الطبيعة القانونية للشخص الإعتباري
الطبيعة القانونية للشخص الإعتباري
فالشخص الذي يصلح أن يكون طرفا من أطراف الحق هو الكائن ذي الإرادة، وليس هنالك كائن يتمتع بالإرادة الحقيقية سوى الإنسان.
ويعد أصحاب هذا المذهب الإنسان-الشخص الطبيعي- هو الشخص القانوني الوحيد القادر على اكتساب الحقوق وتحمل الالتزامات، والمشرع هو الذي يوجد الشخصية الاعتبارية بمنح هذه الشخصية لمجموعة من الأشخاص أو الأموال.
ويستطيع المشرع أن يحدد مدى هذه الشخصية الاعتبارية ونشاطها وحقوقها وأهليتها، كما يستطيع سحب اعترافه بهذه الشخصية الاعتبارية بعد منحها، وأن يمحوها ويزيلها من الوجود.
وقد وجهت لهذه النظرية عدة انتقادات أهمها : أن الأساس الذي قامت عليه هذه النظرية أساس خاطئ إذ عدت أن الشخص من الوجهة القانونية هو الكائن ذو الإرادة ورفضت بالتالي اعتبار الشخص شخصا حقيقيا لعدم توافر هذه الإرادة، بينما نجد أن عنصر الإرادة ليس ضروريا لاكتساب الشخصية، فالمجنون والصغير متمتعان بالشخصية الكاملة بالرغم من انعدام إرادتهما.
كما وجه انتقادا آخر لهذه النظرية بأنها تبدو غير صحيحة عندما نفسر بها كيف اكتسبت الدولة شخصيتها ، فلا نستطيع أن نقول أن المشرع هو الذي منحها إياها، لأن الدولة تتمتع بهذه الشخصية من قبل أن يوجد المشرع وهذا يناقض ما تراه هذه النظرية.
كما تؤدي هذه النظرية إلى منح الدولة سلطات مطلقة للتحكم في أمر الشخص الاعتباري ، وهذا من شأنه التضييق والحد من انتشار هذا الشخص الذي تزداد أهميته وضرورته دائما وباستمرار في عصرنا الحاضر.
2- نظرية الشخصية الحقيقية: يذهب أصحاب هذه النظرية إلى القول: أن الشخص الاعتباري ليس وهما وافتراضا لا يقوم إلا بإرادة المشرع، وإنما هو حقيقة واقعة تفرض نفسها على المشرع ، بحيث لا يملك إلا أن يعترف بها، وتعد موجودة من تلقاء ذاتها من دون أن ننتظر منه الاعتراف بوجودها، وقد سلك أنصار هذه النظرية في تبريرها مذهبين هما: مذهب الإرادة المشتركة ومذهب المصالح المشتركة.
أ- مذهب الملكية المشتركة: لا تهدف هذه النظرية إلى إيجاد تفسير لطبيعة الشخص الاعتباري وإنما تنفي وجود هذا الشخص من أساسه وتعده مفهوما غير ضروري يمكن الاستغناء عنه.
ويذهب أصحاب هذه النظرية إلى أن فكرة الشخص الاعتباري قد افترضت لكي يمكن أن تسند لهذا الشخص الأموال المخصصة لغرض معين.
وأن فكرة الملكية المشتركة التي يأخذون بها في هذا المجال هي فكرة مختلفة عن الملكية الفردية من جهة، وعن الملكية الشائعة من جهة ثانية، ففي الملكية الفردية يستطيع المالك أن يتصرف بأمواله، وفي الملكية الشائعة يستطيع المالك أيضا أن يتصرف في حصته الشائعة، كما يستطيع أن يطالب بقسمة المال الشائع لإنهاء حالة الشيوع والاستعاضة عنها بالملكية الفردية، أما في الملكية المشتركة فليس لأحد من المالكين شيء من ذلك وقد وجهت عدة انتقادات لهذه النظرية أهمها : - أخطأت هذه النظرية حين اقتصرت في نظرها للشخص الاعتباري على ناحيته المالية فقط، ولم تجد فيه إلا مالكا لمجموعة من الأموال.
- لو فرضنا أنه يمكن الاستعاضة عن فكرة الشخص بفكرة الملكية المشتركة فإن هذه الفكرة الأخيرة ذاتها غامضة وغير واقعية، إذ كيف نستطيع أن نخص أو نحدد الأشخاص المالكين ملكية مشتركة للأموال التي تخصص لغرض معين.
- إن التخلي عن فكرة الشخص والاستعاضة عنها بفكرة الملكية المشتركة يعني التخلي عن جميع المزايا والفوائد التي تبنى على الاعتراف بوجود هذا الشخص.
ب- نظرية المصالح المشتركة: انطلق أنصار هذه النظرية من تعريف للحق يختلف عن تعريف أصحاب المذهب الفردي، فالحق عندهم ليس القدرة الإرادية وإنما هو مصلحة مشروعة يحميها القانون فحيثما توجد مصلحة مشروعة يكون هنالك حق لصاحب هذه المصلحة ويكون صاحب هذه المصلحة ذاته شخصا من الأشخاص باعتباره صاحب حق أو طرفا من أطرافه.
لكن المصالح القائمة في المجتمع ليست كلها مصالح فردية تعود للشخص الطبيعي وإنما هنالك أيضا مصالح مشتركة يحرص على تحقيقها الشخص الاعتباري وهذه المصالح المشتركة هي مصالح خاصة بالشخص الاعتباري ذاته ومتميزة عن مصالح أفراده بل هي قد تخالف مصالحهم أحيانا وتناقضها.
وما دامت هنالك مصالح مشتركة فيتعين أن تكون لمجموعة الأشخاص أو الأموال التي تعود إليها هذه المصالح شخصية مستقلة كشخصية الإنسان التي تقتضيها المصالح الفردية ، وعلى هذا فإن الشخصية الاعتبارية والشخصية الطبيعية ليس بينهما اختلاف لأن كلا منهما تبنى على فكرة المصلحة.
والنتيجة الرئيسية التي تسعى هذه النظرية للوصول إليها هي الاعتراف بوجود الشخصية الاعتبارية بمجرد توافر عناصرها دون أن يتوقف ذلك على إرادة المشرع.
وللشخص الاعتباري سواء عددناه حقيقة واقعة، أم مجرد افتراض قانوني مقومات لا يتم كيانه ووجوده من دونها وهذه المقومات هي: - وجود مجموعة من الأشخاص كما في الجمعيات مثلا، أو مجموعة من الأموال كما في المؤسسات.
- أن يكون لهذه المجموعة من الأشخاص أو الأموال غرض ثابت معين يتكتل حوله أفراد المجموعة، أو ترصد الأموال لتحقيقه، ويجعل من هذه المجموعة وحدة متماسكة تشكل كيانا قائما بذاته.
- أن تكون لهذه المجموعة من الأشخاص أو الأموال تنظيم خاص تعين بموجبه الهيئة أو الهيئات التي تمثلها وتعبر عن إرادتها وتعمل باسمها ولحسابها، ومن دون هذا التنظيم لا تستطيع هذه المجموعة من الأشخاص أو الأموال الدخول في الحياة القانونية، وإجراء التصرفات القانونية بصورة مستقلة.