العرف كمصدر للشريعة
تعريف الشريعة, الشريعة والاسلام , الشريعة و الفقه, التشريع الوضعي والاسلامي , الشريعة الاسلامية ودعوى تأثرها بالقانون الروماني, مقاصد الشريعة, خصائص الشريعة الاسلامية, مصادر الشريعة الاسلامية, القرآن كمصدر للشريعة, السنة كمصدر للشريعة, الإجماع كمصدر للشريعة, القياس كمصدر للشريعة, الاستحسان كمصدر للشريعة, المصالح المرسلة أو الاستصلاح كمصدر للشريعة, الاستصحاب كمصدر للشريعة, العرف كمصدر للشريعة, قول الصحابي كمصدر للشريعة, شرع من قبلنا كمصدر للشريعة, سد الذرائع كمصدر للشريعة, أدوار التشريع الإسلامي, الحكم الشرعي, تعريف الحكم الشرعي, الحكم التكليفي, الحكم الوضعي, الفرق بين الحكم التكليفي والحكم الوضعي, أنواع الحكم التكليفي, الواجب, المندوب, المحرم , الرخصة والعزيمة , أقسام الرخصة, أنواع الحكم الوضعي,
وفي الاصطلاح: العرف: مرادف للعادة، وعرفه الشيخ أبو سنة نقلًا عن "مستصفى النسفي" بقوله: العادة والعرف ما استقر في النفوس من جهة العقول وتلقته الطباع السليمة بالقبول .
والعادة مأخوذة من المعاودة، فهي بتكرارها ومعاودتها مرة بعد أخرى صارت معروفة مستقرة في النفوس والعقول، متلقاة بالقبول من غير علاقة ولا قرينة حتى صارت حقيقة عرفية ، وفسر ذلك الشيخ أبو سنة فقال: يعني الأمر الذي اطمأنت إليه النفوس وعرفته، وتحقق في قرارتها، وألفته مستندًا في ذلك إلى استحسان العقل، ولم ينكرهأصحاب الذوق السليم في الجماعة، وإنما يحصل استقرار الشيء في النفوس وقبول الطباع له بالاستعمال الشائع المتكرر الصادر عن الميل والرغبة .
والعرف مصدر للأحكام مجازًا وليس حقيقة، لأنه يرجع إليه عند التطبيق وفهم النص.
[أنواع العرف] العرف نوعان: قولي وعملي، وكل منهما قد يكون عامًّا وقد يكون خاصًّا.
١ - العرف العملي: وهو التعارف بين الناس على أمر عملي معين كأكل لحم الضان في بلد، أو لحم البقر أو لحم الجاموس في بلد آخر، والعرف العملي في بيع التعاطي، والعرف في تقسيم المهر إلى معجل ومؤجل.
٢ - العرف القولي: وهو التعارف بين الناس على إطلاق لفظ على معنى معين بحيث لا يتبادر إلى الذهن عند سماعه غيره (٢)، كالعرف بإطلاق لفظ اللحم على الحيوان وعدم إطلاقه على السمك والطير.
٣ - العرف العام: هو الذي يتفق عليه الناس في كل البلاد أو معظمها، كالتعارف على بيع الاستصناع.
٤ - العرف الخاص: هو العادة التي تكون لفرد أو طائفة معينة أو بلد معين، كعادة شخص في أكله وتصرفاته، وتعارف التجار على تسجيلالمبيعات في دفتر خاص، وتعارف منطقة على تسجيل الأثاث للزوجة أو للزوج.
[حجية العرف] يتفق الأئمة عمليًّا على اعتبار العرف الصحيح حجة ودليلًا شرعيًّا ، ولكنهم يختلفون في اعتباره مصدرًا مستقلًا قائمًا بذاته على قولين: القول الأول: العرف حجة ودليل شرعي مستقل، وهو مذهب الحنفية والمالكية وابن القيم من الحنابلة، واحتجوا بالكتاب والسنة والمعقول.
أما الكتاب فقوله تعالى: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ (١٩٩)} [الأعراف: ١٩٩]، فالأمر بالعرف في الآية يدل على وجوب الرجوع إلى عادات الناس، وما جرى تعاملهم به، وهذا يدل على اعتبار العادات في الشرع بنص الآية.
أما السنة فقوله - صلى الله عليه وسلم -: "ما رآه المسلمون حسنًا فهو عند اللَّه حسن" يدل الحديث أن الأمر المتعارف عليه تعارفًا حسنًا بين المسلمين يعتبر من الأمور الحسنة التي يقرها اللَّه تعالى، وما أقره الله تعالى فهو حق وحجة ودليل، ولذا يعتبر الحنفية أن الثابت بالعرف ثابت بدليل شرعي، وأن المعروف عرفًا كالمشروط شرطًا.
أما المعقول: فنلاحظ أن العرف له سلطان كبير على النفس، ويتمتع بالاحترام العظيم في القبول، وهو طبيعة ثانية للناس، يرضون به بسهولة، ويحقق مصالحهم ومنافعهم، والشريعة جاءت لتحقيقالمصالح، فيكون العرف الصحيح مصدرًا ودليلًا وأصلًا من أصول الاستنباط.
القول الثاني: أن العرف ليس حجة ودليلًا شرعيًّا إلا إذا أرشد الشارع إلى اعتباره، وهو مذهب الشافعية، واحتجوا بأن العادة لا تعتبر إلا إذا جرى الشرع على قبولها، وأن العرف دليل ظاهر يرجع إلى الأدلة الصحيحة .
ونلاحظ أن جميع العلماء يحتجون بالعرف ويرجعون إلى عادات الناس في بناء الأحكام عليها وتفسير النصوص والوقائع على ضوئها ، ووضع الفقهاء عدة قواعد تعتمد على العرف والعادة، وإنما اختلفوا في شروط العرف، وفي درجته التشريعية بين المصادر.
ويشترط للعمل بالعرف شرطان: ١ - أن يكون عامًّا شاملًا مستفيضًا بين الناس، فلا يكون عادة شخص بعينه، أو عادة جماعة قليلة.
٢ - أن لا يعارضه نص أو إجماع، وإلا كان عرفًا باطلًا لا قيمة له، وهو العرف الفاسد، كتعارف الناس ارتكاب المحرمات من الربا وشرب الخمر واختلاط النساء مع الرجال، وكشف العورة، ولبس الحرير والذهب للرجال وغير ذلك مما ورد فيه نص بالتحريم، فلا قيمة لهذا العرف، ولا اعتبار له، فهو عرف فاسد مردود، واتباع للهوى وإبطال للنصوص، وهو غير مقبول قطعًا .
[مرتبة العرف بين مصادر التشريع] العرف الصحيح يعتبر دليلًا شرعيًّا وحجة للأحكام عند فقد النص والإجماع، وقد يقدم على القياس، فيعدل المجتهد بسببه عن القياس إلى الاستحسان كما هو عند الحنفية، مثل تعارف الناس على عقد الاستصناع، كما أن العرف يخصص العام ، فمن حلف أن لا يأكل لحمًا فأكل سمكًا فلا يحنث، مع أن لفظ اللحم عام يشمل الحيوان والطير والسمك وورد القرآن الكريم به فقال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا} [النحل: ١٤].
وإن الأحكام المبنية على العرف تتغير بتغير الأعراف، وهو المراد من القاعدة الفقهية القائلة "لا ينكر تغير الأحكام بتغير الأزمان".
قال النووي رحمه اللَّه تعالى: "فهل تجري العادة المطردة مجرى الإباحة؟ فيه وجهان: أصحهما تجري" وقال: "فإن جهلت العادة فوجهان، وأصحهما يحل لاطراد العادة المستمرة بذلك" .
وقال السيوطي رحمه اللَّه تعالى: "اعلم أن اعتبار العادة والعرف رجع إليه في الفقه في مسائل لا تعد كثرة، فمن ذلك .
.
.
" .