التقادم المسقط في القانون المغربي

مجموعة مواضيع في النظرية العامة للالتزام في القانون المغربي لإنجازالبحوث والتحضير للمباريات القانونية

التقادم المسقط في القانون المغربي
/p>

يدل التقادم عموما في المعاملات المدنية على مضيمدة معينة من الزمن، فإذا صاحب هذا الزمن فعل إيجابي كحيازة حق عيني؛ اكتسب بموجبه الحائز هذا الحق، أما إذا صاحبه مجرد عمل سلبي كالسكوت عن المطالبة بحق شخصي؛ سقط بموجبه حق الدائن في استحقاق هذا الحق.

أما التقادم في المادة الجنائية؛ فكل ما يهدف إليه هو التسليم بسقوط حق الدولة في المتابعة أو في العقاب بسبب مرور الوقت، يكون معه المجتمع تناسى الفعل الجرمي، ولم يعد بحاجة لفتح جرح قد تعافى منه، وبالتالي يكون من مصلحة المجتمع ترك الدعوى العمومية أو ترك تنفيذ العقوبة المحكوم بها.

وبالنسبة لنوع التقادم الذي يهمنا في بحثنا هذا والذي يسمى بالتقادم المسقط أو المنهي للحقوق، فقد يبدو للوهلة الأولى أنه طريق قانوني للنصب على حقوق الأشخاص واغتصابها بدون رضاهم، وذلك بسبب ما يؤدي إليه من زوال الحقوق، كانقضاء حق شخصي مثلا دون أن يقوم المدين بالوفاء به، فقط لأن الدائن لم يطالب به عن طريق القضاء خلال مدة زمنية يحددها القانون.

وقد يبدو هذا الإعتراض صحيح ظاهريا، لأن الزمن ليس من شأنه إهدار الحقوق.

إلا أن الحالات التي يؤدي فيها مرور الزمن إلى ضياع الحق على صاحبه نادر الحدوث، والنادر لا حكم له.

كما أن من يشكو من ضياع حقه بسبب التقادم، يمكن مجابهته بضرورة تنفيذ الالتزمات التي ربما سقطت عن أجداده بالتقادم، فالغرم بالغنم.

لذا فإن التقادم المسقط مؤسسة حقوقية لا غنى عنها، لقيامه على اعتبارات متعددة اجتماعية واقتصادية وأمنية، حيث لولا التقادم لاضطرت المحاكم إلى سماع القضايا التي مر عليها زمن طويل، مع ما ينتج عن ذلك من اضطراب وتشويش وإرهاق للمتقاضين بسبب اندثار الأدلة مع مرور الزمن.

فنظام التقادم يعمل على استقرار المعاملات والأحوال، وبالتالي فهو يقوم على فكرة وجوب احترام الأوضاع المستقرة التي مضى عليها ردح من الزمن، ولهذا نجد أغلب التشريعات أجازته في المعاملات المدنية، من بين هذه التشريعات التشريع المغربي؛ والذي نظمه في الباب السابع من القسم الخاص بانقضاء الإلتزامات في الفصول من 371 إلى 392 من قانون الإلتزامات والعقود المغربي.

من هذا المنطلق يحق لنا التساؤل عن كيفية تنظيم التشريع المدني المغربي لنظام التقادم المسقط.

سواء من حيث مجاله أو من حيث مدده أو من حيث كيفية إعماله وآثاره وغيرها من الإشكاليات التي سنجيب عليها من خلال بحثنا هذا.

فماهو المقصود إذن بالتقادم المسقط؟ وما هي الأسس والإعتبارات التي يقوم عليها؟ وما علاقته بالنظام العام؟ وكيف يمكننا إعماله والتمسك به؟ وماهي المدة اللازمة لسقوط مختلف الحقوق المدنية؟ وكيف نقوم بحساب هذه المدة؟ وأخيرا ماهي الآثار القانونية التي يرتبها هذا النوع من التقادم؟ للإجابة عن هذه التساؤلات، سنعتمد المنهج الوصفي وفقا للتصميم الآتي: الفصل الأول: الإطار المفاهيمي للتقادم المسقط المبحث الأول: تعريف التقادم المسقط وتمييزه عن ما يشابهه المبحث الثاني: أساس التقادم المسقط وكيفية إعماله الفصل الثاني: النظام القانوني للتقادم المسقط المبحث الأول: حساب مدة التقادم والإجراءات الواقفة والقاطعة له المبحث الثاني: آثار التقادم المسقط وآجاله في التشريع المغربي الفصل الأول: الإطار المفاهيمي للتقادم المسقط يقوم التقادم المسقط على فكرة قوامها الحرمان من الحقوق لعدم استعمالها وعدم المطالبة بها بعد مضي الزمن القانوني.

وبالتالي قد يظهر أنه مجرد وسيلة لإسقاط واغتصاب الحقوق باسم القانون، لذا فمن الأهمية بمكان تبيان الأسس والإعتبارات التي تبرر أخذ مختلف التشريعات في العالم بالتقادم المسقط (المبحث الأول)، لكن قبل ذلك سنقوم بتحديد أصل ومفهوم هذا النوع من التقادم وتمييزه عن ما يشابهه من المفاهيم القانونية (المبحث الثاني).

المبحث الأول: تعريف التقادم المسقط وتمييزه عن ما يشابهه نظرا للأهمية الكبيرة التي يحضى بها التقادم، فقد اختلفت التعاريف الواردة بشأنه بين القانون الوضعي وفقهاء الشريعة الإسلامية وفقهاء القانون بإعتباره من أهم المبادئ الأساسية التي وضعت لتيسير حياة الأشخاص (المطلب الأول)، فهو نظام قانوني قائم على انقضاء مدة من الزمن تترتب عنه في نهايتها آثر قانوني، لذا فقد يختلط مفهومه مع مجموعة من الأنظمة القانونية المشابهة من ناحية ترتيب الآثار أو من ناحية مضي الزمن، لذا وجب تمييز التقادم المسقط بين هذه المفاهيم المشابهة (المطلب الثاني).

المطلب الأول: مفهوم التقادم المسقط لم يحدد المشرع المغربي في ق.

ل.

ع أثناء تناوله لأحكام التقادم تعريفا للتقادم المسقط، وإنما اكتفى فقط بتحديد آثاره في الفصل 371 كما سنرى في ما بعد، وهو توجه محمود ما دام أن تحديد المفاهيم هي من وظيفة الفقه وليس القانون، لهذا سنتناول مفهومه الفقهي أولا في فقرة أولى، على أن نستعرض لمحة تاريخية عنه في فقرة ثانية.

الفقرة الأولى: تعريف التقادم المسقط التقادم لغة: جاء من قَدُمَ يَقدُم قِدَماً وقَدامة، أي القديم والقِدم: وهو نقيض الحدوث، والتقادم: يضم الدال من قَدُم: بمعنى مضي الزمن الطويل على وجود الشيء، وتقادم الدعوى (Prescription) يعني مرور مدة طويلة – يحددها النظام – على الدعوى دون أن يحركها صاحبها.

أما بالنسبة للتعريف الإصطلاحي للتقادم المسقط فقد ورد في القوانين الوضعية واختلف حوله الفقهاء القانونيون، أما الفقهاء المسلمون فلم يُعرف لديهم هذا النوع من التقادم، واكتفوا فقط بالتعريف اللغوي.

ومن بين التعاريف التي توصلنا إليها أثناء البحث: - التقادم المسقط عبارة عن مضي مدة معينة على استحقاق الدين دون أن يطالب به الدائنين فيترتب على ذلك سقوط حقه في المطالبة إذا تمسك بالتقادم من له مصلحة فيه.

- هو الدفع الموجه إلى دعوى الدائن يؤدي إلى سقوط حق المطالبة بالدين إذا تمسك به من له مصلحة فيه.

- هو انقضاء الحق إذا مرت عليه مدة معينة دون أن يطالب به الدائن أو دون أن يستعمله صاحبه.

- جاء في المادة 2219 من القانون المدني الفرنسي أن التقادم هو وسيلة للكسب أو للتحرر بمرور مدة زمنية، وبحسب الشروط المحددة قانونا.

فالمشرع الفرنسي هنا جمع بين التقادم المكسب والمسقط في تعريف واحد، عكس المشرع المغربي الذي فرق بينهما فأورد آثار التقادم المسقط في القسم الخاص بانقضاء الإلتزامات في الفصل 371 من ق.

ل.

ع حيث جاء فيه أن التقادم خلال المدة التي يحددها القانون يُسقط الدعوى الناشئة عن الإلتزام.

وبالتالي يظهر من خلال هذه التعاريف أن التقادم المسقط عبارة عن مضي مدة معينة مقررة في القانون، يسقط بعد انقضائها استحقاق الحق، في حالة تمسك المدين بهذا التقادم، وذلك بسبب عدم مطالبة الدائن بحقه أو عدم استعمال الحق خلال المدة المقررة قانونا.

الفقرة الثانية: الأصل التاريخي للتقادم المسقط المصادر التاريخية للتقادم في القانون المدني الفرنسي - والذي يعتبر بدوره مصدرا رئيسيا للتقنين بالمغرب – هو القانون الروماني وقانون الكنيسة والعادة الجرمانية والأوامر الملكية، فقد ظهر التقادم في القانون الروماني في البداية كسبب مكسب للملكية، وقد كان الحائز لملك عقاري مدة من الزمن يحتج كوسيلة دفاع ضد المالك الذي ضل زمنا طويلا مهملا لملكيته.

لذلك أصدر الإمبراطور تيودوس سنة 424 ق.

م.

قانونا قرر فيه أن الدعاوى الشخصية والعينية تتقادم في الأصل بمرور ثلاثين سنة وبعضها استثناء بمرور أربعين سنة.

وظل هذا القانون لعصور طويلة لا يقر بانقضاء الإلتزامات بالتقادم المسقط، وإنما يخول اكتساب الملكية القائمة على أساس الحيازة طويلة المدة، والمالك الذي يهمل ملكه ولا يطالب به أثناء المدة المحددة للتقادم، لايستحق الحماية ويجب تفضيل الحائز المجتهد عليه.

لذا فقد كان الجمع بين التقادم المكسب والمسقط في هذا القانون سببا إلى الخلط وعدم التفريق بينهما، ومن خلال بعض المدونات للقوانين الرومانية كمجموعة جوستيفان انتقل هذا الخلط إلى القانون المدني الفرنسي، الذي أخذ بالتقادم الثلاثيني الذي عرفه القانون الروماني، إلا أن العادات الجرمانية التي كانت تجعل التقادم سنة واحدة، والقانون الكنسي الذي أقام التقادم على قرينة الوفاء، والأوامر الملكية التي خلقت كثيرا من مدد التقادم القصيرة، كلها أمور خلفت مدد تقادم قصيرة في القانون الفرنسي.

أما بالنسبة للفقه الإسلامي فالفقهاء المسلمون لا يقرون بالتقادم بنوعيه، المكسب والمسقط، تأسيساً على الحديث الشريف "لا يبطل حق امرئ وان قدم".

فيترتب على ذلك ان الاصل هو ان الحق لا يكتسب ولا يسقط بمرور الزمان، فوضع اليد على غير المباح من الاشياء لا يكسب عليه حقاً مهما طال الزمن، كما ان ترك المطالبة بالحق لا يسقط الحق.

على ان المتأخرين من فقهاء الحنفية والمالكية قد اخذوا بمبدأ مرور الزمان، لا كمكسب للحق أو مسقط له، بل كمانع من سماع الدعوى الذي مضت عليه مدة طويلة.

وأما الحق فباق على حاله، فما يسقط اذن هو الدعوى وليس الحق نفسه.

لذلك فمنهج الإسلام الحنيف في مجال الحقوق وفي مجال الدعاوى كوسيلة لصيانة هذه الحقوق يقوم على أساس أن الإنسان مستخلف في الأرض وأن الملك لله وأن الحق حتى ولو كان حقا خالصا للعبد لا يخلو من حق الله تعالى، ولهذا فلا تسلم أحكام الشريعة الإسلامية بالتقادم كوسيلة لكسب الحقوق أو كدفع بسقوط هذه الحقوق.

المطلب الثاني: تمييز التقادم عن غيره من المفاهيم المشابهة دائما ما يعبر فقهاء القانون الطبيعي على أن التقادم هو آلية لاكتساب أو ضياع حق ملكية شيء أو أي حق آخر بمرور الوقت.

لذا وجب التمييز وعدم الخلط بين التقادم المكسب والتقادم المسقط للحق (الفقرة الأولى)، كما أن هذا الأخير كثيرا ما يختلط بنظام سقوط الحق (الفقرة الثانية)، مما يتطلب منا تمييز التقادم المسقط عن هذه المفاهيم المشابهة ومن بينها أيضا مفهوم الآجل الفاسخ (الفقرة الثالثة).

الفقرة الأولى: الفرق بين التقادم المسقط والمكسب التقادم عموما هو مضي مدة معينة من الزمن؛ فإذا اقترن هذا الزمن – المحدد قانونا – مع عمل سلبي كالسكوت عن المطالبه بالحق أو عدم إستعماله سقط هذا الحق بالتقادم المسقط، أما إذا اقترن بعمل إيجابي كحيازة حق عيني فإنه يُكتسب من قبل الحائز بالتقادم المكسب.

لذلك فإن هذين النظامين يتفقان معا في قواعد معينة ويختلفان في أمورأخرى: - التقادم المسقط يقضي بسقوط الحقوق الشخصية والعينية على حد سواء إذا أهملها صاحبها مدة معينة حددها القانون، في حين أن نطاق التقادم المكسب محصور في الحقوق العينية التي تمت حيازتها طبقا للقانون دون الحقوق الشخصية.

- التقادم المسقط يقتصر على تثبيت حالة واقعة استمرت مدة معينة من الزمن، أما التقادم المكسب فلا يقتصر على تعزيز الحالة الواقعة، ولكنه يحول الواقع إلى حق؛ وعلى ذلك فالتقادم المكسب لا يكسب الحائز مجرد دفع، بل يعطيه أيضا حق الدعوى، أما التقادم المسقط فهو وسيلة للدفع فحسب، يباشرها المدين عندما توجه الدعوى ضده للمطالبة بالحق.

- يعتد بحسن النية في مجال التقادم المكسب، حيث تكون المدة أطول كلما كان الحائز سيء النية، أما في مجال التقادم المسقط لا يعتد بحسن النية، على اعتبار أن الذي يأخذ بعين الاعتبار هو المدة، حيث تقصرها أو تطيلها التشريعات بحسب طبيعة الحق موضوع التقادم المسقط.

الفقرة الثانية: تمييز التقادم المسقط عن سقوط الحق التقادم المسقط يختلف عن سقوط الحق Déchéance، هذا الأخير الذي عُرِّف على أنه فقدان حق ممارسة الدعوى والذي يمس الشخص نتيجة عدم استعماله داخل الآجل المفروض، الذي يكون قصيرا كقاعدة عامة.

فالذي يجعل هذه المؤسسة تختلف عن التقادم، هو ارتباطها بالنظام العام، مما يجعل مددها غير قابلة للإنقطاع أو التوقف.

يتضح لنا من خلال مفهوم سقوط الحق أنه من الصعب التمييز بينه وبين التقادم المسقط، لذا فإن الفقه اعتبر معيار الغرض الذي سعى إليه المشرع من خلال إقراره لمدد سقوط الحق؛ فإذا كان الهدف هو حماية الأوضاع المستقرة أو غيرها من غايات التقادم التي سنقف عندها في المبحث الثاني، كان الآجل للتقادم؛ أما إذا كانت الغاية من هذه الآجال هو تحديد الوقت الذي ينبغي خلاله استعمال الحق أو الرخصة موضوع الآجل كان هذا الأخير بمثابة آجل مسقط للحق.

ولكي يتضح أكثر الفرق والتمييز بين المفهومين نورد نقط الإختلاف بينهما كالأتي: - التقادم كما سنرى لا يمكن إثارته من طرف القاضي من تلقاء نفسه، وإنما ينبغي أن يتمسك به من قبل الأطراف، أما السقوط فيمكن إثارته من طرف القاضي تلقائيا، حتي ولو لم يتمسك به صاحب المصلحة.

- سقوط الحق لا يتخلف عنه أي التزام طبيعي، أما التقادم فعلى العكس من ذلك يتخلف عنه التزام طبيعي.

- إذا كان الحق المتقادم، والذي لا يصلح أن يكون طلبا، يصلح أن يكون دفعا، مادام أن الدفوع لا تتقادم كقاعدة عامة، فإن الحق الذي لحقه السقوط لا يصلح أن يكون لا طلبا ولا دفعا.

ومن بين الحالات التي اعتبرها المشرع المغربي بمثابة سقوط الحق: - المدد الواردة في قانون المسطرة المدنية أو قانون المحاكم الإدارية أو التجارية، والمتعلقة بممارسة مختلف طرق الطعن؛ - المدة المنصوص عليها في الفصل 297 من ق.

ل.

ع والمتعلقة بانتقال الأشياء المحبوسة في يد الدائن خفية عنه أو برغم معارضته؛ كان لهذا الدائن استردادها خلال ثلاثين يوما تبدأ من وقت علمه بالنقل، وإذا انقضى هذا الأجل، سقط حقه في التتبع.

- المدة المنصوص عليها في الفصل 36 من ق.

ل.

ع والمتمثلة في خمسة عشر يوما؛ يسقط بعد مرورها الإلتزام عن الغير في حالة لم يصدر الإقرار عن هذا الغير خلال المدة المقررة.

الفقرة الثالثة: تمييز التقادم المسقط عن الأجل الفاسخ قد ينقضي الإلتزام في بعض الحالات عن طريق نفاذ مدة محققة، ويسمى هذا الأجل بالأجل المنهي أو الفاسخ.

فالأجل هو أمرمستقبل محقق الوقوع يترتب عليه نفاذ الإلتزام أو انقضاؤه دون أن يكون له أثر رجعي؛ والأجل وفقا لهذا التعريف إما أن يكون واقفا يترتب عليه إرجاء نفاذ الإلتزام، أو أن يكون فاسخا يؤدي إلى انقضاء الإلتزام، ومن ثم فإن الإلتزام المضاف إلى أجل فاسخ ينقضي في وقت حلوله.

لذا يلاحظ أن الأجل الفاسخ يتشابه مع التقادم المسقط في أن كلا منهما يترتب عليه انتهاء الالتزام، إلا أن هناك نقاط اختلاف عديدة بينهما: - ذلك أننا لا نصادف في الأجل فكرة الإهمال أو عدم المطالبة - كما أن التقادم يترتب عنه إنقضاء الإلتزام بدون وفاء، في حين أن الأجل الفاسخ يُفترض فيه وجود إلتزام وقع الوفاء به، فالأجل في الواقع ليس إلا حد زمني للتنفيذ.

المبحث الثاني: أساس التقادم المسقط وكيفية إعماله تثير مسألة التقادم إشكالية رئيسية تتعلق بكيفية إعماله؛ أي هل يجوز للمحكمة إعماله من تلقاء نفسها؟ أم من الضروري لمن له مصلحة فيه التمسك به؟ وهل يمكن التنازل عنه؟ ومتى يمكن ذلك؟ (المطلب الثاني)، غير أنه قبل تناول هذه الإشكالية، لابد من تفسير الأسس التي يقوم عليها التقادم المسقط، وتوضيح الإعتبارات والمبررات التي يستند إليها (المطلب الثاني)، فالتقادم ليس مجرد وسيلة لاغتصاب الحقوق باسم القانون.

المطلب الأول: أساس التقادم المسقط والاعتبارات التي يقوم عليها التقادم المسقط مؤسسة ضرورية لا يمكن الإستغناء عنها، مادام أنها تؤدي إلى حفظ الأمن القانوني وتدعم الإستقرار والسلم الإجتماعي والإقتصادي (الفقرة الثانية)، لكن بالرغم من ذلك فهي تثير اشكالا يتعلق بتبرير الأساس الذي تقوم عليه لكي تُحرم الدائن من حقه بعد مرور مدة من الزمن على سكوته (الفقرة الأولى).

الفقرة الأولى: الأساس الذي يقوم عليه التقادم المسقط يرتبط التقادم بالوقت.

فمرور الوقت ليس له أي آثر قانوني؛ فهو لا ينتج عنه لا اكتساب ولا فقدان الحق، إلا عندما يتكاسل صاحب الحق، فيُكسب هذا الحق للشخص الذي حازه عن طريق التقادم المكسب؛ في حين ينتج عنه فقدان الحق إذا كان هناك تكاسل ممتد للدائن، حيث يخضع في هذه الحالة للتقادم المسقط.

على هذا الأساس، ثارت عدة تساؤلات حول التقادم المسقط هل هو قرينة للوفاء باعتبار أنه يقوم على افتراض أن الدائن إستوفى حقه خلال المدة التي حددها له المشرع، فليس من المعقول أن يظل الدائن ساكتا عن المطالبة بحقه مالم يستوفي دينه.

وهو المبرر الذي اعتمده القضاء المغربي في بعض قراراته؛ ففي قرار لمحكمة الإستئناف التجارية بالدار البيضاء بتاريخ 1 يونيو 2000، ذهبت هذه الأخيرة إلى أن "التقادم القصير الأمد مبني على قرينة الوفاء".

إلا أن هذه القرينة تعرضت لعدة إنتقادات على أساس أن المدين لا يقوم دائما بالوفاء، وعلى ذلك فإن القانون يُجيز للمدين التمسك بالدفع بالتقادم لإسقاط دعوى المطالبة بالدين المرفوعة من الدائن، حتى في الحالة التي لا يقوم فيها بالوفاء بالتزامه، لذلك يمكن القول بأن قرينة الوفاء غير نافعة ولا تصلح لاعتبارها سببا للتقادم.

ذهب اتجاه آخر إلى القول بأن أساس التقادم يقوم على قرينة الإبراء؛ يفترض فيها أن الدائن تنازل عن حقه للمدين، كما جاء في التشريع اللبناني وتحديدا في المادة 360 من قانون الموجبات والعقود: " مرور الزمن يعد بمثابة برهان على إبراء ذمة المدين.

.

.

".

هذا الاتجاه أيضا تعرض للانتقاد لكونه يخالف القاعدة القانونية التي تقرر أن "النزول على الحق لا يُفترض"، فالتقادم المسقط إذن لا يقوم على قرينة الوفاء ولا على الإبراء، بل يقوم على أساس وجوب احترام الأوضاع المستقرة والحفاظ على الطمأنينة التي سيطرت على العلاقة القانونية لمدة من الزمن.

ويمكن أيضا اعتبار قرينة الاهمال وتقاعس الدائن أساسا لتقرير التقادم، فيكون جزاء هذا الدائن تلاشي حقوقه مع مرور الزمن.

الفقرة الثانية: الإعتبارات التي يقوم عليها التقادم المسقط يرتكز التقادم المسقط على اعتبار المصلحة العامة، لكونه يدخل السلم للعلاقات الاجتماعية بإزالته للإضطرابات والاهتزازت التي يمكن أن تتسبب فيها الدعاوى المتأخرة.

فالرغبة في استقرار المعاملات والتيسير على المدين يتطلب وضع حد للمطالبة بالحق، إذا كان قد مضى على استحقاقه زمن طويل ولم يطالب به الدائن.

كما أن خطر ضياع الأدلة وهاجس حماية مجال الأعمال تبرر عدم بقاء الدعوى مفتوحة إلى ما لا نهاية، وذلك لتعزيز الثقة بين المتعاقدين وعدم المساس بما عمل الوقت على تقويته وتعضيده.

من المبررات أيضا التي تم الإستناد عليها الجزاء في مواجهة الدائن المهمل للمطالبة بحقه مدة طويلة، لأن سكوته يدل على تقاعسه، فلا داعي إذن لإرهاق المدين ووضعه تحت رحمة الدائن إلى أجل غير مسمى، كما أن احتمال تراكم الديون القديمة على المدين تهدد وضعه.

وقد تكون هذه المبررات وغيرها، هي التي دفعت معظم التشريعات إلى الاعتداد بالتقادم وتنظيمه؛ وهذا ما سار عليه المشرع المغربي هو الآخر، الذي تناوله في القسم الخاص بانقضاء الإلتزامات.

المطلب الثاني: التمسك بالتقادم المسقط والتنازل عنه نظم المشرع المغربي التقادم في الباب السابع من القسم الخاص بانقضاء الإلتزامات في الفصول من 371 إلى 392 من ق.

ل.

ع.

ومن بين الأحكام الأساسية التي تناولها، كيفية إعماله والتمسك به (الفقرة الأولى)، إذ أنه ليس من المسائل المتعلقة بالنظام العام، لذا أجاز التنازل عنه بعد ثبوت الحق فيه (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: التمسك بالتقادم المسقط التقادم ينبغي إثارته ممن له المصلحة فيه؛ ومن ثم، لا يحق للمحكمة أن تثيره من تلقاء نفسها، مالم يدفع به المدين، مستندا في ذلك إلى ضميره ووجدانه؛ وهذا ما أكد عليه المشرع المغربي في الفصل 372 من ق.

ل.

ع، حيث جاء فيه أن: "التقادم لا يسقط الدعوى بقوة القانون، بل لابد لمن له مصلحة فيه أن يحتج به.

وليس للقاضي أن يستند إلى التقادم من تلقاء نفسه.

" وبالتالي فالتقادم المسقط ليس من النظام العام ولا يتوجب على المحكمة إثارته من تلقاء نفسها.

وهذا ما أكد عليه القضاء المغربي؛ ففي قرار لمحكمة النقض صادر بتاريخ 25 مارس 2014، جاء فيه بأن "التقادم لا يسقط الدعوى بقوة القانون ولمن له المصلحة أن يحتج به، وليس للمحكمة أن تستند إلى التقادم من تلقاء نفسها وفقا لما يقضي به الفصل 372 من قانون الإلتزامات والعقود، ولذلك فالتقادم ليس من النظام العام وعلى من يريد التمسك به أن يثيره أمام قضاة الموضوع.

.

.

".

من جهة ثانية، فقد ذهب القضاء المغربي إلى أن الدفع بالتقادم هو دفع موضوعي؛ عالجته القوانين الموضوعية ولا علاقة له بقواعد الشكل، ومن ثم فإنه يحق لمن له المصلحة في إثارته أن يتمسك به في جميع مراحل الدعوى.

كما جاء في قرار لمحكمة النقض المغربية بتاريخ 20 يونيو 1995 بأن "الدفع بتقادم الكراء دفع موضوعي يتمسك به في كل مراحل الدعوى.

اعتبار المحكمة الدفع بالتقادم دفعا شكليا يجب أن يثار قبل كل دفع في الموضوع اعتبار خاطئ يعرض قرارها للنقض".

وبالرجوع لمقتضيات الفصل 374 من ق.

ل.

ع الذي جاء فيه أنه " يسوغ للدائن ولكل شخص آخر له مصلحة في التمسك بالتقادم، كالكفيل، أن يتمسك به ولو تنازل عنه المدين الأصلي.

" نجد أن المشرع المغربي وسع من دائرة الأشخاص الذين يحق لهم التمسك بالتقادم.

فعلاوة عن المدين وخلفه العام والخاص يستطيع الكفيل أن يتمسك بتقادم الدين المكفول، وللمدين المتضامن التمسك بالتقادم لصالح مدين آخر متضامن معه، كما يمكن لدائني المدين التمسك بالتقادم نيابة عنه الفقرة الثانية: التنازل عن التقادم المسقط إذا كان التمسك بالتقادم المسقط واجبا لكي تأخذ به المحكمة، فهل وبمفهوم المخالفة يجوز لكل ذي مصلحة التنازل عنه؟ أو بمعنى آخر متى يمكن للمدين التنازل عن التقادم؟ تناول المشرع المغربي هذه الإشكالية في مقتضيات الفصل 373 من ق.

ل.

ع، التي جاء فيها بأنه " لا يسوغ التنازل مقدما عن التقادم، ولكن يسوغ التنازل عنه بعد حصوله.

" وتنبغي الإشارة إلى أن النص الفرنسي تضمن فقرة ثانية، سقطت من النص العربي أثناء ترجمته؛ وبذلك يمكن صياغة الفصل 373 أعلاه كالآتي: "لا يسوغ التنازل مقدما عن التقادم، ولكن يسوغ التنازل عنه بعد حصوله.

ومن ليست له أهلية التبرع ليس له ترك الحق الحاصل من التقادم".

وبالتالي فقد لخص هذا النص أحكام التنازل عن التقادم فأقر بعدم جوازه مقدما قبل ثبوت الحق فيه، وذلك بالنسبة لجميع أنواع التقادم، وأيا كانت طبيعته ومدته.

ويكون التقادم حاصلا بعد إكتمال مدته، فيستطيع المدين حينئذ التنازل عنه لأنه لا يكون واقعا تحت ضغط الدائن، لذلك عدم جواز التنازل عن التقادم قبل حصوله راجع لرغبة المشرع في حماية المدين.

والتنازل عن التقادم قد يكون بالكتابة أو الإقرار أو بالبينة كما أنه قد يكون صريحا أو ضمنيا يستخلص من وقائع الدعوى ومن الظروف والملابسات المحيطة بها.

في الأخير لابد من الإشارة إلى أن المشرع منع أيضا الإتفاق على تعديل مدة التقادم، وذلك بمنع إطالتها، فقد جاء في الفصل 375 من ق.

ل.

ع بأنه " لا يسوغ للمتعاقدين، بمقتضى اتفاقات خاصة، تمديد أجل التقادم إلى أكثر من الخمس عشرة سنة التي يحددها القانون.

" فالمشرع هنا تناول فقط منع إطالة مدة التقادم دون أن يشير إلى الإتفاقات الهادفة إلى تقصير هذه المدة؛ مما يوحي بأن المشرع المغربي أقر بشكل ضمني، عن طريق مفهوم المخالفة، إمكانية السماح بالاتفاقات المقصرة لمدة التقادم.

وبالرغم من إشارة المشرع هنا إلى منع تمديد التقادم الطويل فقط، دون أن يتعرض لباقي صور التقادم الأخرى، غير أن الفقه مجمع على أن هذا التخصيص لا يمنع من تطبيق مقتضيات هذا الفصل على جميع أنواع التقادم، مادام أن الإتفاق على إطالة مدة التقادم بشكل مسبق يحمل في كنهه معنى التنازل مقدما عن التقادم، وهو ما يعتبر تعارضا واضحا مع أحكام الفصل 373 الذي أشرنا إليه سابقا.

الفصل الثاني: النظام القانوني للتقادم المسقط يخضع التقادم المسقط في نظامه إلى العديد من القواعد والأحكام التي تنظمه وتضبطه، من أهمها الأحكام المنظمة لكيفية حساب مدد التقادم؛ كتعيين مختلف الحقوق التي تتقادم والحقوق التي لا تقبل التقادم ولا يجيز النظام العام التعامل فيها كالنفقة والصداق، وتحديد تاريخ انطلاق حساب آجل التقادم وقطعة ووقفه (المبحث الأول)، ومن ثم تحديد آجال تقادم مختلف الحقوق، هذه الآجال التي عرفت تطورا مهما؛ فمن سلطة مطلقة للقضاء، إلى سلطة ضيقة لصالح التشريع الذي حددها بدقة، وحدد آثار انقضائها (المبحث الثاني).

المبحث الأول: حساب مدة التقادم والإجراءات الواقفة والقاطعة له لابد أن نشير أولا إلى أن التقادم المسقط لا يشمل الحقوق التي لا يجيز النظام العام التعامل فيها كنفقة الأطفال مثلا.

لذلك سنقوم بدراسة الأحكام القانونية التي تنظم كيفية حساب مدد التقادم المسقط بالنسبة للحقوق التي يشملها التقادم المسقط وبدء سريانها (المطلب الأول)، مع مراعاة أحكام الوقف والإنقطاع (المطلب الثاني).

المطلب الأول: كيفية حساب مدة التقادم وبدء سريانه قبل أن نتطرق إلى معالجة أحكام تاريخ إنطلاق حساب أجل التقادم (الفقرة الثانية) لابد أن نشير أولا إلى مسألة أساسية تتعلق بكيفية احتساب مدة التقادم (الفقرة الأولى).

الفقرة الأولى: كيفية حساب مدة التقادم تعرض المشرع المغربي بشكل صريح إلى مسألة حساب مدة التقادم في الفصل 386 من قانون الإلتزامات و العقود، حيث نص على انه "يحسب التقادم بالأيام الكاملة لا بالساعات، ولا يحسب اليوم الذي يبدأ التقادم منه في الزمن اللازم لتمامه.

ويتم التقادم بانتهاء اليوم الأخير من الأجل.

".

فحساب مدة التقادم إذن تخضع إلى العديد من القواعد العامة المقتبسة من الواقع العملي ومن المادة أعلاه، والتي يخضع لها حساب المدد أيا كانت، سواء تعلقت بمدد التقادم المسقط أو المكسب أو بمواعيد سقوط أو مواعيد المرافعات.

ومن هذه القواعد: · أن المدة تحسب بالأيام لا بالساعات، ومن هنا كانت القاعدة التي تقضى بأن اليوم الذي يبدأ منه سريان التقادم والذي يعتبر نقطة البداية لا يدخل في الحساب، بل يبدأ الحساب من اليوم الذي يليه، وبالمقابل فأن المدة لا تكتمل إلا بانقضاء اليوم الأخير منها أي بانتهاء اليوم الأخير من الاجل القانوني.

· عند احتساب مدة التقادم فأنه لا يعتد بعدد أيام الشهور أو عدد أيام السنين التي تقع خلال مدة التقادم، إذ أن التقادم يحتسب من تاريخ معين دون الاعتداد بعدد الأيام الفعلية التي تقع خلال هذه المدة .

فإذا كانت مدة التقادم مثلا ثلاث سنوات وبدء فى السريان من يوم محدد وليكن 27/12/1990 مثلا فأن مدته تكتمل بانقضاء اللحظة الأخيرة من اليوم المناظر له بعد ثلاث سنوات أي 27/12/1993، دون أن نضع في الإعتبار عدد أيام السنوات التي وقعت خلال هذه المدة .

· من المتفق عليه في الفقه والقضاء انه إذا صادف اليوم الأخير من أيام التقادم يوم عطلة أو عيد، فإن مدة التقادم تمتد إلى اليوم التالي أو إلى أول يوم يستطيع فيه الدائن أن يتخذ الإجراء القانوني القاطع لهذا التقادم، وهو ما يبرر اعتبارهذا الأمر من قبيل القوة القاهرة التي توقف سريان التقادم لحين زوالها .

· عند حساب مدة التقادم تضاف مدة الخلف إلى مدة سلفه، فإذا سكت الدائن عن المطالبة بحقه لمدة معينة ثم انتقل الحق إلى خلفه العام بالميراث أو إلى خلفه الخاص بحوالة حق، فلا يتبقى أمام الخلف إلا المدة المتبقية لاكتمال مدة التقادم ذلك لأن مدة الخلف قد ضمت إلى مدة السلف.

الفقرة الثانية: وقت بدء سريان التقادم تطرق المشرع المغربي في قانون الإلتزامات والعقود إلى مبدأ عام لانطلاق حساب التقادم ثم أورد في نصوص متفرقة حالات أخرى تعتبر بمثابة استثناءات على المبدأ العام.

فالقاعدة العامة تقضي بأن بدء سريان التقادم يكون من يوم اكتساب الدائن للحق؛ وهذا ما تؤكده مقتضيات الفصل 380 من ق.

ل.

ع حيث جاء فيه بأنه: "لا يسري التقادم بالنسبة للحقوق إلا من يوم اكتسابها، وبناء على ذلك لا يكون للتقادم محل: - بالنسبة إلى الحقوق المعلقة على شرط، حتى يتحقق الشرط؛ - بالنسبة لدعوى الضمان إلى أن يحصل الاستحقاق أو يتحقق الفعل الموجب للضمان؛ - بالنسبة إلى كل دعوى تتوقف مباشرتها على أجل إلى أن يحل ذلك الأجل؛ - ضد الغائبين إلى أن يثبت غيابهم ويعين نائب قانوني عنهم ويعتبر في حكم الغائب من يوجد بعيدا عن المكان الذي يتم فيه التقادم؛ - إذا وجد الدائن بالفعل في ظروف تجعل من المستحيل عليه المطالبة بحقوقه خلال الأجل المقرر للتقادم.

" إضافة لذلك، أورد المشرع المغربي في حالات أخرى استثناءات على القاعدة العامة أعلاه، فجعل تاريخ بدء سريان التقادم إما سابقا ليوم اكتساب الحق أو مقدما على هذا التاريخ.

فمن قبيل النوع الأول، الأحكام المتعلقة بعيوب الرضا؛ حيث جاء في الفصل 312 من ق.

ل.

ع بأنه " لا يبدأ سريان مدة التقادم المذكورة في حالة الإكراه إلا من يوم زواله ولا في حالة الغلط والتدليس إلا من يوم اكتشافهما.

أما بالنسبة إلى التصرفات المبرمة من القاصرين فمن يوم بلوغهم سن الرشد، وبالنسبة إلى التصرفات المبرمة من المحجر عليهم وناقصي الأهلية فمن يوم رفع الحَجْر عنهم، أو من يوم وفاتهم فيما يتعلق بورثتهم إذا مات ناقصو الأهلية وهم على هذه الحالة.

وفي حالة الغَبْن المتعلق بالراشدين فمن يوم وضع اليد على الشيء محل العقد.

" أما النوع الثاني الذي يجعل منه المشرع تاريخ بدء سريان التقادم يتم قبل اكتساب الحق، فيمكن أن نستشهد بمقتضيات الفصل 376 من ق.

ل.

ع الذي جاء فيه ما يلي: "التقادم يسقط الدعاوى المتعلقة بالالتزامات التبعية في نفس الوقت الذي يسقط فيه الدعوى المتعلقة بالالتزام الأصلي، ولو كان الزمن المحدد لتقادم الالتزامات التبعية لم ينقض بعد.

" المطلب الثاني: الإجراءات الواقفة والقاطعة للتقادم هناك فرق واضح بين وقف التقادم وقطع التقادم؛ ذلك أن هذا الأخير لا يدخل في حسابه إلا المدة اللاحقة لزوال سبب القطع، في حين أن وقف التقادم لا يؤدي إلى محو المدة السابقة.

ولكي يتضح الفرق بينهما سنعالج النقط القانونية المرتبطة بوقف التقادم في الفقرة الأولى على أن نتناول قطع التقادم في فقرة ثانية.

الفقرة الأولى: وقف التقادم يقصد بوقف التقادم تعطل سريان احتساب التقادم خلال مدة معينة، وذلك نتيجة أحد الموانع التي يتعذر معها على الدائن أن يطالب بحقه، على أن يستمر احتساب مدة التقادم متى زال هذا المانع، دون احتساب المدة التي توقف فيها عن السريان.

بمعنى، أن وقف التقادم يفترض كون هذا الأخير قد بدأ سريانه بالنسبة لحق معين ثم وجد مانع ما، يجعل مطالبة الدائن بحقه أمرا متعذرا في ظل وجود هذا المانع.

ومن ثم، يقف سريان مدة التقادم طوال فترة وجود المانع، ومتى زال المانع عادت مدة التقادم إلى السريان.

وتستند مبررات وقف التقادم في الرغبة في حماية الدائن الذي لا يستطيع المطالبة القضائية بحقه، بالنظر لوجود مانع قاهر، وليس نتيجة إهماله لأن الدائن المهمل يستفاد من سكوته قرينة الوفاء أو التنازل عن حقه.

أما بالنسبة لأسباب وقف التقادم فإن المشرع المغربي وبمقتضى الفصلين 378 و379 من ق.

ل.

ع، نص على أنه لا محل لأي تقادم: - بين الأزواج خلال مدة الزواج ؛ - بين الأب أو الأم وأولادهما؛ - بين ناقص الأهلية أو الحُبُس أو غيره من الأشخاص المعنوية والوصي أو المقدم أو المدير مادامت ولايتهم قائمة ولم يقدموا حساباتهم النهائية؛ - وأنه لا يسري التقادم ضد القاصرين غير المرشدين وناقصي الأهلية الآخرين إذا لم يكن لهم وصي أو مساعد قضائي أو مقدم، وذلك إلى ما بعد بلوغهم سن الرشد أو ترشيدهم أو تعيين نائب قانوني لهم.

كما أن المشرع نص على حالات أخرى بمقتضى نصوص خاصة؛ لعل من أهمها ما ورد في المادة 38 من مدونة التأمينات، التي جعلت التقادم يتوقف بتعيين خبراء على إثر حادث، إضافة إلى الأسباب العادية.

وبالرجوع إلى بعض التشريعات المقارنة نجدها لم تجعل أسباب وقف التقادم على سبيل الحصر، بل اعتبرت كل ما يؤدي إلى جعل مطالبة الدائن بحقه أمرا معذرا، سبب من أسباب وقف التقادم، ويبقى للقاضي سلطة تقدير ما إذا كان المانع الذي يتمسك به الدائن قد تحقق فيه سبب من أسباب وقف التقادم.

الفقرة الثانية: انقطاع التقادم بخلاف وقف التقادم، فإن القطع ينتج عن تصرف للدائن أو المدين، والذي يكون هدفه محو الوقت الذي مر بشكل مسبق.

وبالتالي فإن المقصود بقطع التقادم هو الإجراء الذي يقوم به الدائن أو المدين والذي يؤدي إلى زوال أثر المدة التي مضت منذ أن بدأ التقادم إلى تاريخ تحقق سبب انقطاعه؛ حيث تعتبر هذه المدة كأنها لم تكن، ثم تبدأ مدة تقادم جديدة بعد زوال السبب الذي أدى إلى قطع التقادم.

بناء على ما سبق يتضح لنا الفرق بين وقف التقادم وقطعه، ذلك أن هذا الأخيرلا يدخل في حسابه إلا المدة اللاحقة لزوال سبب القطع، وقد نص المشرع المغربي على هذا الآثر بشكل صريح في الفصل 383 من ق.

ل.

ع الذي جاء فيه بأنه: "إذا انقطع التقادم بوجه صحيح، لا يحسب في مدة التقادم الزمن السابق لحصول ما أدى إلى انقطاعه، وتبدأ مدة جديدة للتقادم من وقت انتهاء الأثر المترتب على سبب الانقطاع.

".

أما بالنسبة للأسباب التي ينقطع بها التقادم، فقد تناولها المشرع المغربي بمقتضى الفصلين 381 و382 من ق.

ل.

ع.

حيث يمكن تلخيصها فيما يلي: - بكل مطالبة قضائية أو غير قضائية يكون لها تاريخ ثابت ومن شأنها أن تجعل المدين في حالة مَطْـل لتنفيذ التزامه، ولو رفعت أمام قاض غير مختص، أو قضي ببطلانها لعيب في الشكل؛ - بطلب قبول الدين في تفليسة المدين؛ - بكل إجراء تحفظي أو تنفيذي يباشر على أموال المدين أو بكل طلب يقدم للحصول على الإذن في مباشرة هذه الإجراءات؛ - بكل أمر يعترف المدين بمقتضاه بحق من بدأ التقادم يسري ضده، كما إذا جرى حساب عن الدين أو أدى المدين قسطا منه وكان هذا الأداء ناتجا عن سند ثابت التاريخ، أو طلب أجلا للوفاء، أو قدم كفيلا أو أي ضمان آخر، أو دفع بالتمسك بالمُقاصة عند مطالبة الدائن له بالدين.

المبحث الثاني: آثار التقادم المسقط وآجاله في التشريع المغربي كما بينا في الفصل الأول فالتقادم في المسائل المدنية غير متعلق بالنظام العام، لذا يجب على من له مصلحة فيه التمسك به أمام المحكمة، لكي يرتب آثاره القانونية، هذه الأخيرة التي سنتناولها بالدراسة في المطلب الثاني، لكن قبل ذلك لابد من استعراض مختلف الآجال التي حددها المشرع المغربي لمختلف المسائل المدنية في المطلب الأول.

المطلب الأول: آجال التقادم المسقط في القانون المغربي من خلال مراجعة أحكام التقادم، يظهر أن مدد التقادم تختلف من مجال لآخر، بل حتى داخل المجال المدني نجد المشرع وضع قاعدة عامة (الفقرة الأولى)، ثم تطرق لمجموعة من الحالات الخاصة (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: القاعدة العامة لآجال التقادم من خلال مراجعة أحكام الفصل 387 من ق.

ل.

ع يظهر أن المشرع حدد خمسة عشر سنة للتقادم المسقط كقاعدة عامة، حيث جاء في هذا الفصل أن: " كل الدعاوى الناشئة عن الالتزام تتقادم بخمس عشرة سنة، فيما عدا الاستثناءات الواردة فيما بعد، والاستثناءات التي يقضي بها القانون في حالات خاصة.

" وبالتالي فإن جميع أنواع الدعاوى سواء أكانت عينية أو شخصية ما دام أن المشرع لم يخصص لها أجلا استثنائيا، تتقادم بمرور خمسة عشر سنة.

وغالبا ما تكون الإستثناءات تتقادم بآجال قصيرة جدا بالمقارنة مع القاعدة العامة.

لذا فإن القاعدة العامة لآجال التقادم واضح أنه أجل طويل جدا، يتنافى مع الحاجة المتزايدة في عصرنا هذا للسرعة وهاجس اقتصاد المال، إضافة إلى سرعة زوال الدعامات المعلوماتية، وضرورة التنافسية العالمية.

لاسيما في ظل التعديلات التي أقبلت عليها العديد من التشريعات المقارنة، كالقانون الألماني منذ سنة 2001 والذي حددها في ثلاث سنوات والقانون السويسري في عشر سنوات والقانون البريطاني في ست سنوات، ثم القانون الفرنسي في خمس سنوات منذ 2008.

مما يعني أن المشرع المغربي ملزم بتقليص هذه المدة، بالنظر للتحولات الاجتماعية والإقتصادية والثقافية التي عرفتها المجتمعات في العقود الأخيرة.

وذلك بالرغم من تنصيصه على العديد من الحالات الخاصة، كما سنرى في الفقرة الموالية.

الفقرة الثانية: الإستثناءات على القاعدة العامة لآجال التقادم تناول المشرع المغربي أغلب آجال تقادم المسائل المدنية في ق.

ل.

ع في الفصول من 388 إلى 392 وفي أماكن متفرقة من قبيل تقادم المسؤولية التقصيرية وتقادم الإبطال وغيرها، كما أن هناك آجال أخرى منصوص عليها في نصوص قانونية خاصة كقانون تعويض المصابين في الحوادث التي تسببت فيها عربات برية ذات محرك.

وأهم ملاحظة يمكن استنتاجها من استقراء مختلف هذه الحالات، هي أن بعض الإلتزامات تتقادم بمرور خمس سنوات (أولا)، وهناك التي تتقادم بمرور سنتين (ثانيا)، كما أن هناك العديد من الدعاوى تتقادم بسنة (ثالثا)، وهناك حالات خاصة لبعض أنواع الدعاوى التي تتقادم في آجال مختلفة (رابع).

أولا: التقادم الخمسي جعل المشرع المغربي العديد من الإلتزامات تتقادم بمرور خمس سنوات، لعل من أهمها: - دعوى التجار والموردين وأرباب المصانع بسبب التوريدات التي يقدمونها لغيرهم من التجار أو الموردين أو أرباب المصانع من أجل حاجات مهنهم (الفقرة الأولى من الفصل 388 من ق.

ل.

ع)، وهي نفس المدة المنصوص عليها في المادة الخامسة من مدونة التجارة.

- جميع الدعاوى بين الشركاء بعضهم مع بعض أو بينهم وبين الغير بسبب الالتزامات الناشئة عن عقد الشركة، ابتداء من يوم نشر سند حل الشركة، أو من يوم نشر انفصال الشريك عنها .

وإذا كان حق دائن الشركة لا يحل أجله إلا بعد النشر فإن التقادم لا يبدأ إلا بعد هذا الحلول .

وذلك كله دون إخلال بما يقرره القانون من تقادم أقصر في موضوع الشركة (الفصل 392 من ق.

ل.

ع).

- الحقوق الدورية والمعاشات وأكرية الأراضي والمباني والفوائد وغيرها من الأداءات المماثلة تتقادم في مواجهة أي شخص كان بخمس سنوات ابتداء من حلول كل قسط (الفصل 391 من ق.

ل.

ع).

- طلب التعويض الذي يقدمه المصاب أو المستحقون من ذويه إلى مؤسسة التأمين المعنية ابتداء من تاريخ تقرير الخبرة المثبت فيه استقرار جراح المصاب وإما تاريخ وفاة المصاب (الفقرة الأولى من المادة 23 من ظهير 2 أكتوبر 1984).

ثانيا: التقادم الذي يحصل بمرور سنتين أما الإلتزامات التي تتقادم بمرور سنتين فمن أهمها: - دعوى الأطباء والجراحين والمولدين وأطباء الأسنان والبياطرة من أجل ما يقومون به من زيارات ويؤدونه من عمليات، وكذلك من أجل ما يوردونه من أشياء وما يقدمونه من نقود ابتداء من تاريخ حصوله؛ - دعوى الصيادلة من أجل الأدوية التي يوردونها، ابتداء من تاريخ توريدها؛ - دعوى المؤسسات الخاصة أو العامة المخصصة لعلاج الأمراض البدنية أو العقلية أو لرعاية المرضى، من أجل العلاج المقدم منها لمرضاها والتوريدات والمصروفات الحاصلة منها لهم، ابتداء من تاريخ تقديم العلاج أو حصول التوريدات؛ - دعوى المهندسين المعماريين وغيرهم من المهندسين والخبراء والمساحين من أجل مواصفاتهم أو عملياتهم والمصروفات المقدمة منهم ابتداء من تاريخ تقديم المواصفة أو إتمام العمليات أو إجراء المصروفات؛ - دعوى التجار والموردين وأرباب المصانع من أجل التوريدات المقدمة منهم للأفراد لاستعمالهم الخاص؛ - دعوى الفلاحين ومنتجي المواد الأولية من أجل التوريدات المقدمة منهم، إذا كانت قد استخدمت في الأغراض المنزلية للمدين، وذلك ابتداء من يوم وقوع التوريدات (الفصل 388 من ق.

ل.

ع).

ثالثا: التقادم الحولي كما جعل المشرع المغربي العديد من الدعاوى تتقادم بسنة، لعل من أهمها: - دعوى المعلمين والأساتذة وأصحاب المؤسسات المخصصة لإقامة التلاميذ العامة منها والخاصة، من أجل أتعابهم المستحقة على تلاميذهم وكذلك من أجل التوريدات المقدمة منهم إليهم، وذلك ابتداء من حلول الأجل المحدد لدفع أتعابهم؛ - دعوى الخدم من أجل أجورهم وما قاموا به من مصروفات وغير ذلك من الأداءات المستحقة لهم بمقتضى عقد إجارة العمل، وكذلك دعوى المخدومين ضد خدامهم من أجل المبالغ التي يسبقونها لهم على أساس تلك الرابطة؛ - دعوى العمال والمستخدمين والمتعلمين والمتجولين ومندوبي التجارة والصناعة، من أجل رواتبهم وعمولاتهم، وما أدوه من مصروفات بسبب وظائفهم، وما يستحقونه من عطلة سنوية مؤدى عنها أو ما يعوضها وذلك عن السنة الجارية وعند ثبوت الحق في عطل مجتمعة، عن السنة أو السنتين الماضيتين؛ - دعوى أرباب الحرف من أجل توريداتهم ومياوماتهم وما أنفقوه بسبب خدماتهم؛ - دعوى المخدوم أو رب العمل من أجل المبالغ المسبقة للعمال والمستخدمين والمتعلمين والمتجولين والمندوبين من أجورهم أو عمولاتهم أو المبالغ التي أنفقوها بسبب خدماتهم؛ - دعوى أصحاب الفنادق والمطاعم، من أجل الإقامة والطعام وما يصرفونه لحساب زبنائهم؛ - دعوى مكري المنقولات من أجل أجرتها (الفصل 388 من ق.

ل.

ع).

- دعوى وكلاء الخصومة، من أجل الأتعاب، والمبالغ التي يصرفونها وذلك ابتداء من الحكم النهائي أو من عزلهم من الوكالة.

- دعوى الوسطاء من أجل استيفاء السمسرة، ابتداء من إبرام الصفقة؛ - الدعاوى التي تثبت من أجل العوار والضياع والتأخير وغيرها من الدعاوى التي يمكن أن تنشأ عن عقد النقل، سواء أكانت ضد الناقل أو الوكيل بالعمولة أو ضد المرسل أو المرسل إليه، وكذلك الدعاوى التي تنشأ بمناسبة عقد النقل (الفصل 389 من ق.

ل.

ع).

رابعا: التقادم بمرور آجال مختلفة من جهة أخرى، فقد خصص المشرع المغربي لبعض أنواع الدعاوى آجالا مختلفة، من ذلك ما جاء في الفصل 106 من ق.

ل.

ع المتعلق بالمسؤولية التقصيرية، حيث وضع لها ثلاثة آجال، أحدهما طويل يصل إلى عشرين سنة والآخر قصير حدده في خمس سنوات والثالث أضافه المشرع بمقتضى التعديل الأخير والذي يصل إلى خمسة عشر سنة.

فقد نص هذا الفصل على أن: " إن دعوى التعويض من جراء جريمة أو شبه جريمة تتقادم بمضي خمس سنوات، باستثناء دعوى التعويض من جراء الأضرار الناجمة عن انفجارالألغام فإنها تتقادم بمضي خمس عشرة سنة، وتبتدئ الآجال المذكورة من الوقت الذي بلغ فيه إلى علم الفريق المتضرر الضرر ومن هو المسؤول عنه.

وتتقادم في جميع الأحوال بمضي عشرين سنة تبتدئ من وقت حدوث الضرر.

" هناك أيضا العديد من الحالات التي ينص فيها المشرع على مدد مختلفة للتقادم، بمقتضى نصوص خاصة، كما هو الشأن بالنسبة للحالة المنصوص عليها في الفصل 85 مكرر من ق.

ل.

ع.

حيث جعل المشرع مدة تقادم دعوى المسؤولية المدنية ثلاث سنوات فقط تبتدئ من يوم ارتكاب الفعل الضار إذا تعلق الأمر بالدولة كمسؤولة عن الضرر حينما تحل محل أشخاص التعليم وموظفي إدارة الشبيبة والرياضة عن الفعل الضار الذي يحدثه بالغير الطفل أو الشاب الذي كان في عهدة ذلك المعلم أو الموظف.

من ذلك أيضا الدعاوى التي تخص المقاولة، حيث تتقادم بمرور عشر سنوات تبتدئ من تاريخ تسلم الأشغال أو المصنوع حسب عبارة الفصل 769 من ق.

ل.

ع.

يمكن الوقوف أيضا عند بعض آجال التقادم التي جاءت في مدونة التجارة خاصة المادة 228 منها، حيث أن جميع الدعاوي الناتجة عن الكمبيالة تتقادم ضد القابل بمضي ثلاث سنوات ابتداء من تاريخ الاستحقاق.

وتتقادم دعاوي المظهرين بعضهم في مواجهة البعض الآخر وضد الساحب بمضي ستة أشهر ابتداء من يوم قيام المظهر برد الكمبيالة أو من يوم رفع الدعوى ضده.

.

.

المطلب الثاني: آثار التقادم المسقط لتحديد مختلف الآثار المترتبة عن التقادم ينبغي التمييز بين مرحلتين أساسيتين؛ الأولى هي التي تسبق التمسك بالتقادم (الفقرة الأولى)، بينما تتمثل الثانية في تلك المرحلة التي تلي التمسك بالتقادم (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: آثار التقادم في المرحلة السابقة عن التمسك به حينما تكتمل مدة التقادم يصبح من حق من له مصلحة فيه التمسك به وليس للقاضي أن يستند إليه من تلقاء نفسه، وقد شرحنا ذلك هذه النقطة في الفصل الأول.

ومن ثم، فإن الإلتزام الذي انتهت مدة تقادمه، لا ينقضي بمجرد انتهاء هذه المدة، وإنما يبقى التزاماً مدنياً لا تتغير طبيعته، إلى غاية أن يتم التمسك بالتقادم من قبل الشخص الذي له مصلحة فيه.

ويترتب على ذلك صحة الوفاء به ولو كان الموفي جاهلاً اكتمال مدة التقادم، وصحت كفالته وجازت المقاصة به، ولا يمكن المطالبة باسترداد ما دفع، تحت مبرر أن التزامه انقضى بالتقادم وأن ما دفعه يدخل في نطاق دفع غير المستحق؛ وقد تطرق المشرع المغربي لهذه النقطة بكل وضوح، حيث نص الفصل 73 من ق.

ل.

ع على ما يلى: " الدفع الذي يتم تنفيذا لدين سقط بالتقادم أو لالتزام معنوي، لا يخول الاسترداد إذا كان الدافع متمتعا بأهلية التصرف على سبيل التبرع، ولو كان يعتقد عن غلط أنه ملزم بالدفع، أو كان يجهل واقعة التقادم.

" الفقرة الثانية: آثار التقادم في المرحلة الموالية للتمسك به هناك آثرين أساسيين يترتبان عن التمسك بالتقادم من قبل ذي المصلحة فيه، بعد أن تكتمل مدة التقادم القانونية طبعا؛ يتمثلان في انقضاء الإلتزام وسقوط الدعوى الناشئة عنه (أولا)، إضافة إلى تحول الإلتزام المدني الساقط بالتقادم إلى التزام طبيعي (ثانيا) أولا: انقضاء الإلتزام وسقوط الدعوى الناشئة عنه يعتبر انقضاء الإلتزام الآثر الأساسي الذي يترتب عن تمسك المدين بالتقادم، فيسقط الإلتزام وتسقط معه الدعاوى الناشئة عنه، فيُمنع الدائن من مقاضاة المدين من أجل إلزامه بالوفاء؛ وهذا ما نص عليه المشرع من خلال مقتضيات الفصل 371 من ق.

ل.

ع الذي جاء فيه أن " التقادم خلال المدة التي يحددها القانون يسقط الدعوى الناشئة عن الالتزام.

" التمسك بانقضاء مدة التقادم يؤدي كذلك بالإضافة إلى سقوط الإلتزام والدعوى إلى سقوط توابع هذا الإلتزام من كفالة أو رهن أو اختصاص أو امتياز، كذلك يسقط مع الدين ملحقاته كالفوائد، حتى ولو كان الزمن المحدد لتقادم الالتزامات التبعية لم ينقض بعد، كما يتضح لنا من قراءة أحكام الفصل 376 من ق.

ل.

ع الذي نص على ما يلي: " التقادم يسقط الدعاوى المتعلقة بالالتزامات التبعية في نفس الوقت الذي يسقط فيه الدعوى المتعلقة بالالتزام الأصلي، ولو كان الزمن المحدد لتقادم الالتزامات التبعية لم ينقض بعد.

" وتجسيدا لهذه القاعدة، ذهبت المحكمة الإبتدائية بتمارة في حكم لها بتاريخ 9 يوليوز 2015 إلى أن "التقادم خلال المدة التي يحددها القانون يسقط الدعوى الناشئة عن الإلتزام وفق المنصوص عليه بالفصل 371 من قانون الإلتزامات والعقود، كما أنه يؤدي إلى إسقاط الدعوى التابعة لأصل الحق المتقادم.

" يبقى أن نشير إلى أن انقضاء الالتزام بالتقادم وسقوط الدعوى الناشئة عنه، لا يمنع من التمسك بوجوده عن طريق الدفع، لأن الدفع دائم ولا يتقادم؛ وهو التوجه الذي أخذ به المشرع المغربي، والذي يظهر من خلال مراجعة بعض التطبيقات لعل أهمها أحكام الفصل 315 من ق.

ل.

ع.

المتعلق بالإبطال، والذي أكد على أن الدفع بالإبطال لا يخضع للتقادم.

كما أن النصوص القانونية التي وردت في الباب المتعلق بالتقادم، تشير إلى تقادم الدعوى دون الدفع.

ثانيا: تحول الإلتزام المدني الساقط بالتقادم إلى إلتزام طبيعي إذا تمسك المدين بالتقادم سقط الالتزام مدنياً وتخلف عنه التزام طبيعي، يبقى عالقا بذمة المدين لا يمكن التخلص منه إلا بوفاء الإلتزام الذي قطعه على نفسه، ولا يجوز كذلك جبره على الوفاء به.

فالوفاء بالالتزام الطبيعي يبقى فقط أمرا اختياريا من الناحية القانونية، ويعتبر الوفاء الجاري على هذه الصورة صحيحاً ولا يعتبر من قبيل دفع غير المستحق كما بينا ذلك سابقا.

غير أنه في بعض الحالات، لا يترتب أي التزام طبيعي على عاتق المدين؛ كما في الحالة التي يكون فيها المدين قد وفى بالتزامه، إلا أنه يضطر للتمسك بدعوى التقادم، رغبة منه في التخلص من عبء الإثبات، لاسيما بعد مرور الوقت وما يستتبع ذلك من إمكانية اندثار الأدلة المثبتة للوفاء.

الخاتمة من خلال محاولتنا للتعرض بقدر الإمكان لمجمل المسائل المتعلقة بالتقادم المسقط في التشريع المدني المغربي، خلصنا إلى بعض النتائج والملاحظات من بينها: · أن نظام التقادم المسقط ضرورة حتمية للحفاظ على المصلحة العامة للمجتمع؛ فكما يجب وضع حد للمنازعة القضائية في الحقوق بتقرير قوة الأمر المقضي به، كذلك يجب وضع حد للمطالبة بالحقوق وذلك بتقرير مبدأ مرور الزمن.

· أن الهدف الأساسي للتقادم المسقط هو ضمان إستقرار المعاملات والحفاظ على الإطمئنان الذي استقر في النفوس بمرور الوقت، لذلك فإنه لا يتأسس على قرينة الوفاء ولا على قرينة الإبراء أكثر مما يقوم على وجوب احترام الأوضاع المستقرة التي مضى عليها الزمن، وإحاطتها بسياج الثقة.

مادام أن قرينة الإهمال تابثة في جانب الدائن.

· أن أهم مبرر مشروع وعادل يقوم عليه التقادم المسقط هو تحقيق الحماية الواجبة لبعض الأشخاص، كعدم إرهاق المدين وعدم وضعه تحت رحمة دائنه لأجل غير مسمى، مما يضطره إلى الاحتفاظ بسندات الوفاء لأجيال طويلة.

لذلك فالمشرع راع كل هذه الإعتبارات في تنظيم وتحديد آجال التقادم، خاصة الإستثناءات العديدة التي أوردها المشرع المغربي على القاعدة العامة للأجال، والتي تتقادم بمدة أقل.

· كما أن هاجس حماية الأشخاص أوجب على المشرع بأن يأخذ بنظام وقف التقادم وانقطاعه؛ فالقاصر الذي لا يكون له نائب شرعي يعنى بشؤونه، لا يستطيع أن يبادر إلى اتخاذ الإجراءات اللازمة لقطع التقادم.

لذلك عمل المشرع المغربي على تحديد حالات الشخص التي تعتبر سببا من أسباب وقف سريان الزمن نحو التقادم، لتداعي قرينة الإهمال في جانب الدائن.

· أن مؤسسة التقادم ماهي إلا إقرار لحالات واقعية إستقرت فترة طويلة من الزمن، فالأوضاع والمراكز القانونية لا ينبغي أن تظل مضطربة لمدة طويلة بل ينبغي العمل على تحقيق الاستقرار وضمانه من خلال التقادم، إذ لولاه لعمت الفوضى واضطرب العمل في المحاكم، نظرا لوقوف الدعوى على مشيئة الدائن يرفعها وقتما شاء.

لذلك لم يعتبر المشرع المغربي التقادم في المجال المدني من النظام العام، فأجاز التمسك به والتنازل عنه لمن له مصلحة فيه، ولا يمكن للمحكمة أن تقضي به من تلقاء نفسها.

استنادا لكل هذه المبررات قام المشرع المغربي ومختلف التشريعات العالمية باستنباط وتنظيم مؤسسة التقادم القائمة على انقضاء مدة من الزمن تتحول في نهايتها من وضعية قديمة إلى وضعية قانونية مستقرة ونهائية لا تقبل الجدل والنقاش.

What's Your Reaction?

like
0
dislike
0
love
0
funny
0
angry
0
sad
0
wow
0