تقديم
يستفاد من تاريخ لأاوبئة، أن ظهور الفيروسات أمر مالزم للوجود إلانساني؛ إذ لا يكاد يمر قرن دون حدوث أزمة وبائية، تعصف باستقرار إلانسان وحريته. وتؤثر على نموه الديموغرافي. ولم يتم التعرف على أنواع الفيروساتالافي أحايين قليلة. ِجد العالج المناسب لها باستثناء تجنب العدوى والوقاية منها، وربما لم يحدث أن و حتىوإن أودت بحياة سكان مدن بـأكملها،وبنسبةكبيرة من سكان بعض الدول. ولا نجازف إذا قلنا إن لأاوبئة قد ساهمت في إضعاف إمبراطوريات كبرى. ونقلت دولا من الريادة إلى التخلف، وخلق تمجاعات كبرى،وحروبا ضخمة.
يمكن القول، دون تهويل أو مبالغة إنه فجاة، في نهاية عام 2019 وخلال النصف لأاول من عام 2020 غلقت الحدود ، لم يعد العالم "قرية صغيرة "، وإنما أ ّ ن المواطنون في دو ّ ولأاجواء، وتحص لهم وجزرهم، وأصبح الكل يخش ى هذا القادم من وحيبالعوملةإال ش يءواحد: الا وهو هذا الفيروسال "الخارج".ولم يعد ي ذي أطلق عليه "فيروس كوروناالمستجد"المسبب ملرض "كوفيد 19 ،"الذي أصبح يعبر الحدود دون كل ّ تأشيرة. وربما لأول مرة في التاريخ، لجأ العالم إلى إجراءات غير مسبوقة على مر العصور؛ فرغم خطورة هذا الفيروس،الاأن العالم واجهه بقوة وحزم. وأبىالاأن يجعله جائعا دون إشباع، و رفض العالم أن تنتهي الجائحة بتسجيل ماليين الموتى، فتجند الجميع لتقليل الخسائر ومحاصرة الوباء، رغم أن لأازمة قد خلف ّ ف إلى حدود إصدار هذا الكتاب، أكثر من سبعة ماليين مصاب وأزيد من ثالثمائة لأف قتيل، سننشر تفاصيلها ضمن هذا المؤلف. العصور، التي يستوي فيها الغنيوالفقيرفي مواجهة ّ نعم، هي المرة لأاولى على مر الفيروس، إذ لم يعد أي أحد آمن منه، ولا عاصم من انتشار الجائحةالابالتضامن.
فال القصورالمشيدة، ولا لأاسوار العالية، استطاعت إيقاف تمدد الجائحة،الابمحاصرتها في مهدها. لم يعد لأاغنياء قادرين على مغادرة دولهم. ولم تعد أي دولةتغري بالسفر إليها وإلاقامة فيها، وإنما أصبحت الدول متساوية، مع تسجيل لأافضلية للدول الفقيرة وللمناطق البعيدة عن المركز. ولم يجد لأاغنياء أمامهمالاالتضحية بالغالي والنفيس ملحاصرة الفيروس ومواجهة تبعاته الاقتصادية و آثارها على باقي الفئات - على الرغم أنهم لم يبادروا بذلكالالماما- فلم يعد المال يتبوأالامرتبة دنيا في سلم لأاولويات، السيما في ظل الغلقالمستمر للحدود والتراجع الحاد الانتاج. لا شك أن ما حدث، سيدفع إلى مراجعة الكثير من لأامور: دساتير وقوانين سيتم تغييرها وتضمينها فصولا ونصوصا جديدة؛ قوانين مالية ستعرف خانات إضافية؛ آراء دينية سيتم التوقف عندها والتأكد منها؛ مواقف سياسية ونظريات )المؤامرة مثال( ستتم مراجعتها وسيفكر فيها إلانسان أكثر من مرة قبل أن ينطقها أو ٌ يقتنع بها؛ ستتم ترقيتها مهن وأخرى ستتراجع؛ أنظمة تعليمية سيتم التفكير فيها وأخرى ستتهاوى؛ شعارات ذاتية سيتوقف رفعها وأخرى ستحتل لأاولوية؛ مشاهير وا برأس القائمة؛ الكثيرمن لأامور تغيرت ّ تواروا إلى الخلف،ومجهولون متواضعون حل وستتغير بعد انجالء الوباء، فما كنا نشاهده في بعض لأافالم التنبؤية أصبح واقعا.
وإذا لم ن نة كورونا، أمكن القول إن مع ظهور غفل الجزء المملوء من كأس مح هذه المحنة المفاجئة، قد عيدالاعتبارللثقافةوللعلم والمعرفة أ ،وازداداهتمام العديد من الناس بالدراسات ولأابحاث المتعلقة بعلم الفيروسات وبتاريخ لأاوبئة، وبدا لأاغلبيةمنهم، في ظل الحجر الصحي، متعطشين بشكل غير مسبوق للعلم وللمعرفة، عكس ما كان عليه لأامر قبل الجائحة، دون أن ننس ى تصالح الغالبية من الناس مع ا خير جليس، بعد زمن غير يسير من الهجر،
إذ ارتفع معدل ًّ الكتاب والذي صار حق القراءة والمطالعة بشكل كبير، كما أطلق عددمن النشطاء بمواقع التواصل الاجتماعي مبادرات "تحدي القراءة" للتشجيع على قراءة أكبر عدد من الكتب خلال فترة الحجر الصحي. ورغم الانعكاسات الاقتصادية والاجتماعية المؤملة للجائحة،الاأنها دفعت في بريات ا المقابل، العديد من المؤسسات الجامعية والمراكز البحثية وك ملكتبات لوضع خزاناتها من الكتب والمؤلفات والدراسات ولأابحاث، رهن إشارة الطلبة والتالميذ والباحثين، بشكل مجاني، مما سهل الولوج المعرفة بشكل متكافئ بين الجميع.
ومن بين المكاسب المهمة التي تحققت في زمن محنة كورونا- ضارة نافعة ورب - حدوث تحول رقمي انخرطت فيه بقوة المؤسسات وإلادارات العمومية، حيث شهدنا تسريع وتيرة رقمنة عدد من الخدمات العمومية، في وقت عرفت فيه العديد من الدول، تأخرا كبيرا في اعتماد هذا الورش الرقمي، فقد فرضت الوضعية الوبائية المرتبطة بجائحة "كورونا" نفسها على كثير من المؤسسات والهيئات والمقاوالت والمدارس والجامعات، التي اضطرت إلى اللجوء للوسائل الرقمية، لضمان استمرار أنشطتها عن بعد، كما أظهرت لأاهمية الملحة العتماد هذا الاختيار داخل إلادارة العمومية، السيما في ظل حجم المكاسب والمزايا التي تحققت بفضله إبان فترة ن أنه كانت ّ الطوارئ الصحية،وقد تبي تنقصنافقط إلارادة السياسية، التيمن شأنها تسريع وتيرة التحول الرقمي في كل مجال من مجالات الخدمات تلبية لحاجيات المواطنينإلاداريةوالتربويةوالاقتصادية.
يجدر التنويه أيضا أن كال من الحجر الصحي، والتدابير المرتبطة بتطبيق حالة يا بشكل ّ الطوارئ الصحية، قد أد الفت، إلى تقليص معدالت الجريمة خلال هذه المرحلة، دون أن نغفل مساهمة هذه المحنة في تحقيق منحة اجتماعية واقتصادية مهمة، تمثلت في تراجع حوادث السير بنسبة قاربت 50 في المائة، وفق ما أكدتهبيانات ن جودة الهواء علىصعيد المعم ّ وزارة التجهيزوالنقل، إضافة إلى تحس ور، بناء التقارير العلمية العديدة، التي أشارت إلى تراجع مختلف مؤشرات التغير المناخي، وتحقق ما عجزت عن تحقيقه كل إجراءات وتدابير العالم المنصوص عليها في عديد الاتفاقيات ً والمواثيق والبرتوكوالت الدولية. ا س الكرة لأارضية أخير ّ لأامر الذي ساهم في تنف ِ الصعداء، سب التلوث بفعل تقييد حركة البشر، في وقت دقت فيه نتيجة تراجع ن مرارا، تقارير المنظمات الدولية المهتمة بالمناخ، ناقوس خطر عن التغيرات المناخية، محذرةمن مخاطرها على حياةإلانسان في ظل هذه لأازمة أيضا، تم إدراك أن المجتمعات ينبغي لها أن ت ّ النصف الفارغ من الكأس أيضا؛لانههو لأاكثر طلبا عندما تحل لأازمات، ومن هنا َ أعيد النقاش حول أهمية الدول ومؤسساتها الديمقراطية، حيث تسود العدالة الاجتماعية، وتتساوى فرص الولوج إلى الحق، وتتحول من دول لأاعطيات إلى دول المؤسسات، وتبين أيضا، أن إلحاح الشعوب، في وقت الرخاء، على تحسين شروط العيش، من مستشفيات، ومدارس مجهزة، وإقرار أمن متدرب على احترام حقوق إلانسان حتى في أسوء الظروف، وتيهئ ميزانية مناسبة للبحث العلمي، وإلانكباب على ّ تحقيق الاكتفاء الذاتي الغذائي، ة،فأثناء لأازمات هو من باب الاستعداد لأوقات الشد لا يستطيع المرء أن يطالبالابالحق فيالحياة،ولا يكون لهمجال أكبرملناقشة الكثير من سياسات الحكومات وممارسات السلطة وشرعية القرارات.
علينا أن نقر أن الشعب يستفيد خلال لأازمات والطوارئ مما تم إنجازه قبلها، ويجني في خضمها ما بذرهقبل هبوبرياحها، سواءكان ذلكسلبيا أو إيجابيا. رغم بروز أهميةقطاعات الصحةولأامن والفالحةوالغذاء خلال أزمنةفيروس كورونا، فقد تبين أيضا، أنه لا يمكن للمرء أن يعيش بالاكل والشرب والنوم فقط، وإنما يحتاج أيضا للثقافة بمختلف تجلياتها من كتب متعددة لأانواع ومجالات: من أعمال فنية بكل أشكالهاوإعالم بمختلففروعه،وغيرهامنلأامورالتيمن دونها،كان سيستحيل الحجر الصحي إلى جحيم لا يطاق، تكثر فيهالمشاكل وتختل النفسيات، مما كان سيؤدي إلى صعوبة في الالتزام بهذا الحجر نفسه. وإال ما الذي كان سيفعله المرء في عزلته غير لأاكل والشرب والنوم! ربما لم توجد ظاهرة أكثر إحزانا للعالم من الواقعالذي أفرزتهكورونا، لكن في نفس الوقت لم يوجد حدث أعطى ذلك الكم الهائل من النكت والمستملحات والفيديوهات الساخرة،مثل ما برزمعفيروس كوروناومرض "كوفيد 19 ،"حتى أصبح المرء ينتقل من لحظة حزن إلى لحظة سرور بسرعة ودو ن حتى إعداد النفس لهذا التحول، ربما هي طريقة تلقائية من إلانسان، تساعده على مواجهة لأالم بالسخرية منه، ومواجهة الخوف بالاصرار على الحياة. ظهرت أيضا خلال هذه لأازمة مظاهر غريبة فيما يخص العالقات بين الدول؛ فبعدما كان قراصنة العالم في القرون السابقة، يقرصنون بواخر السالح والغذاء، استفاق العالم على أخبار تفيد أن دولة مثل تونس تشكو إيطاليا التي قامت بعملية لة بالكحول الطبي، وأن إيطاليا تشتكي دولة "تشيك"؛ لأنها ّ قرصنة لباخرتها المحم سرقت بواخرها المحملة بالكمامات،
وأن مخازن أملانيا تعرضت للسرقة من قبل مجهولين وطبعا موضوع السرقة هو معدات طبية، حنة قس على ذلك تعرض ش سويسرية كانت قادمة من السويد بدورها للسرقة، بل هناك العديد من الدول التي تزايد على بعضها البعض بخصوص المنتجات الطبية في السوق الدولية،ولأادهى من هذا وذاك، هو تحويل مسار الطائرات المحملة بالمواد الطبية بعد إقالعها بسبب مزايدة دول أخرى على حمولتها، أما بعض الدول، فقد أصدرت لأامر بعدم بيع المواد الطبية للخارج )كما فعلت الواليات المتحدة لأامريكية(، ودول أوقفت تصدير القمح اه وفشل في أن ّ سم )كما فعلت روسيا(، وأن الاتحاد لأاوروبي عجز عن أن يعكس م يمثل قيمة الاتحادالتي بني عليها،ولم يواجهلأازمةبشكل جماعي، بل لم يقو حتى على إنشاءصندوق اتحادي يعالجالتبعاتالماليةللأزمة. إنها أحداث، ووقائع، ومواقف، وقوانين، وقرارت، وتدابير حدثت خلال هذه وثق لأازمة، نرى بيقين، في مركز تكالم للدراسات ولأابحاث، أنها تستحق أن ت في مؤلفات جماعية، حفظا للذاكرة حتى تستفيد منها لأاجيال القادمة، وتجميعا ملادة علمية يمكن للباحثين أن يعتمدوا عليها أثناء إنجاز البحوث القادمة، ويمكن أن يستأنسبها المؤرخون والعلماءفيمختلفالمجالات. هي مؤلفات نصبو إلى أن تغطي كافة المجالا ت بدءا من لأادب بمختلف أشكاله، والثقافة بمختلف تمظهراتها، والقانون بشتى فروعه، والقول الديني والفسلفي وما واكبهما من سجال، والاقتصاد بأهم تحدياته، والتاريخ بأبرز أطاريحه، ولأاكيد أننا نحاول نستثنيالتعبيرات من نكتةو ّ الا فن الكايكاتوروالغرافيتيولأامثلةالشعبية،كما ّسٍّ مع ننفتح على المجال الطبي من أجل توثيق شهادات لأاطباء الذين كانوا في تما مرض ى "كوفيد 02 ،"ونوثق الخالفات بين المنظمات الصحية العالمية ورابطات لأاطباء حول البروتوكوالتالعالجية،والسجال المتزايد حول مصدريةالفيروس.
أما هذا م له الكتاب الذي نقد ، في الشق القانوني والاقتصادي والسياس ي المتعلق بالازمة الوبائية، حيث نرصد فيه أهم إلاشكالات القانونية والمشكالت السياسية والتداعيات الاقتصادية، ونوثق إلاحصاءات المتعلقة بالمصابين عالميا ومحليا، ونجمع فيه مادة خبرية تؤرخ للزمن الوبائي، ونوفر فيه وثائق قانونية أنتجت بالموازاةمع هبوبالجائحة علىالديارالمغربيةوعلى العالم قاطبة. ِد أخيرا، يمكن القول إن ما يقعبين دفتي هذا الكتاب، هو ليسك ية عن ْ ع َ تاباتب ّ جائحة كورونا، هدفها التحليل والفهم، إنما هي كتابات دونها أصحابها تفاعال مع واقعهم في خضم المعركةمعالفيروس، استهدفت أحيانا التوعية،ورامت أحيانا أخرى خر المجهودالنقدي للتنبيهوالتصحيح. ّ الاقتراح،ورغم حساسية اللحظة فإنها لم تد يتعلق لأا مر إذن بتوثيق أعمال أنتجت إبان أزمة كورونا وعنها، خلال النصف لأاول من عام 2020 ،
وسواء أصابت هذه الكتابات أو أخطأت، فإنها حققت هدفها لأاساس المتمثل في التفاعل مع واقعها، وأيضا ستحقق هدفا مهما يتمثل في توفير مادة صالحة للأبحاث العلمية مستقبال، لكن الهدف لأا هم ولأابرز بالنسبة إلينا، والذي ربما لم تكن الذات المفكرة تفكر فيه لحظة الكتابة، يتجلى في توفير مادة مكتوبة للتاريخ والذكرى، إدراكامنا بأن ما نرصدهاليوم ونعيشه، ستنظر إليهلأاجيال القادمة على أنه تاريخ مفيد لها يمكن أن تبني عليه أبحاثها، وذلك قياسا على النظرة التي نتعالم بها نحن اليوم معما نصادفهفيكتبالتاريخ فيمختلف المجالات، اعتبارا للكم الهائل من الكتاباتالتاريخيةالتياستهلكتها البشرية خلال أزمةكورونا. وإن كان هذا العمل قد استغرق منا ما ينهاز الثالثة أشهر، فإنه كان لنا خير جليس أثناء فترة الحجر الصحي، حيث تواصل من خلاله لأاساتذةالمشاركون بشكل دائم، وتناقشوا حول مواضيعه، سواء خلال عرض المواد على التحكيم العلمي، أو أثناء اللقاءات إلاعالمية "عن بعد" التي واكبته. وكما تابعالمشاهد تلك المناظرات العلمية بين لأاساتذة على الهواء، فإن القارئ سيتابع أيضا ذلك السجال العلمي فتي هذا الكتاب، إذيضم مجموع من الموادالتي تناقش بعضها البعض المحمود، بين د بطريقة غير مباشرة.
وفي ختام هذا التقديم، لا يسعنيالاأن أتقدم بالشكر الجزيل لكل من ساهم في هذا المؤلف الجماعي، أحييهم وأتمنى لهم التوفيق في مسعاهم العلمي، سواء الزمالء الذين ساهموا بدراساتهم العلمية وتطوعوا بأوقاتهم، ّ ولم يملوا من إعادة تدقيقها وتزويدها بآخر ما استجد في موضوعها، أو الذين راجعوها وأبدوا حولها مالحظاتهم ّ قصد المراجعة، أو الذين دققوا الدراسات من حيث اللغة، وسواء الذين ساهموا في إخراج الكتاب وتصميمه وإعداده للنشر، وسواء الذين تفضلوا بنشره. و تحية خاصة للزميل لأاستاذ ادريس جردان الذي ساهم في تنسيق أعمال المؤلف، وللزميل لأاستاذ أحمد مفيد الذي جاءت فكرة إعداد الكتاب من وحي ّ التواصل معه والذي واكب العمل طيلة فصوله ولم خر التوجيهوالاقتراح،ولل يد فريق الذي انتدبه المجلس العلمي ملركز تكالم للدرسات ولأابحاث ملواكبة أعمال التوثيق، وهم لأاساتذة: دة.نجاة العماري، د.ادمحم العيساوي، دة.ليلى الرطيمات، دة.أسماء فراح، د.سعيد الحاجي،د.ربيعأوطال،د.حفيظ هروس،د.إسماعيل أوقادي.