مبحث من يحرم بالرضاع ومن لا يحرم
كتاب النكاح

الثاني: البنت والمراد بها البنت الصلبية، وهي بنت الإنسان مباشرة، أو البنت بالواسطة، وهي بنت البنت وإن نزلت، وبنت الابن وإن نزلت.
الثالث: الأخت، سواء كانت شقيقة أو لأب، أو لأم.
الرابع: بنت الأخت بأقسامها، وإن نزلت.
الخامس: بنت الأخ، سواء كان شقيقاً، أو لأب، أو لأم، وإن نزلت.
السادس: العمات، فالعمة محرمة.
سواء كانت أخت الأب شقيقته أو أخته لأبيه، أو أخته لأمه، أما عمة العمة فإنها لا تحرم إلا إذا كانت العمة القريبة شقيقة للأب، أو كانت أخته لأبيه أما كانت أخته لأمه فإن عمتها لا تحرم، مثلاً عمة محمد فاطمة أخت أبيه إبراهيم شقيقته، ولدهما جده هاشم من جدته محبوبة، ولجده هاشم هذا أخت اسمها خضرة، فخضرة هذه عمة محمد والعمة وهي فاطمة لأنها أخت أبيها هاشم، وهي عمة إبراهيم أيضاً والد محمد فخضرة هذه عمة محمد بالواسطة فهي محرمة عليه كعمته فاطمة بلا فرق، ومثل ذلك ما إذا كان فاطمة أخت إبراهيم من أبيه هاشم فقط، ولها أم أخرى اسمها نائلة تزوجها هاشم على محبوبة أم إبراهيم، ولهاشم أخت اسمها خضرة فإن خضرة أيضاً تكون محرمة على إبراهيم لأنها لا زالت عمة عمته فاطمة أخت هاشم جد محمد، أما إذا كانت فاطمة أخت إبراهيم من أمه محبوبة،، ولها أب آخر اسمه حامد، ولحامد هذا أخت اسمها خضرة فإنها تحل لمحمد المعدة من طريق الفم، أو بالصب في الحلق، أو الأنف ويقال للأول: وجور، وللثاني سعوط، كما تقدم.
وإذا فرض وعمل لبن الثدي جبناً أو قشدة وأكل منه الطفل فإنه يعتبر كالرضاع، وكذا إذا خلط بماء ونحوه وبقيت صفات اللبن به فإنه يحرم، أما إذا استهلكت صفاته في الماء فإنه لا يحرم وإذا نزل اللبن في حلقه ثم تقايأه، ولم يصل إلى جوفه لا يحرم، وكذا إذا وصل بحقنة من القبل أو الدبر فإنه لا يحرم لأنه ليس برضاع وليس بمغذ في هذه الحالة) .
لأنها ليست أخت جده هاشم، بل هي أخت حامد الأجنبي زوج جدته محبوبة قبل أن تتزوج بجده، فلا علاقة له بها، مثل ذلك ما إذا كانت عمة الأم مثلاً: أحمد أمه ناعسة بنت إسماعيل بن محمد، ولإسماعيل أخت اسمها وردة، فوردة هذه عمة لناعسة، وهي محرمة على أحمد لأنها عمة أمه، سواء كانت أخت إسماعيل لأبيه أو أمه، وذلك لأنها أخت جده لأمه، ولكن كانت وردة أخت إسماعيل لأمه فلم يكن والدها محمداً أبا إسماعيل، بل كان لها والد آخر اسمه رياض مثلاً، وكان رياض أخت اسمها فوزية مثلاً، فإنها تكون عمة لوردة عمة أم أحمد، ولكنها تحل لأحمد.
وعلى هذا القياس في عمات الأجداد وعماتهن، سواء أجداد الآباء، أو الأمهات فالعمات يحرمن من أي نوع وإن علون، عمات العمات يحرمن إذا كن من جهة الآباء لا من جهة الأمهات.
الصنف السابع: الخالات، وخالات الخالات، فالخالات محرمات من أي نوع، سواء كن شقيقات الأمهات، أو أخواتهن لأب أو لأم، وأما خالات الخالات فإنهن يحرمن إذا كن شقيقات أمهات الأمهات، أو كن إخواتهن لأم فقط عكس عمات العمات، فإنهن لا يحرمن إلا إذا كن من جهة الآباء كما تقدم، وإليك مثلاً في الحالات، وخالات الخالات تقيس عليه الباقيات.
إبراهيم أمه هانم لها أخت اسمها نفيسة ولدها أبو طالب من زوجته ظريفة، فنفيسة خالة إبراهيم شقيقة أمه محرمة عليه، ومثل ذلك ما إذا كانت نفيسة أخت هانم من أبيها أبي طالب فقط ولها أم أخرى غير ظريفة اسمها مريم، أو كانت أخت هانم من أمها ظريفة فقط لها أب آخر اسمه علي، فإذا كانت هانم أخت نفيسة لأبيها أبي طالب فقط، وأمها مريم لها أخت اسمها سعدية، فإن سعدية تحل لإبراهيم وإن كانت خالة خالته نفيسة، لأنها في هذه الحالة خالة لنفيسة فقط، وليست خالة لأختها هانم، بل تكون أختاً لزوجة أبيها أبي طالب، فهي حلال لأبنها إبراهيم، أما إذا كانت أخت نفيسة لأمها ظريفة فقط، وكان لظريفة أخت اسمها شريفة كانت شريفة في هذه الحالة خالة نفيسة وخالة هانم أم إبراهيم، فلا تحل له لأنها خالته بالواسطة، فهذه هي الأنواع السبعة المحرمة من النسب، فتحرم بالرضاع على هذا التفصيل.
فإذا رضع الطفل الأجنبي من امرأة كانت أمه فيحرم عليه أن يتزوجها، كما يحرم عليه أن يتزوج بنتها أو بنت بنتها وإن نزلت لأنها أخته وبنت أخته، ولا بنت ابنها وإن نزلت لأنها بنت أخيه، ولا أختها، لأنها خالته، ولا أمها لأنها جدته، ومثل ذلك زوج مرضعته الذي جاءها اللبن منه.
فإنه يكون أباً له فيحرم عليه أيتزوج بنته لأنها أخته، ولو كانت من امرأة أخرى، ولا بنت بنته وإن نزلت، ولا بنت ابنه كذلك، وكذا يحرم عليه أن يتزوج أخت أبيه من الرضاع لأنها عمته، ولا أمه لأنها جدته، وكذل يحرم على الرجل زوج المرضعة أن يتزوج بنت ابنه من الرضاعة، ولا بنتها إن نزلت، أم أمه فإنها تحل له كما حلت له أم ابنه نسباً، جدته وأخته كما سيأتي قريباً.
وكذلك لأخ الرضيع أن يتزوج أخت أخيه من الرضاع، كما لغيره من حواشيه، وذلك لأن الحرمة بالنسبة للرضيع لا تسري إلا على فروعه فقط، فلآبائه أن يتزوجوا بأم المرضعة وأخواته من الرضاع، وكذلك لحواشيه من أعمامه وأخواله وإخوته وغير ذلك كما يأتي، أما المرضعة فتحرم أصولها وفرعها وحواشيها دائماً، فلا يحل للرضيع ولا فروعه التزوج منهم، وأما زوجها ذو اللبن فذلك تسري الحرمة منه إلى أصوله وفرعه وحواشيه، فلا يحل للرضيع، أحد منهم، فإذا كان الطفل أنثى، فإنه يجري منه التفصيل المذكور، وهو أن المرضعة تكون أماً له، ويكون زوجها الذي جاءها منه اللبن أباها فتحرم البنت الرضيعة على أصول هذه المرأة، وهم آباءهم لأنهم أجدادها لأمها، كما تحرم على فروعها لأنهم إخوتها، وكذلك تحرم على أخوات المرضعة، لأنهم أخوالها، ومثل أخوال المرضعة في ذلك زوجها الذي جاء منه اللبن، فإن الرضيعة بنته من الرضاع فلا تحل له، وأخت أولاده مطلقاً، سواء كانوا من أمها المرضعة كما قلنا أو من زوجة أخرى.
فلا تحل لواحد منهم كما لا تحل لإخوته لأنهم أعمامها، ولا لأعمامه لأنها بنت أخيهم.
ولا لأخواله لأنها بنت ابن أختهم.
وأما أولاد الرضيعة فإنهم لا يحلون كذلك لأمها من الرضاع لأنها جدتهم.
ولا لأولادها لأنهم أخوال وخالات لهم، ولا لآباء المرضعة لأنهم أجدادهم وجداتهم.
وبالجملة فلا يحلون لأصول المرضعة وفروعها وحاشيتها، وكذلك الرجل صاحب اللبن فإن أولاد الرضيع لا يحلون لأصوله وفروعه وحواشيه، أما أصول الرضيعة وحواشيها فلا يسري إليهم التحريم، فيحل لأب البنت الرضيعة أن يتزوج أمها من الرضاع وجدتها، وأختها، وخالتها، وعمتها وهكذا.
كما يحل ذلك لأخيها، وعمها وهكذا.
هذا إذا رضع الطفل، أما إذا رضع أبوه، أو جده أو جدته أم أبيه، أو رضعت أمه، أو جدته لأمه من امرأة كانت المرضعة في الحالة الأولى جدة له من جهة الأب فأبناؤها وبناتها أعمام له أو عمات، وفي الحالة الثانية كانت المرضعة جدة له من جهة الأم فأبناؤها وبناتها أخوال له.
وخالات.
فيجري التحريم على هذا الوجه.
ويمكن تعريف الأم في الرضاع بأنها هي التي أرضعت الطفل، أو أرضعت من ينتهي نسبه إليها بالولادة، فيشمل من أرضعت آباءه وأمهاته، وتعريف بنت الرضاع بأنها التي أرضعتها زوجة الرجل، أو بنته، أو زوجة ابنه، فيشمل البنت مباشرة، وبنت البنت، وبنت الابن، وسيأتي استثناء في بعض صور هذه الأخيرة، وتعريف أخت الرضاع بأنها كل بنت ولدتها المرضعة، أو ولدها زوجها الذي جاء منه اللبن، وكذا كل من رضعت مع الولد من ثدي واحد، لا فرق بين أن يكون الولد الثاني ابناً للمرضعة من النسب، أو من الرضاع، وكذا لا فرق بين أن يكونا قد رضعا في زمن واحد أو في أزمنة مختلفة، بل المدار في ثبوت الأخوة على الرضاع من ثدي واحد، وبنت الأخ هي من أرضعتها زوجة أخيك بلبنه النازل من المرأة بسببه، وبنت الأخت هي من أرضعتها أختك، وتحرم بنت الأخ وبنت الأخت على زوج المرضعة لا على أولاده لأنها تحل لهم نسباً، والعمات هن أخوات زوج المرضعة، وعمات العمات هن أخوات آباء العمات، ولا تحرم عمات العمات إلا إذا كانت العمات من جهة الآباء لا من جهة الأمهات، كما تقدم توضيحه، والخالات هن أخوات المرضعة، وخالات الخالات هن أخوات أمهات الخالات، ولا يحرمن إلا إذا كن من جهات الأمهات على التفصيل المتقدم.
فهذا بيان المحرمات المذكورة في الحديث من النسب ومن الرضاع، ولكن بقيت المحرمات بسبب المصاهرة وهي لم يشملها الحديث، فلا يصح أن يقال: ويستثنى من هذا كذا، وبيان ذلك أن المحرمات بالمصاهرة قسمان: قسم يحرم بالرضاع كما يحرم بالمصاهرة، وقسم يحرم بالمصاهرة ولا يحرم بالرضاع، فالأول: أم الزوجة، وبنتها، فإنهما يحرمان بالمصاهرة والرضاع فإذا رضعت طفلة من امرأة ثم تزوجت فلا يحل لزوجها أن يتزوج المرضعة التي أرضعتها لأنها أمها، كما لا يحل له أن يتزوج أمها من النسب وكذا إذا تزوج المرضعة نفسها، فإنه لا يحل له أن يتزوج الطفلة التي أرضعتها إذا كان قد دخل بها، أما إذا لم يدخل بها فإنه يحل، كما تقدم في المحرمات بالنسب.
وكذا أخت الزوجة، وخالتها، وعمتها فإنه لا يجوز الجمع بينهن بسبب المصاهرة والرضاع، فلا يحل للرجل أن يتزوج امرأة رضعت ثدي أخرى ويتزوج معها بنت المرضعة التي أرضعتها لأنها أختها من الرضاع، إذا لا يحل الجمع بين الأختين رضاعاً ونسباً، ومثلها بنت زوج المرضعة التي جاءها منه اللبن لأنها أختها، وأيضاً لا يحل له الجمع بين زوجته، وبين أخت مرضعتها، أو أخت زوج مرضعتها، لأن الأولى خالتها، والثانية عمتها، ولا يحل الجمع بين المرأة وعمتها وخالتها، نسباً ورضاعاً، وكذا لا يحل له أن يجمع بينها، وبين بنت أخيها من الرضاع، أو بنت أختها.
وأما القسم الثاني: وهو ما يحرم بالمصاهرة ولا يحرم بالرضاع فهو أمور: أحدها: أم الأخ، سواء كان شقيقاً، أو غير شقيق، ولكن إذا كان شقيقاً كانت أم أخيه أمه هو وحرمتها ثابتة بالنسب لا بالمصاهرة، وقد تقدم أن الأم محرمة نسباً ورضاعاً، فليست مقصودة هنا بل المقصود امرأة الأب، لأن تحريمها بالمصاهرة، فلا يحل للشخص أن يتزوج امرأة أبيه، وهي أم أخيه غير الشقيق، ولكن إذا أرضعت أخاه أجنبية فإنها تحل له، ومثل أم الأخ أم الأخت لأنها إما أم إذا كانت الأخت شقيقة، وإما امرأة أب إذا لم تكن كذلك والأولى محرمة نسباً ورضاعاً والثانية محرمة بالمصاهرة لا بالرضاع، وهي المقصود هنا.
هذا إذا كان الأخ، أو الأخت من النسب، والأم من النسب، أو الرضاع، وقد عرفت أن أم الأخ النسبية هي أم الرجل، هي محرمة نسباً ورضاعاً، وأم الأخ بالمصاهرة هي زوجة الأب وهي محرمة بالمصاهرة، أما أم الأخ، أو الأخت من الرضاع فهي غير محرمة، ومثل ذلك ما إذا كان الأخ، أو الأخت من الرضاع، بأن رضع طفلان من ثدي امرأة فصارا أخوين بالرضاع، ثم رضع أحدهما من مرضعة أخرى فهذه المرضعة تكون أم أخيه من الرضاع فتحل له.
وكذا لو كان لأخيه من الرضاع أم من النسب فإنها تحل له.
ثانيها: أم ولد الولد - سواء كان ذكراً أو أنثى.
لأن الولد يشملهما، وكما لا يخفى، وهكذا في كل ما يأتي - ويقال لها: أم نافلة، أي أم ولد نافلة، وهو ولد الولد، وسمى نافلة لزيادته على الولد فنافلة صفة لولد الولد وأم ولد الولد تحتمل معنيين، الأول: أن تكون زوجة ابنك، إذ هي أم ولد ابنك، وهو حفيدك.
والثاني: أن تكون بنتك لأن البنت أم ولد الولد، وهو حفيد الرجل، فالحفيد إما ان يكون ابن الابن، أو بنت البنت، والثانية ليست مرادة هنا لأن تحريم البنت قد تقدم في المحرمات بالنسب، بل المراد الأولى، وهي زوجة الابن، ويقال لها أم ولد الولد، وهي محرمة بالمصاهرة لا بالرضاع، فلو أرضعت أجنبية ولد ولدك - حفيدك - فإن لك أن تتزوجها، ومثل ما إذا أرضعت زوجة ابنك ولداً أجنبياً، وله أم من النسب فإنها تحل لك، وكذا لو كان له أم أخرى أرضعته فإنها تحل لك، فأم ولد الولد المحرمة زوجة الابن خاصة، فإذا أرضعت ولد الولد أجنبية وكانت أمه من الرضاع لا تحرم، أو أرضعت زوجة الولد أجنبياً، فإنه يكون حفيد الرجل في الرضاع، لأنه رضع لبن ابنه، وكانت لهذا الولد أم نسبية، فإنها تحل، وكذا إذا كانت له أم أخرى من الرضاع، فإنها تحل، فالتي تحرم فقط هي زوجة الابن، وهي أم ولد الولد، سواء كان من النسب، أو كان ولد ولد بسبب الرضاع، أما أمهات ولد الولد من الرضاع، أو من النسب - غير زوجة الابن - فإنهن لا يحرمن.
ثالثها: جدة الولد، وجدة ولد الإنسان إما أمه، وإما أم زوجته، والأولى غير مقصودة هنا، والثانية، وهي أم تحرم بالمصاهرة لا بالرضاع، فلو أرضعت أجنبية ولدك فلا تحرم عليك أم هذه المرضعة مع كونها جدة ابنك في الرضاع لأمه.
هذا إذا كان الابن نسبياً، وله جدة من الرضاع، أما إذا كان رضاعياً بأن أرضعت زوجتك طفلاً أجنبياً، وله جدة من النسب، سواء كانت لأب، أو لأم، أو كانت له جدة رضاعية بأن رضع ثدي امرأة أخرى لها أم، فإن جداته تحل لوالده في الرضاع على كل حال.
أما أم الولد من النسب، فهي زوجة الرجل، وأما أمه من الرضاع، أي مرضعة الولد، فإنها تحل لأبيه بلا كلام، فأم الولد حلال لأبيه نسباً ورضاعاً.
رابعها: أخت ولدك، وهي إما أن تكون بنتك، أو تكون بنت امرأتك، والأولى أخت ولدك لأبيه، والثانية أخته لأمه، والأولى غير مقصودة هنا، لأن البنت محرمة بالنسب والرضاع كما تقدم، أما الثانية فإنها تحرم بالمصاهرة، إذ لا يجوز للرجل أن يتزوج بأخته من الرضاع، سواء كانت أخته بنت المرضعة، أو بنت زوجها الذي نشأ اللبن بسببه، أو كانت أجنبية عنهما، ولكن رضعت من ثدي مرضعته.
هذا إذا كان الولد نسبياً وكانت أخته نسبية، أو رضاعية، أما إذا كان الولد رضاعياً بأن أرضعت زوجتك طفلاً أجنبياً وكان له أخت من النسب، أو أخت من الرضاع، رضع هو وهي من ثدي امرأة أخرى غير زوجتك فإنهما يحلان لك كذلك.
وههنا مسألة وهي ما إذا رضع الابن من جدته لأمه نسباً، فهل تحرم أمه على زوجها؟ والجواب: كلا، فإن أمه في هذه الحالة تكون أختاً للولد من الرضاع، وقد عرفت أن أخت الولد من الرضاع تحل لأبيه، وأخت البنت كأخت الابن في جميع ما ذكر.
خامسها: أم العمة، أو العم، وأم العمة إما أن تكون هي الجدة، كما إذا كانت العمة شقيقة، أو تكون هي زوجة الجد إذا كانت غير شقيقة، وقد عرفت أن الأولى غير مقصودة، لأن الجدة حرمتها كحرمة الأم بالنسب لا بالمصاهرة، والثانية، وهي زوجة الجد لا يحل نكاحها بالمصاهرة ويحل بالرضاع، فلو أرضعت أجنبية العم، أو العمة، وصارت أماً لهما فإنها لا تحرم بالرضاع.
هذا إذا كان العم، أو العمة من النسب وأمهما من النسب، أو الرضاع، ومثل ذلك ما إذا كانا من الرضاع بأن أرضعت جدته أم أبيه أجنبياً، أو أجنبية، فصار له عماً، أو صارت له عمة بسبب هذا الرضاع، وكان لأحد العمين أم غير جدته رضع منها، فيقال لها: أم رضاعية، أو كان له أم نسبية فإن الأمين تحلان.
سادسها: أم الخال أو الخالة، وأم الخال هي الجدة لأم، وتحريمها ثابت بالنسب وبالرضاع، كالأم، وقد تقدم، والمقصود هنا زوجة الجد لأم، وهي لا تحل مصاهرة، وتحل رضاعاً، فلو أرضعت أجنبية خالك أو خالتك، فإنها تحل لك وإن كانت أماً لهما، ويقال في أم الخال والخالة مثل ما قيل في أم العم والعمة.
وبعد، فقد بقيت ههنا مسألتان: احداهما أنه قد تقدم أن حرمة المصاهرة تثبت بالعقد الصحيح وبالوطء، ولو كان بعقد فاسد أو بشبهة، وتقدم الخلاف في ثبوت حرمة المصاهرة بالزنا، فهل تثبت الحرمة في الرضاع بالزنا أو لا؟.
ثانيتهما ما حد لبن الرجل النازل للمرأة، فهل يشترط فيه أن يكون نازلاً بسبب الحمل والولادة بوطء هذا الرجل أو لا؟ وإذا نزل للمرأة لبن وهي تحت زوج ثم طلقها وتزوجت بآخر ورضع منها طفل بعد طلاقها من الأول، فمن منهما يكون أبا الطفل من الرضاع؟.
والجواب عن المسألة الأولى: هو أنه إذا زنى رجل بامرأة وجاءت بولد من هذا الزنا، ونزل لها لبن بسبب هذه الولادة، فأرضعت منه طفلة أجنبية أصبحت هذه الطفلة بنتاً للزانية، بلا كلام، كما أن ولد الزنا ابنها، بلا خلاف، فتحرم الرضيعة على أصولها وفروعها وحواشيها، وإن كان الرضيع ذكراً حرمت عليه المرضعة وأصولها وفروعها وحواشيها، كما يحرمون على ولد الزنا نفسه.
أما الزاني فإن هذه الطفلة تحرم عليه وعلى أصوله وفروعه فقط، فلا تحرم على إخوته وأعمامه، وأخواله، كما تحرم بنت الزنا نفسها، وذلك لأن المولودة من الزنا لم يثبت نسبها منه، فلم تنشر الحرمة إلى حواشي الرجل، وإنما حرمت عليه أصوله وفروعه لكونها جزءاً منه متولدة من منيه كما تتولد بنت النسب وقد رضعت من لبنه القائم مقام المني في تحقيق هذه الجزئية.
(الشافعية - قالوا: إنهم يوافقون على ثبوت المولود من الزنا لأمه فتحرم عليه هي وأصولها وفروعها وحواشيها لأنه إنسان انفصل منها، مثل المولود من الزنا ولد الرضاع، فتحرم عليه من مرضعته وأصولها وفروعها وحواشيها كذلك، أما الزاني فإنهم يخالفون في ثبوت أبوته للمولود من الزنا، لأنه لم ينزل منه سوى مني مهدر لا حرمة له، فما يتولد منه لا يكون له ابن، فيحل للزاني أن يتزوج بنته من الزنا، كما يحل لأصوله وفروعه مع الكراهة فقط.
الحنابلة - قالوا: إنه وإن كان يحرم على الرجل أن يتزوج بنته من الزنا، ولكن البنت التي رضعت من لبن الزنا لا تكون بنتاً له بحال، وذلك لأن اللبن لا يثبت له إلا إذا كان ناشئاً من حمل ثبت نسبه من الرجل ولحق به فإن لم يثبت نسبه لم يكن له علاقة بهذا اللبن، فمن رضع منه لا يكون ابناً له، فلا تثبت بينهما حرمة مصاهرة، فالبنت التي شربت من اللبن الناشئ من الزنا لا تحرم عليه ولا على أصوله وفروعه، كما سيأتي في المسألة الثانية.
) وأما الجواب عن المسألة الثانية، ففيه تفصيل المذاهب .
(الحنفية - قالوا: لبن الرجل الذي يثبت به أبوته للرضيع يشترط فيه أن ينزل لزوجته بعد حملها وولادتها منه، فإذا تزوج رجل بامرأة ولم تلد منه قط ثم نزل لها لبن فأرضعت صبياً كان الصبي ابناً للمرأة بخصوصها، فيحرم عليه أن يتزوج أصولها وفروعها ومحارمها، ولا فرق في ذلك بين أن يكون اللبن قد نزل لها وهي بكر أو نزل لها بعد أن وطئها، وإذا حملت ولم تلد لم يكف الحمل في ثبوت اللبن للرجل بل لابد من الولادة، خلافاً للشافعية أما الرجل فلا يكون أباه فله أن يتزوج أصوله وفروعه من غير هذه المرضعة، وإذا طلق رجل زوجته ولها لبن منه ثم تزوجت برجل آخر بعد ما انقضت عدتها ووطئها الثاني، وجاءت منه بولد مع استمرار اللبن الأول فإن اللبن يصير للزوج الثاني بلا خلاف، بحيث لو أرضعت طفلاً يكون للثاني، أما إذا لم تحمل من الثاني فاللبن يكون للأول بلا خلاف، وإذا حملت من الثاني ولكنها لم تلد منه واستمر اللبن الأول وأرضعت منه طفلاً، فالصحيح أنه يكون ابن الأول حتى تلد من الثاني، وإذا تزوج الرجل امرأة فولدت منه ولداً فأرضعته ثم يبس اللبن وانقطع، ثم در لها لبن بعد ذلك فأرضعت به صبياً أجنبياً لم يكن هذا الصبي ابناً لزوج المرضعة، لأن لبنه قد انقطع، ولهذا الصبي أن يتزوج أولاد هذا الرجل من غير المرضعة، وعلى هذا إذا طلقها وانقطع من ثديها ثم تزوجت بآخر ونزل لها اللبن قبل أن تحمل منه كان اللبن للثاني.
الشافعية - قالوا: يشترط في ثبوت الأبوة باللبن أن يكون الولد الذي نزل بسببه اللبن ثبت نسبه من الرجل، فلو ولد لرجل ولد ونزل لزوجته لبن بسبب هذه الولادة ثم نفاه، وقال: إنه ليس ابناً لي، ولم يثبت نسبه منه وأرضعت زوجته طفلاً من هذا اللبن لم يكن الطفل ابناً لذلك الرجل، فلا حرمة بينهما، فإذا استحلفه ثانياً، وقال: إنه ابني عادت الحرمة بينه وبين الرضيع، وبهذا تعلم أن لبن الزنا لا قيمة له لأن ولد الزنا لا يثبت نسبه.
وإذا تزوجت امرأة رجلاً وجاءت منه بولد نزل لها لبن بسببه ثم طلقها وتزوجت آخر فإن لبن الأول يستمر بحيث لو رضع منها طفل كان ابناً من الرضاع للأول ما لم تلد من الثاني، فإذا ولدت انقطع لبن الأول وصار اللبن للثاني، وهذا بخلاف ما إذا نزل اللبن للبكر ثم تزوجت واستمر لبنها، فإنه يكون لها دون زوجها حتى تحمل منه، فإذا حملت صار اللبن لهما وإن لم تلد، والفرق بين الصورتين ظاهر، فالبن في الأولى نزل بسبب ولادة الزوج الأول فكان له بخصوصه ولا ينقطع إلا بولادة الثاني، أما في الثانية فإنه نزل للبكر من غير زوج فكان أضعف من الأول.
ومن هذا يتضح أن اللبن لا ينقطع نسبته عن الأول إلا بالولادة من غيره، ولو طالت المدة أو انقطع اللبن وعاد ثانياً، خلافاً للحنفية في هذا وما قبله.
المالكية - قالوا: يثبت اللبن للرجل بشرطين: الأول: أن يطأ زوجته.
الثاني: أن ينزل، فلو عقد عليها، أو وطئها ولم ينزل، وكان بها لبن فإنه
What's Your Reaction?






