مبحث إذا عجز الزوج عن النفقة على زوجته

كتاب الطلاق

مبحث إذا عجز الزوج عن النفقة على زوجته
-إذا عجز الزوج عن الإنفاق على زوجته فلها الحق في طلب طلاقها منه، على تفصيل المذاهب .

ماله، فإن لم يكن له مال أذنها بالاقتراض لتنفق ثم ترجع عليه، فإن لم تعرف له مكاناً بحث عنه القاضي بما وسعه، فإن لم يظهر فرضها في ماله الحاضر، وأخذ منها كفيلاً بما يصرف لها لجواز أن يكون قد مات أو طلقها طلاقاً بائناً، والشافعية لا يجوزون الكفالة في هذه الحالة، لأنه يشترط أن يكون المكفول فيه ديناً واجباً، والنفقة المستقبلة لم تجب على الزوجة حتى تأتي بكفيل يكفلها فيها، فكيف يؤخذ عليها كفيل؟! والجواب: أن هذا ليس كفالة دين وإنما هو كفالة إحضار، بمعنى أن الكفيل يحضرها إذا تبين عدم استحقاقها.

ومن هذا تعلم أن النفقة المتجمدة يصح للزوجة أن تطالب بكفيل لها، وأما النفقة المستقبلة فإنه لا يصح فيها الكفالة إلا على وجه الإحضار لأنها لم تجب.

الحنابلة - قالوا: إذا كان الزوج غائباً فإنه لا تفرض عليه نفقة زوجية إلا إذا أعلنه الحاكم الشرعي بأنها مستعدة لتسليم نفسها، فإن جاء الزوج واستلمها بنفسه أو أرسل وكيلاً عنه يحل له استلامها فاستلمها، فإن النفقة تفرض عليه، وإن لم يحضر لا هو ولا وكيله فإن القاضي يفرضها عليه من الوقت الذي يمكن الوصول إليها وتسلمها، فإن مكنته من نفسها ثم غاب عنها لزمته النفقة على أي حال، ويصح ضمان النفقة المتجمدة الماضية كما يصح ضمان النفقة المستقبلة بلا خوف عندهم، ولو لم تقدر، فإذا قال: ضمنت نفقتها ما دامت زوجة لزمه ضمان نفقة مثلها، على الوجه السابق) .

(الحنفية - قالوا: إذا عجز الزوج عن النفقة بأنواعها الثلاثة فإنه لا يفرق بينهما بهذا العجز، وكذا إذا غاب عنها وتركها بدون نفقة، ولم كان موسراً، وإنما يفرض القاضي عليه النفقة ويأمرها بالاستدانة، وفائدة أمرها بالاستدانة أن نفقتها لا تسقط بالموت ولا بغيره، متى استدانت، وأيضاً يكون لها الحق في أن تحيل عليه رب الدين الذي يستدين منه، بمعنى أنها إذا استدانت تقول لرب الدين: إن هذا الدين على زوجي، ثم إذا كان موسراً فإن لها الحق في بيع ماله في نفقتها، فإن لم تجد ماله تحبسه حتى ينفق، ولها الحق في بيع كل شيء يمكنها أن تستوفي منه حقها، سوى ثيابه التي تكفيه لتردده في قضاء حوائجه، فإذا كان معسراً، وله ابن من غيرها موسراً أو عم، أو لها هي أخ موسر أو عم، فنفقتها على زوجها ولكن يؤمر ابنه الموسر أو أخوه الموسر أو عمه أو أخوها أو عمها هي بأداء النفقة، فإن امتنع حبس حتى ينفق، فإذا أيسر الزوج دفع إليه ما أنفقه، ومثل ذلك ما إذا كان له أولاد صغار، وهو معسر، وله ابن موسر أو أخ موسر، فإن على واحد من هؤلاء الموسرين الإنفاق، ثم يرجع على الأب إذا أيسر، وتجبر الأم على إرضاع ولدها إن لم يقبل ثدي غيرها، أو كان أبوه عاجزاً عن مرضعة سواها، ولها أجرة مثلها تأخذها عند يساره.

المالكية - قالوا: إذا لم ينفق الزوج على زوجته، فلها طلب الفسخ، والحاكم يطلق عليه رجعية بشروط: الشرط الأول: أن يعجز عن النفقة من إطعام أو كسوة في الحال أو في المستقبل، أما العجز عن النفقة المتجمدة الماضية، فإنه لا يجعل لها الحق في طلب الفسخ، لأنه يصبح ديناً في ذمته.

الشرط الثاني: أن لا تعلم عند العقد فقره وعدم قدرته على الإنفاق، فإن علمت ورضيت فلا حق لها في طلب الفسخ.

فإذا كان شحاذاً وقبلته على ذلك، ثم ترك مهنة الشحاذة، فإن لها حق طلب الفسخ، لأنها رضيت بمهنة فتركها.

الشرط الثالث: أن يدعي العجز عن النفقة ولم يثبت عجزه فإنه في هذه الحالة يطلق عليه القاضي حالاً على المعتمد.

أما إذا أثبت أنه معسر عاجز ضرب له القاضي مدة باجتهاده رجاء أن يزول عسره، فإن مضت المدة ولم ينفق طلق عليه.

فإن مرض في أثناء المدة أو سجن زاد له القاضي فيها.

فإن ادعى أنه موسر ولكنه امتنع عن الإنفاق فقيل: يحبس حتى ينفق، وقيل يطلق عليه.

فإذا لم يجب عليه بشيء طلق القاضي عليه فوراً.

وهذا كله إذا لم يكن له مال ظاهر، وإلا أخذ من ماله جبراً، وإن ادعى الفقر، فإذا قدر على ما يمسك الحياة فقط، فإنه لا يكفي ويطلق عليه، أما إذا قدر على القوت كاملاً ولو خشناً وقدر على ما يواري جميع بدنها، فإنه لا يطلق عليه، ولو كانت غنية، أما ما تقدم من مراعاة حالهما، فإنه في تقدير النفقة، وما هنا في فسخ العقد، فإن كان غائباً في محل قريب وعرف محله فإنه يجب أن يعذر إليه أولاً، بأن يرسل له، إما أن ينفق أو يطلق عليه القاضي، أما إذا لم يعرف محله ولم يكن له مال معروف وثبت عسره، فإن القاضي يمهله مدة باجتهاده لعله يحضر فيها وينفق على زوجته، فإن لم يحضر طلق عليه، سواء دخل بها أو لم يدخل على المعتمد، وسواء دعته للدخول بها أو لا.

الشافعية - قالوا: إذا عجز الزوج فلم يستطع الإنفاق على زوجته أقل النفقة المتقدمة بأنواعها الثلاثة، من إطعام، وكسوة، ومسكن، ولو كان المسكن غير لائق بالمرأة، فإن صبرت على ذلك، كأن أنفقت على نفسها من مالها صارت النفقة المقررة لها ديناً في ذمته تأخذها منه متى أيسر، ما عدا المسكن والخادم فإنها يسقطان، لأنهما ليس بتمليك، بل امتاع للمرأة، ويشترط في بقاء النفقة ديناً عليه، أن تمكنه من نفسها، فلم تمنعه عن التمتع بها تمتعاً مباحاً، وإن لم تصبر فلها فسخ الزواج، بشرط أن ترفع الأمر إلى القاضي، وعلى القاضي أن يمهله ثلاثة أيام ليتحقق فيها من إعساره، ثم يفسخ العقد في صبيحة اليوم الرابع، أو يأمرها هي بفسخه، ومثل القاضي المحكم، فإذا لم يكن في جهتها قاض ولا محكم أمهلته ثلاثة أيام، وفسخت العقد في صبيحة الرابع بنفسها.

فإن سلمها النفقة قبل مضي المدة فلا فسخ.

ويشترط للفسخ أن يثبت عجزه عن أقل الطعام، وهو مد، فإن قدر على أن يأتيها كل يوم بمد من الحب وعجز عما عداه من أدم ولحم.

أو عجز عن الإتيان بما تقعد عليه أو تنام عليه أو تتغطى به أو عجز عن آنية الأكل والشرب وآلة الطبخ وآلة التنظيف وعجز عن الأخدام فلا فسخ لها بشيء من ذلك.

لأن المطلوب في هذه الحالة أن يأتي لها بما يقوم حياتها.

ومثل العجز عن مد الطعام العجز عن أقل مسكن يأويها فيه ولو لم يكن لائقاً بها.

وكذلك العجز عن أقل كسوة وقد بحث بعضهم في بعض هذه الأمور وقال: إن النوم على البلاط وبدون غطاء مضر بالحياة، فينبغي أن يأتي لها بأقل ما يحفظ لها صحتها، وإلا كان لها حق الفسخ، فإذا لم يثبت عجزه بالبينة أو بإقراره أمام القاضي، فلا فسخ.

فإن كان موسراً أو متوسطاً أو معسراً قادراً على نفقة المعسرين، ولكنه امتنع عن الإنفاق عليها، فلا فسخ، لأنها يمكنها أن تأخذ نفقتها منه جبراً بالقضاء.

وإذا كان الزوج غائباً ولم يثبت إعساره ببينة يكون كالحاضر الممتنع، فليس لها طلب فسخ نكاحه، سواء انقطع خبره أو لم ينقطع.

على المعتمد، ولو لم يترك لها شيئاً في غيبته ولو غاب مدة طويلة، لأن الشرط ثبوت عجزه عن أقل نفقة، وعلى الوجه الذي ذكرناه، وإلا كان موسراً يمكنه أن تأخذ منه نفقتها جبراً، سواء كان حاضراً أو غائباً، وإذا كان الزوج حاضراً وله مال بعيد عنه، فإن كان المال في جهة تبعد أقل من مسافة القصر فلا حق لها في الفسخ ويؤمر بإحضار نفقتها حالاً، إن سهل إحضارها، وإلا فلها الفسخ، أما إن كان في جهة بعيدة فوق مسافة القصر، فإن لها الفسخ على أي حال لتضررها.

وهذا الكلام إنما هو بالنسبة للزمن الماضي، حيث لم توجد مواصلات سريعة، أما في زماننا فقد يكون للرجل مال في أسوان وهو في مصر ومع ذلك فإنه يمكنه أن يحضره في أقل من مسافة القصر، وعلى هذا يصح أن يقال: إن كان له مال في جهة لا يتمكن فيها من الحصول عليه بسهولة يكون في حكم المعسر وإلا فلا.

والحاصل أن شروط الفسخ أربعة، أحدها: أن يعجز عن أقل نفقة، وهي نفقة المعسرين، فإن قدر عليها لم يكن معسراً، وأولى إن قدر على المتوسط، ثانيها: أن يكون عاجزاً، عن النفقة الحاضرة أو المستقبلة، أما العجز عن النفقة المتجمدة فلا فسخ به، ثالثها: أن يكون عاجزاً عن نفقة الزوجة، فإذا عجز عن نفقة خادمها فلا فسخ.

رابعها: أن يكون عاجزاً عن الطعام أو الكسوة أو المسكن، أما العجز عن الأدم وتوابعه من آنية وفرش وغطاء ونحو ذلك فلا فسخ به.

هذا، وقد تقدم أن الفسخ في هذه الحالة فرقة لا طلاق في مبحثه، ولا يشترط عدم علمها بفقره عند العقد، فإذا علمت ورضيت به ثم عجز عن الإنفاق كان لها حق الفسخ، لأن النفقة ضرورية للحياة، ورضاها به على أمل أنه يتكسب ويشق له طريقاً في الحياة لا يسقط حقها في النفقة، حتى ولو قالت: رضيت، لأن الوعد في هذه الحالة بالرضا لا يصدر إلا على أمل أن يأتي لها بأقل النفقة.

What's Your Reaction?

like
0
dislike
0
love
0
funny
0
angry
0
sad
0
wow
0