تمهيد:
يشهد التنظيم القضائي بالمغرب مجموعة من التطورات قبل أن يتخذ الصورة التي هو عليها وهو ما أسفر على عدد من التغيرات إن على مستوى الترسانة التشريعية أو إن على مستوى التحوالت السياسية والاقتصادية والاجتماعية والدينية والثقافية. ومما لا يدعو مجالا للشك أن التنظيم القضائي في بالدنا لم يسلم من هذه التغيرات، حيث عرف أندك نوع من الازدواجية جمعت بين الشريعةالاسلامية والقوانين المقارنة، فنجد من جهة قواعد مستمدة من مبادئ القضاء فيالاسلام، ومن جهة أخرى قواعد مستلهمة من القوانين الاوروبية خاصة القانون الفرنسي، حيث تأثر إصالح التنظيم القضائي داخل الدولة المغربية بالسياسة العامة للحماية الفرنسية. ويمكن أن نشير في هذا الصدد أن التنظيم القضائي المغربي مر بثالث مراحل رئيسية، بحيث يجب التمييز بين النظام القضائي قبل الحماية الذي كان فيه الفقهالاسلامي والاعراف هما المطبقان مرورا بالنظام القضائي عهد الحماية الفرنسية الذي شهد مجموعة من التغيرات بحيث عمدت فرنسا إلى إلغاء القضاء القنصلي بعدما عملت على إنشاء محاكم تسير وفق منهجها ونظامها القضائي كالمحاكم العبرية، المحاكم المخزنية .
إال أن النظام القضائي المغربي ككل استعاد هيبته بعد حصول المغرب على الاستقالل، حيث عمل هذا الاخير إلى إلغاء كل تلك المحاكم فأحدث محاكم جديدة منعا المحاكم العادية، العصرية، محاكم الشغل والمجلس الاعلى. لكن القفزة النوعية التي عرفها التنظيم القضائي المغربي كانت هي إصدار ظهير 15 يوليوز 1974 الذي عمل من خلاله المشرع على إلغاء أغلبية المحاكم التي كانت سائدة، ليصبح التنظيم القضائي مكونا من محاكم الجماعات والمقاطعات والمحاكم الابتدائية ومحاكم الاستئناف والمجلس الاعلى. وفي إطار تحقيق المالئمة الدستورية التي أسس لها دستور المملكة لسنة 2011 والذي ارتقى بالقضاء إلى سلطة مستقلة على السلطتين التشريعية و التنفيذية و بما يتوافق و مبدأ الرفع من النجاعة القضائية و هو ما أكد علية جاللة الملك في العديد من الخطابات السامية خاصة خطاب 20 غشت 2009،والذي دعا فيه إلى " اعتماد خريطة وتنظيم قضائي عقالني مستجيب لمتطلبات الاصالح" و ذلك بمواصلة مشروع إصالح منظومة العدالة و تسهيل الولوج إلى مرفق القضاء عمل المشرع المغربي على تحديث الخريطة القضائية و إدخال عدة تعديالت على التنظيم القضائي سنتعرف عليها في حينها.
وفي هذا الصدد عرف التنظيم القضائي المغربي للمملكة مجموعة من التعديالت و الاضافات وذلك من أجل مسايرة التغيرات والتطورات كان من أهمها مشروع قانون رقم 15-38 المتعلق بالتنظيم القضائي الصادر في 7 يونيو 2019 والذي تمت المصادقة عليه من طرف البرلمان بتاريخ 18 دجنبر 2018 و حيث هدف المشرع المغربي من خلاله على تحديث الترسانة القضائية ومراجعة الخريطة القضائية وفق أسس جديدة تستجيب لمعايير و متطلبات النجاعة القضائية كما يهدف المشروع الجديد إلى توطيد الثقة و المصداقية في قضاء فعال نزيه بما يستجيب ومعايير دولة الحق والقانون و المؤسسات باعتباره عماد الامن القضائي والحكامة الجيدة و محفزا أساسيا للتنمية، وهو موضوع بحثي بحيث سنقوم بتسليط الضوء على أهم المستجدات التي جاء بها هذا المشروع ومعالجة بعض النقط التي نراها ضرورية وذلك من خلال التصميم التالي: ولذلك سنحاول التطرق لأهم المستجدات التي جاء بها المشروع المتعلق بالتنظيم القضائي من حيث الشكل وكذلك من حيث الموضوع.
المحور الاول: مستجدات مشروع القانون15-38 المتعلق بالتنظيم القضائي من حيث الشكل:
مما لا شك فيه أن مشروع التنظيم القضائي الجديد موضوع البحت جاء في إطار الانشطة الثقافية والعلمية التي تواكب المستجدات القانونية على الصعيد الوطني، وفي وقت يشهد فيه المغرب نقاشا واسعا بين وزارة العدل والحريات ومختلف الهيئات والفعاليات القانونية والحقوقية والسياسية والنقابية وكذا في سياق الحملة التي خاضها المشرع المغربي في اآلونة الاخيرة من أجل تحديث وتطوير الترسانة التشريعية تماشيا مع مبادئ مشروع إصالح منظومة العدالة. ومن بين أبرز التعديالت التي همت مشروع التنظيم القضائي نجد ما يلي: 5 -تم دمج الاحكام المتعلقة بنظم قضاء القرب والمحاكم الادارية ومحاكم الاستئناف الادارية و كذا المحاكم التجارية ومحاكم الاستئناف التجارية في المشروع الجديد بدل الابقاء على تلك الاحكام متفرغة في نصوص خاصة. 1 -يتضمن المشروع على أربعة أقسام: القسم الاول: يتعلق بمبادئ و مكونات التنظيم القضائي و حقوق المتقاضين
القسم الثاني: يتعلق ببيان أنواع المحاكم وتلأيفها ودرجاتها واختصاصاتها
القسم الثالث: ينصب على التفتيش والاشراف القضائي على المحاكم
القسم الرابع: يتضمن الاحكام الختامية وقد أحسن المشرع صنعا عندما عمد الى جمع شتات الخريطة القضائية بالمملكة ودمج كل الاحكام المنظمة لعمل الهيئات القضائية بدءا من قضاء القرب وصولا الى محكمة النقض وذلك في سبيل تقريب المعلومة القانونية بشكل يتيح للباحثين والدارسين في مجال القانوني من وضع اليد عليها وعدم التخبط في النصوص القانونية الكثيرة كما تسهل عمل القضاة أثناء النظر في القضايا داخل المحاكم. المحور الثاني: مستجدات مشروع القانون 15-38 المتعلق بالتنظيم القضائي من حيت الموضوع يتضمن المشروع الجديد للتنظيم القضائي بالمملكة على مجموعة من التعديالت كما أقر العديد من المستجدات على عدة مستويات ونذكر منها:
1 -المبادئ الاساسية للتنظيم القضائي
أ- عمل المشرع على التركيز بشكل هام على مبدأ استقالل السلطة القضائية على السلطتين التشريعية والتنفيذية و إقرار التعاون مع وزارة العدل فيما يتعلق بالسير الاداري للمحاكم.
ب- قيام التنظيم القضائي على مبدأ أو حدة القضاء (محكمة النقض).
ت- التنصيص على مبدأ تقريب القضاء من المتقاضين وتسهيل الولوج إلى العدالة وفعالية الادارات القضائية
ث- التنصيص على إمكانية عقد جلسات تنقلية للمحاكم ضمن دوائر اختصاصها المحلي.
2 - حقوق المتقاضين
تفعيل حقوق المتقاضين وتجسيد ما هو مرتبط بها بشأن ممارسة هذا الحق
بيان حالات التنافي والتجريح القضائي ومحاكمة القضاة
تفعيل مبدأ الحق للوصول للمعلومة القضائية و تسيرها و تتبع مسار الاجراءات و خير مثال على ذلك تطبيق "محكمتي" « MAHKAMATI »
يعتبر كل مسؤول قضائي ناطق رسمي باسم المحكمة التي ينتمي إليها.
3 -القواعد الاساسية لعمل الهيئات القضائية
التنصيص على اشتغال المحاكم بانتظام و استمرارية الخدمات القضائية
التأكيد والتنصيص على أن اللغة العربية هي لغة التقاضي و المرافعات وصياغة الاحكام مع مراعاة المقتضيات الدستورية المتعلقة بتفعيل ترسيم اللغة الامازيغية.
تفعيل مساطر الصلح في الحالات التي ينص عليها القانون
ضرورة تعليل الاحكام ولا يجوز النطق بهاالابعد تحريرها بشكل كالم اعتماد الادارة الالكترونية الاجراءات و المساطر القضائية المادة 11
تنظيم موضوع الرأي المخالف أثناء التداول
4 -التنظيم الداخلي للمحاكم
بالنسبة لمحاكم الموضوع:
o ضبط التنظيم القضائي الداخلي للمحكمة من طرف مؤسسة مكتب المحكمة طبقا للمادة 15 من المشروع
o توسيع دور الجمعية للمحكمة )المادة 55 ،51 ،55 ،)كما جاء المشروع بعدد من المستجدات في إطار التسيير الاداري للمحاكم.
بالنسبة لمحكمة النقض:
o نفس الشيء بالنسبة لمحكمة النقض فقد أوكل المشرع التنظيم الداخلي لهذه المحكمة إلى كل من مكتب المحكمة و الجمعية العامة للمحكمة وذلك مساواة مع محاكم الموضوع.
التسير الاداري للمحاكم:
o التنصيص على وحدة كتابة الضبط وكتابة للنيابة العامة
o خضوع موظفو هيئة كتابة الضبط إداريا لسلطة وزير العدل طبقا للمادة 57 من المشروع
o إشراف وزير العدل ماليا وإداريا على المحاكم وتعاون مع المسئولين القضائي نبها بما لا يتنافس واستقالل السلطة القضائية طبقا للمادة 15 من المشروع. تولي الكاتب العام للمحكمة مهام التسيير و التدبير الاداري بالمحكمة
o خضوع الكاتب العام للمحكمة لسلطة وزير العدل ومراقبته.