مبحث أساس القوانين الشرعية
كتاب الحدود

وكل ما يتعلق المالكية قالوا: إن الضرب لا يتفاوت في الحدود بل كلها سواء.
الشافعية - قالوا: إن حد الزنا الزنا أشد من حد القذف، والقذف اشد من الخمر، لأن الزنا ثبت بدليل مقطوع به اهـ.
فائدة ذكر العلماء، أنه يستثنى من إقامة التعزير مسائل (اولاً) يترك التعزير إذا صدر الفعل من رجل صالح فإنه يعفو عنه.
لقوله صلى الله عليه وسلم: (أقيلوا من ذوي الهيئات عثراتهم إلا الحدود) رواه أو داود.
الشافعية - قالوا: المراد بذوي الهيئات الذين لا يعرفون بالشر، فيقع أحدهم في زلة ثم يتوب منها ويندم عليها، أما إذا تكرر منه فإنه يعزر.
ثانياً: إذا قطع شخص أطراف نفسه، أو شوه جسده، أو أحرقه بالنار فلا يعزر، لأنه عذب نفسه.
ثالثاً: إذا وطئ الرجل زوجته أو أمته في دبرها فلا يعزر بأول مرة، بل ينهى عن العودة، فإن عاد عزر، والأصل لا يعزر لحق الفروع كالأب، والجد مع الأبناء.
بشؤون الفرد وحده، أو مع غيره، قريباً كان أو بعيداً، ولم تقف قضية من قضاياها في وجه الإصلاح الذي يتجدد بتجدد الزمان، والمكان.
ومن هذا نعلم أن كل شيء يحث لا بد أن يرجع إلى أصل عام في الشريعة الإسلامية، وقد ألهم الله رسوله صلى الله عليه وسلم أن يأتي بقواعد عامة جامعة يمكن إدخال كل جزئية من جزيئات الحوادث تحتها.
وقد ذكر أبن القيم في كتابه (أعلام الموقعين) كثيراً منها يضيق المقام عن ذكر جميعها، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: (كل مسكر حرام) (وكل عمل ليس عليه أمرنا فهو رد) (وكل قرض جر نفعاً، فهو ربا) وقوله: (كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل) وقوله: (كل المسلم على المسلم حرام دمه، وماله، وعرضه) وقول صلى الله عليه وسلم (كل أحد أحق بماله من ولده ووالده، والناس أجمعين) وقوله (وكل معروف صدقة) الخ.
فهذه، وأمثالها، كليات تدخل تحتها كل جزئية تتجدد من نوعها، فإذا فرض ووجدت جزئية ولم يتيسر لعالم أن يرجعها إلى أصل من أمثال هذه الصول، فانهيمكنه أن يرجعها إلى قوله صلى الله عليه وسلم: (لا ضرر، ولا ضرار) والضرار هو الضرر، ومعناه، إنه ينبغي لكل مسلم أن يرفع ضرره عن غيره.
رابعاً: إذا رأى من يزني بزوجته، وهو محصن فقتله في تلك الحالة فلا يعزر، وإن افتات على الإمام، لأجل الحمية والغيرة على العرض، وقد حث عليه الشارع.
خامساً: إن ارتد ثم أسلم.
سادساً: إذا تأخر الرجل عن اعطاء زوجته النفقة، فإنه يكون آثماص، ولا يعزر في ذلك.
سابعاً: إذا حلف الزوج يمين الظهار على زوجته فإنه يعزر مع الكفارةن وإذا أفسد الزوج الصائم يوماً من رمضان بجماع زوجته يعزر.
مبحث البغاة والمحاربين.
التفسير: الأصل في هذا الباب ما روي عن انس بن مالك رضي الله عنه أن ناساً من عرينة قدما المدينة فاجتووها فبعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في إبل الصدقة، وامرهم أن يشربوا من أبوالها، وألبانها، ففعلوا فصحوا، فارتدوا عن الإسلام وقتلوا الراعي، وساقوا الإبل، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم في آثارهم فجيء بهم فقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف، وسمر أعينهم، والقاهم في الحرة، قال أنس: فلقد رأيت أحدهم يكدم الأرض بفيه عطشاً، حتى ماتوا) فنزل قوله تعالى: {إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الرض فساداً أن يقتلوا، أو يصلبوا، أو تقطع أيديهم وارجلهم من خلاف، أو ينفوا من ويجب على كل رئيس قادر سواء كان حاكماً، أو غيره أن يرفع الضرر عن مؤوسيه، فلا يؤذيهم هو، ولا يسمح لأحد أن يؤذيهم.
ومما لا شك فيه، ان ترك الناس بدون قانون يرفع عنهم الأذى والضرر، يخالف هذا الحديث فكل حكم صالح فيه منفعة ورفع ضرر يقره الشرع ويرتضيه.
الأرض.
وذلك لهم خزي في الدنيا، ولهم في الآخرة عذاب عظيم} آية 33 من سورة المائدة، روي عن عكرمة، والحسن البصري.
وعبد الله بن عباس رضي تعالى عنهم أن هذه الآية نزلت في المشركين، وقال أبن عباس: كان قوم من أهل الكتاب بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد وميثاق، فنقضوا العهد، والفسدوا في الرض، فخير الله رسول إن شاء أن يقتل، وإن شاء أن تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف، رواه أبن جرير.
والصحيح أن هذه الآية عامة في المشركين وغيرهم ممن ارتكب هذه الصفات الذميمة كما رواه البخاري ومسلم من حديث أبي قلابة، واسمه عبد الله بن زيد الجرمي البصري عن أنس بن مالك (أن نفراً من عكل ثمانية قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فبايعوه على الإسلام فاستوخموا المدينة، وسقمت أجسادهم فشكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك فقال: (ألا تخرجون مع راعينا في إبله فتصيبوا من أبوالها وألبانها) فقالوا: بل فخرجوا فشربوا من أبوالها وألبانها فصحوا فقتلوا الراعي وطردوا الإبل، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فبعث في آثارهم فأدركوا فجيء بهم، فأمر بهم فقطعت أيديهم وأرجلهم.
وسمرت أعينهم، ثم نبذوا في الشمس حتى ماتوا) واللفظ لمسلم.
وتسمى هذه الآية آية المحاربة وهي المضادة والمخالفة، وهي صادقة على الكفر، وعلى قطع الطريق، وإخافة السبيل.
وكذا الإفساد في الأرض يطلق على أنواع من الشر حتى قال كثير من السلف منهم سعيد بن المسيب: إن قبض الدراهم والدنانير من الافساد في الرض وقد قال الله تعالى: {وإذا تولى سعى في الرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يجب المفسدين} آية 205 من سورة البقرة.
{ذلك لهم خزي في الدنيا} أي هذا الذي ذكرته من قتلهم، ومن صلبهم وقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف، ونفيهم من الرض خزي لهم بين الناس، وشر وعار، ونكال وذلة، وعقوبة في عاجل الدنيا، مع ما ادخر الله لهم من العذاب العظيم يوم القيامة وهذا يؤيد قول من قال: إن الآية نزلت في المشركين فأما أهل الإسلام ففي صحيح مسلم عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: (أخذ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم كما أخذ على النساء، ألا نشرك بالله شيئا، ولا نسرق، ولا نزني، ولا نقتل اولادنا، ولا يعضه بعضنا بعضاً، فمن وفى منكم فأجره على الله تعالى، ومن اصاب من ذلك شيئاً فعوقب به فهو كفارة له، ومن ستره الله فأمره إلى الله إن شاء عذبه، وإن شاء عفا عنه) .
وعن علي رضي الله عنه (قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أذنب ذنباً في الدنيا فعوقب به، فالله أعدل من أن يثني عقوبته على عبده، ومن أذنب ذنباً في الدنيا فستره الله عليه وعفا عنه فالله أكرم من أن يعود عليه في شيء عفا عنه (رواه الإمام أحمد والترمذي، وأبن ماجة، وقال الترمذي حسن غريبن وسئل الحافظ الدارقطني عن هذا الحديث فقال: روي مرفوعاً وموقوفا، قال: ورفعه صحيح.
قال تعالى: {إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم} أية 34 من سورة المائدة أما على رأي من قال: إن الآية في أهل الشرك فظاهر، وأما المحاربون المسلمون فإن تابوا قبل المقدرة عليهم فإنه يسقط عنهم أحكام القتل والصلب، وقطع الرجل، وهل يسقط قطع اليد أم لا؟ فيه قولان للعلماء، وظاهر الآية يقتضي سقوط الجميع وعليه عمل الصحابة.
روي عن عامر الشعبي قال: (جاء رجل من مراد إلى أبي موسى وهو على الكوفة في إمارة عثمان رضي الله تعالى عنه بعد ما صلى المكتوبة فقال: يا أبا موسى هذا مقام العائد بك أنا فلان بن فلان المرادي، إني كنت حاربت الله ورسوله وسعيت في الأرض فساداً، وإني تبت من قبل أن تقدروا علي، فقام أبو موسى فقال: إن هذا فلان بن فلان وغنه كان حارب الله ورسوله، وسعى في الأرض فساداً، وغنه تاب من قبل أن نقدر عليه فمن لقيه فلا يعرض له إلا بخير، فإن يك صادقا فسبيل من صدق، وإن يك كاذباً تدركه ذنوبه، فأقام الرجل ما شاء الله، ثم أنه خرج فأدركه الله الله تعالى بذنوبه فقتله) .
مبحث أحكام قطاع الطريق.
اتفق الأئمة على أن من خرج في الطريق العام وأشهر السلاح مخيفاً لعابر السبيل خارج المصر حراً أو عبداً، مسلماً، أو ذمياً، أو مستأمناً، أو محارباً، فإنه محارب قاطع للطريق جار عليه أحكام المحاربين، ولو كان واحداً.
واتفقوا: على أن كل من قتل من المحاربين وأخذ المال وجب إقامة الحد عليه، فإن عفا أولياء المقتول، والمأخوذ منهغير مؤثر في إسقاط الحد عنهم، وإن مات أحد منهم قبل القدرة عليه سقط عند الحد، إذ الحدود حق الله عز وجل، وطولب بحقوق الآدميين من الأنفس والأموال، والجراح إلا أن يفعو عنهم فيها.
الحنفية، والشافعية، والحنابلة رحمهم الله قالوا: إن حد قطاع الطريق على الترتيب المذكور في الآية الكريمة.
فإذا خرج جماعة ممتنعين، أو واحد يقدر على الامتناع فقصواد قطع الطريق، فأخذوا قبل أن يأخذوا مالاً، ويقتلوا نفساً، حبسهم الإمام حتى يحدثوا توبة وهو النفي في الأرض، وإن أخذوا مال مسلم أو ذمي والمأخوذ إذا قسم على جماعتهم أصاب كل واحد منهم عشرة دراهم فصاعداً، أو ما تبلغ قيمته ذلك، قطع الإمام أيديهم، وأرجلهم من خلاف، وإن قتلوا ولم يأخذوا مالاً قتلهم الإمام حداً فلا يسقط القتل بعفو الأولياء، ويسمى قطاع الطريق محاربين، لأن المال في البراري محفوظ بحفظ الله تعالى، فإذا أخذوه على سبيل المغالبة، كان في صورة المحارب، وإذا قتلوا وأخذوا المال فالإمام إن شاء قطع أيديهم وأرجلهم من خلاف، وقتلهم وصلبهم، وإن شاء قتلهم، وإن شاء صلبهم، لأنها عقوبة واحد.
فغلظت بتغلظ سببها، وهو تفويت الأمن على النتاهي بالقتل وأخذ المال فالمراد بالآية التوزيع على الأحوال الأربعة.
المالكية رحمهم الله تعالى قالوا: المحارب هو قاطع الطريق لمنع سلوك، ولو لم يقصد أخذ مال المارين بل قصد مجرد منع الانتفاع بالمرور فيها أو قصد أخذ مال محترم من مسلم أو ذمي، أو معاهد، ولو لم يبلغ نصاباً، أو قصد هتك الحريم، على حال يتعذر معه الإغاثة والتخلص، فيشمل جباربة الظلمة من الحكام الذين يسلبون أموال الناس ولا يفيد فيهم الاستغاثة بالعلماء ولا بغيرهم، فهم محاربون، ولا يشترط تعد د المحارب، بل يعد محارباً ولو انفرد ببلد وقصد أذية بعض الناس، ولا يشترط قصد عموم الناس، ومذهب عقل كمسقي نحو الحشيشة، أو الداتورة، لأجل أخذ المال قهراً وظلماً، ومخادع مميز لأخذ ما معه، فإنه محارب سواء كان المميز صغيراً، أو بالغاً، خدعة وأدخله موضعاً، وأخذا ماله، ولو لم يقتله، وداخل زقاق، أو دار ليلاً أو نهاراً لأخذ مال بقتلا على وجه يتعذر معه الإغاثة والإعانة فقاتل حتى أخذه فهو محارب.
ويقاتل المحارب بعد المناشدة، إذا لم يعادل المحارب بالقتال، ويتعين قتل المحارب إن قتل سواء مكافئاً كمسلم حر، أو كافراً، أو رقيقاً، فيقتل المحارب بلا صلب، أو مع صلب، ولا يجوز قطعه، ولا نفيه، وليس لولي الدم فعو عنه قبل مجيئه تائباً، وإن لم يقتل المحارب أحداً وقدر عليه فيخير الإمام في أمور أربعة النوع الأول: القتل، والثاني الصلب والقتل، وهو مصلوب، الحد الثالث: قطع يمينه من الكوع، وجله اليسرى من المفصل، ولو خلف عليه الموت، فإن كان مقطوع اليد اليمنى أو أشلها قطعت يده اليسرى وجله اليمنى، وإن كان مقطوع الرجل اليسرى، قطعت يده اليسرى وجله اليمنى، فإن لم يكن له إلا يد أو رجل قطعت، فإن كان له يدان فقط أو رجلان قطعت اليمنى فقط أو الرجل اليسرى، والحد الرابع نفي الذكر الحر إلى مثل فدك وخيبر، ويحبس للأقصى من السنة وظهور التوبة، ويضرب قبل النفي اجتهادا بحسب ما يراه الحاكم اردع لهم ولأمثالهم.
أما المرأة المحاربة فلا تصلب، ولا تنفى، وإنما حدها القتل، أو القطع من خلاف.
وأما حد الرقيق المحارب فهو القتل، أو الصلب والقتل، أو قطع يد، ورجل، ولا ينفى.
الشافعية، والحنابلة - قالوا: قطع الطريق: هو البوز لأخذ مال، أو القتل، أو إرعاب، كابرة اعتماداً على الشوكة مع البعد عن الغوث، وسمي بذلك، لامتناع الناس من سلوك الطريق خوفاً منه، وسواء كان معه سلاح أولا، إن كان له قوة يغلب بها الجماعة، ولو باللكز والضرب بجمع الكف، وقيل لا بد من آلة للقتال.
فإذا أخذوا قبل أن يقتلوا نفساص، أو يأخذوا مالاً، أو يهتكوا عرضاص، وجب على الإمام تعزيرهم بحبس وغيره لارتكابهم معصية وهي الحرابة لا حد فيها ولا كفارة، وهذا تفسير النفي في الآية الكريمة، والأمر في مجنس هذا التعزير راجع إلى الإمام، فيجوز له الجمع بين الضرب والحبس وغيره، وله تركه إن رآه مصلحة، ولا يقدر الحبس بمدة: بل يستدام حتى تظهر توبته، وقيل: يقدر حبسه بستة أشهر ينقص منها شيئاً لئلا يزيد على تغريب العبد في الزنا، وقيل: يقدر بسنة ينقص منها شيئاً لئلا يزيد على تغريب الحر في الزنا، والحبس في غير موضعه أولى لأنه أحوط، وأبلغ في الزجر، ويطلبون إذا هربوا ليقام عليهم.
الحنابلة في أحد روايتيهم قالوا: إن أخذوا قبل أن يقتلوا نفسا، أو يأخذوا مالاً نفوا في الأرض، وصفته أن لا يتركوا يأوون في بلد، وإن أخذوا المال ولم يقتلوا نفساً، قطع الإمام أيديهم وأرجلهم من خلاف ثم يخلون، فيقطع اليد اليمنى لأخذ المال، ويقطع الرجل اليسرى للحرابة وقطع الطريق وإخافة الآمنين، والخروج على غفمام.
وإن قتلوا وأخذوا المال، وجب قتلهم حتماص، وصلبهم حتماً، وإن قتلوا النفس، ولم يأخذوا مالاً وجب قتلهم حتماً، ويكون الصلب بعد القتل، ولا يشترط في مدة الصلب ثلاثة أيام، بل ما يقطع عليه الاسم، فيصلب قليلاً ثم يترك، لأن الصلب شرع عقوبة له، ولا ينكس في الصلب.
الحنفية، والشافعية، والحنابلة - قالوا: يشترط في قطاع الطريق لتقطيع أيديهم وأرجلهم من خلاف، أن يأخذوا مالاً ويصيب كل واحد منهم مقدار نصاب حد السرقة، وهو دينار أو عشرة دراهم، أو قيمة أحدهما، عند الحنفية، وربع دينار، أو ثلاثة دراهم عند الحنابلة، والشافعية، قياساًعلى قطع السرقة.
المالكية قالوا: لا يشترط سرقة مقدرا النصاب في قطع الطريق بل يقام الحد عليهم لو سرقوا أقل من النصاب، وذلك لانضمام المحاربة إلى أخذ المال، فكان التغليظ عليهم من جهة قطع الطريق لا من النصاب.
اجتماع المحاربين الحنفية، والمالكية، والحنابلة قالوا: لو اجتمع محاربون فباشر بعضهم القتل والخذ، وكان بعضهم ردءاً كان للردء حكم المحاربي في جميع الأحوال، وذلك للاكتفاء وجود المحاربة سواء باشر بعضهم القتل أو لم يباشره، فيقام الحد عليهم جميعاً، لأنه جزاء المحاربة وهي تتحقق بأن يكون البعض معاوناً للبعض حتى إذا زلت أقدامهم انحازوا إليهم، وإنما الشرط القتل من واحد منهم وقد تحقق، والقتل إن كان بعصاً، أو بحجر، أو بسيف فهو سواء، لأنه يقع قطعاً للطريق بقطع المارة.
وقد روي أنه حدث في زمن الوليد بن عقبة وهو وال على الكوفة أن شباباً من شباب الكوفة ثقبوا على رجل منها داره وقتلوه، وكان له جار قد أشرف على الحادث ورآه فاستصرخ الشرطة الشرطة فجاؤوا وقبضوا عليهم، فحوكموا وثبتت عليهم جريمة القتل، فقتلوا جميعاً.
الشافعية - قالوا: ومن أعان قطاع الطريق، وكثر جمعهم، ولم يزد على ذلك، بأن لم يأخذ مالاً مقدار نصاب، ولم يقتل نفساً، عزره الإمام بحبس، أو تغريب وغيرهما كسائر المعاصي، وقد ورد في الخبر (من كثر سواد قوم فهو منهم) فللإمام لأن عقوبته في الآية النفي.
الشافعية، والمالكية، والحنابلة - قالوا: إن حكم من قطع الطريق داخل المصر، كمن قطع الطريق خارجها على حد سواء، لأن محاربة شرع الله تعالى، وتعدي حدوده لا يختلف تحريمها بكونها خارج المصر أو داخله كسائر المعاصي.
الحنفية قالوا: لا يثبت حكم قاطع الطريق إلا أن يكون خارج المسر، لأن قطع الطريق خارج المصر هو المشهور المتبادر إلى الأذهان، لعدم وجود من يغيثه ويخلصه من قاطع الطريق عادة، بخلاف من قطع الطريق في المصر فإن الناس يغيثونه كثيراً، فكان بالغصب أشبه، فيجب عليه التعزير بما يراه الإمام رادعاً له وزاجراً، ويرد ما أخذه من المال إلى مستحقه، إيصالاً للحق إلى صاحبه، ويؤذبون ويحسبون لا رتكابهم جناية القطع ولو قتلوا فالأمر فيه إلى أولياء الدم.
إذا جرح القاطع غيره الحنفية قالوا: إذا لم يقتل القاطع، ولم ياخذ مالاً وقد جرح غيره اقتص منه فيما فيه القصاص، وأخذ الأرش منه فيما فيه الأرش، وذلك إلى الأولياء، لأنه لا حد في هذه الجناية، فظهر حق العبد وهو ما ذكروه، فيستوفيه الولي.
وإن أخذ ما تاب، وقد قتل عمداً، فإن شاء الولياء قتلوه، وإن شاؤوا عفوا عنه.
لأن الحد في هذه الجناية لا يقام بعد التوبة، للاستثناء المذكور في النص بقوله تعالى: {إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم} الآية.
ولأن التوبة تتوقف على رد المال، ولا قطع في مثله، فظهر حق العبد في النفس والمال، حتى يستوفي الولي القصاص، أو يعفو.
الشافعية - قالوا: إن قتل القاطع يغلب فيه معهى القصاص لأنه حق آدمي، لأن الأصل فيما اجتمع فيه حق آدمين وحق لله تعالى يغلب فيه حق الآدمي، لبنأئه على الضيق.
وقيل: معنى الحد في القاطع، وهو حق الله تعالى لأنه لا يصح العفو عنه، ويستوفيه الإمام بدون طلب الولي، فعلى الأول لا يقتل والد بولده الذي قتله في قطع الطريق، ولا ذمي إذا كان هو مسلماص، ولا نحو ذلك ممن لا يكافئه كعبد، والقاطع حر، لعدم المكافأة، وتجب الدية، أو القيمة وعلى الثاني يقتل إلا أن يكون المقتول غير معصوم الدم كمرتد وزان محصن، فإنه لا يقتل.
ولو مات القاطع من غيرقتله قصاصاً فدية على الأول تؤخذ من تركته في قتل حر، وقيمته في قتل عبد.
وعلى الثاني، لا شيء، ولو قتل جمعاً، معاً، قتل بواحد منهم بالقرعة، وللباقين ديات على الأول كالقصاص وعلى الثاني يقتل بهم أما إذا قتلهم مرتباً فإنه يقتل حتماً بأولهم.
ولو عفا عن القصاص ولي المقتول بمال صح العفو على الأول، ووجب المال وسقط القصاص عنه، ويقتل بعد ذلك حداً، كما لو وجب القصاص على مرتد فعفا عنه الولي وعلى الثاني فالعفو لغو لا يعمل به.
ولو قتل القاتل شخصاً بمثقل أو بقطع عضو أو بغير ذلك فعل به مثله على الأول، وعلى الثاني يقتل بالسيف كالمرتد.
ولو جرح قاطع الطريق شخصاً جرحاً يوجب قصاصاً كقطع يد، فاندمل الجرح لم يتحتم على القاطع قصاص في ذلك الطرف المجروح في الظهر، بل يتخير المجروح بين القصاص والعفو، لأن التحتم تغليظ لحق الله تعالى اختص بالنفس كالكفارة، ولأن الله تعالى لم يذكر الجرح في الآية، فكان باقياً على اصله في غير الحرابة والثاني يتحتم كالنفس والثالث يتحتم في اليدين والرجلين لأنهما مما يستحقان في المحاربة.
قالوا: تسقط عقوبات تخص القاطع من تحتم القتل والصلب وقطع الرجل، وكذا اليد في الأصح.
بتوبته قبل القدرة عليه لقوله تعالى: {إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم} الآية.
أما بعد القدرة فلا تسقط تلك العقوبات عنه بالتوبة منها لمفهوم الآية.
وإلا لما كان للتخصيص بقوله من قبل فائدة، والفرق من جهة المعنى أنه بعد القدرة منهم لدفع قصد الحد، بخلاف ما قبلها فغنها بعيدة عن التهمة قريبة من الحقيقة.
المالكية قالوا: يجب إن يدفع ما بايدي المحاربين لمدعيه حيث وصفه كاللقطة بعد ألاستيفاء بيمين من المدعي لذلك الشيء، أو ببينة رجلين من رفقة المأخوذ منه، وكذلك برجل وامرأتين، فمن قدر عليه اخذ جميع ما سلبه هو واصحابه، ولو لم يأخذ منه شيئاً كالبغاء والغاصب، ولا يؤمن المحارب أن سأل الآمان من الإمام.
ويسقط حد قاطع الطريق إذا جاء المحارب إلى الإمام، أو نائبه طائعاًتائباً قبل القدرة عليه، إذا كان لم يقتل أحداً، وإلا وجب قتله قصاصاً، إذا لم يعف ولي الدم، وإن عفا سقط القصاص، ولا يسقط حد الزنا، والقذف، والشراب، والقتل إذا تاب بعدها، بل يقام عليه الحد.
ولا يسقط حكم المحارب إذا تاب بعد القدرة عليه، كما لا يسقط الضمان بإتيانه طائعاً مطلقاً، ولا يترك المحارب ما هو عليه من الحرابة، ولو لم يأت الإمام.
الحنفية قالوا: إن ضرب التعزير يكون أشد من ضرب حد الزنا، وضرب حد الزنا، يكون أشد من ضرب حد شارب الخمر، وضرب شارب الخمر يكون اشد من حد القذف، وحد القذف أخف من جميع الحدود، لأن جريمة حد القذف غير متيقن بها، لأن القذف خبر يحتمل الصدق والكذب، وقد يعجز عن إقامة أربعة من الشهداء مع صدقة في قوله، وإنما كان ضرب التعزير أشد من جميع الحدود، لأن المقصود به الزجر، وقد دخله التخفيف، من حيث نقصان العدد، فلو قلنا: يخفف الضرب أيضاً لفات ما هو المقصود من إقامة الحد لأن الألم يخلص إليه لا ينزجر، ولهذا قالوا: يجرد في التعزير عن ثيابه إلا ما يستر عورته، مثل الإزار الواحد.
إذا كان مع قاطع الطريق امرأة الشافعية، والمالكية، والحنابلة - قالوا: إذا كان مع قطاع الطريق امرأة فوافقتهم في القتل وأخذ المال قتلت حداً، وكذلك الصبين وذو الرحم، وغيره، لأن ذلك حق الله تعالى فيقتل حداً.
الحنفية قالوا: إذ كان من قطاع الطريف امرأة فإنها تقتل قصاصاً وتضمن، وإذا كان معهم صبي أو مجنون، أو ذو رحم من المقطوع عليه سقط الحد عن الباقين لأنه جناية واحدة قامت بالكل، فإذا لم يقع فعل بعضهم موجباً كان فعل الباقين بعض العلة وبه لا يثبت الحكم فصار كالخاطئ مع العامد، وأما ذو الرحم المحرم فقد قيل: تأويله إذا كان المال مشتركاً بين المقطوع عليهم، والأصح أنه مطلق لأن الجناية واحدة.
الحنابلة، الحنفية قالوا: إنه لو زنى رجل، وشرب الخمر، وسرق، ووجب عليه القتل، في المحاربة أو غيرها، قتل ولم يقطع ولم يجلد، ولا يستوفى باقي الحدود.
الشافعية - قالوا: يجب أن تستوفي جميعها من غير تداخل على الإطلاق، لأن كل واحد يجب فيه الحد الذي شرع له.
الصلاة على قاطع الطريق الحنفية، والشافعية قالوا: تجوز الصلاة عليه بعد القتل، وإذا صلب وقتل يصلى عليه خلف الخشبة.
وقال بعضهم لا يصلى عليه تنكيلاً به وقالوا: لا يبقى على الخشبة أكثر من ثلاثة أيام حتى لا يؤذي الناس بريحه.
قبول شهادة من تاب المالكية، والشافعية قالوا: إن من تاب من المحاربة ولم يظهر عليه صلاح العمل، لا تقبل شهادته حتى يظهر صلاح العمل، للأخذ بالاحتياط لأموال الناس وأبضاعهم، فإن من لم يظهر عليه صلاح العمل بعد التوبة، كانه لم يتبن فلا يخرجه عن التهمة في شهادته إلا اصلاح العمل، والمشي على طريق كل المؤمنين قال تعالى: {فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح} وقال تعالى: {إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا} ونحوهما من الآيات.
الحنفية، والحنابلة قالوا: تقبل شهادة من تاب من المحاربين، وإن لم يظهر عليه صلاح العمل، لأن رد الشهادة ليس من تمام الحد، وإنما هو للفسق وقد ارتفع بالتوبة.
وللعمل بظاهر الأحاديث مثل قوله صلى الله عليه وسلم: (واتبع السيئة الحسنة تمحها) فشرط في محوها اتباع الحسنة لها.
إذا قتل المحارب من لا يكافئه الحنفية، والحنابلة قالوا: إن المحارب إذا كان في المحاربة من لا يكافئه في الدين كالكافر: والعبد، والولد، وعبد نفسه فقتله في حالة الإغارة وقطع الطريق، فلا يقتل به بعد القبض عليه، بل تجب الدية لأولياء الدم أو قيمة العبد، لأن القصاص سقط عنه.
المالكية، والشافعية في إحدى روايتهم قالوا: إن المحارب يقتل إذا قتل من لا يكافئة، أو قتل ولده، أو قتل عبداً، ولو عبد نفسه، والله تعالى أعلم.
اجتماع عقوبات في غير قاطع الطريق الشافعية - قالوا: من لزمه قصاص في نفس، وقطع لطرف آدمي، وحد قذف لآخرن وطالبوه بذلك جلد اولاً للقذف، ثم قطع لقصاص الطرف، ثم قتل لقصاص النفس، لأن ذلك أقرب إلى استيفاء الجميع، فإن اجتمع مع ذلك تعزير لآدمي بدئ به، ويبادر بقتله بعد قطعه، لا قطعه بعد جلده إن غاب مستحق قتله جزماً، وكذا إن حضر وقال: عجلوا القطع وانا أبادر بالقتل بعده، ولو أخر مستحق النفس حقه جلد للقذف اولاًن فإذا برئ قطع للطرف، ولو أخر متسحق طرف حقه جلد، ووجب على مستحق القصاص الصبر بحقه حتى يستوفى الطرف، فإن بادرفقتله فلمستحق الطرف دية في تركة المقتول، ولو أخر مستحق الجلد فالقياس صبر الآخرين.
ولو اجتمعت حدود الله تعالى قدم وجوباً الأخف فالأخف، أو اجتمعت عقوبات لله تعالى والآدميين قدم حد قذف على زنا، والأصح تقديمه على حد شرب، وإن القصاص قتلاً وقطعاً يعدم على حد الزنا، ولو اجتمع قتل قصاص في غير محاربة، وقتل محاربة، قدم السابق منهما، ورجع الآخر إلى الدية، ومن زنى مرات، أو سرقن أو شرب كذلك، أجزأه عن كل جنس حد واحد.
مبحث شروط الإمامة اتفق الأئمة رحمهم الله تعالى على: أن الإمامة فرض، وأنه لا بد للمسليمن من إمام يقيم شعائر الدين وينصف المظلومين من الظالمين وعلى أنه لا يجوز أن يكون على المسلمين في وقت واحد في جميع الدنيا إمامان، لا متفقان، ولا مفترقان، وعلى أن الأئمة من قريش، وأنه يجوز للإمام أن يستخلف.
واتفقوا: على أن الإمام يشترط فيه: أولاً أن يكون مسلماً، ليراعي مصلحة الإسلام والمسلمين، فلا تصح تولية كافر على المسلمين.
ثانياً - أن يكون مكلفاً ليلي أمر الناس، فلا تصح إمامة صبي، ولا مجنون بالإجماع، وقد ورد في الحديث الشريف (نعوذ بالله من إمارة الصبيان) رواه الإمام أحمد رحمه الله.
ثالثاً - أن يكون حراً، ليفرغ للخدمة، ويهاب بخلاف العبد حيث أنه مشغول بخدمة سيده، ولا هيبة له وأما ما رواه الإمام مسلم من قوله صلى الله عليه وسلم من قوله: (اسمعوا، وأطيعوا، وإن أمر عليكم عبد حبشي) فمحمول على غير الإمامة العظمى.
رابعاً - أن يكون الإمام: ذاكراً ليتفرغ ويتمكن من مخالكة الرجال، فلا يصح ولاية امرأة، لما ورد في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة) ولا تصح ولاية خنثى.
خامساً - أن يكون: قرشياً، لما رواه النسائي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الأئمة من قريش) وبه أخذ الصحابة رضوان الله عليهم، ومن جاء بعدهم، إذا وجد قرشي جامع لشروط، فإن عدم فمنتسب إلى كنانة، فإن عدم، فرجل من ولد سيدنا إسماعيل صلى الله عليه وسلم، فإن لم يوجد، فرجل من جرهم، فإن عدم فرجل من ولد إسحاق، ولا يشترط فيه كونه هاشمياً باتفاق فإن الصديق، وعمر، وعثمان رضي الله تعالى عنهم لم يكونوا من بني هاشم.
سادساً - أن يكون، عدلاً قال الشيخ عز الدين: إذا تعذرت العدالة في الأئمة والحكام قدمنا أقلهم فسقاً.
سابعاً - أن يكون: عالماً، مجتهداً، ليعرف الأحكام، ويتفقه في الدين، فيعلم الناس، ولا يحتاج إلى استفتاء غيره.
ثامناً - أن يكون: شجاعاً، وهي قوة القلب عند البأس، لينفرد بنفسه، ويدبر الجيوش، ويقهر الأعداء، ويفتح الحصون، ويفق أما أحداث الأيام، وما يحجث له من فتن، وما يجد في عهده من أزمات.
تاسعاً - أن يكون: ذا رأي صائب، حتى يتمكن من سياسة الرعية، وتدبير المصالح الدنيوية.
عاشراً - أن يكون: سليم السمع، والبصر، والنكق، ليتأتى منه فصل الأمور، ومباشرة أحوال الرعية.
واتفق الأئمة - على أن الإمامة تنعقد ببيعة أهل الحل والعقد من العلماء، والرؤساء، ووجوه الناس، الذين يتيسر اجتماعهم من غير شرط عدد محدد، ويشترط في المبايعين للإمام صفة الشهود من عدالة وغيرها، وكذلك تنعقد الإمامة، باستخلاف الإمام شخصاً عينه في حياته ليكون خليفته على المسلمين بعده، كما عهد سيدنا أبو بكر إلى سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنهما بقوله: (بسم الله الرحمن الرحيم: هذا ما عهد أبو بكر خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم عند آخر عهده من الدنيا، وأول عهده بالآخرة، في الحالة التي يؤمن فيها لكافر، ويتقي فيها الفاجر، غني استعملت عليكم عمر بن الخطاب، فإن بر وعدل فذاك علمي به وعلمي فيه، وإن جار وبدل فلا علم لي بالغيب، والخير أردت، ولكل امرئ ما اكتسب، (وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون) وانعقد إجماع الأمة على جوازه.
حكم الخارجين على الإمام واتفق الأئمة على: أن الإمام الكامل تجب طاعته في كل ما يأمر به، ما لم يكن معصية.
وعلى أن أحكام الإمام، وأحكام نائبه، ومن ولاه، نافذة، وعلى أنه إذا خرج على إمام المسلمين أو عن طاعته طائفة ذات شوكة، وإن كان لهم تأويل مشتبه ومطاع فيهم، فإنه يباح للإمام قتالهم حتى يفيثوا إلى أمر الله تعالى، فإن فاؤوا كف عنهم.
والأصل في جواز قتالهم قوله تعالى: {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فاصلحوا بينهما} الآية 9 من سورة الحجرات، وإن لم يذكرفيها الخوج على الإمام، لكنها تشمله لعمومها، أو تقتضيه، لأنه إذا طلب القتال لبغي طائفة على طائفة، فللبغي على الإمام أولى، والإجماع منعقد على جواز قتال البغاة من غير مخالف، وللأحاديث الواردة في ذلك.
قال الشافعي رضي الله تعالى عنه: أخذت السيرة في قتال المشركين من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وفي قتال المرتدين، من أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه، وفي قتال البغاة من الإمام على رضي الله تعالى عنه.
وتحصل مخالفة غلامام بأحد أمرين، إما بخروج عليه نفسه، وإما بسبب ترك الانقياد له، أو لا، بهذين المرين، بل بخروج عن طاعته بسبب منع حق مالي لله تعالى، أو حق لآمي كقصاص، أو حد توجه عليهم، لأن أبا بكر الصديق رضي الله تعالى عنه، قاتل مانعي الزكاة، بسبب منعهم إخراج الزكاة، ولم يخرجوا عليه، وإنما منعوا الحق المتوجه عليهم.
قالوا: وإنما يكون مخالفو الإمام بغاة بشرط حصول شوكة لهم، بكثرة أو قوة، بحيث يمكن مقاومة الإمام، ويشترط تأويل يعقتدون به جواز الخروج عليه، أو منع الحق المتوجه عليهم.
ويشترط، أن يكون لهم مطاع فيهم، يحصل به قوة لشوكتهم، وإن لم يكن إماماً منصوباً، لأن الامام علي رضي الله تعالى عنه، قالتل أهل الجمل، ولا إمام لهم، وقالتل أهل صفين قبل نصب إمامهم.
الحنفية قالوا: إن الخارجين عن طاعة الإمام الحق أربعة اصناف.
أحدها الخارجون بلا تأويل، بمنعة وبلا منعة، يأخذون أموال الناس، ويقتلونهم ويخيفون الطريق وهم قطاع الطريق.
الثاني قوم كذلك، إلا أنهم لا منعة لهم، لكن لهم تأويل فحكمهم حكم قطاع الطريق، إن قتلوا قتلوا الخ.
الثالث قوم لهم منعة وحمية خرجوا عليه بتأويل يرون أنه على باطل كفر، أو معصية توجب قتالهم بتأويلهم، وهؤلاء يسمون بالخوارج، يستحلون دماء المسلمين، وأموالهم، ويسبون نساءهم، ويكفرون أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحكمهم عند جمهور الفقهاء، وجمهور أهل الحديث حكم البغاة.
المالكية قالوا: يستتابون فإن تابوا، وإلا قتلوا دفعاً لفسادهم، لا لكفرهم، لأنهم فسقة، وليسوا كفاراًفي الراجح من قول العلماء المجتهدين، وذهب بعض أهل الحديث إلى أنهم مرتدون، لهم حكم المرتدين.
الرابع قوم مسلمون خرجوا على الإمام العدل، ولم يستبيحوا ما استباحه الخوارج من دماء المسلمين وسبي ذراريهم وهم البغاة.
لأنهم غنما خالفوا بتأويل جائز باعتقادهم لكنهم مخطئون فيه، فهم فسقة والأحاديث الواردة فيما يقتضي ذمهم كحديث (من حمل علينا السلاح فليس منا) وحديث (من خرج من الطاعة وفارق الجماعة فميتته جاهلية) فهو من خرج بلا تأويل.
قالوا: لو أظهر قوم رأي الخوراج المبتدعة الذين يكفرون من ارتكب كبيرة، ويطعنون بذلك على الأئمة، ولا يحضرون معهم الجمعة، والجماعة.
فهؤلاء يتركون، ولا نكفرهم ولا نتعرض لهم، إذا لم يخرجوا عن طاعة الإمام، ولم يقاتلوا أحداً، لأن اعتقاد الخوراج أن من أتى كبيرة كفر وحبط عمله، وخلد في النار، وإن جار الإمام صارت بظهور الكبائر فيها دار كفر وإباحة، فطعنوا في الأئمة، لأن الإمام على كرم الله وجهه سمع رجلاً من الخوارج في المسجد يقول: لا حكم إلا لله وسلوه، وعرض بتخطئته في الحكم.
فقال: كلمة حق أريد بها باطل، لكم علينا ثلاث: لا نمنعكم مساحجد الله أن تذكروا فيها اسم الله، ولا نمنعكم الفيء ما دامت أيديكم معنا، ولا نبدؤكم بقتال.
فجعل حكمهم حكم أهل العدل، فإن قاتلونا فحكمهم إن لم نكفرهم كحكم قطاع طريق، فإن قتلوا أحداً ممن يكافئهم أقتص منهم كغيرهم.
المالكية قالوا: يمتاز قتال البغاة عن قتال الكفار بأحد عشر وجهاً.
-1 - أن يقصد الإمام بالقتال ردعهم، لا قتلهم.
-2 - وأن يكف عن مدبرهم.
-3 - ولا يجهز على جريحهم.
-4 - ولا تقتل أسراهم.
-5 - ولا تغنم أموالهم.
-6 - ولا تسبى ذراريهم.
-7 - ولا يتعان عليهم بمشرك.
-8 - ولا يوادعهم على مال.
-9 - ولا تنصب عليهم الردعات -10 - ولا تحرق مساكنهم -11 - ولا يقطع شجرهم قالوا: لو خرج جماعة على الإمام ومنعوا حقاً لله أو لآدمي، أو ابوا طاعته يرديون عزله لو كان جائراً، إذ لا يجوز عزل الإمام بعد انعقاد إمامته، وإنما يجب وعظه على من له قدرة من المسلمين.
فيجب على الإمام أن ينذر هؤلاء البغاة، ويدعوهم لطاعته، فإن هم عادوا إلى الجماعة تركهم وإن لم يجوز عزل الإمام بعد انعقاد إمامته، وإنما يجب وعظه على لم يطيعوا أمره قالتهم بالسيف، والرمح، والنبل، والتفريق، وقطع الميرة والماء عنهم، ورميهم بالأحجار والنار إذا لم يكن فيهم نسوة وذرية، وحرم سبي ذراريهم لانهم مسلمون، وحرم إتلاف أموالهم وأخذه بدون احتياج له، وحرم رفع رؤوسهم بعد قتلهم لأنه مثلة بالمسلمين، ويستعان على قتالهم بما لهم من سلاح وخيل، إن احتيج للاستعانة به عليهم، وبعد الاستغناء عنه يرد إليهم كغيره من الأموال، فإن حصل الأمان للإمام بالظهور عليهم تركوا، ولا يسترقوا، ولا يجهز على جريحهم، ولا يتبع منهزمهم، فإن لم يؤمنوا أجهز على جريحهم واتبع منهزمهم جوازاً، وكره قتل جده أو ابنه، إن قتله ورثه، وإن كان عمداً، لكنه غير عدوان.
والمرأة أن قالتلت بسلاح قتلت، وإلا فلا.
الحنفية قالوا: إذا تغلب قوم من المسلمين على بلد، وخرجوا عن طاعة الإمام يستحب للإمام أن يدعوهم إلى العود إلى الجماعة، ويكشف عن شبهتهم التي أوجبت خورجهم، لأن الإمام علياً رضي الله عنه فعل ذلك بأهل حرورا، وليس ذلك بواجب بل مستحب، لأنهم كمن بلغتهم الدعوة الإسلامية لا تجب دعوتهم ثانياً.
وقالوا: ولا يبدأ بقتال البغاة حتى يبدؤوه قاتلهم حتى يفرق جمعهم.
وقيل: يجوز لنا أن نبدأ بقتالهم إذا تعسكروا، واجتمعوا، لأن الحكم يدار على الدليل وهو الاجتماع على قصد القتال، والامتناع عن طاعته.
لأنه لو انتظر حقيقة قتالهم ربما لا يمكنه الدفع لتقوى شوكتهم وتكثر جمعهم خصوصاً والفتنة يسرع أليها أهل الفساد، وهم الأكثر، فيدار على الدليل ضرورة لدفع شرهم، ويحدثوا توبة، دفعاً للشر، بقدر الإمكان، والمروي عن أبي حنيفة رضي الله عنه، من لزوم البيت من قوله: الفتنة إذا وقعت بين المسلمين فالواجب على كل مسلم أن يعتزل الفتنة، ويقعد في بيته لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (من فر من الفتنة أعتق الله رقبته من النار) وقال صلى الله عليه وسلم لواحد من الصحابة: (كن حلساً من أحلاس بيتك) رواه عنه الحسن بن زياد، فهو محمول على ما إذا لم يكن لهم إمام، وما روي عن جماعة من الصحابة أنهم قعدوا في الفتنة، محمول على أنه لم يكن لهم قدرة، ولاغناء، أما إعانة الإمام العادل الحق، فمن الواجب عند الغناء والقدرةز لقوله تعالى: {فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله} الآية.
قالوا: فإن كانت لهم فئة أجهز على جريحهم، واتبع موليهم، دفعاً لشرهم، كي لا يلحقوا بهم.
وإن لم يكن لهم فئة لهم يجهز على جريحهمن ولم يتبع موليهم، لاندفاع الشر بدون ذلك وهو المطلوب.
الشافعية، والمالكية، والحنابلة - قالوا: لا يجوز للإمام أن يبدأ بقتال أهل البغي حتى يبدؤوا هم بالقتال إذا تركوه بالتولية، والجراحة المعجزة عنه، لم يبق قتلهم دفعاً، ولما روى أبن أبي شيبة عن عبد خير، عن علي رضي الله عنه أنه قال يوم الجمل: (لاتتبعوا مدبراً، ولا تجهزوا على جريح، ومن القى سلاحه فهو آمن) واسند أيضاً (ولا يقتل أسير) ولا يقاتل الإمام البغاة حتى يبعث إليهم أميناً فطناً ناصحاً يسألهم ما ينقمون، فإن ذكروا مظلمة أو شبهة أزالها، فإن اصروا نصحهم وخوفهم سوء عاقبة البغي ثم يعلمهم بالقتال.
حكم المال والأسرى الحنفية، والمالكية قالوا: لا يجوز أن يسبى للبغاة ذرية، لآنهم مسلمون، ولا يقسم لهم مال لعدم الاستغنام فيها، لقول الإمام علي رضي الله عنه يوم الجمل: (ولا يقتل أسير، ولا يكشف ستر، ولا يؤخذ مال) وهو القدوة لنا في هذا الباب، ولأنهم مسلمون، والإسلام يعصم النفس، والمال، ولا بأس بأنيقاتلوا بسلاحهم إن احتاج المسلمون إليه، لأن الإمام علياً رضي الله عنه قسم السلاح فيما بين أصحابه، بالبصرة، وكانت قسمته للحاجة، لا للتملك، ولآن للإمام أن يفعل ذلك في مال الرجل العادل عند الحاجة، ففي مال الباغي أولى، ن والمعنى فيه إلحاق الضرر الأدنى، لدفع الضرر الأعلى.
ولما رواه الحاكم في المستدرك، والبزاز في مسنده من حديث كوثر بن حكيم، عن نافع، عن أبن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (هل تدري يا ابن أم عبد كيف حكم الله فيمن بغي من هذه الأمة؟ قال: الله ورسوله أعلم.
قال: لا يجهز على جريحها، ولا يقتل أسيرها، ولا يطلب هاربها، ولا يقسم فيئها) .
قال الإمام محمد: وبلغنا أن الإمام علياً رضي الله عنه، ألقى ما أصاب من عسكر أهل النهروان، في الرحبة، فمن عرف شيئاً أخذه، حتى كان آخره قدر حديد لإنسان، فأخذه.
وروى أبن أبي شيبة أن علياً كرم الله وجهه لما هزم طلحة واصحابه، أمر مناديه، فنادى أن لا يقتل مقبل ولا مدبر يعني بعد الهزيمة ولا يفتح باب، ولا يستحل فرج، ولامال.
وأما الأسير فللإمام الخيار فيه، فيحكم نظره فيما هو أحسن المرين في كسر الشوكة من قتله وحبسه، ويختلف ذلك بحسب الحال، لا بهوى النفس والتشفي.
وإذا أخذت المرأة من أهل البغي، وكانت تقاتل حبست، ولا تقتل إلا في حال مقاتلتها، دفعاً عن النفس، وإنما تحبس للمعصية ولمنعها من الشر والفتنة، لما روي عن سيدنا علي رضي الله عنه أنه قال يوم الجمل: وإياكم والنساء، وإن شتمن أعراضكم، وسببن امراءكم، ولقد رأيتنا في الجاهلية، وإن الرجل ليتناول المرأة بالجريدة، أو بالهراوة فيعبر بها هو وعقبه من بعده) .
الشافعية - قالوا: إذا طلب أهل البغي من الإمام الامهال اجتهد فيه، وفي عدمه، وفعل ما رآه صواباً، فإن ظهر أن استمالهم للتأمل في إزالة الشبهة أمهلهم ليتضه لهم الحق، وإن ظهر أنهم يحتالون لاجتماع عساكرهم لم يمهلهم، فإذا وقع القتال بينهم، فلا يجوز قتل مدبرهم، ولا من ألقى سلاحه، ولا جريحهم، ولا أسيرهم، إذا كان الإمام يرى رأياً فيهم لقوله تعالى {حتى تفيء} والفيء الرجوع عن القتال بالهزيمة، ولأن قتالهم شرع للدفع عن منع الطاعة، وقد زال، ويحبس أسيرهم ,إن كان صبياً، أو امرأة، أو عبداً، حتى تنقضي الحرب ويفرق جمعهم.
وقالوا: إذا انقضت الحرب يجب على الإمام أن يرد إلى البغاة سلاحهم، وخيلهم، وغيرها، ويحرم استعمال شيء من سلاحهم، وخيلهم، وغيرها من أموالهم إلا لضرورة، كما إذا خيف انهزام أهل العدل ولم يجدوا غير خيولهم، فيجوز لهم ركوبها، واستعمال أسلحتهم، لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: (لا يحل مال أمرئ مسلم إلا بطيب نفس منه) ولا يقاتلون بشيء فظيع كالنار، والنجنيق إلا للضرورة، ولا يستعان عليهم بكافر، ولا بمن يرى قتلهم مدبرين.
الحنفية قالوا: ويحبس الإمام أموال البغاة فلا يردها عليهم، ولا يقسمها حتى يتوبوا، فيردها عليهم، أما عدم القسمة، فلأنها ليست غنائم، وأما الحبس فالدفع شرهم، بكسر شوكتهم، ولهذا يحبسها عنهم، وإن كان لا يحتاج إليها، إلا أنه يبيع الكراع لأن حبس الثمن أنظر وأيسر، وما جباه أهل البغي من البلاد التي غلبوا عليها من الخراج والعشر، لم يأخذه الإمام ثانياً، لأنه لم يحمهم.
مبحث حكم المرتد - تعريف المرتد.
الردة - والعياذ بالله تعالى - كفر مسلم تقرر إسلامه بالشهادتين مختارا بعد الوقوف على الدعائم، والتزامه أحكام الإسلام ويكون ذلك بصريح القول كقوله: أشرك بالله، أو قول يقتضي الكفر، كقوله: إن الله جسم كالأجسام أو بفعل يستلزم الكفر لزماً بيناً كإلقاء مصحق، أو بعضه ولو كلمة، أو حرقه استخفافاً لا صوناً، أو علاجاً لمريض، ومثل إلقائه، وتركه في مكان قذر، ولو طاهراً كبساق أو تلطيخه به، نحو تقليب ورق بالبصاق، ومثل المصحق الحديث، وأسماء الله الحسنى، وكتب الحديث، وكذا كتب الفقه إذا كان علي وجه الاستخفاف بالشريعة الإسلامية، وأحكامها، أو تحقيرها، وكذا أسماء النبياء.
وشد الزنار ميلا للكفر، أما لو لبسه لعباً فهو حرام.
مع دخول الكنائس.
أو سجوده لصنم.
وكذلك يكفر بتعلم السحر، والعمل به، لأنه كلام يعظم غير الله تعالى، وتنسب إليه المقادير، وكذلك يكفر بقوله: إن القالم قديم، وهو ما سوى الله تعالى، لأنه يستلزم عدم وجود الصانع أو يقول: إن العالم باق على الدوام فلا يفنى، لأنه يستلزم إنكار القيامة، ولو أعتقد حدوثه، وهو تكذيب للقرآن الكريم، وكذلك الشك في قدم العالم، أو بقائه، أو أنكر وجود الله تعالى، ويكفر كذلك من قال: بتناسخ الرواح، أي أن من مات تنتقل روحه إلى غيره، لأن فيه إنكار البعث، ويكفر إذا أنكر حكما أجمعت ألامة عليه كوجوب الصلاة، أو تحريم الزنا، أو إنكار الصوم، ويكفر إذا أنكر بقوله بجواز اكتساب النبوة، وتحصيلها بسبب الرياضة، لأنه يستلزم جواز وقوعها بعد النبي، أو سب نبي أجمعت الأمة على نبوته أو سب ملكاً من الملائكة يجمع على ملكيته، ويكفر أن عرض في كلامه بسب نبي، أو ملك، بأن قال عند ذكره، أما أنا فلست بزان أو بساحر، أو ألحق بنبي، أو ملك نقصاص، ولو ببدنه، كعرج وشلل، أو طعن في وفور علمه، إذ كل نبي أعلم أهل زمانه، وسيدهم صلى الله عليه وسلم أعلم الخلق أجمعين، أو طعن في أخلاق نبي، او في دينه، ويكفر إذا ذكر الملائكة بالأوصاف القبيحة، أو طعن في وفور زهد نبي من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام.
قال الأئمة: لا بد في إثبات الردة من شهادة رجلين عدلين، ولا بد من اتحاد المشهود به، فإذا شهدا بأنه كفر قال القاضي لهما باي شيء؟ فيقول الشاهد: يقول كذا، اويفعل كذا.
واتفق الأئمة الأربعة عليهم رحمه الله تعالى: على أن من ثبت ارتداده عن الإسلام والعياذ بالله وجب قتله، وأهدر دمه، وعلى أن قتل الزنديق واجب، وهو الذي يضمر الكفر ويتظاهر بالإسلام.
استتابة المرتد الحنفية قالوا: إذا ارتد المسلم عن الإسلام - والعياذ بالله تعالى - عرض عليه الإسلام فإن كانت له شبهة أبدها كشفت عنه، لأنه عساه اعترضته شبهة في الدين فتزاح عنه لأن فيه وقع شره بأحسن الأمرين، وهما القتل، والإسلام، إلا أن عرض الإسلام عليه مستحب، غير واجب، لأن الدعوة قد بلغته، وعرض الإسلام هو الدعوة إليه، ودعوة من بلغته الدعوة غير واجبة، بل هي مستحبة فإذا طلب الامهال، يستحب أن يؤجله القاضي ثلاثة ايام، ويحبس ثلاثة أيام فإن اسلم بعدها، وإلا قتل، لقول تعالى: {قاقتلوا المشركين} من غير قيد الامهال، وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (من بدل دينه فاقتلوه) ولم يذكر التأجيل ولأن المرتد كافر حربي لا محالة، فليس بمستأمن لأنه لم يطلب الأمان، ولا ذمي لأنه ولم يذكر التأجيل ولأن المرتد كافر حربي لا محالة، فليس بمستأمن لأنه لم يطلب الأمان، ولا ذمي لأنه لم تقبل منه الجزية، فيجب قتله في الحال من غير استمهال، ولا يجوز تأخير الواجب لأمر موهوم، لأن دلائل الإسلام ظاهرة غير خفية، فإذا استمهل، فإن الإسلام حينئذ لا يكون موهوماً فيستحب تأخيره.
قالوا: لا قرق في وجوب قتل المرتدين كونه حراً، أو عبداً، لإطلاق الدلائل.
الشافعية - قالوا: إذا ارتد المسلم، والعياذ بالله تعالى فإنه يجب على الإمام أن يؤجله ثلاثة أيام، ولا يحل له أن يقتله قبل ذلك، لأن ارتداد المسلم عن دينه يكون عن شبهة غالباً، فلا بد من مدة يمكنه التأمل فيها ليتبين له الحق، وقدرناها بثلاثة أيام، طلب ذلك، أو لم يطلب، وقصة سيدنا موسى صلى الله عليه وسلم مع العبد الصالح: {إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني} فلما كانت الثالثة قال له: {قد بلغت من لدني عذراً} .
وروي عن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أن رجلاً أتاه من قبل أبي موسى الشعري، فقال له: (هل من معربة خير؟ فقال: نعم، رجل ارتد عن الإسلام فقتلناه، فقال له: هلا حبستموه في بيت ثلاثة أيام، وأطعمتموه في كل يوم رغيفاً، لعله يتوب؟ ثم قال: اللهم إني لم أحضر، ولم آمر، ولم أرض) أخرجه الإمام مالك رحمه اللهن في كتابه الموطأ فتبري سيدنا عمر من فعلهم يقتضي وجوب الإمهال ثلاثة أيام قبل موت المرتد، فإن تاب ونطق بالشهادتين أو كلمة التوحيد، خلي سبيله، وإن لم يتب وجب قتله بالسيف فوراً.
ولا يؤخر كسائر الحدود، السابقة، لأن الردة أفحش الكفر وأغلظه حكماً، وهي محبطة للعمل إن اتصلت بالموت، قال تعالى: {ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر} الآية وإن عاد إلى الإسلام لم يجب عليه أن يعيد حجه، لأن الردة أبطلت أعماله.
المالكية قالوا: يجب على الإمام أن يمهل المرتد ثلاثة أي
What's Your Reaction?






