الدعوى العمومية في القانون المغربي و مهام النيابة العامة
المحور الأول: الدعوى العمومية. أولا: ماهية الدعوى العمومـيـة. ثانيا: سقوط الدعوى العمومية . ثالثا: تقادم الدعوى العموميــة . المحور الثاني: النيابة العــــامة. أولا: خصائص النيابة العامـة. ثانيا: اختصاص النيابة العامة. ثالثا: مهــام الــنيابة العـــامة.
المحور الأول: الدعوى العمومية
أولا: ماهية الدعوى العمومية:
1- مفهوم الدعوى العمومية:
الدعوى العمومية حق ينشأ للمجتمع في المطالبة بتوقيع العقاب على مرتكب الجريمة، نتيجة ما سببه هذا الأخير من ضرر عام، و ينوب عن المجتمع في هذه المهمة النيابة العامة كأساس.
إنها الوسيلة القانونية التي تملكها النيابة العامة للمطالبة بتوقيع العقاب على مرتكب الجريمة أمام القضاء الجنائي .
و انطلاقا من مقتضيات المادة الثانية من ق م ج يمكن تعريف الدعوى العمومية بأنها:“ حق الدولة في ملاحقة من تعتبره مرتكبا لجريمة، و تقديمه للقضاء قصد توقيع الجزاء الجنائي عليه“ إنها :“ وسيلة من وسائل تطبيق العقوبات، تستهدف القضاء على الاضطراب الاجتماعي.“
فالدعوى العمومية إذن هي مجموعة من الإجراءات التي تهدف الكشف عن الحقيقة وإقرار سلطة الدولة في العقاب .
2- الجهة المكلفة بتحريك الدعوى العمومية
تقتضي الدعوى كمفهوم قانوني بداهة وجود طرفين أحدهما مثير للدعوى والثاني مثارة ضده، و قد خول ق م ج للنيابة العامة سلطة تحريك الدعوى العمومية – المادة الثالثة من ق م ج –
كما منح المشرع حق تحريكها لبعض الجهات كما هو الشأن بالنسبة ل:
* المتضرر من الجريمة أو المجني عليه – المادة 3 و 92 و ما بعدها من ق م ج –
* بعض الموظفين الذين أوكلت إليهم المادة 3 من ق م ج مهمة إقامة الدعوى العمومية - كإدارة الجمارك : الفصل 249 من مدونة الجمارك ، مأمورو المياه و الغابات، قضاء الحكم= جرائم الجلسات ،الغرفة الجنائية لدى المجلس الاعلى -
أما الطرف الذي تثار الدعوى العمومية ضده فهو الجاني كقاعدة عامة أو الفاعل الأصلي بالإضافة إلى كل مشارك و مساهم تتبث مشاركته في الفعل الجرمي.
كما يتضح من خلال الوقوف عند مجموعة من فصول القانون الجنائي أن مناط المتابعة هو المسؤولية الجنائية الشخصية، ولو لم يتحقق في الفاعل وصف المساهمة أو المشاركة كما يحددهما القانون، ويستوي أن يكون شخصا طبيعيا أو معنويا (م 127ق.ج) ولا يشترط فيه إلا أن يكون معلوما غير مجهول إذ لا تجوز متابعة مجهول.
غير أن تتبع النصوص القانونية المنظمة لموضوع الدعوى العمومية يحيل لوجود مجموعة من القيود التي تغل يد النيابة العامة عن تحريك الدعوى العمومية منها ما هو دائم، و منها ما هو وقتي تستعيد معه النيابة العامة سلطة تحريك الدعوى العمومية متى تحقق الشرط أو زال المانع .
ثانيا: سقوط الدعوى العمومية
يقتضي قيام الدعوى العمومية شروطا معينة: منها وجود شخص معين تقام الدعوى العمومية ضده، و ضرورة وجود مقتضيات قانونية تجرم الفعل المقترف، فإذا انتفى أحد هذه الشروط لأسباب معينة كان مصير الدعوى العمومية السقوط بقوة القانون، وقد حددت المادة 4 من ق م ج أسباب سقوط الدعوى العمومية وفق الشكل التالي:
1 – بوفاة الشخص مرتكب الفعل الجرمي: لأن المسؤولية الجنائية شخصية.
2 – بعد تقادم الدعوى العمومية.
3 – بعد صدور عفو شامل أو خاص على الجاني.
4 – بنسخ المقتضيات القانونية التي تجرم الفعل.( الفصل 5 من ق ج:“لا يسوغ مؤاخذة أحد على فــــعل لم يعد يعتبر جريمة بمقتضى قانون صدر بعــــد ارتكابه..“).
5 – بصدور مقرر اكتسب قوة الشيء المقضي به.
6 – بالصلح بين الجاني و المشتكي عندما ينص القانون صراحة علــــى ذلك. ( المواد من 273 إلى 277 من مدونة الجمارك).
7 – بتنازل المشتكي عن شكواه إذا كانت الشكوى ضرورية لقيام المتابعة.
ثالثا: تقـــــــادم الــــــدعوى العمومية
أوردت المادة 5 من ق م ج مددا للتقادم تختلف باختلاف التكييف القانوني للأفعال المرتكبة، فهي مدد تطبق على الجرائم باعتبار وصفها، وفق التفصيل التالي:
1 – 20 سنة ميلادية كاملة بالنسبة للجنايات.
2 – 05 سنوات ميلادية كاملة بالنسبة للجنح.
3 – سنتين ميلاديتين كاملتين بالنسبة للمخالفات.
مع الإشارة إلى أنه إذا كانت ظروف التشديد تغير الوصف القانوني للجريمة فإن مدة التقادم تحسب على أساس الوصف الجديد في حين أن الأعذار القانونية المخففة و ظروف التخفيف لا تغير من وصفها القانوني وبالتالي تحسب على أساس الوصف الأول، على أن لا يحسب في كافة الأحوال يوم افتتاح الاحتساب ولا يوم اختتامه، اعتبارا لنص المادة 750 من ق م ج التي تجعل كل الآجال المحددة فيه آجالا كاملة .
ويمكن قطع أمد تقادم الدعوى العمومية بكل إجراء من إجراءات التحقيق أو المتابعة تقوم به السلطة القضائية - المادة 6 من ق م ج -، كما يتوقف هذا الامد فيما إذا كانت استحالة إقامة الدعوى العمومية ترجع للقانون نفسه كحالة الفصل 475 من ق ج التي تلزم بتأخير الحكم على من اختطف قاصرة و تزوج بها، إلى حين صدور الحكم ببطلان هذا الزواج من المحكمة المختصة
المــحور الثاني: جهاز الـــنــــــيابة الــعـــــــــــامـــــة في المغرب
تعتبر النيابة العامة شعبة أصيلة من شعب السلطة القضائية، تعمل تحت سلطة وزير العدل و تملك بمقتضى القانون سلطات واسعة تعمل من خلالها على ترسيخ العدالة و تعزيز احترام حقوق الإنسان و حرياته الأساسية بموازاة مع دورها في حماية المجتمع بمنع الجريمة و مكافحة المجرمين، بفضل ممارستها للدعوى العمومية.
أولا: خصائص النيابة العامة 1- تسلــسل جهـــاز النيـــــــــابة
تعمل النيابة العامة تحت الرئاسة المباشرة لوزير العدل.
و يترأسها على مستوى كل دائرة استئنافية السيد الوكيل العام للملك الذي يوجد في قمة هرم يتشكل كما يلي:
مـــحاكم الاستـــــــئناف :
- الســيد الوكــيل العـــام للملــــك.
- السيد النائب الأول للوكيل العام.
- الســادة نــواب الوكيل العـــام .
المـــــحاكم الابتدائية :
- السـيد وكــيل المـــــــلك.
- السادة نواب وكيل الملك.
غير أن تسلسل جهاز النيابة العامة لا يمس مبدأ استقلال السلطة القضائية الذي يضمنه الدستور (ف :107) و يكفله النظام الأساسي لرجال القضاء(ف:1) و إنما يكرس التكامل الذي يطبع عملها.
2- استـــــــقلال جهــــــــــاز النـــــــيابة العـــــــامة
يتجسد هذا الاستقلال من خلال ممارسة أعضاء النيابة العامة لمهامهم بمنأى عن كل تدخل.
و يترتب على استقلال النيابة العامة اتصافها بثلاث صفات مميزة إضافية:
* عدم إمكانية تجريحها(ف:274 من ق.م.ج).
* عـــدم مــسؤولـــيتــــها.
* و عدم التزامها بمطالبها.
3- وحدة النيابة العامة
يعني أن أي عضو يمكنه حضور أي جلسة في أي طور من أطوارها، كما أنه يمكن لأي عضو إتمام إجراءات بدأها أعضاء آخرون، دون أن يؤثر ذلك على سلامة الإجراءات، و يكرس مبدأ الوحدة عامل التكامل الذي يبرز النيابة العامة كمؤسسة تطغى مهمتها الوظيفية على الشخصية المستقلة لأعضائها دون أن يمس ذلك قيود اختصاصها.
ثانيا: اختصاص النيــــابة الـــعامة
يمكن تقسيم عمل النيابة العامة بمناسبة إقامة و ممارسة الدعوى العمومية إلى اختصاص نوعي و اختصاص محلي:
1- الاخــــــــــــــــتصاص المــــــــــــــــحلي:
تتمتع النيابة العامة بمحاكم الاستيناف بالولاية على مجموع الدائرة الاستينافية، في حين تقتصر ولاية النيابة العامة لدى المحاكم الابتدائية على حدود الدائرة الابتدائية.
2- الاخــتـــــــــــــــــــصاص النـــــــــــــــــوعي
يرتبط الاختصاص النوعي بالوصف القانوني للجريمة المرتكبة، فإن تعلق الأمر بجناية انعقد اختصاص إقامة و ممارسة الدعوى العمومية للنيابة العامة لدى محكمة الاستيناف، أما إن وصف الفعل بالجنحة أو المخالفة فإن السيد وكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية يكون هو المختص بإقامة و ممارسة الدعوى العمومية.
ثالثا: مهـــام الــــــنيابة الــــــــــــعامة
ترتبط معظم المهام التي تمارسها النيابة العامة بالدعوى العمومية، فهي التي تقوم بتحريكها أساسا، ولها هي فقط حق ممارستها و مراقبتها من خلال ما تتلقاه من شكايات و وشايات و محاضر.
تعتمد في تحريك الدعوى العمومية على عدة وسائل:
- كالاستدعاء المباشر.
- الإحالة المباشرة .
- المطالبة بإجراء تحقيق.
أما ممارستها للدعوى العمومية فتقتضي حضورها لجميع الجلسات الزجرية، لأنها تعتبر عضوا في تشكيلة المحكمة، و هذا الحضور يكون واجبا في جميع مراحل الدعوى، و ليس فقط خلال جلسة النطق بالحكم – المادة 37 من ق م ج -، كما أنها تتناول الكلمة لتقديم ملتمساتها. و يجب أن يتضمن الحكم الإشارة إلى هذه الإجراءات تحت طائلة البطلان.
- يمكن للنيابة العامة المطالبة بتطبيق العقوبات المقررة في القانون.
- يمكنها التقدم بجميع المطالب التي تراها صالحة لفائدة القانون.
- تمارس النيابة العامة طرق الطعن ضد المقررات الصادرة سواء عن قضاء التحقيق، أو قضاء الحكم في الحدود و حسب الشكليات المقررة قانونا.
- تتولى مراقبة و تسيير الشرطة القضائية = التسيير يعني السلطة الفعلية في الإدارة و تشمل جميع المهام المناطة بالشرطة القضائية.
و خاصة مراقبة إجراءات الحراسة النظرية.
كما أوكل ق م ج للنيابة العامة مهمة تنفيذ الأحكام، حيث قررت المادة 37 منه حق النيابة العامة في السهر على تنفيذ المقررات القضائية، وجعلت المادتين 40 و 49 من نفس القانون ضمن اختصاصاتها السهر على تنفيذ أوامر قاضي التحقيق أو قاضي الأحداث، وكذا تنفيذ مقررات الغرفة الجنحية، وهيئات الحكم.