الوجه السادس والعشرون ان ثبوت الكلام لله بالامر والنهي والخبر

الوجه السادس والعشرون ان ثبوت الكلام لله بالامر والنهي والخبر

الوجه السادس والعشرون ان ثبوت الكلام لله بالامر والنهي والخبر
ِ أَثْبَتُّمُوهُ بِالْإِجْمَاعِ وَالنَّقْلِ الْمُتَوَاتِرِ عَنْ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ - وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ هَذَا الْمَعْنَى الَّذِي ادَّعَيْتُمْ أَنَّهُ مَعْنَى كَلَامِ اللَّهِ لَمْ يَظْهَرْ فِي الْأُمَّةِ إلَّا مِنْ حِينِ حُدُوثِ ابْنِ كُلَّابٍ ثُمَّ الْأَشْعَرِيِّ بَعْدَهُ إذْ قَبْلَ قَوْلِ ابْنِ كُلَابٍ لَا يُعْرَفُ فِي الْأُمَّةِ أَحَدٌ فَسَّرَ كَلَامَ اللَّهِ بِهَذَا وَلِهَذَا لَمَّا ذَكَرَ الْأَشْعَرِيُّ اخْتِلَافَ النَّاسِ فِي الْقُرْآنِ وَذَكَرَ أَقْوَالًا كَثِيرَةً فَلَمْ يَذْكُرْ هَذَا الْقَوْلَ إلَّا عَنْ ابْنِ كُلَّابٍ وَجَعَلَ لَهُ تَرْجَمَةً فَقَالَ وَهَذَا قَوْلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كُلَابٍ. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ كُلَّابٍ إنَّ اللَّهَ لَمْ يَزَلْ مُتَكَلِّمًا وَإِنَّ كَلَامَ اللَّهِ صِفَةٌ لَهُ قَائِمَةٌ بِهِ وَإِنَّهُ قَدِيمٌ بِكَلَامِهِ وَإِنَّ كَلَامَهُ قَائِمٌ بِهِ كَمَا إنَّ الْعِلْمَ قَائِمٌ بِهِ وَالْقُدْرَةَ قَائِمَةٌ بِهِ وَهُوَ قَدِيمٌ بِعِلْمِهِ وَقُدْرَتِهِ وَإِنَّ الْكَلَامَ لَيْسَ بِحَرْفٍ وَلَا صَوْتٍ وَلَا يَنْقَسِمُ وَلَا يَتَجَزَّأُ وَلَا يَتَبَعَّضُ وَلَا تَتَغَايَرُ وَإِنَّهُ مَعْنًى وَاحِدٌ قَائِمٌ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَإِنَّ الرَّسْمَ هُوَ الْحُرُوفُ الْمُتَغَايِرَةُ وَهُوَ قِرَاءَةُ الْقَارِئِ وَإِنَّهُ خَطَأٌ أَنْ يُقَالَ إنَّ كَلَامَ اللَّهِ هُوَ هُوَ أَوْ بَعْضَهُ أَوْ غَيْرَهُ وَإِنَّ الْعِبَارَاتِ عَنْ كَلَامِ اللَّهِ تَخْتَلِفُ وَتَتَغَايَرُ وَكَلَامُ اللَّهِ لَيْسَ بِمُخْتَلِفٍ وَلَا مُتَغَايِرٍ. كَمَا أَنَّ ذِكْرَنَا لِلَّهِ مُخْتَلِفٌ وَمُتَغَايِرٌ وَالْمَذْكُورُ لَا يَخْتَلِفُ وَلَا يَتَغَايَرُ وَإِنَّمَا سُمِّيَ كَلَامُ اللَّهِ عَرَبِيًّا لِأَنَّ الرَّسْمَ الَّذِي هُوَ الْعِبَارَةُ عَنْهُ وَهُوَ قِرَاءَتُهُ عَرَبِيٌّ فَسُمِّيَ عَرَبِيًّا لِعِلَّةٍ وَكَذَلِكَ سُمِّيَ عِبْرَانِيًّا لِعِلَّةٍ وَكَذَلِكَ سُمِّيَ أَمْرًا لِعِلَّةٍ وَسُمِّيَ نَهْيًا لِعِلَّةٍ وَخَبَرًا لِعِلَّةٍ وَلَمْ يَزَلْ اللَّهُ مُتَكَلِّمًا قَبْلَ أَنْ يُسَمَّى كَلَامُهُ أَمْرًا وَقَبْلَ وُجُودِ الْعِلَّةِ الَّتِي بِهَا سُمِّيَ أَمْرًا وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي تَسْمِيَتِهِ نَهْيًا وَخَبَرًا وَأَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ الْبَارِي لَمْ يَزَلْ مُخْبِرًا وَلَمْ يَزَلْ نَاهِيًا ثُمَّ يُقَالُ وَلَوْ قُدِّرَ أَنَّهُ لَمْ يُحْدِثْهُ فَلَا رَيْبَ أَنَّهُ مَعْنًى خَفِيٌّ مُشْكِلٌ مُتَنَازَعٌ فِي وُجُودِهِ وَإِنَّمَا يُتَصَوَّرُ وُجُودُهُ بِالْأَدِلَّةِ الْخَفِيَّةِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَاَلَّذِينَ نَقَلُوا عَنْ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ - أَنَّ اللَّهَ يَتَكَلَّمُ وَيَأْمُرُ وَيَنْهَى وَاَلَّذِينَ أَجْمَعُوا عَلَى ذَلِكَ إذَا لَمْ يَذْكُرْ أَحَدٌ مِنْهُمْ أَنَّهُ أَرَادَ هَذَا الْمَعْنَى الْخَفِيَّ الْمُشْكِلَ الَّذِي لَيْسَ يُتَصَوَّرُ بِحَالٍ أَوْ لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا بِشِدَّةٍ عَظِيمَةٍ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُقَالَ إنَّهُمْ كَانُوا مُتَّفِقِينَ عَلَى نَقْلِ هَذَا الْمَعْنَى وَالْإِجْمَاعِ عَلَيْهِ وَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُقَالَ إنَّهُمْ أَجْمَعُوا عَلَى ثُبُوتِ مَعْنًى لَا يَفْهَمُونَهُ وَنَقَلُوا عَنْ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ - أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَتَكَلَّمُ وَيَقُولُ وَهُمْ لَا يَفْهَمُونَ مَعْنَى لَفْظِ الْكَلَامِ وَالْقَوْلِ فَإِنَّ هَذَا أَيْضًا مَعْلُومُ الْفَسَادِ بِالضَّرُورَةِ وَإِذَا بَطَلَ الْقِسْمَانِ عَلَى أَنَّ الَّذِي انْعَقَدَ عَلَيْهِ الْإِجْمَاعُ وَنَقَلَهُ أَهْلُ التَّوَاتُرِ عَنْ الْمُرْسَلِينَ هُوَ الْكَلَامُ الَّذِي تُسَمِّيهِ الْخَاصَّةُ وَالْعَامَّةُ كَلَامًا دُونَ هَذَا الْمَعْنَى وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. وَهَذَا بَيِّنٌ وَاضِحٌ يَدُلُّ عَلَى فَسَادِ مَذْهَبِ الْمُخَالِفِ وَعَلَى صِحَّةِ مَذْهَبِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَبِمِثْلِ هَذَا الْوَجْهِ يَبْطُلُ أَيْضًا مَذْهَبُ الْجَهْمِيَّةِ مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ وَنَحْوِهِمْ فَإِنَّ كَوْنَ الْكَلَامِ يَكُونُ مُنْفَصِلًا عَنْ الْمُتَكَلِّمِ قَائِمًا بِغَيْرِهِ مِمَّا لَا تَعْرِفُ الْعَامَّةُ وَالْخَاصَّةُ أَنَّهُ يَكُونُ كَلَامًا لِلْمُتَكَلِّمِ وَإِنْ أُثْبِتَ ذَلِكَ فَإِنَّمَا يَثْبُتُ بِأَدِلَّةٍ خَفِيَّةٍ مُشْكِلَةٍ وَإِذَا كَانَ أَهْلُ التَّوَاتُرِ نَقَلُوا أَنَّ اللَّهَ تَكَلَّمَ بِالْقُرْآنِ وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى ذَلِكَ وَلَمْ يَجُزْ إرَادَةُ هَذَا الْمَعْنَى عُلِمَ أَنَّ التَّوَاتُرَ وَالْإِجْمَاعَ إنَّمَا هُوَ عَلَى الْمَعْنَى الْمَعْرُوفِ وَهُوَ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ تَكَلَّمَ بِالْقُرْآنِ كُلِّهِ حُرُوفِهِ وَمَعَانِيهِ وَأَنَّ الْمُتَكَلِّمَ لَا بُدَّ أَنْ يَقُومَ بِهِ كَلَامُهُ وَإِنْ كَانَ يَتَكَلَّمُ إذَا شَاءَ.

What's Your Reaction?

like
0
dislike
0
love
0
funny
0
angry
0
sad
0
wow
0