باب ما يختلف به عدد الطلاق

باب ما يختلف به عدد الطلاق

باب ما يختلف به عدد الطلاق
وَإِذَا قَالَ الزَّوْجُ يَلْزَمُنِي الطَّلَاقُ وَلَهُ أَكْثَرُ مِنْ زَوْجَةٍ فَإِنْ كَانَ هُنَاكَ نِيَّةٌ أَوْ سَبَبٌ يَقْتَضِي التَّعْمِيمَ أَوْ التَّخْصِيصَ عُمِلَ بِهِ وَمَعَ فَقْدِ النِّيَّةِ وَالسَّبَبِ فَالتَّحْقِيقُ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي وُقُوعِ الثَّلَاثِ بِذَلِكَ عَلَى الزَّوْجَةِ الْوَاحِدَةِ لِأَنَّ الِاسْتِغْرَاقَ فِي الطَّلَاقِ يَكُونُ تَارَةً فِي نَفْسِهِ وَتَارَةً فِي مَحَلِّهِ وَقَدْ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ عُمُومَ الْمَصْدَرِ لِأَفْرَادِهِ أَقْوَى مِنْ عُمُومِهِ الْمَأْكُولَ وَالْمَشْرُوبَ إذَا كَانَ عَامًّا فَلَا يَلْزَمُ مِنْ عُمُومِهِ لِأَفْرَادِهِ وَأَنْوَاعِهِ عُمُومَهُ لِمَفْعُولَاتِهِ. وَقَوَّى أَبُو الْعَبَّاسِ: فِي مَوْضِعٍ آخَرَ وُقُوعَ الطَّلَاقِ لِجَمِيعِ الزَّوْجَاتِ دُونَ وُقُوعِ الثَّلَاثِ بِالزَّوْجَةِ الْوَاحِدَةِ وَفَرَّقَ بِأَنَّ وُقُوعَ الثَّلَاثِ بِالْوَاحِدَةِ مُحَرَّمٌ بِخِلَافِ الْمُتَعَدِّدَاتِ وَإِذَا قُلْنَا بِالْعُمُومِ فَلَا كَلَامَ وَإِنْ لَمْ نَقُلْ بِهِ فَهَلْ تَتَعَيَّنُ وَاحِدَةٌ بِالْقُرْعَةِ أَوْ يَخْرُجُ بِتَعْيِينِهِ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَالْفَصْلُ بَيْنَ الْمُسْتَثْنَى وَالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ بِكَلَامِ الْغَيْرِ وَالسُّكُوتِ لَا يَكُونُ فَصْلًا مَانِعًا مِنْ صِحَّةِ الِاسْتِثْنَاءِ، وَالِاسْتِثْنَاءُ وَالشَّرْطُ إذَا كَانَ سُؤَالٌ سَايَرَ أَثَرٌ، وَكُلُّ هَذَا يُؤَيِّدُ الرِّوَايَةَ الْأُخْرَى وَهُوَ أَنَّهُمَا مَا دَامَا فِي ذَلِكَ الْكَلَامِ فَلَهُ أَنْ يَلْحَقَ بِهِ مَا يُغَيِّرُهُ فَيَكُونُ اتِّصَالُ الْكَلَامِ الْوَاحِدِ كَاتِّصَالِ الْقَبُولِ وَالْإِيجَابِ وَلَا يُشْتَرَطُ الِاسْتِثْنَاءُ وَالشَّرْطُ وَالْعَطْفُ الْمُغَيِّرُ وَالِاسْتِثْنَاءُ بِالْمَشِيئَةِ حَيْثُ يُوَثِّرُ فِي ذَلِكَ فَلَا بُدَّ أَنْ يُسْمَعَ نَفْسَهُ إذَا لَفَظَ بِهِ. قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ: تَأَمَّلْت نُصُوصَ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ فَوَجَدْته يَأْمُرُ بِاعْتِزَالِ الرَّجُلِ زَوْجَتَهُ فِي كُلِّ يَمِينٍ حَلَفَ الرَّجُلُ عَلَيْهَا بِالطَّلَاقِ وَهُوَ لَا يَدْرِي أَبَارٌّ هُوَ فِيهَا أَوْ حَانِثٌ حَتَّى يَسْتَيْقِنَ أَنَّهُ بَارٌّ، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ بَارٌّ فِي وَقْتٍ وَشَكَّ فِي وَقْتٍ اعْتَزَلَهَا وَقْتَ الشَّكِّ نَصَّ عَلَى فُرُوعِ هَذَا الْأَصْلِ فِي مَوَاضِعَ: إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ كُنْت حَامِلًا فَأَنْتَ طَالِقٌ. فَإِنَّهُ نَصَّ عَلَى أَنَّهُ يَعْتَزِلُهَا حَتَّى تَتَبَيَّنَ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِحَامِلٍ وَلَمْ يَذْكُرْ الْقَاضِي خِلَافًا فِي أَنَّهُ يُمْنَعُ مِنْ وَطْئِهَا قَبْلَ الِاسْتِبْرَاءِ إنْ كَانَ قَدْ وَطِئَهَا قَبْلَ الْيَمِينِ وَتَلَخَّصَ مِنْ كَلَامِ الْقَاضِي أَنَّهَا إذَا لَمْ تَحِضْ وَلَمْ يَظْهَرْ بِهَا حَمْلٌ فَهَلْ يُحْكَمُ بِبَرَاءَةِ الرَّحِمِ بِحَيْثُ يَجُوزُ وَطْؤُهَا وَيَتَبَيَّنُ أَنَّ الطَّلَاقَ لَمْ يَقَعْ بِمُضِيِّ تِسْعَةِ أَشْهُرٍ أَوْ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ عَلَى وَجْهَيْنِ وَهَذَا إنَّمَا هُوَ فِي حَقِّ مَنْ تَحِيضُ وَتَحْمِلُ وَأَمَّا الْآيِسَةُ وَالصَّغِيرَةُ فَإِنَّ الْوَاجِبَ أَنْ يُسْتَبْرَآ بِمِثْلِ الْحَيْضَةِ وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ أَوْ شَهْرٌ وَاحِدٌ عَلَى مَا فِيهِ مِنْ الْخِلَافِ أَوْ يُقَالُ يَجُوزُ وَطْءُ هَذِهِ قَبْلَ الِاسْتِبْرَاءِ إلَّا أَنْ تَكُونَ حَامِلًا هَذَا هُوَ الصَّوَابُ وَكُلُّ مَوْضِعٍ يَكُونُ الشَّرْطُ أَمْرًا عَدَمِيًّا يَتَبَيَّنُ فِيمَا بَعْدُ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ إنْ لَمْ يَقْدَمْ زَيْدٌ أَوْ إنْ لَا يَقْدَمُ فِي هَذَا الشَّهْرِ وَنَحْوُ ذَلِكَ فَلَا يَجُوزُ الْوَطْءُ حَتَّى يَتَبَيَّنَ. وَمِنْهَا إذَا وَكَّلَ وَكِيلًا فِي طَلَاقِ زَوْجَتِهِ فَإِنَّهُ يَعْتَزِلُهَا حَتَّى يَدْرِي مَا فَعَلَ وَحَمَلَهُ الْقَاضِي عَلَى الِاسْتِحْبَابِ وَالْوُجُوبُ مُتَوَجِّهٌ. وَمِنْهَا إذَا قَالَ: أَنْت طَالِقٌ لَيْلَةَ الْقَدْرِ فَإِنَّهُ يَعْتَزِلُهَا إذَا دَخَلَ الْعَشْرُ الْأَوَاخِرُ لِإِمْكَانِ أَنْ تَكُونَ لَيْلَةُ الْقَدْرِ أَوَّلَ لَيْلَةٍ وَحَمَلَهُ الْقَاضِي عَلَى الْمَنْعِ. وَمِنْهَا إذَا قَالَ: أَنْت طَالِقٌ قَبْلَ مَوْتِي بِشَهْرٍ فَإِنَّهُ يَعْتَزِلُهَا أَبَدًا وَحَمَلَهُ الْقَاضِي عَلَى الِاسْتِحْبَابِ. وَمِنْهَا مَسْأَلَةُ إنْ كَانَ هَذَا الطَّائِرُ غُرَابًا فَامْرَأَتِي طَالِقٌ ثَلَاثًا قَالَ آخَرُ: إنْ لَمْ يَكُنْ غُرَابًا فَامْرَأَتِي طَالِقٌ ثَلَاثًا وَطَارَ وَلَمْ يُعْلَمْ مَا هُوَ فَإِنَّهُمَا يَعْتَزِلَانِ نِسَاءَهُمَا حَتَّى يَتَيَقَّنَا وَحَمَلَهُ الْقَاضِي عَلَى الِاسْتِحْبَابِ وَمَا كَانَ مِنْ هَذِهِ الشُّرُوطِ مِمَّا يَئِسَا مِنْ اسْتِبَانَتِهِ فَفِيهِ مَعَ الْعِلْمِ وُقُوعُهُ ذَكَرَ الْقَاضِي فِي مَسْأَلَةِ الطَّائِرِ أَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ أَحْمَدَ إيقَاعُ الْحِنْثِ وَتَعْلِيلُ الْقَاضِي فِي مَسْأَلَةِ أَنْت طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ صَرِيحٌ فِي ذَلِكَ فَإِنَّهُ جَعَلَ الشَّرْطَ الَّذِي لَا يُعْلَمْ بِمَنْزِلَةِ عَدَمِ الِاشْتِرَاطِ وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي قَوْلِ أَحْمَدَ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ فُلَانٌ فَلَوْ لَمْ يَشَأْ تَطْلُقُ لِأَنَّ مَشِيئَةَ الْعِبَادِ وَمَشِيئَةَ اللَّهِ لَا تُدْرَكُ مُغَيَّبَةً عَنْهُ فَإِنَّ هَذَا يَقْتَضِي أَنَّ كُلَّ شَرْطٍ مُغَيَّبٍ لَا يُدْرَكُ يَقَعُ الطَّلَاقُ الْمُعَلَّقُ بِهِ. وَعَلَى هَذَا مَنْ حَلَفَ لَيَدْخُلَنَّ الْجَنَّةَ يَحْنَثْ لِأَنَّهُ مُغَيَّبٌ لَا يُدْرَكُ لَكِنَّ كَلَامَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ فِي أَكْثَرِ الْمَوَاضِعِ إنَّمَا فِيهِ الْأَمْرُ بِالِاعْتِزَالِ فَقَطْ وَهَذَا فِقْهٌ حَسَنٌ فَإِنَّ الْحَلِفَ بِالطَّلَاقِ مَحْمُولٌ عَلَى الْحَلِفِ بِاَللَّهِ وَلَوْ حَلَفَ بِاَللَّهِ عَلَى أَمْرٍ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ أَنَّهُ صَادِقٌ فِي يَمِينِهِ كَانَ آثِمًا بِذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَتَيَقَّنْ أَنَّهُ كَاذِبٌ فَكَذَلِكَ يَمِينُ الطَّلَاقِ وَأَشَدُّ. وَقَدْ نَصَّ عَلَى أَنَّهُ إذَا شَكَّ هَلْ طَلَّقَ أَمْ لَا أَنَّهُ لَا يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِلِاعْتِزَالِ فَيَنْتَظِرُ هَلْ يُؤْمَرُ بِاعْتِزَالٍ هُنَا أَمْ يُفَرَّقَ بِأَنَّ هَذَا لَمْ يَحْلِفْ يَمِينًا فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ شَكَّ هَلْ حَلَفَ أَمْ لَا؟ قَالَ فِي " الْمُحَرَّرِ ": وَتَمَامُ التَّوَرُّعِ فِي الشَّكِّ قَطْعُهُ بِرَجْعَةٍ أَوْ عَقْدٍ إنْ أَمْكَنَ وَإِلَّا فَفُرْقَةٌ مُتَيَقَّنَةٌ بِأَنْ يَقُولَ: إنْ لَمْ يَكُنْ طَلَّقْت فَهِيَ طَالِقٌ وَقَالَ الْقَاضِي: أَمَّا فِي الْوَرَعِ فَإِنْ كَانَ يَعْلَمُ مِنْ نَفْسِهِ أَنَّهُ مَتَى طَلَّقَ فَإِنَّمَا يُطَلِّقُ وَاحِدَةً لِاعْتِقَادِهِ أَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَيْهَا بِدْعَةٌ أَلْزَمَ نَفْسَهُ طَلْقَةً وَرَاجَعَهَا فَإِنْ كَانَ الطَّلَاقُ قَدْ وُجِدَ فَقَدْ رَاجَعَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَدْ وُجِدَ مِنْهُ فَمَا ضَرَّهُ وَإِنْ كَانَ يَعْلَمُ مِنْ نَفْسِهِ أَنَّهُ مَتَى طَلَّقَ فَإِنَّمَا يُطَلِّقُ ثَلَاثًا أَلْزَمَ نَفْسَهُ ثَلَاثًا وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ يُوقِعُ عَدَدَ الطَّلْقَاتِ الثَّلَاثِ فَتَحِلُّ لِغَيْرِهِ مِنْ الْأَزْوَاجِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا. قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ: وَمَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مَتَى أَوْقَعَ الشَّكَّ فِي وُقُوعِ الطَّلَاقِ فَالْأَوْلَى اسْتِيفَاءُ النِّكَاحِ بَلْ يُكْرَهُ أَوْ يَحْرُمُ إيقَاعُهُ لِأَجْلِ الشَّكِّ إنَّ الطَّلَاقَ بَغِيضٌ إلَى الرَّحْمَنِ حَبِيبٌ إلَى الشَّيْطَانِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قِصَّةُ هَارُوتَ وَمَارُوتَ، وَأَيْضًا فَإِنَّ النِّكَاحَ دَوَامُهُ آكَدُ مِنْ ابْتِدَائِهِ كَالصَّلَاةِ وَإِذَا شَكَّ فِي الصَّلَاةِ هَلْ أَحْدَثَ أَمْ لَا لَمْ يُسْتَحَبَّ لَهُ أَنْ يَنْصَرِفَ عَنْهَا بِالشَّكِّ بِنَصِّ الْحَدِيثِ لِمَا فِيهِ مِنْ إبْطَالِ الصَّلَاةِ بِالشَّكِّ فَكَذَلِكَ إبْطَالُ النِّكَاحِ بَلْ الصَّلَاةُ إذَا أَبْطَلَهَا أَمْكَنَ ابْتِدَاؤُهَا بِخِلَافِ النِّكَاحِ، وَإِنْ طَلَّقَ وَاحِدَةً مِنْ نِسَائِهِ مُعَيَّنَةً ثُمَّ نَسِيَهَا أَوْ مُبْهَمَةً غَيْرَ مُعَيَّنَةٍ أُخْرِجْت بِالْقُرْعَةِ عَلَى الصَّحِيحِ

What's Your Reaction?

like
0
dislike
0
love
0
funny
0
angry
0
sad
0
wow
0