أركان جريمة التعسف في استعمال أموال الشركة

لم يعرف المشرع المغربي جريمة إساءة استعمال أموال الشركة سواء في مدونة التجارة أو في قانون الشركات، بل اكتفى بتحديد الأفعال التي تشكل إساءة استعمال أموال الشركة وذلك بمقتضى الفقرة الثالثة من المادة 384 من قانون رقم 95-17 المتعلق بشركات المساهمة التي جاء فيها ما يلي: "... الذين استعملوا بسوء نية أموال الشركة أو اعتماداتها استعمالا يعلمون تعارضه مع المصالح الاقتصادية لهذه الأخيرة، وذلك بغية تحقيق أغراض شخصية أو لتفضيل شركة أو مقاولة أخرى لهم بها مصالح مباشرة أو غير مباشرة".

أركان جريمة التعسف في استعمال أموال الشركة

أولا: أركان جريمة استعمال أموال الشركة.
إن جريمة إساءة استعمال أموال الشركة تخضع لنفس الأركان التي يخضع لها سائر الجرائم أي إلى الركن القانوني، والركن المادي والركن المعنوي.
الفقرة الأولى: الركن القانوني
يقتضي توافر الركن القانوني وجود نص قانوني يعاقب على هذه الجريمة إذ "لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص" وتبعا لذلك فالنص القانوني الذي يجرم جريمة التعسف في استعمال أموال الشركة والعقوبة عليها هو الفصل 384 من ق. ش الذي ينص على "يعاقب بعقوبة الحبس من شهر إلى ستة أشهر وبغرامة من 1000.000 إلى 1000,000 درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط أعضاء أجهزة الإدارة أو التدبير أو التسيير للشركة مساهمة؛ الذين استعملوا بسوء نية أموال الشركة أو اعتماداتها استعمالا لا يعلمون تعارضه مع المصالح الاقتصادية لهذه الأخيرة، وذلك بغية تحقيق أغراض شخصية أو لتفضيل شركة أو مقاولة أخرى لهم بها مصالح مباشرة أو غير مباشرة" ومن هنا يبدو لنا ويتضح أن جريمة إساءة استعمال أموال الشركة أو اعتماداتها تجد أساسها القانوني أو شرعيتها القانونية في الفصل 384 من قانون الشركة المغربي.
الفقرة الثانية: الركن المادي:
بالرجوع إلى المادة 384 ق.ش نجد أن أهم عنصري الركن المادي في جريمة إساءة استعمال أموال الشركة واعتماداتها يكمن في الاستعمال، غير انه لا يكفي لقيام الجريمة أن يكون هناك استعمال فقط بل لابد أن يكون هذا الأخير متعارضا مع مصلحة الشركة.

أ- عنصر الاستعمال:
يقتضي تحليل هذا العنصر تحديد مفهومه من جهة وبيان مضمونه من جهة ثانية
أ-1.مفهوم الاستعمال:
تكمن علة التجريم في إساءة استعمال أموال الشركة في العقاب على كل نشاط يسعى الجاني من ورائه إلى الاستئثار المباشر بأموال الشركة أو تسخير ميزانيتها لسداد مصاريف ذات صبغة شخصية. حيث يتحقق النشاط المكون للركن المادي في الجريمة بمجرد الاستفادة من القرض أو التسهيلات المالية أو الاستخدام غير المبرر لسيارات الشركة ومعداتها أو الاستعانة بإجرائها للقيام بخدمة شخصية لفائدة المدير أو المسير.
حيث يتضح أن مفهوم الاستعمال هو مفهوم شاسع يعاقب عليه المشرع كافة الأشخاص القائمين به.
والسؤال الذي يطرح نفسه هو إذا كان الأصل في الاستعمال أن يكون إيجابيا، هل يمكن أن يتحقق بنشاط سلبي أو من طريق الامتناع كعدم مطالبة المتصرف أو المدير بدين الشركة التي يديرها على شركة أو مقاولة أخرى له بها مصالح شخصية؟ .
إلا أن الإجماع غير منعقد على اعتبار السلوك السلبي كاف لان يكون استعمالا فقد قضت محكمة النقض الفرنسية في أحد قراراتها بان مجرد الإهمال أو الامتناع لا يمكن أن يشكل استعمالا .
كما أن القضاء اعتبر استخدام عمال الشركة من أجل إنجاز أشغال في المنزل الشخصي للمتصرف يشكل استعمالا لأموال الشركة.
بل يمكن أن نرد هذه الجريمة حتى على الحقوق المعنوية للشركة إذ يسجل المدير براءة اختراع باسمه ليستغلها لصالحه مع أن الشركة هي التي أنفقت على بحوث إعدادها يعتبر مرتكبا لجريمة إساءة استعمال أموال الشركة .
أما اعتمادات الشركة فهي تتحدد في سمعتها وقدرتها على تحمل وضمان الديون، حيث تعتبر إساءة في استعمال اعتمادات الشركة تعريفها لأخطار معينة دون مبرر تقتضيه مصلحتها، إضافة إلى التوقيع على ورقة تجارية دون أن تجني الشركة من ورائها مقابلا وبدافع مصلحة الفاعل الشخصية.
ب-تعارض الاستعمال مع المصلحة الاقتصادية للشركة:
إن العنصر الثاني في الركن المادي لجريمة إساءة استعمال أموال أو اعتمادات الشركة يكمن في ضرورة كون الاستعمال يتعارض مع المصلحة الاقتصادية للشركة وإلا فإن الجريمة تنتفي، إلا أن الإشكال المطروح في هذا الصدد يتعلق بمعرفة متى يكون التصرف أو الفعل متعارضا مع مصلحة الشركة؟ إن غياب تعريف من طرف المشرع المغربي جعل الباب مفتوحا على مصراعيه لآراء فقهية اجتهدت لتحديد معايير التصرف المخالف لمصلحة الشركة.
ونجد أن أي تصرف أو استعمال لأموال الشركة تترتب عنه أضرار بالشركة مما يفيد تعارضه مع مصلحة مباشرة أو غير مباشرة للمسير .
أما الضرر المجرد من سوء النية الذي قد تتحمله الشركة نتيجة ظروف اقتصادية أو سياسية فإنه لا يعتد به.
كما نجد بعض الحالات التي يتابع فيها المسير بجريمة إساءة استعمال أموال الشركة بالرغم من غياب ضرر مادي يلحق بالشركة كحالة دمج أموال المسير في أموال الشركة واستعمالها للمصلحة الشخصية .
كما أن إساءة استعمال أموال الشركة قد تتخذ صورة بالغة التعقيد حيث إن تعارضها مع المصلحة الاقتصادية للشركة بصورة متقطعة وبشكل غير جلي أو من حيث مادية الاستعمال كحالة الاستعمال الشخصية لأموال الشركة دون امتلاكها .
وفي هذه الحالة فالقضاء اعتمد على معيار المخاطر أو الخطر لقيام هذه الجريمة. بحيث يعتبر استعمالا سيئا لأموال الشركة كل استخدام يعرضها للخطر وذلك بدافع المصلحة الشخصية للفاعل حتى ولو لم ينتج عنه ضرر شخصي للشركة.
كما أن الاستعمال يجب أن يرد على أموال الشركة من عقارات أو منقولات معنوية أو غير معنوية.
ب-1.مضمون الاستعمال
طبقا لنص الفقرة الثالثة من المادة 384 من ق.ش.م يجب أن ينصب الاستعمال على أموال الشركة أو على اعتماداتها. والأموال biens قد يكون عقارات أو منقولات تدخل في الذمة المالية للشركة حيث يدخل ضمن أموال الشركة منقولاتها والبضائع التي تحتفظ بها في مخزونها والديون التي تتصرف فيها وعماراتها وعقاراتها، وكمثال على ذلك من مدير الشركة الذي يرهن الشركة عقارات من عقاراتها للحصول على قرض استولى عليه لنفسه أو لشركة أخرى له فيها مصالح خاصة .
الفقرة الثالثة: الركن المعنوي
يلزم لقيام جريمة إساءة استعمال أموال الشركة بالإضافة إلى الركن المادي توافر القصد الجنائي لدى المتهم إذ أن المادة 384 من فقرتها الثالثة من قانون 95-17 والمادة 3/107 من قانون96/5 إنما تعاقب المسيرين "الذين استعملوا بسوء نية أموال الشركة أو اعتماداتها استعمالا يعلمون تعارضه مع المصالح الاقتصادية لهذه الأخيرة وذلك بغية تحقيق أغراض شخصية أو لتفضيل شركة أو مقاولة أخرى لهم بها مصالح مباشرة أو غير مباشرة"
من هنا كان لازما لاكتمال مقومات الركن المعنوي توافر القصد الجنائي بنوعيه القصد العام والقصد الخاص.
أولا: القصد العام
يتوفر هذا القصد بتوافر علم المسير بالاعتداء على مصلحة الشركة واتجاه إرادته لتحقيق الواقعة الإجرامية، فمقتضى العنصر الأول أن يكون المسير على علم بكون الفعل الذي يأتيه يتعارض مع مصالح الشركة الذي من شأنه تعريضها للخطأ الذي سيمس أصول وأموال الشركة، ومقتضى العنصر الثاني أن يستهدف الجاني بسلوكه إحداث النتيجة التي ينهي عنها القانون من هنا كان مجرد الإهمال أو الخطأ في التسيير يدخل في تكوين الركن المعنوي لهذه الجريمة.
وفي سبيل إثبات هذا القصد تعتمد محكمة الموضوع على قرائن مادية معنية من قبيل: إحالة الأعمال المرتكبة بسياج من الحرية أو منح مكافحات ضخمة في وقت تعاني فيه المقاولة من ضائقة مالية شديدة.
صحيح أن عناء إثبات أركان الجريمة ومنها القصد الجنائي يقع نظريا على عاتق النية العامة وان صالح المتهم هو الأولى بالرعاية متى جاء هذا الإثبات ناقصا أو مشوبا بالشك إلا أن الممارسة القضائية تجري على افتراض سوء النية لدى المسير اعتبارا للمركز الرفيع الذي يشغله والمسؤولية الحتمية التي يتجشمها داخل المقاولة فإذا ما تأكد أن المتهم قد سعى من وراء الفعل المنسوب إليه مجرد تحقيق مصلحته الشخصية أصبحت مسؤوليته الجنائية قائمة بغض النظر عن إجازة باقي الشركاء لهذا الفعل ولا التمسك به لكونه لم يسبب ضررا ما للشركة.
ثانيا: القصد الخاص
ينبغي ثبوت عنصر آخر زيادة على القصد العام وهذا العنصر يتمثل في القصد الخاص هذا الأخير يعني وجود قصد خاص لدى المتهم قوامه تحقيق أغراض شخصية أو تفضيل شركة أو مقاولة له بها مصالح مباشرة أو غير مباشرة.
وهذا العنصر هو الأهم الذي يجب تزويد القاضي به لدى اضطلاعه بتحديد الوقائع لأنه يشكل الباعث المحرك للفعل المرتكب زيادة على القصد الجنائي العام.
وتقرير وجود القصد الخاص يشكل قرينة قاطعة ودليلا حاسما على وجود القصد الجنائي للمسير.

What's Your Reaction?

like
0
dislike
0
love
1
funny
0
angry
0
sad
0
wow
0