مبحث عدة المطلقة إذا كانت من ذوات الحيض وفيه معنى الحيض وشروطه

كتاب الطلاق

مبحث عدة المطلقة إذا كانت من ذوات الحيض وفيه معنى الحيض وشروطه
-إذا فارق زوجته حال الحياة بطلاق، أو فسخ، وكانت من ذوات الحيض، فإنها تعتد بثلاثة قروء، لقوله تعالى: {والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء} ، والمراد بالمطلقات في الآية غير الحوامل طبعاً، بدليل قوله تعالى: {وأولات الحمال أجلهن أن يضعن حملهن} فإنها عامة تشمل المطلقات، والمتوفى عنهن أزواجهن، فخصصت قوله تعالى: {والمطلقات يتربصن} بغير الحوامل، وهذه عدة الحرة، أما عدة الأمة فعلى النصف من عدة الحرة ولكن لم كان القرء لا ينتصف كانت عدة الأمة قرأين كاملين، ويتعلق بهذا المبحث مسائل: أحدها: ما المراد بالقرء؟ ثانيها: هل المرضعة التي يتأخر حيضها بسبب الرضاع تعتد بالحيض بعد فطام الطفل، أو تهتد بالأشهر؟.

ثالثها: ما عدة المريضة التي انقطع حيضها بسبب المرض؟.

رابعها: ما عدة المرأة الني يستمر بها الدم، ويقال لها: المستحاضة؟ خامسها: ما عدة المرأة التي تأتيها الحيضة كل سنة، أو سنتين إلى خمس سنين مرة، أو كل عشر سنين مرة؟.

سادسها: ما عدة المرأة التي تبلغ بغير الحيض، ولم تر الحيض بعد ذلك؟ في الجواب عن هذه المسائل تفصيل المذاهب .

(المالكية - قالوا: أما الجواب عن السؤال الأول، فهو أنه قد اختلف في معنى القرء، فالمشهور أن معناه الطهر من الحيض، فإذا طلقها في أخر لحظة من طهرها، ثم حاضت بعد فراغه من لفظ الطلاق بلحظة حسب لها هذا طهراً، فإذا حاضت مرة أخرى وطهرت، حسب لها طهراً ثانياً، فإذا حاضت وطهرت، حسب لها طهراً ثالثاً، وتنقضي عدتها بنهاية الطهر الثالث بالدخول في الحيضة الرابعة، وقال بعضهم: بل معنى الطهر الحيض، كما يقول الحنفية، والحنابلة، وأن الذي يتتبع مذهب المالكية يجدهم لا يطلقون القرء إلا على الحيض، ولذا رجح أن القرء هو الحيض لا الطهر، وقد أيد بعضهم القول الأول بأن إطلاق القرء على الحيض مجاز، وعلى الطهر حقيقة، ومتى أمكن العمل بالحقيقة فإنه لا يصح العمل بالمجاز، وهذا التأييد غير سديد، لأن التحقيق أن القرء مشترك بين الحيض والطهر، فهو مستعمل فيهما على السواء وليس استعماله في أحد المعنيين أولى في اللغة وإذا كان كذلك فالذي تحصل به براءة الرحم حقيقة إنما هو الحيض لا الطهر، هذا ما قرره بعض محققي المالكية، ولم يرده أحد، فالطاهر أنه يرجحون إطلاق القرء على الحيض، ولكن لم يذكروا ما إذا طلقها أثناء الحيض، فهل تحسب لها الحيضة الناقصة.

أو لا؟ وقواعد مذهبهم تقتضي أنها تحسب كما حسب الطهر، أما الحيض المعتبر في العدة، فهو دم خرج تنفسه لا بسبب ولادة، ولا افتضاض بكارة، ولا غير ذلك، من قبل امرأة تحمل عادة، ولا تنقضي به العدة إلا بشروط.

أحدها: أن يستمر يوماً أو بعض يوم على الأقل، أما إذا نزل مدة يسيرة، كاللحظة، فإنه لا يعتبر حيضاً يترتب عليه الطهر الذي تنقضي به العدة، وإن كان يعتبر حيضاً في باب العبادة، فلا يحل لها أن تصلي إلا إذا اغتسلت منه، وإن كانت صائمة يفسد صيامها، على أن الحيض في باب العدة إذا انقطع لأقل من يومين، فإنه تسأل عنه الخبيرات من النساء، فإذا قالت واحدة ظاهرة العدالة، إنه حيض فذاك، وإلا فلا، وسيأتي، ثانيها: أن لا تكون صغيرة دون تسع سنين، فإن رأت الدم وهي في هذا السن، فإنها لا تكون حائضاً، ومثلها ما إذا بلغت سن الإياس من الحيض، وهو سبعون سنة، وتسأل النساء عن حيض بنت تسع إلى ثلاثة عشر، فإن قلن: إنه حيض فذاك، وإن شككن فيه، أو جزء منه بأنه ليس حيضاً فإنه يعمل برأيهن، وكذا عن حيض بنت الخمسين إلى السبعين، فإنه تسأل فيه النساء كذلك.

ثالثها: أن يكون أحمر، أو أصفر، أو أكدر، والكدرة لون بين السواد، والبياض، وهذا هو المشهور، وقيل: إن لم يكن أحمر فلا يكون حيضاً.

رابعها: أن لا يخرج بعلاج، فإذا عالجت نفسها بدواء لتستعجل الحيض قبل وقته المعتاد فرأت الدم، فإنه لا تنقضي به العدة، وإذا كان كذلك فلا يكون حيضاً يمنع الصلاة والصيام، والاحتياط أن يقضى الصيام، لجواز أن يكون حيضاً، وإذا عالجت نفسها بدواء لتقطع الحيض فانقطع، فإنه يحكم لها بالطهر، وأكثر الحيض لمن لم تر الحيض، ويقال لها: مبتدأة، خمسة عشر يوماً، ولمن لها عادة تحسب لها عادتها، فإن لم ينقطع انتظرت ثلاثة أيام وهكذا في كل مرة تزيد ثلاثة أيام حتى تصل إلى خمسة عشر يوماً ولا تنتظر بعدها، ومحل كونها تستطهر بثلاثة أيام ما لم تكن عادتها خمسة عشر يوماً، فإن كانت فإنها لا تكون حائضاً بعدها، ولو نزل الدم، وأقل الطهر خمسة عشر يوماً، ثم إن المالكية يقولون: إن الحامل قد تحيض.

وأما الجواب عن السؤال الثاني، فهو أن المرضعة تعتد باقراء سواء كان حيضاً، أو كان طهراً من حيض، ولو مكثت ترضع سنين، فعليها أن تنتظر بعد انقطاع الرضاع حتى تحيض ثلاث حيض، فإن انتظرت ولم تحض حتى انقضت سنة بعد فطام الطفل، فإنها تحل للأزواج، ولا فرق في ذلك بين الحرة والأمة، فالأمة المرضعة لا تنقضي عدتها إلا بالحيض، وانقطاعه في زمن الرضاع لا ينقل عدتها إلى الاعتداد بمرور الزمن، وللزوج أن ينتزع الولد منها ويسلمه لمرضعة أخرى لتنقضي عدتها إذا كان في ذلك مصلحة له، كما إذا خاف على نفسه أن يموت وهي في العدة فترثه، إن لم يكن مريضاً، لأن الموت قد يحصل مفاجأة، أو كان يريد التزوج بأختها، وهي تطيل العدة لتحول بينه وبينها، أو كان يريد التزوج برابعة، أو كان يريد قطع نفقة عدتها، ولكن يشترط لذلك ثلاثة شروط: الأول: أن يقبل الولد ثدي غيرها، بحيث توجد مرضعة غيرها يقبل ثديها، ولا يضره فراق ثدي أمه.

الشرط الثاني: أن تكون عادتها في الحيض قد تأخرت بسبب الرضاع، أما إذا كانت لا تحيض إلا كل سنتين مرة بحيث لو قطعت الرضاع لا تحيض، فإنه ليس له أن ينزع الولد.

الشرط الثالث: أن ترضعه المرضعة، وهو في حضانتها بأن ترضعه وهو عندها، فإن الحضانة لا تسقط بذلك.

أما الجواب عن السؤال الثالث، وهو ما إذا تأخر حيضها بسبب المرض فإنها تنتظر تسعة أشهر استبراء، أي للتحقق من براءة رحمها، لأن هذه المدة هي مدة الحمل غالباً، وهل تعتبر من وقت الطلاق، أو من وقت انقطاع حيضها؟ قولان: فإذا انقضت الأشهر التسعة التي للاستبراء تعتد بعد ثلاثة أشهر، سواء كانت حرة، أو أمة، وبعضهم يجعل السنة كلها عدة، والأمر في ذلك سهل لأنها على كل حال لا بد لها من انتظار سنة كاملة حتى تنقضي عدتها، فإذا حاضت قبل مضي السنة انتظرت حتى تحيض حيضتين، فإن لم تحض حتى انقضت السنة، فإنها تحل للأزواج، وإلا فإن حاضت، ولو في آخر يوم منها انتظرت الحيضة الثالثة، فإن جاءتها فذاك، وإلا انتظرت حتى تنقضي السنة الثالثة، فإما أن تحيض، وإما أن تحل للأزواج بدون حيض.

هذا إذا كانت حرة أما إذا كانت أمة فإنها تحل بالحيضة الثانية، أو بتمام سنة لم تحض فيها، فإن تزوجت بعد انقضاء السنة الني لم تر فيها الحيض بزوج آخر، ثم طلقت ولم تحض، فإنها تعتد بثلاثة أشهر، لأنها تكون في هذه الحال آيسة من الحيض سواء كانت حرة، أو أمة.

وأما الجواب عن السؤال الرابع، فهو كالجواب عن السؤال الثالث، وهو أن المستحاضة تنتظر تسعة أشهر استبراء لرحمها، لأنها مدة الحمل غالباً، ثم تعتد بثلاثة أشهر، فتنقضي عدتها بسنة كاملة.

أما الجواب عن السؤال الخامس، فهو أن المرأة التي اعتادت أن تحيض كل سنة مرة كالمرأة التي اعتادت أن تحيض كل خمس سنين مرة تعتد بالحيض، بمعنى أنها تنتظر عادتها، فإن جاءتها في آخر يوم من أيام السنة، أو السنتين أو الخمس، فإنها تنتظر الحيضة الثانية، وإن لم تأتها فإنها تحل للأزواج، أما التي تأتيها عادتها بعد خمس سنين، كما إذا كانت تحيض كل ست سنين أو سبع سنين إلى عشر سنين، فقيل: بل تعتد بالاقراء، بأن تنتظر عادتها، فإن لم تأتها حلت، وإلا انتظرت الحيضة الثانية، وهكذا، وقيل: بل تعتد بانقضاء سنة بيضاء، أي لم تر فيها الحيض، فإذا انقضت سنة ولم تحض، فإنها تحل للأزواج، وهذا هو الصواب، وبعضهم يقول: إنها تكون آيسة من المحيض، فتعتد بثلاثة أشهر، ولكنهم استبعدوا هذا الرأي.

وأما الجواب عن السؤال السادس: فهو أن عدة التي تبلغ ولم تر الحيض، أصلاً ثلاثة أشهر، كعدة الآيسة من المحيض، وكعدة الصغيرة التي لم تحض لصغرها، والكبيرة التي يئست من المحيض.

الحنفية - قالوا: في الجواب عن السؤال الأول: إن المراد بالقراء الحيض عندهم بلا خلاف لأنه هو الذي به تعرف براءة الرحم، كما تقدم في عبارة المالكية، فلا تنقضي عدة الحرة إلا بثلاث حيض كوامل، بحيث إذا طلقها قبل الحيض بلحظة ثم حاضت حسبت لها حيضة أما إذا حاضت قبل طلاقه بلحظة ثم طلقها فإنها لا تحسب لها، وتنقضي عدة الأمة بحيضتين كاملتين، ثم إن الحيض الذي تنقضي به العدة، هو دم يخرج من رحم الولادة، بشرائط مخصوصة، فلو خرج من الدبر لا يكون دم حيض، ويتوقف كونه حيضاً على أمور: أولاً: أن ينزل من بنت يسع سنين إلى أن تبلغ سن خمس وخمسين سنة على المختار، فإن رأت الدم وهي أقل من تسع سنين فإنه لا يكون دم حيض وكذا إذا رأته وهي أكثر من خمس وخمسين سنة، وهو سن اليأس على المفتى به.

ثانياً: أن يخرج الدم إلى الفرج الخارج ولو بسقوط القطنة أو الحفاض، فإذا حاضت ولكن حبسته بقطنة ونحوها بحيث لم يخرج إلى الفرج الخارج فإنه لا يعتبر حيضاً، ولا يشترط في الحيض السيلان، ثالثاً: أن يكون على لون من ألوان الدم الستة، وهي: السواد، والحمرة، والصفرة، والكدرة، والخضرة، والترابية، يعني يكون كلون التراب.

رابعاً: أن ينزل ثلاثة أيام وثلاث ليال، فإذا نزل الدم يوماً أو بعض يوم، أو أقل من ثلاثة أيام بلياليها، فإنه لا يكون حيضاً، وأكثره عشرة أيام ولياليها.

خامساً: أن يتقدمه أقل أيام الطهر، وهي خمسة عشر يوماً فإذا رأت ثلاثة أيام دماً، ثم مكثت أربعة عشر يوماً طاهرة، ثم رأت الدم ثانياً فإنه لا يكون حيضاً ولو استمر ثلاثة أيام فأكثر.

سادسها: أن يكون الرحم خالياً من الحمل، فإذا رأت الحامل دماً فإنه لا يكون حيضاً.

ومن هذا تعلم أن الحيض الذي تراه الصغيرة جداً والحامل لا يسمى حيضاً، وإنما يسمى استحاضة ومثله الحيض الذي لا يستمر ثلاثة أيام بلياليها، والحيض الذي يأتي قبل أن تنتهي مدة الطهر، وكذلك الدم الذي ينزل بسبب الولادة، فإنه ليس بحيض، وإنما هو دم نفاس، وأما الدم الذي ينزل بسبب افتضاض البكر، فهو غير خارج من رحم الولادة، كما لا يخفى.

وأما الجواب عن السؤال الثاني: فهو أن الحنفية يقولون: إن المرأة إذا حاضت مرة واحدة أقل الحيض، وهو ثلاثة أيام وثلاث ليال، فإنها تكون من ذوات الحيض، فإذا انقطع عنها الحيض بسبب رضاع، أو بسبب آخر، فإن عدتها لا تنقضي حتى تبلغ سن اليأس المتقدم ذكره، وقولهم: إذا حاضت ثلاثة أيام خرج به ما إذا بلغت بغير حيض، أو رأت الحيض يوماً واحداً أو يومين، ثم انقطع عنها، ومكثت سنة لم تحض ولم تلد وطلقها زوجها، فإنها تعتد بثلاثة أشهر وإذا بلغ سنها ثلاثين سنة حكم بإياسها من المحيض.

وأما الجواب عن السؤال الثالث: فهو كالجواب عن السؤال الثاني، فإنها ما دامت من ذوات الحيض وهي التي حاضت مرة ولو أقل الحيض، فإنها لا تعتد إلا بالحيض، فإن لم تحض ثلاث مرات لا تنقضي عدتها حتى تبلغ سن اليأس، وقد عرفت أن لها أن تعالج نفسها بدواء ونحوه لإنزال الحيض، ولو في غير وقته، فإن نزل انقضت عدتها.

واعلم أن الحنفية اختلفوا في جواز تقليد المالكية في هذه المسألة، فقال بعضهم: إنه يجوز الإفتاء بمذهب المالكية، بحيث تنقضي عدة المرأة التي تحيض، ثم يمتد طهرها بعد انقضاء سنة بيضاء لا ترى فيها حيضاً وبعضهم يقول: لا يجوز للمفتي أن يفتي بهذا، وإنما يجوز له أن يقلده لخاصة نفسه، نعم إذا قضى به قاض مالكي فإنه يصح للحنفي تنفيذه بدون كلام، والذي أظنه معقولاً هو الرأي الأول، لأني لم أفهم معنى لقولهم: يجوز للمفتي أن يعمل بهذا الرأي ولا يجوز له أن يفتي به، لأنه لا يخلو إما أن يكون ضعيفاً فليس من الدين في شيء أن يعمل المفتي بالضعيف أو الفاسد ويكون ذلك جائزاً بالنسبة له وممتنعاً بالنسبة لغيره، وإما أن يكون قوياً وحينئذ لا معنى لانفراد المفتي به دون غيره، والظاهر المناسب جواز الافتاء به.

وأما الجواب عن السؤال الرابع: فهو أن المستحاضة التي استمر بها الدم إن كانت لها عادة قبل استمرار الدم ترد إلى عادتها.

مثلاً إذا كانت تحيض في أول الشهر أو في وسطه ستة أيام ثم حاضت واستمر الدم فإن حيضها يعتبر ستة أيام من أول كل شهر أو وسطه، وما بقي طهر فتنقضي عدتها بثلاثة أشهر، وعلى هذا القياس، أما إذا لم تعرف عادتها فإن عدتها تنقضي بسبعة أشهر على المفتى به، وذلك بأن يقدر لحيضها عشرة أيام، وهي أكثر الحيض، ويقدر لطهرها شهران بحيث نفرض أنها تحيض كل شهرين مرة أكثر الحيض، فيكون مجموع الحيض الثلاث شهراً، ومجموع الأطهار الثلاثة ستة أشهر.

وأما الجواب عن الخامس فظاهر، لأن المرأة إذا كانت من ذوات الحيض ولو لم تحض إلا كل خمس عشرة سنة مرة فإن عدتها لا تنقضي عند الحنفية إلا بالحيض، فإذا لم تحض فإن عدتها لا تنقضي حتى تبلغ سن اليأس، وقد عرفت أنه يجوز تقليد المالكية في انقضاء عدتها.

وأما الجواب عن السؤال السادس، فهو أن المرأة التي تبلغ ولم تر الحيض أصلاً، ومكثت سنة مع زوجها لم تحمل ثم طلقها فإن عدتها تنقضي بثلاثة أشهر، لأنها تكون في حكم اليائسة من المحيض لصغر أو كبر، فإذا بلغت ثلاثين سنة حكم بإياسها، كما تقدم، أما إذا حملت ووضعت الحمل، ثم طلقها وانقضت سبعة أشهر من غير أن ترى الدم، فإن عدتها لا تنقضي بالأشهر، لأن التي تحمل لا يحكم بإياسها، ولو لم تر الدم، لا قبل الولادة، ولا بعدها، وهذه ينبغي أن يقلد فيها المالكية أيضاً، رفعاً للحرج عن عباد الله.

الشافعية - قالوا: في الجواب عن السؤال الأول: إن المراد بالقرء الطهر قولاً واحداً، فلا تنقضي عدة الحرة إلا بانقضاء ثلاثة أطهار، ويحسب لها الطهر الذي طلقها فيه ولو بقيت منه لحظة واحدة، بحيث لو قال لها: أنت طالق، وهي طاهرة ثم حاضت بعد فراغه من النطق بطالق فإن ذلك يحسب طهراً لها وتنقضي عدتها بطهرين بينهما حيضتان بعد ذلك، على أن تدخل في الحيضة الثالثة تحيض بعد الطهر الذي طلقها فيه، ثم تطهر ثم تحيض، ويحسب ذلك طهراً ثانياً، ثم تحيض ثانياً، ثم تطهر، ثم تشرع في الحيضة الثالثة ويكون ذلك طهراً ثالثاً، فالطهر لا يعتبر إلا إذا كان بين حيضتين، كما تقدم، وإذا كان بين حيضتين، فلا بد أن يكون خمسة عشر يوماً على الأقل، وقد تقدم بيان الوقت الذي تسمع فيه دعواها بانقضاء العدة في مباحث الرجعة.

أما الأمة فإن عدتها تنقضي بقرائن على هذا الوجه، ثم إن الحيض المعتبر في العدة هو دم يخرج من فرج المرأة إذا بلغت تسع سنين على الأقل، لا بسبب علة ولا ولادة، والمراد تسع سنين تقريباً فإذا انقضت قليلاً فإنه لا يضر، بشرط أن يكون النقص زمناً لا يسع الحيض والطهر، فإذا رأت الصغيرة التي لم تبلغ تسع سنين الدم لا يعتبر حيضاً، بل يكون دم علة وفساد، ومثلها الآيسة من الحيض - وهي من بلغت سن اثنتين وستين سنة على الأصح - وعدتهما ثلاثة أشهر، كما يأتي: وقوله: من فرج المرأة خرج به الدم الذي يخرج من دبرها.

فإنه ليس بحيض طبعاً وقوله: لا لعلة خرج به الاستحاضة، وهو المستمر بسبب المرض، وقوله: ولا ولادة خرج به النفاس فإنه لا يسمى حيضاً، ويشترط لانقضاء العدة بالطهر المترتب على هذا الحيض: - أن يكون الحيض على لون من ألوان الدم، وهي خمسة: السواد، وهو أقواها، ثم الحمرة، ثم الشقرة، ثم الصفرة، ثم الكدرة.

- وأن يستمر يوماً وليلة، أعني أربعاً وعشرين ساعة، وهي أقل مدة الحيض، فإن مكث أقل من هذه المدة فلا يكون حيضاً.

- أن يفصل أقل الطهر بين الحيضتين، وأقل الطهر خمسة عشر يوماً، لأن أكثر الحيض خمسة عشر يوماً، فإذا فرضنا امرأة عادتها خمسة عشر يوماً حيضاً كان الباقي من الشهر طهراً، وهو أقل الطهر، ولا حد لأكثره.

ثم إن الحامل تحيض على المعتمد، فإذا رأت الدم، وهي حامل ثم انقطع وولدت بعد عشرة أيام من تاريخ انقطاع الدم اعتبرت هذه العشرة طهراً فاصلاً بين الحيض والنفاس، ولا يقال: إن أقل الطهر الفاصل خمسة عشر يوماً، لأن مرادهم به الفاصل بين الحيضتين، أما الفاصل بين حيض الحبلى ونفاسها فلا يلزم أن يكون خمسة عشر يوماً، ومثل ذلك ما إذا تقدم النفاس على الحيض كما إذا ولدت، ثم نفست وانقطع دم النفاس، لأكثر مدته مثلاً، ثم طهرت يوماً أو يومين وحاضت بعد ذلك، فإن هذا يعتبر طهراً فاصلاً بين حيض ونفاس، وإن لم يكن خمسة عشر يوماً فإذا طلقها وهي نفساء، ثم طهرت من نفاسها يوماً أو يومين مثلاً، ثم حاضت فإن ذلك يحسب طهراً لها، وإذا حاضت وهي حبلى فسد صيامها وحرم عليها ما يحرم على الحائض الخ.

أما الجواب عن السؤال الثاني: فإن الشافعية، كالحنفية يقولون: إن المرأة إذا كانت من الحيض فإن حاضت ولو مرة واحدة فإن عدتها لا تنقضي إلا بثلاثة أطهار بحيث إن انقطع عنها الحيض، فلا تنقضي عدتها إلا إذا بلغت سن اليأس، فمن تأخر حيضها برضاع، أو بمرض فإن عليها أن تصبر حتى تفطم الرضيع وتشفى من المرض، ثم تحيض، ولها أن تعالج الحيض بدواء ونحوه فإذا حاضت ولو قبل ميعاد حيضتها فإنه يعتبر، ولا حق للزوج في قطع النفقة والسكنى مهما تضرر على المعتمد.

وهذا جواب عن السؤال الثالث أيضاً، إذ لا فرق بين المرضعة والمريضة.

وأما الجواب عن السؤال الرابع: فهو أن التي يستمر بها الدم ولو كان متقطعاً، فإن كانت لها عادة معروفة، كأن كانت تحيض في أول كل شهر سبعة أيام مثلاً، فإنها ترد إلى عادتها، كما يقول الحنفية، وإن لم تكن لها عادة فإن عدتها تنقضي بثلاثة أشهر هلالية، إن طلقت في أول الشهر، لأن كل شهر يشتمل على طهر وحيض لا محالة، لما علمت من أن أكثر الحيض خمسة عشر يوماً، فما بقي منه أقل الطهر، وهو خمسة عشر يوماً، أما إن طلقت في أثناء الشهر فإن كان قد بقي منه أكثر من خمسة عشر يوماً حسب لها طهراً لاشتماله على الطهر لا محالة، وإن بقي منه خمسة عشر يوماً فأقل، فإنه لا يحسب لها، فلا بد لها من ثلاثة أشهر هلالية بعده.

وقد قال بعض الحنفية: إن عدة المستحاضة ثلاثة أشهر، فيكون موافقاً للشافعية في الموضوع.

وأما الجواب عن السؤال الخامس، فهو كالجواب عن السؤال الثالث، لأنك قد عرفت أن المرأة التي تحيض، ولو مرة في حياتها تكون من ذوات الحيض، سواء حاضت كل عشر سنين مرة أو كل خمس سنين مرة، أو لم تحض أصلاً بعد، فإن عدتها لا تنقضي إلا ببلوغ سن اليأس.

وأما الجواب عن السؤال السادس، فهو أن التي تبلغ ولم تر دماً فإنها تكون في حكم الآيسة من المحيض، عدتها ثلاثة أشهر، فإن شرعت في العدة بالأشهر ثم حاضت انتقلت عدتها للحيض كما تقدم.

الحنابلة - قالوا: في الجواب عن السؤال الأول: إن القرء هو الحيض قولاً واحداً، كما يقول الحنفية، وقد استدلوا على ذلك بأن هذا المعنى منقول عن كبار الصحابة، ومنهم عمر وعلي وابن عباس، وأبو بكر وعثمان، وأبو موسى، وعبادة، وأبو الدرداء، فهؤلاء كلهم قالوا: إن القرء معناه الحيض، ثم إن الحيض المعتبر في العدة هو دم يخرج من داخل الرحم لا لمرض ولا بسبب الولادة، يعتاد أنثى إذا بلغت في أوقات معلومة، ويتحقق الحيض بأمور: منها أن يكون لون دم الحيض، وهو الحمرة والصفرة، والكدرة، ومنها أن يستمر يوماً وليلة، وهو أقل الحيض، فإن انقطع لأقل من ذلك فإنه لا يكون حيضاً، بل دم فساد وأكثره خمسة عشر يوماً ومنها أن يفصل بين الحيضتين أقل الطهر، وهو ثلاثة عشر يوماً، ومنها أن تكون بنت تسع سنين على الأقل، فلو كانت أقل من ذلك ورأت دماً فإنه لا يكون حيضاً ولا يعتبر، ومنها أن تكون آيسة من المحيض، وهي من بلغت سن خمسين سنة فهذه تعتد بالأشهر ولا عبرة بالدم الذي تراه بعد ذلك.

والحامل لا تحيض عند الحنابلة، كالحنفية، فإذا رأت الدم وهي حامل كان دم فساد لا يمنع الصلاة، والصوم، والوطء عند الحاجة، فلا توطأ إلا عند الحاجة، وإذا رأت الحامل الدم ثم انقطع، فإنها تغتسل منه استحباباً، كما تقدم في مباحث الحيض.

فالحرة التي تحيض ولو مرة لا تنقضي عدتها إلا بثلاث حيض كاملة، بحيث لو طلقها وهي حائض فلا تحسب لها الحيضة، أما إذا طلقها قبل الحيضة ولو بلحظة، فإنها تحسب لها، كما يقول الحنفية، أما الأمة التي تحيض، فإن عدتها تنقضي بحيضتين على الوجه المذكور، وإذا انقضت عدة الحرة بانقطاع دم الحيضة الثالثة فإنها لا تحل للأزواج إلا إذا اغتسلت، فإن لم تغتسل لا تحل، ولو مكثت زمناً طويلاً، ومثلها الأمة عند انقضاء عدتها.

أما الجواب عن السؤال الثاني، فإن من حاضت ولو في عمرها مرة، ثم انقطع حيضها بسبب معروف من رضاع أو مرض فإن عدتها لا تنقضي حتى يعود الحيض، فتعتد بثلاث حيض، فإن لم يأتها الحيض فلا تنقضي عدتها حتى تبلغ سن اليأس، وبعضهم يقول: إذا لم يأتها الحيض فإنها تعتد بسنة، والأول موافق للشافعية، والحنفية، والثاني موافق للمالكية، وقد استدلوا على ذلك بما رواه الشافعي عن سعيد بن سالم عن ابن جريج عن عبد الله بن أبي بكر أنه أخبره أن حبان بن منقذ طلق امرأته - وهو صحيح - وهي مرضعة.

فمكثت سبعة أشهر لا تحيض، يمنعها الرضاع ثم مرض حبان، فقيل له: إن مت ورثتك، فجاء إلى عثمان وأخبره بشأن امرأته، وعنده علي، وزيد، فقال لهما عثمان: ما تريان؟ فقالا: نرى أنها ترثه إن مات ويرثها إن ماتت، فإنها ليست من القواعد اللائي يئسن من المحيض، وليست من اللائي لم يحضن، ثم هي على عدة حيضها ما كان من قليل أو كثير، فرجع حبان إلى أهله فانتزع البنت منها، فلما فقدت الرضاع حاضت حيضة، ثم أخرى، ثم مات حبان قبل أن تحيض الثالثة، فاعتدت عدة الوفاة وورثته اهـ.

وفي هذا جواب عن السؤال الثالث، إذ لا فرق بين المرضعة والمريضة عند الحنابلة، كالشافعية والحنفية، والذي فرق بينهما هم المالكية، وذلك لأن الرضاع سبب يمكن إزالته بخلاف المرض.

وأما الجواب عن السؤال الرابع، فهو أن المستحاضة التي يستمر بها نزول الدم إن كانت لها عادة أو يمكنها أن تميز بين الدم الصحيح والدم الفاسد، فإنها تعمل بذلك، بحيث لو كانت تحيض قبل استمرار الدم خمسة أيام في وسط كل شهر، فإنها تعتبر هذه المدة حيضاً، وإن لم تكن لها عادة، بل ابتدأها الحيض في أول بلوغها واستمر، فإنها إن كانت حرة فإن عدتها تنقضي بثلاثة أشهر، وإن كانت أمة فإن عدتها تنقضي بشهرين.

وأما الجواب عن السؤال الخامس، فهو أن الحنابلة يقولون: إن المرأة إذا حاضت مرة وارتفع عنها الحيض بدون سبب معروف من مرض أو رضاع، فإن عدتها تنقضي بسنة عند انقطاعه بعد الطلاق.

فإن انقطع قبل الطلاق فإنها تصبر سنة أيضاً، ولكن منها تسعة أشهر للعلم ببراءة الرحم من الحمل، وثلاثة أشهر عدة.

هذا إذا كانت حرة، أما إذا كانت أمة فإن عدتها تنقضي بأحد عشر شهراً، منها تسعة أشهر

What's Your Reaction?

like
0
dislike
0
love
0
funny
0
angry
0
sad
0
wow
0