باب استيفاء القود والعفو عنه

باب استيفاء القود والعفو عنه

باب استيفاء القود والعفو عنه
ُ وَالْجَمَاعَةُ الْمُشْتَرِكُونَ فِي اسْتِحْقَاقِ دَمِ الْمَقْتُولِ الْوَاحِدِ، إمَّا أَنْ يَثْبُتَ لِكُلِّ وَاحِدٍ بَعْضُ الِاسْتِيفَاءِ فَيَكُونُونَ كَالْمُشْتَرِكِينَ فِي عَقْدٍ أَوْ خُصُومَةٍ وَتَعْيِينُ الْإِمَامِ قَوِيٌّ كَمَا يُؤْجَرُ عَلَيْهِمْ لِنِيَابَتِهِ عَنْ الْمُمْتَنِعِ. وَالْقُرْعَةُ إنَّمَا شُرِعَتْ فِي الْأَصْلِ إذَا كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مُسْتَحِقًّا أَوْ كَالْمُسْتَحِقِّ وَيُتَوَجَّهُ أَنْ يُقَدَّمَ الْأَكْثَرُ حَقًّا أَوْ الْأَفْضَلُ لِقَوْلِهِ كَبِرَ وَكَالْأَوْلِيَاءِ فِي النِّكَاحِ وَذَلِكَ أَنَّهُمْ قَالُوا -: هُنَا مَنْ تَقَدَّمَ بِالْقُرْعَةِ قَدَّمَتْهُ وَلَمْ تَسْقُطْ حُقُوقُهُمْ وَيُتَوَجَّهُ إذَا قُلْنَا لَيْسَ لِلْوَلِيِّ أَخْذُ الدِّيَةِ إلَّا بِرِضَا الْجَانِي أَنْ يَسْقُطَ حَقَّهُ بِمَوْتِهِ كَمَا لَوْ مَاتَ الْعَبْدُ الْجَانِي أَوْ الْمَكْفُولُ بِهِ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ أَبِي ثَوَابٍ وَأَبِي الْقَاسِمِ وَأَبِي طَالِبٍ وَيُتَوَجَّهُ ذَلِكَ وَإِنْ قُلْنَا لِوَاجِبِ الْقَوَدِ عَيْنًا أَوْ أَحَدِ شَيْئَيْنِ؛ لِأَنَّ الدِّيَةَ عَدِيلُ الْعَفْوِ. فَأَمَّا الدِّيَةُ مَعَ الْهَلَاكِ فَلَا، وَاَلَّذِي يَنْبَغِي أَنْ لَا يُعَاقَبَ الْمَجْنُونُ بِقَتْلٍ وَلَا قَطْعٍ لَكِنْ يُضْرَبُ عَلَى مَا فَعَلَ لِيُزْجَرَ. وَكَذَا الصَّبِيُّ الْمُمَيِّزُ يُعَاقَبُ عَلَى الْفَاحِشَةِ تَعْزِيرًا بَلِيغًا. قَالَ أَصْحَابُنَا: وَإِنْ وَجَبَ لِعَبْدٍ قِصَاصٌ أَوْ تَعْزِيرُ قَذْفٍ فَطَلَبُهُ وَإِسْقَاطُهُ إلَيْهِ دُونَ سَيِّدِهِ وَيُتَوَجَّهُ أَنْ لَا يَمْلِكَ إسْقَاطَهُ مَجَّانًا كَالْمُفْلِسِ وَالْوَرَثَةُ مَعَ الدُّيُونِ الْمُسْتَغْرِقَةِ عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ، وَكَذَلِكَ الْأَصْلُ فِي الْوَصِيِّ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَمْلِكَ السَّيِّدُ تَعْزِيرَ الْقَذْفِ إذَا مَاتَ الْعَبْدُ إلَّا إذَا طَالَبَ كَالْوَارِثِ وَيُفْعَلُ بِالْجَانِي عَلَى النَّفْسِ مِثْلَ مَا فَعَلَ بِالْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَكُنْ مُحَرَّمًا فِي نَفْسِهِ أَوْ يَقْتُلَهُ بِالسَّيْفِ إنْ شَاءَ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ. وَلَوْ كَوَى شَخْصًا بِمِسْمَارٍ كَانَ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ أَنْ يَكْوِيَهُ مِثْلَ مَا كَوَاهُ إنْ أَمْكَنَ وَيَجْرِي الْقِصَاصُ فِي اللَّطْمَةِ وَالضَّرْبَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَهُوَ مَذْهَبُ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ وَغَيْرِهِمْ، وَنَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ إسْمَاعِيلَ بْنِ سَعْدٍ الشَّالَنْجِيِّ وَلَا يُسْتَوْفَى الْقَوَدُ فِي الطُّرُقِ إلَّا بِحَضْرَةِ السُّلْطَانِ وَمَنْ أَبْرَأَ جَانِيًا حُرًّا جِنَايَتُهُ عَلَى عَاقِلَتِهِ إنْ قُلْنَا تَجِبُ الدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ أَوْ تُحْمَلُ عَنْهُ ابْتِدَاءً أَوْ عَبْدًا إنْ قُلْنَا جِنَايَتُهُ فِي ذِمَّتِهِ مَعَ أَنَّهُ يَتَوَجَّهُ الصِّحَّةُ مُطْلَقًا وَهُوَ وَجْهٌ بِنَاءً عَلَى أَنَّ مَفْهُومَ هَذَا اللَّفْظِ فِي عُرْفِ النَّاسِ الْعَفْوُ مُطْلَقًا وَالتَّصَرُّفَاتُ تُحْمَلُ مُوجِبَاتُهَا عَلَى عُرْفِ النَّاسِ فَتَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الِاصْطِلَاحَاتِ وَإِذَا عَفَا أَوْلِيَاءُ الْمَقْتُولِ عَنْ الْقَاتِلِ بِشَرْطِ أَلَّا يُقِيمَ فِي هَذَا الْبَلَدِ وَلَمْ يَفِ بِهَذَا الشَّرْطِ لَمْ يَكُنْ الْعَفْوُ لَازِمًا بَلْ لَهُمْ أَنْ يُطَالِبُوهُ بِالدِّيَةِ فِي قَوْلِ الْعُلَمَاءِ وَبِالدَّمِ فِي قَوْلٍ آخَرَ. وَسَوَاءٌ قِيلَ هَذَا الشَّرْطُ صَحِيحٌ أَمْ فَاسِدٌ يَفْسُدُ بِهِ الْعَقْدُ أَمْ لَا. وَلَا يَصِحُّ الْعَفْوُ فِي قَتْلِ الْغَفْلَةِ لِتَعَذُّرِ الِاحْتِرَازِ مِنْهُ كَالْقَتْلِ فِي الْمُحَارَبَةِ وَوِلَايَةِ الْقِصَاصِ وَالْعَفْوِ عَنْهُ لَيْسَتْ عَامَّةً لِجَمِيعِ الْوَرَثَةِ بَلْ تَخْتَصُّ بِالْعَصَبَةِ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ. وَتُخَرَّجُ رِوَايَةً عَنْ أَحْمَدَ وَإِذَا اتَّفَقَ الْجَمَاعَةُ عَلَى قَتْلِ شَخْصٍ فَلِأَوْلِيَاءِ الدَّمِ أَنْ يَقْتُلُوهُمْ وَلَهُمْ أَنْ يَقْتُلُوا بَعْضَهُمْ وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ عَيْنُ الْقَاتِلِ فَلِلْأَوْلِيَاءِ أَنْ يَحْلِفُوا عَلَى وَاحِدٍ بِقَتْلِهِ أَنَّهُ قَتَلَهُ وَيُحْكَمَ لَهُمْ بِالدَّمِ انْتَهَى.

What's Your Reaction?

like
0
dislike
0
love
0
funny
0
angry
0
sad
0
wow
0