المسؤولية الجنائية للطبيب عن أخطاء التشخيص
مجموعة بحوث وعروض في القانون الجنائي والمسؤولية الجنائية للطبيب
ومن أجل نجاح التشخيص فإن الطبيب له إمكانية الاستعانة بآراء الأطباء الاختصاصيين في كل حالة يرى بأنها مستعصية كما له أن يأخذ بجميع الطرق العلمية لفحص كإجراء التحاليل، والتصوير بالأشعة، وذلك حرصا على إحاطة عمله بالضمانات اللازمة التي تمكنه في ذلك، فإنه يسأل عن الأضرار المترتبة على خطئه في التشخيص، ومن تم فإن ذلك يعتمد على مقدرته العلمية والطبية وعلى ملاحظته واستنتاجاته، وكذا تجربته في ممارسة العمل الطبي، كما أن الخطأ الذي يقع فيه الطبيب في الغالب الأحيان قد يكون بسبب قصور في ملاحظته وليس بسبب جهله للقواعد المهنية المتعارف عليها في الطب إلا حالات نادرة.
وإذا كان تشخيص المرض يعتمد على مهارة الطبيب وتجربته في العمل الطبي، فإن التشخيص السليم يتطلب الاستعانة بإجراء تحاليل معينة كتحليل الدم أو البول أو أخذ صورة بالأشعة لأجزاء معينة من جسد المريض للقيام بتشخيص نوع المرض وخطورته على حياة وصحة المريض وجب على الطبيب القيام بذلك، وله أن يصف للمريض علاجا مؤقتا لحين ظهور التحاليل والأشعة، أما إذا خالف الطبيب هذه الأعمال الطبية وقام بتشخيص حالة المريض اعتمادا على ما يقوله المريض أو يستنتجه من خلال حالته، فإنه يكون مسؤولا عن الخطأ الذي قد يترتب على هذا التشخيص الخاطئ ومن تم سأل جنائيا على أساس الخطأ غير العمدي سواء ترتب على ذلك القتل أو الإصابة خطأ.
كما أن الطبيب يسأل كلما ارتكب في التشخيص خطأ يدل على الجهل الواضح بالمبادئ والقواعد العلمية في الطب والجراحة المتعارف عليها، وفي هذا الصدد لابد من التمييز بين التشخيص المعقد الذي يجد الطبيب صعوبة في وصف العلاج له وهذا لا يشكل خطأ يثير مسؤوليته، وبين التشخيص الواضح الذي يستوجب من الطبيب تحديده وفي حالة فشله فإنه يسأل عن الخطأ في التشخيص.
وفي هذا الإطار، فإن الطبيب الذي تعرض عليه حالات الإصابة بالمرض الوبائي أنفلونزا الخنازير (H1N1) يجب عليه أن يقوم بمجهود كبير لتشخيص هذه الحالات، اعتمادا على التحاليل المخبرية التي يمكن من خلالها أن يتحدد إصابة المريض بالمرض من عدمة، ونظرا لما يشكله هذا المرض الوبائي من خطر على الصحة العامة حيث أن له سرعة انتشار كبيرة في أي قطر، فانه يكون ملزما بمعرفة طبيعة المرض وعوارضه حتى يكون التشخيص سليم و من تم الوصول الى تحديد الوصفة العلاجية المناسبة، خاصة أن هذا المرض قد أدى الآلاف من الوفيات ومئات من الإصابات بهذا المرض في جميع أنحاء العالم(1)، كما أن المغرب لم يسلم من هذا المرض الوبائي حيث اصبح ينتشر بشكل كبير.
(2) فالطبيب يكون مسؤولا عن أي خطأ طبي يكون ناتجا عن التشخيص و في هذا الصدد صدر قرار صادر عن المجلس الأعلى نص على أن الطبيب يكون مسؤولا عن الخطأ الذي ارتكبه أثناء عملية الولادة، مما يشكل إهمالا يتنافى مع أصول العلمية في علم الطب والجراحة، وتتلخص وقائع هذه القضية في أن سيدة اختارت لها طبيب لتتبع حملها من بدايته إلى غاية الوضع الذي تم في ظروف عادية، إلا أنه على إثر خطأ قام به الطبيب تم استئصال رحمها، وأن ذلك تابت من خلال الملف الطبي للمرأة الحامل الذي يثبت سلامتها من أي إصابة، وأن الطبيب لم يقم بأي تحليل للعضو المستأصل بالإضافة إلى ذلك أنه لم يبلغ أو يخبر المرأة الحامل بطبيعة العملية المجرات لها أي باستئصال الرحم، مما ألحق بها وبزوجها أضرارا تتجلى في حرمانها من الإنجاب (1).
فالخطأ الذي وقع فيه الطبيب يتمثل في عدم إجراء التحاليل اللازمة لإجراء عملية الولادة، مما ترتب عليه ارتكاب خطأ طبي يتجلى في استئصال رحم المرأة الحامل، بالإضافة إلى ذلك عدم إعلام المراة الحامل بأنه قام بإجراء العملية الاستئصال مما يكون الإهمال في حق الطبيب ثابتا لأنه يتنافى مع الأصول العلمية لمهنة الطب ويعرض نفسه للمساءلة الجنائية.
وفي قرار لمحكمة النقض الفرنسية حيث قضت بتبرئة طبيب أخطأ في التشخيص حيث استعبد الإنسداد المعوي الذي تسبب في وفاة المريضة واستندت المحكمة في قرارها ان التشخيص الذي قام به الطبيب معقد بالإضافة إلى عدم وضوح الأعراض الذي أدى إلى صعوبة ملاحظة الانسداد المعوي.
(2) وفي قرار آخر أدانة محكمة النقض الفرنسية طبيبا أخطأ في التشخيص بسبب استعماله طرق لم يعد معترفا بها علميا، وعدم استعماله للمعطيات العلمية الحديثة.
(3) وفي قرار آخر صادر عن محكمة النقض الفرنسية قضى بمسؤولية طبيب عن موت المريض بسبب افتقاره للفكر الناقد وإصراره على اتباع التشخيص الخاطئ لزميله الذي سبقه في فحص المريض وتتمثل وقائع هذه القضية في توجيه طبيب الأمراض العقلية مريض إلى زميل له بعد أن قام بتشخيص المرض على أنه انهيار عصبي Dépréssion – nerotique فترك الطبيب الثاني المريض يموت من جراء توقف جهاز القلب (1).
يتضح من خلال ما سبق، ان الطبيب يسأل عن خطئه في تشخيص حالة المريض، ومن بين الحالات التي يسأل عنها عدم استشارته لأكثر زملائه تخصصا في المسائل الأولية اللازمة، خاصة إذا كان الطبيب رفقه طاقم طبي وكانت طبيعة الحالة المعروضة عليه تستدعي ذلك، ومسألة الخطأ في التشخيص مسألة فنية لا يستطيع القاضي الزجري التحقق منها، إذا يستعين بطبيب خبير أو طبيب شرعي ليعرض له كافة التفاصيل التقنية التي تعود إلى الخطأ الطبي وسببه ومن تم يتبين للمحكمة مدى ثبوت الخطأ الطبي الذي يستوجب المساءلة الجنائية من عدمه(2)، وكما هو واضح فإن المحكمة في قضائها حول قضايا الطب والجراحة فإن ذلك يكون بناء على ما تنجزه الخبرة الطبية من تقارير، ومن تم يتضح جليا بان الخبرة الطبية لها دور مهم في القضايا الطبية والجراحية، وفي المسؤولية الجنائية للطبيب، كلما كانت لها مصداقية وموضوعية كلما ساعدت المحكمة الزجرية على النظر في المسؤولية الطبية، أما إذا كانت محل شك أو لا تتسم بالموضوعية فإن ذلك يكون له أثر على الأحكام الجنائية التي يجب أن تبنى على الجزم واليقين لا على الشك والتخمين(3).