُ فِي الصَّحِيحِ.
وَقَدْ جُمِعَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ حَدِيثَ الْخَمْسِ وَالْعِشْرِينَ ذُكِرَ فِيهِ الْفَضْلُ الَّذِي بَيْنَ صَلَاةِ الْمُنْفَرِدِ وَالصَّلَاةِ فِي الْجَمَاعَةِ وَالْفَضْلُ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ، وَحَدِيثُ السَّبْعَةِ وَالْعِشْرِينَ ذُكِرَ فِيهِ صَلَاتُهُ مُنْفَرِدًا وَصَلَاتُهُ فِي الْجَمَاعَةِ، فَصَارَ الْمَجْمُوعُ سَبْعًا وَعِشْرِينَ وَمَنْ كَانَتْ عَادَتُهُ الصَّلَاةُ فِي جَمَاعَةٍ وَالصَّلَاةُ قَائِمًا ثُمَّ تَرَكَ ذَلِكَ لِمَرَضٍ أَوْ سَفَرٍ فَإِنَّهُ يَكْتُبُ لَهُ
مَا كَانَ يَعْمَلُ وَهُوَ صَحِيحٌ مُقِيمٌ وَكَذَلِكَ مَنْ تَطَوَّعَ عَلَى الرَّاحِلَةِ وَقَدْ كَانَ يَتَطَوَّعُ فِي الْحَضَرِ فَإِنَّهُ يُكْتَبُ لَهُ مَا كَانَ يُعْمَلُ فِي الْإِقَامَةِ وَأَمَّا مَنْ لَمْ تَكُنْ عَادَتُهُ الصَّلَاةُ فِي جَمَاعَةٍ وَلَا الصَّلَاةُ قَائِمًا إذَا مَرِضَ أَوْ سَافَرَ فَصَلَّى قَاعِدًا أَوْ وَحْدَهُ فَهَذَا لَا يُكْتَبُ لَهُ مِثْلُ صَلَاةِ الصَّحِيحِ الْمُقِيمِ.
وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ فِي " الصَّارِمِ الْمَسْلُولِ ": خَبَرُ التَّفْضِيلِ فِي الْمَعْذُورِ الَّذِي تُبَاحُ لَهُ الصَّلَاةُ وَحْدَهُ، لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «صَلَاةُ الرَّجُلِ قَاعِدًا عَلَى النِّصْفِ وَمُضْطَجِعًا عَلَى النِّصْفِ» فَإِنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْمَعْذُورُ كَمَا فِي الْخَبَرِ أَنَّهُ خَرَجَ عَلَى أَصْحَابِهِ وَقَدْ أَصَابَهُمْ وَعْكٌ وَهُمْ يُصَلُّونَ قُعُودًا، فَقَالَ ذَلِكَ، وَذَكَرَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ،
أَنَّ «مَنْ صَلَّى قَاعِدًا لِغَيْرِ عُذْرٍ لَهُ أَجْرُ الْقَائِمِ» .
وَالْجَمَاعَةُ شَرْطٌ لِلصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ، وَاخْتَارَهَا ابْنُ أَبِي مُوسَى، وَأَبُو الْوَفَاءِ بْنُ عَقِيلٍ، وَلَوْ لَمْ يُمْكِنْهُ الذَّهَابُ إلَّا بِمَشْيِهِ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ فَعَلَ، فَإِذَا صَلَّى وَحْدَهُ لِغَيْرِ عُذْرٍ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ، وَفِي " الْفَتَاوَى الْمِصْرِيَّةِ ": وَإِذَا قُلْنَا هِيَ وَاجِبَةٌ عَلَى الْأَعْيَانِ، وَهُوَ الْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ مِنْ أَئِمَّةِ السَّلَفِ، وَفِيهَا
الْحَدِيثُ، فَهَؤُلَاءِ تَنَازَعُوا فِيمَا إذَا صَلَّى مُنْفَرِدًا لِغَيْرِ عُذْرٍ هَلْ تَصِحُّ صَلَاتُهُ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا: لَا تَصِحُّ، وَهُوَ قَوْلُ طَائِفَةٍ مِنْ قُدَمَاءِ أَصْحَابِ أَحْمَدَ ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي " شَرْحِ الْمُذْهَبِ " عَنْهُمْ.
وَالثَّانِي: تَصِحُّ مَعَ إثْمِهِ بِالتَّرْكِ وَهُوَ الْمَأْثُورُ عَنْ أَحْمَدَ، وَقَوْلُ أَكْثَرِ أَصْحَابِهِ.
وَلَيْسَ لِلْإِمَامِ إعَادَةُ الصَّلَاةِ مَرَّتَيْنِ، وَلَوْ جَعَلَ الثَّانِيَةَ فَائِتَةً أَوْ غَيْرَهَا، وَالْأَئِمَّةُ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّهُ بِدْعَةٌ مَكْرُوهَةٌ، وَفِي " الْفَتَاوَى الْمِصْرِيَّةِ ": وَإِذَا صَلَّى الْإِمَامُ بِطَائِفَةٍ ثُمَّ صَلَّى بِطَائِفَةٍ أُخْرَى تِلْكَ الصَّلَاةَ بِعَيْنِهَا لِعُذْرٍ جَازَ ذَلِكَ لِلْعُذْرِ، مِثْلُ: صَلَاةِ الْخَوْفِ وَنَحْوِهَا، وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ لِغَيْرِ عُذْرٍ، وَلَا يُعِيدُ الصَّلَاةَ مَنْ بِالْمَسْجِدِ وَغَيْرِهِ بِلَا
سَبَبِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ بَعْضِ أَصْحَابِنَا، وَذَكَرَهُ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ وَغَيْرُهُمْ.
وَمَنْ نَذَرَ مَتَى حَفِظَ الْقُرْآنَ صَلَّى مَعَ كُلِّ صَلَاةِ فَرِيضَةٍ أُخْرَى، وَحَفِظَهُ لَا يَلْزَمُهُ الْوَفَاءُ بِهِ، فَإِنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ، وَيُكَفِّرُ كَفَّارَةَ يَمِينٍ، وَلَا يُدْرِكُ الْجَمَاعَةَ إلَّا بِرَكْعَةٍ وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ، وَاخْتَارَهَا جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا، وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ، وَوَجْهٌ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، وَاخْتَارَهُ الرُّويَانِيُّ.
وَأَصَحُّ الطَّرِيقَيْنِ لِأَصْحَابِ أَحْمَدَ: أَنَّهُ يَصِحُّ ائْتِمَامُ الْقَاضِي بِالْمُؤَدِّي، وَبِالْعَكْسِ، وَلَا يَخْرُجُ عَنْ ذَلِكَ ائْتِمَامُ الْمُفْتَرِضِ بِالْمُتَنَفِّلِ وَلَوْ اخْتَلَفَا، أَوْ كَانَ صَلَاةُ الْمَأْمُومِ أَقَلَّ، وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي الْبَرَكَاتِ وَغَيْرِهِ، وَحَكَى أَبُو الْعَبَّاسِ فِي صَلَاةِ الْفَرِيضَةِ خَلْفَ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ رِوَايَتَيْنِ، وَاخْتَارَ الْجَوَازَ.
وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ: سُئِلَتْ عَنْ مَا يَفْعَلُهُ الرَّجُلُ شَاكًّا فِي وُجُوبِهِ عَلَى طَرِيقِ الِاحْتِيَاطِ، فَهَلْ يَأْتَمُّ بِهِ الْمُفْتَرِضُ؟ قَالَ: قِيَاسُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَصِحُّ لِأَنَّ الشَّاكَّ يُؤَدِّيهَا بِنِيَّةِ الْوُجُوبِ إذَا احْتَاطَ، وَيُجْزِئُهُ عَنْ الْوَاجِبِ حَتَّى لَوْ تَبَيَّنَ لَهُ فِيمَا بَعْدُ الْوُجُوبُ أَجْزَأَهُ كَمَا قُلْنَا فِي لَيْلَةِ الْإِغْمَاءِ وَإِنْ لَمْ نَقُلْ بِوُجُوبِ الصَّوْمِ، وَكَمَا قُلْنَا فِيمَنْ فَاتَتْهُ صَلَاةٌ مِنْ خَمْسٍ لَا
يَعْلَمُ عَيْنَهَا، وَكَمَا قُلْنَا فِيمَنْ شَكَّ فِي انْتِقَاضِ وُضُوئِهِ فَتَوَضَّأَ، وَكَذَلِكَ سَائِرُ صُوَرِ الشَّكِّ فِي وُجُوبِ طَهَارَةٍ، أَوْ صِيَامٍ؛ أَوْ زَكَاةٍ، أَوْ صَلَاةٍ، أَوْ نُسُكٍ، أَوْ كَفَّارَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، بِخِلَافِ مَا لَوْ اعْتَقَدَ عَدَمَ الْوُجُوبِ وَأَدَّاهُ بِنِيَّةِ النَّفْلِ وَعَكْسِهِ، كَمَا لَوْ اعْتَقَدَ الْوُجُوبَ ثُمَّ تَبَيَّنَ عَدَمَهُ، فَإِنَّ هَذِهِ خَرَجَ فِيهَا خِلَافٌ فِي الْحَقِيقَةِ نَفْلٌ، لَكِنَّهَا فِي اعْتِقَادِهِ وَاجِبَةٌ
وَالْمَشْكُوكُ فِيهَا هِيَ فِي قَصْدِهِ وَاجِبَةٌ، وَالِاعْتِقَادُ مُتَرَدِّدٌ.
وَالْمَأْمُومُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِحَدَثِ الْإِمَامِ حَتَّى قُضِيَتْ الصَّلَاةُ أَعَادَ الْإِمَامُ وَحْدَهُ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ.
وَيَلْزَمُ الْإِمَامَ مُرَاعَاةُ الْمَأْمُومِ إنْ تَضَرَّرَ بِالصَّلَاةِ أَوَّلَ الْوَقْتِ أَوْ آخِرَهُ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَزِيدَ عَلَى الْقَدْرِ الْمَشْرُوعِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَفْعَلَ غَالِبًا مَا كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَفْعَلُهُ، وَيَزِيدُ وَيَنْقُصُ لِلْمَصْلَحَةِ كَمَا كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَزِيدُ وَيُنْقِصُ أَحْيَانًا.
وَالصَّلَاةُ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ " بِمِائَةِ أَلْفٍ، وَبِمَسْجِدِ الْمَدِينَةِ " بِأَلْفٍ، وَالصَّوَابُ فِي " الْأَقْصَى " بِخَمْسِمِائَةٍ.
وَالْجِنُّ لَيْسُوا كَالْإِنْسِ فِي الْحَدِّ، وَالْحَقِيقَةِ، لَكِنَّهُمْ يُشَارِكُونَهُمْ فِي جِنْسِ التَّكْلِيفِ بِالْأَمْرِ، وَالنَّهْيِ، وَالتَّحْلِيلِ، وَالتَّحْرِيمِ بِلَا نِزَاعٍ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ، وَكَانَ أَبُو الْعَبَّاسِ إذَا أُتِيَ بِالْمَصْرُوعِ وَعَظَ مَنْ صَرَعَهُ، وَأَمَرَهُ وَنَهَاهُ، فَإِنْ انْتَهَى وَأَفَاقَ الْمَصْرُوعُ أَخَذَ عَلَيْهِ الْعَهْدَ أَنْ لَا يَعُودَ، وَإِنْ لَمْ يَأْتَمِرْ وَلَمْ يَنْتَهِ وَلَمْ يُفَارِقْهُ ضَرَبَهُ عَلَى أَنْ يُفَارِقَهُ، وَالضَّرْبُ فِي
الظَّاهِرِ يَقَعُ عَلَى الْمَصْرُوعِ، وَإِنَّمَا يَقَعُ فِي الْمَصْرُوعِ، وَإِنَّمَا يَقَعُ فِي الْحَقِيقَةِ عَلَى مَنْ صَرَعَهُ، وَلِهَذَا لَا يَتَأَلَّمُ مَنْ ضَرَبَهُ وَيَصْحُو.
وَلَا يُقَدَّمُ فِي الْإِمَامَةِ بِالنَّسَبِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ، وَأَحْمَدَ.
وَيَجِبُ تَقْدِيمُ مَنْ قَدَّمَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، وَلَوْ مَعَ شَرْطِ الْوَاقِفِ بِخِلَافِهِ، فَلَا يُلْتَفَتُ إلَى شَرْطٍ يُخَالِفُ شَرْطَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَإِذَا كَانَ بَيْنَ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ مُعَادَاةٌ مِنْ جِنْسِ مُعَادَاةِ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ أَوْ الْمَذَاهِبِ لَمْ يَنْبَغِ أَنْ يَؤُمَّهُمْ بِالصَّلَاةِ جَمَاعَةً؛ لِأَنَّهَا لَا تَتِمُّ إلَّا بِالِائْتِلَافِ، وَلِهَذَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا تَخْتَلِفُوا فَتَخْتَلِفَ قُلُوبُكُمْ» ، وَإِذَا
فَعَلَ الْإِمَامُ مَا يَسُوغُ فِيهِ الِاجْتِهَادُ يَتْبَعُهُ الْمَأْمُومُ فِيهِ وَإِنْ كَانَ هُوَ لَا يَرَاهُ، مِثْلَ: الْقُنُوتِ فِي الْفَجْرِ، وَوَصْلِ الْوِتْرِ، وَإِذَا ائْتَمَّ مَنْ يَرَى الْقُنُوتَ بِمَنْ لَا يَرَاهُ تَبِعَهُ فِي تَرْكِهِ.
وَلَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ خَلْفَ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ وَالْبِدَعِ وَالْفَسَقَةِ، مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الصَّلَاةِ خَلْفَ غَيْرِهِمْ، وَتَصِحُّ إمَامَةُ مَنْ عَلَيْهِ نَجَاسَةٌ يَعْجَزُ عَنْ إزَالَتِهَا بِمَنْ لَيْسَ عَلَيْهِ نَجَاسَةٌ، وَلَوْ تَرَكَ الْإِمَامُ رُكْنًا يَعْتَقِدُهُ الْمَأْمُومُ وَلَا يَعْتَقِدُهُ الْإِمَامُ صَحَّتْ صَلَاتُهُ خَلْفَهُ، وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ، وَمَذْهَبُ مَالِكٍ، وَاخْتِيَارُ الْمَقْدِسِيَّ.
وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: لَوْ فَعَلَ الْإِمَامُ مَا هُوَ مُحَرَّمٌ عِنْدَ الْمَأْمُومِ دُونَهُ مِمَّا يَسُوغُ فِيهِ الِاجْتِهَادُ صَحَّتْ صَلَاتُهُ خَلْفَهُ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ أَحْمَدَ، وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: إنَّ الرِّوَايَاتِ الْمَنْقُولَةَ عَنْ أَحْمَدَ لَا تُوجِبُ اخْتِلَافًا وَإِنَّمَا ظَوَاهِرُهَا أَنَّ كُلَّ مَوْضِعٍ يُقْطَعُ فِيهِ بِخَطَإِ الْمُخَالِفِ تَجِبُ الْإِعَادَةُ، وَمَا لَا يُقْطَعُ فِيهِ بِخَطَإِ الْمُخَالِفِ، لَا
تَجِبُ الْإِعَادَةُ وَهُوَ الَّذِي تَدُلُّ عَلَيْهِ السُّنَّةُ، وَالْآثَارُ، وَقِيَاسُ الْأُصُولِ، وَفِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافٌ مَشْهُورٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ، وَلَمْ يَتَنَازَعُوا فِي أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي تَوْلِيَةُ الْفَاسِقِ.
وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقْدِمَ الْعَامِّيُّ عَلَى فِعْلٍ لَا يَعْلَمُ جَوَازَهُ وَيُفَسَّقُ بِهِ إنْ كَانَ مِمَّا يُفَسَّقُ بِهِ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي.
وَتَصِحُّ صَلَاةُ الْجُمُعَةِ وَنَحْوِهَا قُدَّامَ الْإِمَامِ لِعُذْرٍ، وَهُوَ قَوْلٌ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ مَنْ تَأَخَّرَ بِلَا عُذْرٍ لَهُ، فَلَمَّا أَذَّنَ جَاءَ فَصَلَّى قُدَّامَهُ عُزِرَ، وَتَصِحُّ صَلَاةُ الْفَذِّ لِعُذْرٍ، وَقَالَهُ الْحَنَفِيَّةُ، وَإِذَا لَمْ يَجِدْ إلَّا مَوْقِفًا خَلْفَ الصَّفِّ فَالْأَفْضَلُ أَنْ يَقِفَ وَحْدَهُ وَلَا يَجْذِبُ مَنْ يُصَافِّهِ لِمَا فِي الْجَذْبِ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي الْمَجْذُوبِ، فَإِنْ كَانَ الْمَجْذُوبُ يُطِيعُهُ قَائِمًا
أَفْضَلُ لَهُ، وَلِلْمَجْذُوبِ الِاصْطِفَافُ مَعَ بَقَاءِ فُرْجَةٍ أَوْ وُقُوفِ الْمُتَأَخِّرِ وَحْدَهُ.
وَكَذَلِكَ لَوْ حَضَرَ اثْنَانِ وَفِي الصَّفِّ فُرْجَةٌ، فَأَيُّهُمَا أَفْضَلُ: وُقُوفُهُمَا جَمِيعًا، أَوْ سَدُّ أَحَدِهِمَا الْفُرْجَةَ وَيَنْفَرِدُ الْآخَرُ؟ رَجَّحَ أَبُو الْعَبَّاسِ الِاصْطِفَافَ مَعَ بَقَاءِ الْفُرْجَةِ لِأَنَّ سَدَّ الْفُرْجَةِ مُسْتَحَبٌّ وَالِاصْطِفَافُ وَاجِبٌ، وَإِذَا رَكَعَ دُونَ الصَّفِّ، ثُمَّ دَخَلَ الصَّفَّ بَعْدَ اعْتِدَالِ الْإِمَامِ كَانَ ذَلِكَ سَائِغًا، وَمَنْ أَخَّرَ الدُّخُولَ فِي الصَّلَاةِ مَعَ إمْكَانِهِ حَتَّى قَضَى
الْقِيَامَ، أَوْ كَانَ الْقِيَامُ مُتَّسَعًا لِقِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ وَلَمْ يَقْرَأْهَا؛ فَهَذَا تَجُوزُ صَلَاتُهُ عِنْدَ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ، وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ فَعَلَيْهِ عِنْدَهُ أَنْ يَقْرَأَ، وَإِنْ تَخَلَّفَ عَنْ الرُّكُوعِ، وَإِنَّمَا تَسْقُطُ قِرَاءَتُهَا عِنْدَهُ عَنْ الْمَسْبُوقِ خَاصَّةً، فَهَذَا الرَّجُلُ كَانَ حَقُّهُ أَنْ يَرْكَعَ مَعَ الْإِمَامِ وَلَا يُتِمُّ الْقِرَاءَةَ لِأَنَّهُ مَسْبُوقٌ، وَالْمَرْأَةُ إذَا كَانَ مَعَهَا امْرَأَةٌ أُخْرَى تُصَافِفُهَا كَانَ مِنْ حَقِّهَا أَنْ
تَقِفَ مَعَهَا وَكَانَ حُكْمُهَا إنْ لَمْ تَقِفْ مَعَهَا حُكْمُ الرَّجُلِ الْمُنْفَرِدِ عَنْ صَفِّ الرِّجَالِ وَهُوَ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ وَحَيْثُ صَحَّتْ الصَّلَاةُ عَنْ يَسَارِ الْإِمَامِ كُرِهَتْ إلَّا لِعُذْرٍ.
وَالْمَأْمُومُ إذَا كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْإِمَامِ مَا يَمْنَعُ الرُّؤْيَةَ وَالِاسْتِطْرَاقَ صَحَّتْ صَلَاتُهُ، إذَا كَانَتْ لِعُذْرٍ، وَهُوَ قَوْلُ مَذْهَبِ أَحْمَدَ، بَلْ نَصُّ أَحْمَدُ وَغَيْرِهِ.
وَيُنْشَأُ مَسْجِدٌ إلَى جَنْبِ آخَرَ، إذَا كَانَ مُحْتَاجًا إلَيْهِ، وَلَمْ يَقْصِدْ الضَّرَرَ، فَإِنْ قَصَدَ الضَّرَرَ أَوْ لَا حَاجَةَ فَلَا يُنْشَأُ، وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ، نَقَلَهَا عَنْهُ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى، وَيَجِبُ هَدْمُهُ، وَقَالَهُ أَبُو الْعَبَّاسِ فِيمَا بَنَى بِجِوَارِ جَامِعِ بَنِي أُمَيَّةَ.
وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُتْرَكَ حُضُورَ الْمَسْجِدِ إلَّا لِعُذْرٍ، كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ السُّنَنُ وَالْآثَارُ، وَنَهَى عَنْ اتِّخَاذِهِ بَيْتًا مَقِيلًا، قَالَهُ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ حَارِثٍ، وَقَدْ سُئِلَ عَنْ النِّسَاءِ يَخْرُجْنَ فِي الْعِيدِ فِي زَمَانِنَا قَالَ: لَا يُعْجِبُنِي هَذَا.
انْتَهَى.
وَبِهَذَا يُعْلَمُ سَائِرُ الصَّلَوَاتِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.