أطروحة لنيل شهاد الدكتوراه بعنوان التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
رابط التحميل اسفل التقديم
_______________________
تقديم
....
أما فيما يخص مفهوم الحكامة، فقد شاع استخدام هذا المصطلح في أدبيات الإدارة العامة والسياسات العامة والحكومات المقارنة، منذ العقد الأخير من القرن الماضي، وجاء في سياق عالمي يتسم بهيمنة صبغ التعامل الدولي بمفاهيم الخوصصة والعولمة التي تسير في اتجاه تنميط حياة الدول والمجموعات والأفراد. خاصة بعد فشل سياسات الإصلاح بالدول النامية .
وبالمغرب، برز مصطلح الحكامة الجيدة في ظل بروز مجموعة من التغيرات التي عرفتها بنيات الدولة كامتداد للتغيرات الدولية، والتي تتجسد في تراجع دور الدولة. في مقابل فسح المجال أكثر الفاعلين جدد من جهة، ومن جهة أخرى، جاء المفهوم في سياق يتميز فيه التدبير العمومي بالمحدودية والرداءة.
وعلى هذا الأساس، فقد كانت الحكامة الجيدة نتاجا للعديد من الظروف والإكراهات ذات الطبيعة الدولية والوطنية، التي فرضت على الدول النامية تبني الحكامة الجيدة كالية لتحقيق التنمية بها.
وكغيره من المفاهيم التي يتم ترجمتها من اللغة الإنجليزية أو الفرنسية إلى اللغة العربية، تعترض الحكامة الجيدة la bonne gouvernance عدة إشكالات، فيما يخص تحديد واضح وجامع، وأبرزها عدم وجود ترجمة واحدة متفق عليها ال، بالإضافة إلى تعدد التعاريف التي تختلف باختلاف المؤسسات الدولية، حيث لوحظ وجود عدة
ترجمات لهذا المفهوم من قبيل الحكم، والحكم الصالح، والحكم الراشد، وإدارة الحكم. والإدارة المجتمعية والحكمانية والحوكمة والحكامة والحكامة الجيدة ......
فهناك من يرى أن مصطلح الحكامة في اللغة العربية مشتق من كلمة حكم. بمعنى الفصل في أمر أو نزاع بين طرفين، ومصدره الحكم، وهو المنطوق الصادر عن شخص أو هيئة حاكمة، في حين يذهب البعض الآخر، إلى أن مصطلح الحكامة مشتق من كلمة الحكمة، مما يتيح المجال الاعتبارها مبادئ سامية الرحمة فوق العدل، أو المصلحة العامة في القضاء، والعدل هو أحد معاني الحكمة.
ويطرح مفهوم الحكامة ، في تعريفه إشكالية تعدد العناصر والأبعاد المكونة المختلف التعاريف التي أعطيت له، سواء من لدن المنظمات الدولية أو من خلال بعض الأدبيات الفقهية، وذلك بالنظر إلى نوعية المقاربة المعتمدة في تعريفه.
فالمقاربة السياسية للمفهوم "، يتزعمها كل من الاتحاد الأوروبي، والولايات المتحدة الأمريكية وكنداء وذلك نظرا للترابط القوي بين الحكامة والديمقراطية. وترى هذه
المقاربة، أن الحكامة قائمة على الديمقراطية الليبرالية، وبالتالي فلا بد من إقامة نظام ديموقراطي من أجل الاستفادة من المساعدات التنموية فحسب هذا الإتجاه، تعتبر الحكامة وسيلة لتحقيق الفعالية والتسيير النزية للشؤون العامة لإقامة الدولة الحقوقية التي تحترم فيها حقوق الإنسان والمبادئ الديمقراطية، وهو ما صرح به الرئيس الفرنسي جاك شيراك في قمة فرنسا - إفريقيا المنعقدة بواجا دوجو البوركينابية سنة 1996، على أن المبادئ الأساسية للحكامة هي قبل كل شيء التسيير الجيد والرشيد للشؤون العامة الذي يحترم من خلالها حقوق المواطنين، ويأخذ بعين الاعتبار العدالة الاجتماعية ويضمن بصورة جيدة الوظائف الرئيسية للدولة، كما يعطي لجميع الأفراد حظهم في
تسيير البلاد.
في حين تربط المقاربة الاقتصادية التنموية مفهوم الحكامة بالتنمية الاقتصادية وتسييرها وتتزعمها المؤسسات الدولية والوكالات التعاونية والمتعددة الأطراف، وعلى رأسها البنك العالمي وصندوق النقد الدولي، وتعتبر هذه المقاربة مصطلح الحكامة مجرد تقنية إدارية لتسيير عملية التنمية فالبنك الدولي، يعرف
الحكامة بالاعتماد على هذه المقاربة على أنها " الحالة التي من خلالها تتم إدارة الموارد الاقتصادية والاجتماعية للمجتمع بهدف التنمية ..
وعليه، يمكن تعريف الحكامة على أنها مقاربة عصرية في صنع القرار والتدبير الجيد للشأن العام، تعتد بتطوير المفاهيم التقليدية المستعملة في مجال التدبير، وهي تعبر عن ممارسة السلطة السياسية وإدارتها لشؤون المجتمع بمستوياته الترابية، الوطنية والعالمية والموارد المختلفة عن طريق منهجية للعمل المتعدد الأطراف السلطات عمومية، قطاع خاص ومجتمع مدني)، وعن طريق آليات للفعل تعتمد معايير حكمانية من قبيل المشاركة والمشروعية والشفافية والمسؤولية، وذلك لهدف عام هو تحقيق شرط التنمية، بأبعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية، وهي بذلك عبارة عن آلية تتطلب تعدد الأطراف المتدخلة، والتنوع في الأسس والمرجعيات المعتمدة التي تقوم من جانب على وضع مبادئ للحكامة الجيدة 14، تجد أصولها وعناصرها المرجعية في عمل وتوجهات المنظمات والهيئات الدولية، ومن جانب آخر، تقوم على تحديد الشروط التي ستجعل منها مقومات مرجعية وعامة في أكثر من مستوى.
فالجماعات الترابية، أصبحت اليوم مطالبة أكثر من أي وقت مضى، باستحضار مبادئ وشروط الحكامة الجيدة، من أجل تحقيق التنمية الترابية وبتدعيم الاقتصاد الوطني المواجهة الإكراهات الداخلية، كما أنها لم تعد مطالبة بالانفتاح الداخلي فحسب. بل على المستوى الدولي أيضا، وما تفرضه متطلبات العولمة من خلال الدخول في
تنافسية اقليمية ودولية.
لكل ما سبق، تطرح إشكالية مدى تبني المغرب الآليات الحكامة المالية، لتجاوز الاختلالات التي يشهدها التدبير المالي للجماعات الترابية.
هذا الإشكال يفرض الإجابة عن مجموعة من الأسئلة الفرعية التالية:
ما هو واقع التدبير المالي الترابي؟ وماهي الإكراهات والحدود التي يعرفها ؟
ما هي مختلف تأثيرات محدودية التدبير المالي الترابي على واقع الجماعات
الترابية؟ وكيف تنعكس على مالية الدولة؟
وكيف ساهم الدستور والقوانين التنظيمية للجماعات الترابية في تقوية تدبيرها؟
وما هي مختلف أسس الحكامة المالية الترابية؟
ثم كيف يمكن تجويد تدبير مالية الجماعات الترابية؟
هذا الإشكال الرئيسي، فرض معالجته على ضوء فرضيتين أساسيتين هما:
الفرضية الأولى: إن اعتماد اليات الحكامة المالية هي السبيل الوحيد لتجويد
التدبير المالي الترابي.
الفرضية الثانية: إذا كانت الحكامة تقوم على عدة أسس، كالمساواة والمشاركة
والنجاعة وسيادة القانون والمسؤولية والمحاسبة، فإن تقوية وتجويد التدبير المالي الترابي يستلزم اليات أخرى غير الحكامة المالية مرتبطة أساسا بالمحيط القانوني
والبشري والتكبيري.
والمعالجة الموضوع توظيف بعض مناهج البحث لتحليل الإشكالية المطروحة، فقد تم توظيف المنهج التاريخي، من خلال تتبع التطور التاريخي أمالية الجماعات الترابية والسياق التاريخي لظهور مفاهيم التدبير والحكامة في القطاع
الخاص، وانتقالها إلى القطاع العام، خصوصا الجماعات الترابية.
ومن أجل فهم، وظيفة كل نسل داخل منظومة التدبير، تم توظيف المنهج النسقي، وهو منهج يعتمد على تتبع العناصر الثابتة في التدبير المالي للجماعات
الترابية، وكذا العناصر المتغيرة منذ تبنى خيار اللامركزية الإدارية والمالية بالمغرب.
إضافة إلى المنهج الوظيفي، الذي يقوم على معرفة وظائف وأدوار مختلف الفاعلين على الصعيد الترابي، ومدى تأثيرهم في صناعة القرار المالي الترابي حيث
30
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة.
لا يمكن الوقوف عند الأسباب الجزئية في تعثر مسار إصلاح مالية الجماعات الترابية. بل يستدعي هذا الأمر تفسير الظواهر في إطارها الشامل، على اعتبار وجود علاقة
جدلية بين أسباب إخفاق السياسات العمومية الترابية، وأزمة المالية الترابية.
والمعرفة مستوى تطور مالية الجماعات الترابية، وأدائها وحصيلتها وبحث سبل
دعمها، تمت الاستعانة بالمنهج المقارن من خلال المقارنة مع بعض التجارب
المتقدمة في مجال اللامركزية الإدارية والمالية، خصوصا التجربة الفرنسية.
وتبعا لذلك، فقد تم معالجة الموضوع من خلال اعتماد التصميم التالي:
القسم الأول واقع التدبير المالي للجماعات الترابية.
الفصل الأول: ضعف تكبير الموارد المالية للجماعات الترابية.
الفصل الثاني: إشكالية تدبير الإتفاق الترابي.
القسم الثاني: آفاق تقوية وتجويد التدبير المالي الترابي.
الفصل الأول: القوانين التنظيمية للجماعات الترابية، وملاءمتها لمبادئ الحكامة المالية.
الفصل الثاني: أفاق التدبير المالي الترابي.
__________________
رابط التحميل
https://drive.google.com/file/d/1KY2pijR5X75r3j6dHhHdkpc0QMYiYn1U/view?usp=drivesdk