شروط إبرام المصالحة الجمركية في القانون المغربي

ينشأ عقد الصلح الجمركي بين الإدارة والظنين وبمقتضاه يحسمان نزاعا قائما أو يتوقيان قيامه، وذلك بتنازل الإدارة عن الدعوى العمومية أو تطبيق الجزاءات المالية مقابل تقديم الطرف الآخر مقابلا ماليا.

شروط إبرام المصالحة الجمركية في القانون المغربي

ينشأ عقد الصلح الجمركي بين الإدارة والظنين وبمقتضاه يحسمان نزاعا قائما أو يتوقيان قيامه، وذلك بتنازل الإدارة عن الدعوى العمومية أو تطبيق الجزاءات المالية مقابل تقديم الطرف الآخر مقابلا ماليا.

وفي هذا الصدد منح المشرع الجمركي لإدارة الجمارك الحق في التصالح مع الأضناء إذ تتوفر هذه الإدارة على سلطة مطلقة في إبرام المصالحة مع من شاء من المخالفين[1] سواء فاعلين أصليين أو مشاركين أو متواطئين، ذلك أن المصالحة هي تدبير إرادي محض، تملك إزاءه إدارة الجمارك سلطة تقديرية مطلقة، ويشكل تنازلا عن بعض حقوقها المقررة قانونا، وامتيازا لها لتجنب الدعاوى أو إنهائها، ولا يمكن للأضناء إرغام الإدارة على إبرام الصلح معها[2].

وما دمنا بصدد الحديث عن شروط إبرام المصالحة الجمركية فإن هذه الشروط يمكن تقسيمها إلى شروط مرتبطة بطرفي العقد، وشروط مرتبطة بموضوع العقد التصالحي.

فبخصوص الشروط المتعلقة بطرفي العقد، فإنه ونظرا لطبيعة عقد المصالحة الجمركية كغيره من العقود لا تصح إلا بأهلية الطرف المبرم وفق القواعد العامة، حيث يشترط الفصل 1099 من ق.ل.ع لإبرام الصلح التمتع بأهلية التفويت بعوض في الأشياء التي يرد الصلح عليها، وبالتالي فإن المصالحة مع الإدارة تتوقف على توفر أهلية التصرف بعوض في الحقوق التي يتصالح عليها.

كما يشترط في إبرام مصالحه جمركية مع الظنين أن يكون هذا الأخير راشدا أو غير محجور عليه، والملاحظ أنه يجوز إبرام المصالحة مع شخص أجنبي عن ارتكاب المخالفة الجمركية، غير أن ذلك يتوقف على وجود وكالة تتضمن صراحة حق المصالحة عن موكله[3]، ولا يجوز الرجوع على موكل هذا الوكيل بأداء الحقوق التي كانت محل المصالحة.

وحتى يعتد بعقد المصالحة، وينتج آثاره القانونية، فلا بد من إبرامه من طرف الأشخاص المسموح لهم بذلك.

ويعود حق إبرام المصالحة الجمركية من جهة الإدارة، إلى مدير الإدارة ونواب المديرين الإقليميين والآمرون بالصرف الكل في حدود اختصاصه، غير أن عروض أو طلبات المصالحة يمكن لأي من نواب المديرين الإقليميين والآمرون بالصرف أن يتسلموها ويعرضوها على الهيئات العليا المركزية لاتخاذ القرار فيها في حالة ما إذا كانت يتجاوز اختصاصاتهم[4].

إلا أن هذه المصالحة تتوقف على مصادقة وزير المالية أو مدير الإدارة، كما يمكن تفويض هذا الاختصاص إلى بعض الموظفين المؤهلين لذلك[5].

أما من جهة الطرف المخالف، فبالرجوع للفصل 273 من م.ج نجده يتحدث عن أنه لا يمكن التصالح إلا مع الشخص المؤهل لذلك قانونا، وبذلك فالمشرع لم يستعمل مصطلح المتهم، أو مرتكب المخالفة، بل عمد إلى استعمال مصطلح أعم يصلح لأن ينطبق على مرتكب المخالفة أو الجنحة، وعلى أي شخص آخر جدير بالمساءلة جنائيا أو ماليا عن النتائج المترتبة عن المخالفة أو الجنحة الجمركية.

 ويمكن إبرام مصالحة مع جميع الأشخاص الممكن متابعتهم بشأن الجرائم الجائز التصالح بشأنها، أو المعينون من الناحية الجنائية أو المالية بنتائج الجريمة حتى في الحالات التي يكون فيها غريبا عن الجريمة.

والنصوص القانونية لا تحدد هؤلاء بدقة بقدر ما تهتم بتحديد الأفعال المجرمة، إلا أنه وسعيا من المشرع لتعزيز مركز الإدارة ضمن مسطرة المصالحة، وضمانا لتحصيلها لعرض الصلح فقد سعى لتوسيع دائرة الأشخاص الجائز التصالح معهم من جهة، ومن جهة أخرى التوسيع من مفهوم بعض المؤسسات الجنائية خلافا للقواعد العامة، وهكذا يمكن إبرام المصالحة مع كل من الفاعل الأصلي أو المساهم والمشارك أو النائب أو المسؤول المدني[6].

وإذا تم إبرام المصالحة وفق الكيفية المحددة قانونا، ومتى أصبحت نهائية طبقا لأحكام الفصل 273 من م.ج، فهي تلزم الأطراف بكيفية لا رجوع فيها ولا يمكن أن يقدم بشأنها أي طعن، وهذا ما أكده المجلس الأعلى في قراره: "حيث إن الثابت من وثائق الملف خاصة كتاب الآمر بالصرف للجمارك بالدار البيضاء آنفا، فإن إدارة الجمارك قد وافقت على إجراء المصالحة مع الطاعن بالنسبة للمخالفات الجمركية المنسوبة إليه وذلك طبقا لمقتضيات الفصل 273 من المدونة، وتنازلت عن دعواها المدنية الموجهة ضده.

وحيث إنه متى أصبحت المصالحة نهائية... فهي تلزم الأطراف بكيفية لا رجوع فيها ولا يمكن أن يقدم بشأنها أي طعن حسب مقتضيات الفصل 276 من المدونة، وبالتالي يبقى ما أثير بخصوص الغرامات المحكوم بها لفائدتها في واجهة الطاعن غير ذي موضوع وتكون الوسيلة مقبولة"[7].

فإذا كان هذا بخصوص الشروط المتعلقة بأطراف العقد فماذا يمكن القول عن الشروط المتعلقة بموضوع عقد المصالحة؟

إن المشرع، لم يحدد أنواع المخالفات التي يجوز إبرام المصالحة بشأنها، وهذا الأمر يمكن تفسيره بأن المشرع خول لإدارة الجمارك إبرام المصالحات بغض النظر عن طبيعة الفعل المرتكب فأمام هذا الوضع أثير نقاش حول أحقية الجمارك في إبرام المصالحة الجمركية بخصوص البضائع المحظورة فإدارة الجمارك ما لبثت تدافع أمام القضاء بأحقيتها التصالح مع المخالفين بشأن جميع البضائع دون استثناء فقد جاء في إحدى وسائل النقض التي قدمتها ضد قرار لمحكمة الاستئناف بطنجة يقضي بتبرئة أحد المتهمين من جنحة محاولة تهريب وتصدير بضاعة محظورة مع اعتبار "ان المخدرات حرم المشرع تداولها كسلعة وبالتالي فإنها لا تخضع لمسطرة المصالحة الجمركية" فرد المجلس الأعلى في قرار له "... وفيما يخص قول المحكمة إن المخدرات لا تخضع لمسطرة المصالحة وهو مجرد قول لا يستند على أي أساس قانوني، ذلك أن المشرع في الفصل 273 من م.ج وما عليه، لم يقيد هذا الحق بأي قيد أو شرط، وإنما ترك لإدارة الجمارك السلطة التقديرية حسب شروط الصلح وخطورة الفعل سواء قبل الحكم أو بعده..."[8]

وعموما فإن قيام المصالحة الجمركية يوجب توافر العناصر التالية:

  1. وجود نزاع بين إدارة الجمارك ومرتكبي المخالفة أو الجنحة الجمركية؛
  2. وجود إرادة المصالحة بين الأطراف؛
  3. قبول تنازل أطراف الصلح عن بعض حقوقهم[9].

وأخيرا، نشير إلى أن عقد الصلح المبرم بين إدارة الجمارك والشخص المتورط في القضية، يعتبر عقدا رضائيا، تخضع المنازعات المتعلقة بإبرامه وتنفيذه لمقتضيات القانون المدني، وهذا ما أكده المجلس الأعلى في قراراه "وحيث إنه من الواضح أن عقد الصلح المبرم بين المستأنف عليه والمستأنفة هو عقد رضائي تخضع النزاعات المتعلقة بإبرامه وتنفيذه لمقتضيات القانون المدني، ولا يعتبر في شيء قرارا إداريا قابلا للطعن بالإلغاء كما ذهبت إلى ذلك خطأ المحكمة الإدارية الشيء الذي يعني أنها غير مختصة للبت في الدعوى الحالية".[10]

فإن كان هذا بخصوص شروط المصالحة سواء من جهة الأطراف أو جهة موضوع المخالفة، فما هو الشكل الذي تتخذه المصالحة؟ وهذا ما سنحاول الإجابة عنه في الفقرة الموالية.

الفقرة الثانية: شكليات عقد الصلح

تتوقف المصالحة الجمركية على مصادقة وزير المالية أو مدير الإدارة، إلا أن إجراء هذه المصالحة يشترط فيه حسب مقتضيات الفصل 276/3 من م.ج "... يجب أن تثبت المصالحة كتابة على ورق مدموغ في عدد من النسخ الأصلية يعادل عدد الأطراف الذين لهم مصلحة مستقلة فيها".

فاستنادا لهذا النص تقوم إدارة الجمارك بتحرير عقد المصالحة في عدد من النسخ يعادل عدد الأطراف الذين لهم مصلحة مستقلة في إبرام هذه المصالحة، وبعد ذلك تعمل على تسليم نسخ مماثلة لعقد الصلح لهؤلاء الأضناء أطراف عقد الصلح[11].

والجدير، بالذكر أنه في حالة تعدد الشركاء والمتواطئين في ارتكاب المخالفة أو الجنحة الجمركية محل عقد الصلح، فإنه يجوز لأحدهم أن يوقع المصالحة باسمه وباسم شركائه أو المتواطئين معه، غير أن مخالفة الاعتراض على مزاولة مهام أعوان إدارة الجمارك، تنعقد المصالحة بشأنها بشكل منفرد مع كل مخالف حيث يكون الجزاء المقرر محدد في غرامة مالية شخصية[12].

ويختلف شكل المصالحة تبعا لوجود محضر إثبات من عدمه، وعملت إدارة الجمارك على وضع نموذجين لصياغة هذه المصالحة وهي:

  • المصالحة قبل أو بعد الحكم: تكون هذه في حالة تحرير أو إنشاء محضر بالمخالفة أو الجنحة الجمركية من قبل أعوان إدارة الجمارك، ويتضمن هذا النموذج مجموعة من البيانات، ويحرر في نسختين أو عدة نسخ بحسب عدد المستفيدين من الصلح، ويشهد عليه قابض الجمارك ويقيده بدفتر يوميته وهذا النموذج يسمى ب: T4.
  • المصالحة المعتبرة كمحضر: ويتعلق الأمر بالمصالحة التي حلت محل المحضر بالمخالفة قبل إنشاء هذا المحضر ومن خصوصيات هذا النموذج عن الأول هو انه في هذه الحالة يشهد مرتكب المخالفة على نفسه في هذا الصلح على أنه متنازل عن حقه أمام المحاكم في الاحتجاج بعدم تحرير محضر اعتيادي لتقرير المخالفة أو الجنحة الجمركية، وأن عقد الصلح حرر استجابة لطلبه، وأنه يلتزم بترك المبلغ الذي دفعه إلى الآمر بالصرف تحت الإيداع إلى أن يفصل نهائيا في النزاع إما إداريا أو قضائيا، كما يتضمن هذا النموذج بالتفصيل أسماء الحاجزين والوقائع المكونة للمخالفة ومكان وتاريخ حصولها، ونوع البضائع المحجوزة وقيمتها ومواصفاتها حيث يقوم هذا النموذج من الصلح مقام محضر الحجز[13].

وتجدر الإشارة إلى أن عقد المصالحة يتضمن شرطا فاسخا بمقتضاه تلغى المصالحة إذا لم تصادق عليها السلطات المختصة[14].

فإن كنا قد تعرفنا على أحكام المصالحة، فما هي الآثار القانونية التي يمكن أن ترتب عنها في حالة ما إذا تم إنجازها على الوجه الصحيح؟ وهذا ما سنحاول الإجابة عنه في المطلب الموالي.



[1] - Voir ALAOUI My Arbi « Le droit douanier au Maroc » op cit P298.

[2] - راجع الجيلالي القدومي: "المنازعات الزجرية في القانون الجمركي" م.س،ص:316. 

[3] - انظر بهذا الخصوص، خلاد يوسف: "منازعات نظام القبول المؤقت" رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة جامعة الحسن الثاني، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية الدار البيضاء السنة الجامعية 1999/2000، ص:158.

[4] - حدد دليل المصالحة الجمركية اختصاصات رؤساء المصالح الخارجية في إبرام المصالحات الجمركية والأسس والمعايير الواجب اعتمادها في إبرامها. للتعمق أكثر حول هذا الموضوع راجع:

عبد الفتاح مراد: "شرح قوانين الجمارك" الإسكندرية، طبعة 2004 ص:366 وما بعدها.

مذكرة إدارة الجمارك رقم 18443/521 الصادرة بتاريخ 23/12/1998 المتعلقة بتوزيع الاختصاص في إبرام المصالحات حسب قيمة النزاع والتراتبية الإدارية.

[5] - انظر الجيلالي القدومي: "المنازعات الزجرية في القانون الجنائي الجمركي" م.س،ص:321.

[6] - للإطلاع حول هذا الموضوع راجع، محمد الشلي: "المصالحة في التشريع الجنائي المغربي" رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا في الحقوق، جامعة محمد الخامس، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية الرباط، أكدال- 1997-1998 ص:113 وما يليها.

[7] - قرار المجلس الأعلى عدد 1476/7 بتاريخ 05/09/2007 أورده حسن البكري: الطبعة القانونية للمصالحة الجمركية م.س في الملحق ص:157.

[8].للتعميق أكثر حول هذا راجع، عبد الرزاق أحمد السنهوري: "الوسيط في شرح القانون المدني" المجلد الثاني، دار النشر الجامعية القاهرة طبعة 1962 ص:523.

[8] - قرار المجلس الأعلى عدد 2163/8، الصادر بتاريخ 03/10/2001 غير منشور.

[9] - للمزيد من التفاصيل حول هذه الشروط انظر: ALAOUI My Arbi « le droit douanier au Maroc » op. cit P296

[10] - قرار المجلس الأعلى عدد 1140 الصادر بتاريخ 20/07/2000 في الملف الإداري عدد 582/04/00، غير منشور.

[11] - انظر الموقع الالكتروني التالي: www.douane.gov.ma تم الاطلاع عليه يوم 01/01/2011 على الساعة 16 :30 دقيقة.

[12] - للمزيد من التفاصيل راجع الجيلالي القدومي: "المنازعات الزجرية في القانون الجمركي المغربي" م.س ص:324.

[13] - للاطلاع على هذه النماذج والبيانات الواردة فيها يرجى الاطلاع على الموقع الالكتروني   www.douane.gov.ma  

فؤاد أنوار: "التخليص الجمركي للبضائع في التشريع المغربي" م.س ص:508.

عبد الوهاب عافلاني: "القانون الجنائي الجمركي" م.س ص:217 وما بعدها.

[14] - انظر بهذا الخصوص خلاد يوسف: "المنازعات نظام القبول المؤقت" م.س ص:160.

What's Your Reaction?

like
0
dislike
0
love
1
funny
0
angry
0
sad
1
wow
0